محافظ الإسكندرية يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي (صور)    آخر تحديث لسعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري.. وصل لكام؟    «التضامن»: ضم فئات جديدة لمعاش تكافل وكرامة قبل نهاية سبتمبر المقبل    تفاصيل أعلى عائد على شهادات الادخار 2024 في مصر    البيت الأبيض: لا نريد احتلالا إسرائيليا لقطاع غزة    عاجل.. لحظة اغتيال القيادي بحماس شرحبيل السيد في قصف إسرائيلي    إحالة 12 متهما من جماعة الإخوان في تونس إلى القضاء بتهمة التآمر على أمن الدولة    رئيس مجلس الدولة: الانتخابات الحالية بداية جديدة للنادي    كرة يد.. الأهلي 26-25 الزمالك.. القمة الأولى في نهائي الدوري (فيديو)    طقس ال72 ساعة المقبلة.. «الأرصاد» تحذر من 3 ظواهر جوية    التصريح بدفن جثة تلميذ غرق بمياه النيل في سوهاج    شيرين تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: «أستاذ الكوميديا اللي علم الناس الضحك»    أشرف غريب يكتب: أحد العظماء الخمسة وإن اختلف عنهم عادل إمام.. نجم الشباك الأخير    الاستعدادات الأخيرة ل ريم سامي قبل حفل زفافها الليلة (صور)    النيابة تأمر بانتداب المعمل الجنائي لبيان سبب حريق قرية «الحسامدة» في سوهاج    جداول قطارات المصيف من القاهرة للإسكندرية ومرسى مطروح - 12 صورة بمواعيد الرحلات وأرقام القطارت    وزير الاتصالات يبحث مع سفير التشيك تعزيز التعاون بمجالات التحول الرقمي    أوكرانيا تسعى جاهدة لوقف التوغل الروسي فى عمق جبهة خاركيف الجديدة    استمرار تراجع العملة النيجيرية رغم تدخل البنك المركزي    بعد غلق دام عامين.. الحياة تعود من جديد لمتحف كفافيس في الإسكندرية (صور)    طيران الاحتلال يغتال القيادي بحماس في لبنان شرحبيل السيد «أبو عمرو» بقصف مركبة    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    مدير إدارة المستشفيات بالشرقية يتفقد سير العمل بمستشفى فاقوس    حسام موافي يوضح أعراض الإصابة بانسداد الشريان التاجي    توخيل يؤكد تمسكه بالرحيل عن بايرن ميونخ    "بموافقة السعودية والإمارات".. فيفا قد يتخذ قرارا بتعليق عضوية إسرائيل    بريطانيا تتهم روسيا بتزويد كوريا الشمالية بالنفط مقابل السلاح    4 وحدات للمحطة متوقع تنفيذها في 12 عاما.. انتهاء تركيب المستوى الأول لوعاء الاحتواء الداخلي لمفاعل الوحدة الأولى لمحطة الضبعة النووية    عمر الشناوي حفيد النجم الكبير كمال الشناوي في «واحد من الناس».. الأحد المقبل    عمرو يوسف يحتفل بتحقيق «شقو» 70 مليون جنيه    سوليفان يزور السعودية وإسرائيل بعد تعثر مفاوضات الهدنة في غزة    علماء الأزهر والأوقاف: أعلى الإسلام من شأن النفع العام    تاتيانا بوكان: سعيدة بالتجديد.. وسنقاتل في الموسم المقبل للتتويج بكل البطولات    "بسبب سلوكيات تتعارض مع قيم يوفنتوس".. إقالة أليجري من منصبه    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    الوضع الكارثى بكليات الحقوق    محافظ أسيوط ومساعد وزير الصحة يتفقدان موقع إنشاء مستشفى القوصية المركزي    رئيس جهاز دمياط الجديدة يستقبل لجنة تقييم مسابقة أفضل مدينة بالهيئة للعام الحالي    «تقدر في 10 أيام».. موعد مراجعات الثانوية العامة في مطروح    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    وزارة العمل تعلن عن 2772 فُرصة عمل جديدة فى 45 شركة خاصة فى 9 مُحافظات    مساندة الخطيب تمنح الثقة    أحمد السقا: يوم ما أموت هموت قدام الكاميرا    فريق قسطرة القلب ب«الإسماعيلية الطبي» يحصد المركز الأول في مؤتمر بألمانيا    «المرض» يكتب النهاية في حياة المراسل أحمد نوير.. حزن رياضي وإعلامي    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا إسرائيليا في إيلات بالطيران المسيّر    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    قافلة دعوية مشتركة بين الأوقاف والإفتاء والأزهر الشريف بمساجد شمال سيناء    في اليوم العالمي ل«القاتل الصامت».. من هم الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة به ونصائح للتعامل معه؟    