نشرة «المصري اليوم» من الإسكندرية: النيران تلتهم شقة وتصيب سيدة.. وباعة السعف يزينون الشوارع احتفالا ب أحد الشعانين    السياحة تطبق آلية جديدة لتعريف الزائرين بالكيانات المُرخصة    إزالة 3190 حالة تعدٍ ضمن المرحلة الثالثة من الموجة 22 في القليوبية    البنوك تضيف 50 فرعا جديدا خلال 2023 وماكينات الصراف الآلى تصل إلى 23.275 ماكينة    سؤال برلماني عن أسباب عدم إنهاء الحكومة خطة تخفيف الأحمال    وسائل إعلام إسرائيلية: عائلات المحتجزين تتهم نتنياهو بالفشل في عقد صفقة لإطلاق سراحهم    استهداف إسرائيلي لمحيط مستشفى ميس الجبل بجنوب لبنان    رئيس فلسطين يصل الرياض    بيرنلي يخطف نقطة ثمينة من مانشستر يونايتد بالدوري الإنجليزي    طارق يحيى مازحا: سيد عبد الحفيظ كان بيخبي الكور    المصريون يسيطرون على جوائز بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية للرجال والسيدات 2024 PSA    العثور على جثة شخص في شارع بمدينة المنزلة بالدقهلية    قرار بحبس متهمين في واقعة "حرق فتاة الفيوم" داخل محل الدواجن    تفاصيل شخصيه أحمد السقا في فيلم السرب    أحمد كريمة: الاحتفال بشم النسيم مذكور في القرآن وحلال شرعا    بالفيديو .. بسبب حلقة العرافة.. انهيار ميار البيبلاوي بسبب داعية إسلامي شهير اتهمها بالزنا "تفاصيل"    مجلة رولنج ستون الأمريكية تختار «تملي معاك» لعمرو دياب كأفضل أغنية عربية في القرن ال 21    خبيرة أبراج تحذر أصحاب برج الأسد خلال الفترة الحالية    رامي جمال يتخطى 600 ألف مشاهد ويتصدر المركز الثاني في قائمة تريند "يوتيوب" بأغنية "بيكلموني"    رئيس الوزراء الفرنسي: أقلية نشطة وراء حصار معهد العلوم السياسية في باريس    غدا انطلاق معرض وتريكس للبنية التحتية ومعالجة المياه بمشاركة 400 شركة بالتجمع    وزير الرياضة يشهد مراسم قرعة نهائيات دوري مراكز الشباب | النسخة العاشرة    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    «صباح الخير يا مصر» يعرض تقريرا عن مشروعات الإسكان في سيناء.. فيديو    التحالف الوطني للعمل الأهلي.. جهود كبيرة لن ينساها التاريخ من أجل تدفق المساعدات إلى غزة    "اكسترا نيوز" تعرض نصائح للأسرة حول استخدام ابنائهم للانترنت    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان.. صور    رئيس جامعة جنوب الوادي: لا خسائر بالجامعة جراء سوء الأحوال الجوية    الشرطة الأمريكية تفض اعتصام للطلاب وتعتقل أكثر من 100 بجامعة «نورث إيسترن»    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    خطة لحوكمة منظومة التصالح على مخالفات البناء لمنع التلاعب    فوز أحمد فاضل بمقعد نقيب أطباء الأسنان بكفر الشيخ    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    الكشف على 1670 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الزقازيق بقرية نبتيت    حكم واجبية الحج للمسلمين القادرين ومسألة الحج للمتوفين    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    بالصور| "خليه يعفن".. غلق سوق أسماك بورفؤاد ببورسعيد بنسبة 100%    وزير التعليم ومحافظ الغربية يفتتحان معرضًا لمنتجات طلاب المدارس الفنية    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    الصحة: فرق الحوكمة نفذت 346 مرور على مراكز الرعاية الأولية لمتابعة صرف الألبان وتفعيل الملف العائلي    سياحة أسوان: استقرار الملاحة النيلية وبرامج الزيارات بعد العاصفة الحمراء | خاص    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    وزيرة التضامن توجه تحية لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بسبب برنامج المكفوفين    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية ويجري حوارًا مع الطلبة (صور)    مستشار الرئيس الفلسطيني: عواقب اجتياح رفح الفلسطينية ستكون كارثية    متصلة تشكو من زوجها بسبب الكتب الخارجية.. وداعية يرد    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    هل يوجد تعارض بين تناول التطعيم وارتفاع حرارة الجسم للأطفال؟ هيئة الدواء تجيب    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ننشر الحلقة الرابعة من الكتاب القنبلة "أهوال ضد المسجد الأقصى".. الحرب والصلاة
نشر في اليوم السابع يوم 23 - 12 - 2010


لا يختلف الإسرائيليون على ضرورة إقامة الهيكل .
