يواصل الأسقف غريغوريوس كلامه فيقول: ■ (إن الله واحد، ليس آخر سواه) «مرقس 12:32». ■ (كيف يمكنكم أن تؤمنوا وأنتم تقبلون المجد بعضكم من بعض وأما المجد الذى من الله الواحد وحده، فلا تبتغونه) «يوحنا 5:44». ■ (وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك) «يوحنا 17:3». ■ (لأن الله واحد) «رومية 3:30». ■ (للجميع رب واحد) «رومية 10:12». ■ (لا إله إلا واحد) «1. كونثوس 8:4». ■ (لنا إله واحد) «1. كورنثوس 8:6». ■ (الله واحد الذى يعمل الكل فى الكل) «1. كورنثوس 12:6». ■ (اهتديتم إلى الله، وتركتم الأوثان، لتعبدوا الله الحى الحقيقى) «1. تسالونيكى 1:9». أما التثليث المسيحى فلا يتعارض مع الإيمان والتوحيد. فالمسيحيون يؤمنون بإله واحد، أحادى الذات، مثلت الأقانيم والخاصيات. فالتوحيد للذات الإلهية، وأما التثليث فللأقانيم، والأقانيم خاصيات وصفات ذاتية بها تقوم الذات الإلهية. فالله الواحد هو «أصل» الوجود، ولذلك فهو «الأب» والأب لفظة سامية بمعنى «الأصل». والله الواحد هو «العقل» الأعظم، ولما كانت المسيحية تنادى بأن الله قد ظهر وتجلى فى المسيح، على نظير ما ظهر للنبى موسى فى العليقة وتجلى فى المكان دون أن يحدده المكان، لذلك كان المسيح هو «الكلمة». قال الإنجيل: «فى البدء كان الكلمة»، والكلمة تجسيد «للعقل»، فإن «العقل» غير منظور، ولكنه يظهر فى «الكلمة»، وهو أيضًا «الابن» لا بمعنى الولادة فى عالم الإنسان بل إنه «صورة الله غير المنظور» «كولوسى 1:15». والله الواحد هو «الروح» الأعظم، وهو «أبو جميع الأرواح»، ولهذا فهو «الروح القدس»، لأن الله قدوس. وعلى ذلك فإيمان المسيحيين بالتثليث لا يتعارض مع إيمانهم بالتوحيد، لأن التثليث ليس تثليث ذوات، ولكنه تثليث أقانيم، والأقانيم صفات نسبية، والصفات والخاصيات الذاتية ما تقوم به الذات. وعندهم أن الله الواحد كائن بذاته ناطق بكلمته، حى بروحه. ولذلك يقولون فى البسملة «باسم الأب والابن والروح القدس، الإله الواحد». انتهى بحث الأسقف غريغوريوس. وعندما أثيرت قضية تطبيق الشريعة وعارضت الكنيسة ذلك بصورة رسمية، كما سيرد فيما سيلى، فإن كاتبًا قبطيًا بارزًا هو الأستاذ سامى داود رفض أن يطبق حد السرقة على مسلم دون قبطى، وقال: «بأى ضمير قضائى سيحكم القاضى (المسلم) على السارق المسلم بإقامة الحد الإسلامى الذى يقضى بقطع يده، ثم يحكم فى اليوم التالى على سارق مسيحى بالسجن بضعة أشهر أو بضع سنوات! وكيف سيتقبل الناس هذا الوضع، وماذا يمكن أن يكون له من آثار!!. واستطرد سامى داود قائلاً: «إن ما يتضمنه القانون المدنى والمصرى من مواد تستند إلى الشريعة الإسلامية وأهمها وأخطرها على علاقات الأسر والأفراد قانون المواريث مثلاً، إنه يطبق على الجميع، فهل شكا أحد من ذلك، فلماذا فى النواحى الجنائية يصبح لنا قانونان، وكأننا شعبان ؟!! هذه أسئلة أثيرها وأنا أطالب بوحدة التشريع أيا كان مع اعترافى بأنى لا أستطيع أن أجزم بسلامة ما أطالب به، وأكاد أطالب، بل أرجو أن يردنى من يستطيع أن يجزم وأن يوجهنى بالرأى المقنع إلى الصواب. وختم سامى داود مقاله هذا: «فى سبيل مصر، ووحدة شعبها الوطنية، كتبت ما أكتب وليغفر لى من يرانى أخطأت، وليجنبنا الله جميعًا مسالك الخطأ وليرشدنا إلى طريق الصواب». واستطلع الكاتب الصحفى الأستاذ جمال بدوى رأى كاتب صحفى متخصص فى الشؤون الكنسية أن يبدى وجهة نظره فى قضية تطبيق الشريعة هو الأستاذ صادق عزيز، فكتب مقالاً جاء فيه: هل هو حق موقف أقباط مصر من المطالبة بألا يتضمن الدستور نصًا على أن «مصر دولة إسلامية ؟»، هل هو حق موقفهم من ألا تكون الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريعات والقوانين فى الدولة؟ هل هو حق موقفهم من المطالبة بألا تسرى الأحكام الإسلام إلا على المسلمين، أما الأقباط فلا تسرى عليهم؟ أسئلة لا محل لها من الإعراب، وأجوبة بالتالى لا محل لها من التفكير أو حتى مجرد أن تخطر على البال، أسئلة تنقصها الحكمة وإجابة تفتقد إلى الصواب، ولا أقول ذلك مناوئاً للمسيحية، ولا منافقاً للإسلام، وإنما أقول من واقع المنطلقات العقلانية.. والقانونية.. والأهم من ذلك المسيحية. أولاً: فالمطالبة بعدم النص فى الدستور على أن مصر دولة إسلامية هى مغالطة للواقع والتاريخ، فلا أحد يستطيع أن ينكر أن مصر فعلاً مثلها مثل باقى الدول الإسلامية والتى أصبحت تمثل نحو ثلث العالم، دولة إسلامية منذ دخلها الإسلام ولم ترتد عنه سلمًا أو حربًا منذ أكثر من (1300) سنة، مصر إسلامية منذ أن دخلها عمرو بن العاص، يومها كان المسلمون هم الأقلية، وكان الأقباط هم الأغلبية، ومع ذلك كانت إسلامية، وكنا نعيش فى ظل الإسلام وفى أمنه وإيمانه، ولعل البابا بنيامين لم يصدر صرخته المشهورة «استقبلوا عمرو» إلا بعد أن «كفر» بحكم الرومان المسيحيين لمصر، لما لاقاه «الأقباط» على أيديهم من وسائل التعذيب والقتل والتشريد. ولعلى أستطيع أن أقولها صريحة إن مصر فى تاريخها لم تكن أبدًا «قبطية» حتى من قبل الإسلام، فهى تقع دائما تحت الحكم الرومانى أو البيزنطى أو المقدونى، أما الحكم القبطى فلم نسمع عنه أبدًا، إذن لماذا نأتى اليوم ونرفض أن يكون هناك نص على أن الدولة «إسلامية»، ثم ماذا يضيرنا فى هذا، خاصة إذا كنا نعرف أن المسيحية عاشت فى سلام مع الإسلام وتعايشت معه أكثر من (1300 عام). وقد يقال إن معظم دول العالم خاصة المسيحية منها لم تعد تمزج بين الدين ونظام الحكم، أخذا بمبدأ الدين للديان والدولة للجميع، والرد على ذلك واضح علميًا وعمليًا، فكل الدول التى ابتعدت عن الدين فى دساتيرها وقوانينها فقدت كل سماتها وصفاتها وأخلاقياتها.. وانتشرت فيها الإباحية والإلحادية، وأصبحت معظم هذه الدول نفسها تتوق إلى العودة للدين وتقاليده وترنو إلى تطبيق شرائعه وتعاليمه حتى تستعيد توازنها. هل نريد من أجل إرضاء الأقلية المسيحية، أن تنكر الأغلبية إسلاميتها؟ ولماذا؟ وإذا كان المسيحى تحت ضغط أو حتى إرهاب أو تخويف لا يمكن أن ينكر مسيحيته، عملاً بقول السيد المسيح: «ولكن من ينكر قدام الناس أنكره أنا أيضًا قدام أبى الذى فى السموات» (ت 10: 33). فلماذا إذن نقبل لغيرنا ما لا نقبله لأنفسنا؟ ولماذا لا نسمع قوله له المجد: «أقول لكم إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب فى ملكوت السماوات، وأما بنو الملكوت فيطرحون إلى الظلمة الخارجية هناك يكون البكاء وصرير الأسنان» (ت 8:11– 12)، وقوله «من يقبل نبيا باسم نبى.. فأجر نبى يأخذ، ومن يقبل بارًا فأجر بار يأخذ» (ت10–40). يواصل الأستاذ عزيز صادق كلامه فيقول: ننتقل إلى النقطة الثانية وهى الاعتراض على أن تكون الشريعة الإسلامية هى مصدر التشريعات والقوانين فى الدولة. والسؤال الآن: ماذا يخيفنا من ذلك؟ فى رأيى الشخصى أنه فيما عدا ما يتعلق بالأحوال الشخصية، فإن أحكام الشريعة الإسلامية لا تتعارض إطلاقاً مع المسيحية، وذلك لعدة أسباب أهمها: (1) إنه إذا كانت الدولة إسلامية فالقوانين الوضعية يجب أن تكون إسلامية، وعلينا قبول ذلك بل والترحيب به عملاً بقول السيد المسيح «أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله». (2) إن أحكام الشريعة الإسلامية تنطبق فى كثير من الأحيان مع شريعة العهد القديم، وهى ما جاء المسيح لا لينقضها، بل ليكملها. (3) إن المسيحية لم تأت بأحكام وقوانين وضعية عملا بقوله «مملكتى ليست فى هذا العالم» ومن ثم ترك للحكام أو لقيصر وضع الأحكام الأرضية، وأمرنا بأن نعطى ما للحكام للحكام.