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    إحباط تهريب راكب وزوجته مليون و129 ألف ريال سعودي بمطار برج العرب    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    بعد حادثة سيدة "التجمع".. تعرف على عقوبات محاولة الخطف والاغتصاب والتهديد بالقتل    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي شمال الضفة الغربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. سمير غطاس يكتب: ملفات القدس المحتلة (1) .. القدس عروس عروبتكم

ليس معروفاً بعد ما إذا كان الأمر هو مجرد مصادفة تاريخية أم أنها محاولة واعية للتطهر والتكفير عن واحدة من أكبر الجرائم ضد الإنسانية التى ارتكبت فى القرن العشرين.
كان يوم 8/12/1917 يوماً فاصلاً فى تاريخ القدس. أعلن فيه الجنرال اللنبى (الحقيقى بالطبع وليس محمد سعد الممثل) دخول القوات البريطانية القدس، بعد أن استسلم قائد الجندرمة التركى فى المدينة معلناً فى هذا اليوم نهاية وجود الدولة العثمانية فى هذه المدينة العريقة المقدسة، وبعد أربعة شهور تقريباً وصلت البعثة الصهيونية برئاسة حاييم وايزمن إلى القدس فى أثر القوات البريطانية، لتدشن مرحلة تأسيس الوطن القومى اليهودى فى فلسطين.
وتصادف أنه فى نفس اليوم 8/12، ولكن بعد أكثر من 190 عاماً أن انعقد فى بروكسل مجلس الاتحاد الأوروبى للتصويت على مشروع قرار سويدى– بريطانى كان يدعو فى نسخته الأصلية لاعتراف الاتحاد الأوروبى من الآن بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة حتى قبل أن تنشأ هذه الدولة، لكن إسرائيل هرعت إلى رمى ثقلها كله فى هذه المعركة الدبلوماسية،
وفى ظل الغياب المريب للدور العربى صدر البيان الأوروبى المعدل، الذى أعلن أنه لن يعترف بأى تغيير على حدود ما قبل 4 يونيو 1967 بما فى ذلك القدس، وحث الاتحاد الأوروبى إسرائيل على الوقف الفورى لكل النشاطات الاستيطانية بالقدس الشرقية وبقية أرجاء الضفة الغربية، بما فى ذلك ما يسمى النمو الطبيعى، وطالب الاتحاد الأوروبى إسرائيل بتفكيك كل المستوطنات العشوائية التى أقيمت منذ مارس 2001،
وكذا أعلن الاتحاد الأوروبى عن استعداده للاعتراف بدولة فلسطينية عندما يكون الوقت ملائماً لذلك، وهذا الأمر ليس كافياً بالطبع لحمل إسرائيل على التوقف عن أى شىء حتى لو صدر قرار الأوروبيين بصيغته السويدية- البريطانية الأصلية قبل الضغط فالتعديل، لأن التوقف عن سياسة التهويد المنهجية لا توقفها بالطبع البيانات، ومع ذلك فالبيان الأوروبى يشير إلى إدراك غربى متنام بلا أخلاقية إسرائيل، وهو أمر بالغ الأهمية إذا جرى استثماره والبناء عليه فى إطار استراتيجية تهدف إلى نزع الشرعية عن إسرائيل، ويجب هنا أن نذكر بأن حكومة بريتوريا البيضاء فى جنوب أفريقيا ذهبت إلى مقلب قمامة التاريخ وفقاً لمثل هذه الاستراتيجية،
وما دامت الاستراتيجيات الأخرى - المفاوضات والمقاومة – مأزومة أو معطلة فإنه من المناسب فى كل الأحوال أن نشرع فى اعتماد هذه الاستراتيجية على نحو عقلانى وليس على طريقة أحمدى نجاد التى تخدم إسرائيل أكثر مما تضرها، خاصة أنه لم يعد هناك من ذريعة بأن الغرب منحاز بصورة عمياء لإسرائيل، ومن جهة أخرى يؤشر بيان الاتحاد الأوروبى، على تواضعه، إلى حراك سياسى لأوروبا ينزاح ولو قليلاً خارج مظلة الوصايا الأمريكية المعهودة التى كانت تحصر دوره السابق فى التمويل المالى وسداد فاتورة قراراتها وسياساتها فى المنطقة.