ولا يختلفون على أن مكان إقامته والعياذ بالله يجب أن يكون فى المكان نفسه الذى يوجد فيه المسجد الأقصى .
إنما يختلفون على أمر واحد ، هو : متى .
لماذا يختلفون على الوقت الذى عليهم أن يتخلصوا فيه من المسجد الأقصى والعياذ بالله ثم البدء فى إقامة الهيكل ؟
إنطلاقا من اختلافهم حول هل التعجيل واقتحام المسجد الأقصى وأداء الصلاة اليهودية فيه باعتباره "جبل الهيكل" على حد تسميتهم ، وما يتبعه من التخلص من المقدسات الإسلامية على الجبل وإقامة الهيكل هى التى تعجل بظهور المسيح المخلص فى عقيدتهم ، أم أن العكس هو الصحيح ، وأن المسيح المخلص يجب أن يظهر أولا فيتم بناء الهيكل .
الكفة بين الإسرائيليين أخذت تميل إلى الرأى الذى يقول بأن على اليهود البدء فى أداء الصلاة بجبل الهيكل ، ويقصدون بذلك أن يصلوا فى ساحات المسجد الأقصى ، ثم طبقا لمخططاتهم يحين بعد فترة وقت إزالة كل المبانى المتعلقة بالمسجد الأقصى على هذا الجبل ، وإقامة الهيكل الذى انتهوا بالفعل ليس فقط من تصميمه الذى عكف علماؤهم على تحديده وعمل مجسمات تفصيلية له ، بل لقد حاولوا عدة مرات أن يقوموا بإدخال مجسم للهيكل إلى ساحة المسجد الأقصى ، لكنهم فشلوا فى إدخاله بسبب تصدى المقدسيين لهم . فاضطروا عام 2009 إلى القيام بتركيبه خارج المسجد الأقصى ، وقد أقامت جماعات يهودية مراسم الاحتفال بنصب مجسم الهيكل ، حيث تم استعمال أدوات للرفع الثقيل لنصب المجسم الكبير على ظهر كنيس ومركز توراتي يمسمّى ب "المركز العالمي لنار التوراة"، يقع على بعد أمتار من المسجد الأقصى المبارك حيث يطلّ على المسجد الأقصى بشكل واضح ، وبالطبع فى المنطقة التى يحكمون سيطرتهم عليها من ناحية حائط البراق الذى يقولون أنه حائط المبكى .
فهم إذا كانوا لم يتمكنوا أمام صلابة المقدسيين من الدخول بالمجسم إلى المسجد الأقصى ، إلا أنهم قد اعتبروا فى الوقت نفسه أن قيامهم بتركيبه خارج المسجد هو من أجل أن يظل الهيكل حاضرا فى العيون وليس فقط فى القلوب ، وللتأكيد فى الوقت ذاته على أنهم فى انتظار تنفيذ البناء عندما يحين الوقت الذى يرونه مناسبا ، بالإضافة إلى ما يشير إليه قيامهم بإقامة المجسم من أن موعد تنفيذه من وجهة نظرهم قد اقترب . بالتالى فإن استعدادات الصهاينة لإقامة الهيكل مكان المسجد الأقصى لا تقتصر على الأمور المتعلقة بمجسم الهيكل كمبنى فقط ، إنما لقد قطعوا فى الوقت ذاته شوطا كبيرا جدا فى تجهيز المتعلقات التى عليهم استخدامها بداخله بما فى ذلك الأمور التفصيلية المتعلقة بملابس الكهنة ومختلف الأدوات ، وأيضا الموسيقى التى من المفروض عزفها بداخله ، وأدوات العزف وكل شئ يخص تفاصيل ما يحتاجه الهيكل .
ولتنفيذ كل هذا على أسس مدروسة فقد أقاموا منذ عام 1983 معهدا متخصصا فى شئون الهيكل وله حاليا مبنى بمدينة القدس ، يحمل إسم "معهد الهيكل" ، وهو لا يتلقى الدعم فقط من منظمات أهلية صهيونية فى داخل إسرائيل وخارجها ، وإنما يتلقى أيضا الدعم من الحكومة الإسرائيلية رسميا ، وهو معهد يزوره السياح ضمن الجولات السياحية التى يشرحون لهم فيها أن أوان إقامة الهيكل قد اقترب بشدة كما يعرضون لهم على الطبيعة محتويات الهيكل التى تم تجهيزها بالفعل من أجل استخدامها بمجرد إقامة البناء حسب زعمهم .