وبين يوم 8/12/1917 ويوم 8/12/2009 كانت القدس شهدت سلسلة لم تتوقف أبداً من التطورات الخطيرة والأحداث المثيرة، وكلما أتيحت الفرصة للكتابة عن القدس أو الحديث عنها يقفز من الذاكرة على الفور صوت فيروز وهى تشدو بألحان الرحبانية: للقدس سلام آت، لكن صوت فيروز على عذوبته لا يبدو كافياً على الأقل فى هذه اللحظة للتعبير عما تتعرض له القدس من هجمة واسعة وخطيرة قد يصعب تدارك آثارها وتداعياتها، ربما كان صوت الصديق الشاعر مظفر النواب هو الأكثر ملاءمة لهذه اللحظة، كانت قصيدة مظفر النواب: «القدس عروس عروبتكم» التى منعت من التداول فى أغلب الدول العربية تقول:
فلماذا أدخلتم كل زناة الليل الى حجرتها
وسحبتم كل خناجركم
وتنافختم شرفاً
وصرختم فيها أن تسكت صوناً للعرض
فما أشرفكم
أولاد ال(...) هل تسكت مغتصبة
أولاد ال(...) لست خجولاً حين أصارحكم بحقيقتكم
إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم
تتحرك دكة غسل الموتى أما أنتم
لا تهتز لكم قصبة
اصرخ فيكم
اصرخ أين شهامتكم
إن كنتم عرباً.. بشراً.. حيوانات
فالذئبة حتى الذئبة تحرس نطفتها
والكلبة تحرس نطفتها
والنملة تعتز بثقب الأرض
وأما أنتم فالقدس عروس عروبتكم
أهلاً
أولاد قراد الخيل كفاكم صخباً
هل عرباً أنتم والله أنا فى شك من بغداد إلى جدة
هل عرب أنتم
قتلتنا الردة.. قتلتنا الردة
إن الواحد منا يحمل فى الداخل ضده.
ثمة بالطبع عددا يصعب إحصاؤه من القصائد الأخرى التى تغنت بالقدس أو ناحت عليها وثمة أيضاً عدداً آخر مهولا من الكتب والدراسات والمقالات التى كانت القدس عنوانها أو موضوعها، وهذا الأمر يطرح على كل كتابة جديدة سؤالاً مشروعاً عما يمكن إضافته لكل ما قيل وكتب عن هذه المدينة العتيقة التى يقترن اسمها بالسلام بينما ينوء تاريخها بالخراب والحرب.
وكل كتابة عن القدس تتضمن بالضرورة بحثاً فى أبعادها المتعددة والمتداخلة: البعد التاريخى، والدينى والروحى والبعد القومى والبعد السياسى والتراثى والبعد الجغرافى – الأمنى، ربما لأنه قد لا يوجد موقع على وجه الأرض مثل القدس الذى تجتمع فيه وتتصارع حوله وداخله كل هذه الأبعاد، وهو ما يفسر فرادة مكانتها ليس فقط فى التاريخ الغابر وإنما أيضاً فى الحاضر الراهن وامتداداته فى المستقبل المنظور.
فقد لوحظ مثلاً أنه لا يوجد دولة واحدة فى العالم من بين حوالى 200 دولة تصر مثلما هو الحال بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين على أن تكون عاصمتها هى المدينة التى تضم تراثها الدينى كما هو الحال بالنسبة للقدس.