ولم يكتف الإسرائيليون بأن يعرضوا فى داخل هذا المعهد ما قاموا بتجهيزه من الأدوات التى من المفترض استخدامها فى الهيكل كما يزعمون ، إنما قرروا أن يعرضوا مقابل المسجد الأقصى من ناحية ساحة البراق التى جعلوها ساحة المبكى ، يعرضوا بشكل دائم "شمعدان الهيكل" الذى يعتبرونه من أهم المحتويات التى انتهوا من تجهيزها لإدخاله إلى الهيكل بمجرد إقامته مكان المسجد الأقصى لا قدّر الله
والشمعدان السباعى اليهودى أو "المينوراه" بالإضافة إلى أنه أحد الأدوات التى يجب استخدامها فى الهيكل فإنه أيضا هو رمز وشعار لإسرائيل ، حيث يتم استخدامه فى العديد من الأماكن الرسمية وغير الرسمية عبر رسوم أو مجسمات صغيرة ، أما الشمعدان الذى نصبوه بالقرب من مجسم الهيكل فهو حسب ما أعلنه معهد الهيكل عام 2008 عند نصب هذا الشمعدان ، يبلغ وزنه 45 كجم من الذهب الخالص عيار24 قيراطا . وقد قام بالتبرع بقيمته يهودى من أصل مصرى إسمه "يوسف باروخ" .
كل هذه الإجراءات المتعلقة بالإعلان عن شبه الانتهاء من تجهيز احتياجات الهيكل قد واكبها فى الوقت ذاته تزايد الإعلان أيضا عن تصميمهم على أداء شعائرهم التلمودية داخل ساحات المسجد الأقصى .
لا يدخلوه آمنين
منذ متى وهم يحاولون الدخول للصلاة فى المسجد الأقصى ؟
● تعددت محاولات اليهود للصلاة فى المسجد الأقصى على فترات متباعدة منذ اغتصابهم لمدينة القدس عام 1967 ، إلا أن أكبر محاولاتهم قد جرت فى أكتوبر 2009 مع احتفالهم بعيد "العُرش" اليهودى المعروف أيضا بعيد "المظلة" أو "المظال" التى استظل بها اليهود أثناء خروجهم من مصر ، وهو عيد مدته اسبوع كامل كررت طواله الجماعات اليهودية محاولات اقتحام الأقصى وواصل المقدسيون خلاله التصدى لهم بكل بسالة . إنها مواجهات اقتحم خلالها جنود الاحتلال باحات المسجد الأقصى واعتدوا على جموع المسلمين بالغازات المسيلة للدموع وبالهراوات .
كما حاول وقتها جنود الاحتلال اقتحام مبنى الجامع القبلى المسقوف (الذى اعتاد غالبية الناس على اعتباره أكثر الأماكن بداخل الأقصى خصوصية انطلاقا من كونه مكان وقوف الإمام وإلقاء خطبة الجمعة) ، حاول جنود الاحتلال خلال الاقتحام إخراج المقدسيين المرابطين دفاعا عن الأقصى بداخله ، لكن المرابطين بالداخل تصدوا للقوات الإسرائيلية ورشقوهم بالأحذية التى يخلعها الداخلون للصلاة ، كما رشقوهم أيضا بالكراسى التى يستخدمها كبار السن للجلوس خلال الصلاة .
وكان استبسال المعتكفين شديدا فلم يتمكن الجنود من فض الاعتكاف . وقد حقق المقدسيون عبر الاعتكاف ما يحققه غيرهم عن طريق الاعتصام من أجل تحقيق مطلب معين ، وقد كان مطلب المقدسيين هو أن البيت لنا ، وأن اليهود ليس لهم أن يصلوا فى مسجدنا الأقصى ، وأعلنوا عن مطلبهم هذا عبر ما يتناسب مع جلال المكان الذى يدافعون عنه ، معلنين الاعتكاف حيث البقاء فى داخل المسجد والتعبد بالطرق المعتادة من صلاة وقراءة للقرآن ودعاء ، مضافا إليها الدفاع عن المكان المقدس الذى يعتكفون بداخله ، ليتم حماية المسجد الأقصى باستخدام وسائل نابعة من العقيدة هى الاعتكاف والرباط حيث الأقصى فى الوضع الحالى هو كالثغور أو المنافذ التى يجب الرباط فيها تحصينا لها حتى لا يقتحمها العدو . ولقد شكل اعتكاف المقدسيين بالأقصى منذ الليلة التى سبقت موعد عيد اليهود الذى أعلنوا أنهم سيقتحمون خلاله المسجد الأقصى ، شكل أمرا هاما يضاف إلى أهمية صد اليهود عن الدخول ، كان ذلك الأمر الهام هو نجاح المقدسيين فى انتزاع حقهم فى أداء العبادات التى يحددونها خلال الأوقات التى يختارونها وذلك تحديا لقرارات السلطات الإسرائيلية التى تحظر دخول الأقصى بعد صلاة العشاء .
بقية المشهد فى يوم عيد العُرش اليهودى ظهر فيه أن المواجهات دفاعا عن الأقصى لم تقتصر على ما قام به المعتكفون بداخل أسواره ، إنما اشتبك أيضا المقدسيون مع جنود الاحتلال خارج الأسوار عندما منعهم الاحتلال من الوصول إلى الأقصى واعتباره منطقة عسكرية مغلقة . فقد فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلى طوقا أمنيا حول المسجد الأقصى بالإضافة إلى نشر أعداد كبيرة من قوات الأمن والعديد من الدوريات الراجلة والمحمولة عبر مدينة القدس ، كما نصبت الحواجزواستخدمت الكلاب البوليسية ، واعتقلت الشباب عن طريق الشرطة الإسرائيلية السرية التى يرتدى أفرادها ملابس مدنية ويحملون ملامح عربية وهم المعروفون بتسمية "المستعربون" .
أما الفلسطينيون من أراضى ال48 والذين كانوا قادمين عبر الحافلات إلى القدس للمشاركة فى حماية المسجد الأقصى عبر الصلاة فى رحابه الطاهرة فيما صار معروفا بمسيرة البيارق التى تنظمها الحركة الإسلامية ، فإن قوات الاحتلال قد أخذت تمنع هذه الحافلات من مجرد تجاوز مداخل القدس ، فى حين فتحت الشرطة الإسرائيلية الطريق لوصول اليهود إلى الأقصى حيث أدى حوالى 30 ألف يهودى الصلاة أمام حائط البراق الذى يقولون أنه حائط المبكى ، إنما دون أن يتمكنوا من دخول الأقصى الذى دافع عنه المقدسيون المعتكفين بداخله منذ الليلة السابقة .
وقد شارك فى الاعتكاف والرباط تقريبا كل الرموز الإسلامية بالقدس ، فكان من بين المعتكفين المرابطين بداخل المسجد كل من الشيخ عكرمة صبرى خطيب المسجد الأقصى المبارك ، والشيخ محمد حسين مفتى القدس ، والشيخ عبد العظيم سلهب رئيس مجلس الأوقاف وشؤون المقدسات في القدس المحتلة ، والشيخ عزام الخطيب مدير دائرة الأوقاف في القدس ، المهندس عدنان الخطيب محافظ القدس ، السيد حاتم عبد القادر رئيس دائرة القدس في حركة فتح .
أما الشيخ رائد صلاح "رئيس الحركة الإسلامية بالداخل الفلسطينى" فتمكنت السلطات الإسرائيلية من اعتقاله خلال المواجهات على رأس عدد من المعتقلين بتهمة التحريض أى أنه يحرض المسلمين على الدفاع عن المسجد الأقصى من اعتداءات اليهود ، وهو الاتهام نفسه الذى وجهه الاحتلال إلى نائبه الشيخ كمال الخطيب .