وبعض الدول لم تصر حتى على البقاء داخل عاصمتها التاريخية ولم تجد حرجاً فى الانتقال إلى عاصمة أخرى وجديدة، وربما كانت مصر الفرعونية أقدم دولة فى التاريخ بدلت مدن عاصمتها، وفى التاريخ المعاصر اختارت تركيا مدينة أنقرة وليس اسطنبول عاصمة لها، ونقلت ألمانيا عاصمتها، بعد توحيد شطريها من بون إلى برلين، والبرازيل شيدت عاصمة جديدة، والمملكة العربية السعودية اختارت الرياض وليس مكة المكرمة عاصمة لها، لكن هذا الأمر يبدو مختلفاً إلى حد بعيد بالنسبة لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين فكل منهما يتعلق بكل شدة بكون القدس عاصمة دولته الأبدية،
ومع ذلك يمكن أن نلحظ فارقاً نوعياً مهماً بينهما، ففيما يقبل الفلسطينى بالقدس الشريف عاصمة له، فإن الغالبية فى إسرائيل خاصة اليمين الدينى والقومى تصر على بسط سيادتها على القدس الشرقية والغربية والقدس العتيقة كعاصمة واحدة موحدة وأبدية لإسرائيل.
ويزداد الصراع على هذه المدينة العتيقة تعقيداً وتفاقماً بسبب تدخل قوى دولية وإقليمية عديدة على خط هذا الصراع، وربما لهذا وجب علينا أولاً أن نفهم قيمة ومكانة القدس تلك التى ترشحها دائماً، لأن تكون الشىء ونقيضه، إحلال السلام أو إشعال فتيل الحرب.
كانت مكانة القدس فى أغلب الأحيان محوراً لنظريتين متجاورتين، النظرية الأولى والسائدة تعزو مكانة القدس المميزة إلى طابعها الروحى والدينى الفريد لدى أتباع الديانات السماوية الثلاث ما جعلها دائماً قبلة لأتباع كل دين من جنسيات ودول مختلفة، يرى كل منهم أحقيته الأولى وربما حتى المطلقة بالسيادة والهيمنة عليها،
فيما تميل النظرية الثانية إلى رد أهمية القدس ومكانتها إلى عوامل أخرى غير دينية بل وقبل دينية، من أهمها العامل الجيو ستراتيجى أى موقعها وموضعها وطوبوغرافيتها، فهى مدينة تتوسط محيطها وترتفع عنه وتتحكم فى مفارق طرقه وتتوسط ستة جبال وتشرف على مجموعة أودية، ما يجعلها مدينة مركزية وحاكمة فى كل ما يتعلق بمحيطها الجغرافى ومجالها الحيوى،
ويعتقد أنصار هذه النظرية أن إسباغ صفة القداسة على المدينة جاء ليستكمل لها مقومات حصانتها، وتكاد الدراسات التاريخية تجمع على أن الشعب الأول الذى بنى مدينة القدس قبل حوالى ألفى عام من الميلاد هو الشعب اليبوسى الذى هو أحد بطون الكنعانيين، وكان الملك «ملكى صادق» ربما أول من أسبغ على هذه المدينة مسوح القداسة الدينية، وبنى فيها معبداً للإله «شاليم» قبل ظهور أى من الديانات السماوية الثلاثة،
وكان الجنرال الإسرائيلى يعقوب عميدور المحلل الاستراتيجى كتب فى يناير 2009 دراسة حول الأهمية الأمنية للقدس مال فيها للأخذ بهذه النظرية حين قال: «إن الملك داوود قد حدد عاصمته فى القدس لأهميتها التضاريسية.. فوق الاحتياجات الدينية التى أُمليت عليه من فوق»، وهذا الأمر كان واضحاً لكل الذين تعاقبوا على هذه المنطقة منذ فجر التاريخ وحتى الآن،
وفى التاريخ المعاصر كان السلطان العثمانى عبدالعزيز أدرك هو الآخر هذه الحقيقة فقرر فصل القدس عن ولاية بيروت فى عام 1874 وألحقها مباشرة بالباب العالى فى الاستانة، وقام بعد ذلك بتوسيع حدودها فباتت متصرفية القدس تضم يافا والخليل وبئر السبع وغزة، وتمتد حدودها الجنوبية من العريش على البحر المتوسط إلى العقبة على البحر الأحمر،
واستندت حدودها إلى نهر الأردن والبحر الميت، لأن من يحكم القدس بهذا المعنى هو من يحكم فلسطين، ولما شاع الفساد فى الإدارة العثمانية بدأ نفوذ الدول الأوروبية فى التزايد، إلى أن سقطت القدس فى يد الجنرال اللنبى وانفردت بريطانيا بعدها بالانتداب على فلسطين بعد أن أطاحت باتفاقية سايكس بيكو، ومن ثم بدأ التواطؤ مع الحركة الصهيونية لتهويد القدس،
وفى عام 1920 أضيفت اللغة العبرية على طباعة العملة وكل المعاملات الرسمية، وتبع ذلك تسهيل موجات الهجرة اليهودية، ما أدى إلى تصاعد الاحتكاكات بين الفلسطينيين واليهود، وفى 24/9/1928 اندلعت ثورة البراق إثر محاولة اليهود السيطرة على الحائط المعروف عندهم باسم حائط المبكى،
وكانت هذه الثورة مهدت لقيام الأحزاب الفلسطينية التى خرجت عن طوع القيادة التقليدية وهى التى مهدت لاندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى 1936- 1939، ما دفع بريطانيا فى عام 1937 إلى تشكيل لجنة تحقيق برئاسة روبرت بيل التى كانت أول من وضع مشروعاً لتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية وإبقاء منطقة القدس خارج حدود الدولتين ووضعها تحت سلطة الانتداب لتأمين حرية العبادة للأديان الثلاثة،
وإثر رفض الطرفين لمشروع لجنة بيل شكلت بريطانيا لجنة فنية أخرى برئاسة وودهيد التى عادت هى الأخرى فدعت إلى وضع القدس تحت نظام خاص خارج حدود الدولتين المقترحتين، وقبيل الحرب العالمية الثانية أعلنت بريطانيا عن مشروع جديد فى 17/5/1939 كان اسمه مشروع مكدونالد أو الكتاب الأبيض، تراجعت فيه بريطانيا عن مشروع تقسيم فلسطين ودعت إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وانقسم الفلسطينيون حول المشروع قبل أن يرفضوه،
بينما لم تكتف الحركة الصهيونية برفضه وإنما بدأت فى شن سلسلة من الهجمات على القوات البريطانية، وفى عام 1945 عادت بريطانيا فاقترحت مشروعاً آخر عرف باسم صاحبه القاضى فيتزجرالد ويدعو إلى تقسيم القدس إلى قطاعين عربى ويهودى، ويدير كل منهما مجلس بلدى منتخب ويشرف عليهما مجلس يعينه المندوب البريطانى السامى، ومع دخول الولايات المتحدة على خط المسألة الفلسطينية بعد الحرب العالمية الثانية،
جرى تشكيل لجنة أمريكية – بريطانية للبحث عن حل فأوصت فى 10/7/1946 بعدم إقامة لا دولة يهودية ولا فلسطينية وإنما تقسيم هذه البلاد إلى أربع مقاطعات تتمتع بالحكم الذاتى وخصص مشروعهم إحدى المقاطعات الأربع للقدس، وقد أدى فشل كل هذه المشاريع إلى إعلان الحكومة البريطانية فى 2/4/1947 نفض يدها وإحالة المسألة الفلسطينية برمتها إلى الأمم المتحدة، وكان التقسيم، من الناحية الموضوعية،
هو القرار الذى ستتخذه الأمم المتحدة، وربما لا يعرف الكثيرون أن العرب قبيل التصويت على قرار التقسيم طرحوا مشروعاً يدعو إلى إقامة دولة على أسس فيدرالية تضم مقاطعات عربية ويهودية تحت حكومة مركزية، لكن الجمعية العامة صوتت على مشروع واحد هو القرار 181 الذى صدر فى 29/11/1947 ودعا إلى إقامة دولتين يهودية وتكون مساحتها 56.4% ودولة عربية تكون مساحتها 42.88% من مساحة فلسطين،
ويكون بينهما اتحاد اقتصادى، وأبقى هذا القرار لمنطقة القدس 68 ميلاًً مربعاً بنسبة 1% تقريباً من إجمالى مساحة فلسطين لكنه قرر وضع القدس تحت «كيان منفصل وحكم دولى خاص تقوم على إدارته الأمم المتحدة» ودعا القرار إلى وضع دستور منفصل لكيان القدس، ويسرى هذا النظام لمدة عشر سنوات ويتم استفتاء مواطنى القدس، حول التعديلات التى يرغبون فى إدخالها على نظام المدينة،
ولما تعذر تطبيق القرار 181 فى البداية عينت الأمم المتحدة الكونت برنادوت وسيطاً دولياً الذى اقترح نقل النقب من حصة الدولة العبرية للدولة العربية ونقل الجليل إلى حصة الدولة العبرية واقترح ضم القدس إلى الجانب العربى، كانت تعديلات برنادوت هذه تتناسب مع الوضع العسكرى فى المرحلة الأولى من حرب 1948، كان الجيش المصرى يسيطر على النقب وينتشر إلى جنوب القدس وكان الجيش الأردنى يسيطر على القدس، لكن الجامعة العربية رفضت فى 3/7/1948 مقترحات برنادوت، الذى تراجع بعدها حتى عن مقترحاته هذه وانحاز إلى جانب إسرائيل،
ومع ذلك اغتالته جماعة شتيرن الصهيونية الإرهابية، وقد لا يعرف الكثيرون عن تورط هذه الجماعة فى علاقة مع موسولينى زعيم الحزب الفاشى وحليف هتلر الذى اجتمع أكثر من مرة مع حاييم وايزمان رئيس المنظمة الصهيونية قبل الحرب فى عام 1937.
وقد انتهت حرب 48 بهزيمة الجيوش العربية واتسعت مساحة إسرائيل بعد الحرب إلى 20.900كم مربع بعد أن كانت لا تتجاوز 14.500 كم مربع طبقاً لقرار التقسيم، وبالمقابل تقلصت مساحة ما كان مقرراً للدولة الفلسطينية من 11.800كم مربع إلى 5.400كم مربع فقط، وكان بن جوريون أعلن فى 10/12/1949 أن القدس عاصمة إسرائيل،
وقد أظهرت حرب 48 أنه لا يمكن الحديث عن مفهوم محدد وموحد للقدس، فقد كان يشار عادة إلى القدس حتى منتصف القرن التاسع عشر على أنها البلدة القديمة داخل الأسوار التى تبلغ مساحتها أقل قليلاً من كم مربع واحد فقط ومع صدور قرار التقسيم عام 1947 كانت الحركة الصهيونية نجحت فى التوسع خارج أسوار المدينة العتيقة وأنشأت حوالى عشرين مستوطنة وحياً سكنياً أغلبها أقيم على أراضى قرى وبلدات عربية وهى التى باتت تعرف بالقدس الغربية، ولم يقتصر هذا التوسع العمرانى على الحركة الصهيونية وحدها فقد أنشأ أعيان القدس العديد من الأحياء العربية التى توسعت خارج القدس القديمة،
ويزداد هذا الأمر الآن تعقيداً بسبب التوسع الهائل فى مصادرة الأراضى وبناء المستوطنات والمضى بأقصى سرعة لاستكمال مشروع القدس الكبرى الذى أقرت إسرائيل مخططاته فى 11/5/1998 لتصل مساحة القدس إلى 2850كم مربع، فتبتلع الضفة وتفصلها تماماً عن الأردن وتمزق ما تبقى من أراضيها إلى معازل متباعدة وتحول الفلسطينيون فى هذه القدس إلى مجرد أقلية سكانية، والقدس الشريف إلى نقطة فى بحر، ولا يعود بعدها هناك حتى ما يمكن أن يصلح لإقامة دويلة ذات تواصل ديموغرافى وقابلة للحياة، ونبقى نحن نغنى وراء الشاعر: القدس عروس عروبتنا.. القدس..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.