معركة إثبات السيادة
على المسجد الأقصى
ولقد كان تكثيف التضييق على المقدسيين ، وعلى القيادات المقدسية ، وعلى القادمين فى مسيرات البيارق ، متزامنا مع تصاعد المحاولات الرامية لمحاولة إقرار واقع جديد فى الأقصى ، فالمواجهات الواسعة التى امتدت طوال اسبوع احتفال اليهود بعيد "العُرش" فى أكتوبر 2009 كانت قد سبقتها مباشرة فى إبريل من العام نفسه محاولة اقتحام جماعية يهودية للأقصى تصدى لهم المقدسيون خلالها ولم يتمكن اليهود من الاقتحام . أيضا كان قد سبقها خلال شهر رمضان فى أغسطس من العام نفسه حالة تم فيها بدون إعلان مسبق دخول عدد من اليهود إلى باحات الأقصى وقيامهم بأداء طقوس تلمودية مبكرا فى الثامنة صباحا ، حيث دخلوا بلا ضجيج باعتبارهم ضمن مجموعة للسياحة الداخلية ، ومثل هذه المجموعات الصغيرة يتناثرون من حين إلى آخر ويدخلون عادة من باب المغاربة الذى كانت السلطات الإسرائيلية قد استولت على مفاتيحه عند احتلال القدس باعتباره الباب المجاور لحائط البراق الذى كانوا أيضا قد استولوا عليه فى بدء الاحتلال وأطلقوا عليه اسم حائط المبكى .
نعود إلى المجموعات الكبيرة التى تعلن عن نفسها وعن غايتها فنرصد أن محاولاتها لدخول الأقصى أيضا قد أصبحت متكررة بشكل متتابع ، فبعد محاولة الدخول الكبرى فى عيد العُرش تكررت محاولة أخرى كبرى كشكل للإلحاح الإسرائيلى من أجل بسط سيطرتهم على الأقصى واستنزافهم للمقدسيين من يوم إلى يوم ، على أمل أنه بتكرار محاولات الاقتحام ستفتر حدة تصدى المقدسيين لهم .
فقد لحق سريعا بمحاولة الاقتحام الكبرى خلال عيد العرش فى أوائل أكتوبر2009 محاولة تالية بعد أقل من اسبوعين . اشتركت خلالها 30 جماعة يهودية إسرائيلية فى الإعلان عن عزم أفرادها على أداء الصلاة بداخل الأقصى أو جبل الهيكل حسب التعبير الذى يحرصون عبره على تزوير اسم المسجد الأقصى ، أما المناسبة فى تلك المرة فكانت أنه التاريخ الذى يتزامن مع ما يطلقون عليه "يوم صعود الرمبام إلى جبل الهيكل" .
وكلمة "الرمبام" مكونة من الحروف الأولى من "رابى موشيه بن ميمون" حيث المقصود ب"رابى" هو الحاخام أو الفقيه و"موسى بن ميمون" هو أحد أهم الفلاسفة والمفسرين اليهود فى العصور الوسطى واشتهر باسم "الرمبام" ، وقد ولد فى الأندلس خلال القرن الثانى عشر الميلادى ثم انتقل إلى فاس بالمغرب ثم إلى فلسطين ، كما أقام فى مصر خلال زمن القائد صلاح الدين الأيوبى حيث كان زعيما للطائفة اليهودية فيها ، كما كان من المقربين للبلاط أثناء تلك الفترة بوصفه طبيب فى بلاط السلطان .
الغريب أن إعلان هذه الجماعات عن الاحتفال بذكرى صعود الرمبام (موسى بن ميمون) جبل الهيكل لا تمثل عيدا ، بل إن الزيارة أصلا ليست مؤكدة تاريخيا . إذن فهم يقومون بافتعال التواريخ للاستمرار فى محاولاتهم لاقتحام المسجد الأقصى وإرهاق المقدسيين من تتابع تصديهم لمحاولات الاقتحام .
هذه الدعوة لم تقتصر على الجماعات اليهودية وحدها ، بل لقد شارك فى المؤتمر الصحفى الذى عقد من أجل الإعلان عنها وقتها خمسة من أعضاء الكنيست الإسرائيلى .
كما تزامنت تلك الدعوة مع مطالبات فى الصحافة الإسرائيلية تتضمن أنه قد آن الأوان لما أسموه بضرورة المساواة بين اليهود والمسلمين فى ممارسة حق الصلاة بجبل الهيكل حسب تعبيرهم الذى يقصدون به مساواتهم بالمسلمين فى دخول الأقصى للصلاة وإقامة شعائرهم اليهودية .
أما على الجانب الفلسطينى فقد ذكر وقتها قاضى قضاة فلسطين الشيخ تيسير التميمى أن السلطات الإسرائيلية قد أعطت الضوء الأخضر للجماعات اليهودية المتطرفة باقتحام المسجد الأقصى ، وأن عمليات تدريب واسعة قد قام بها أفراد من الشرطة الإسرائيلية لاقتحام المسجد وحماية أعضاء تلك الجماعات التى كانت قد قامت بتوزيع ملصقات تدعو لحشد أنصارهم بالقرب من مدينة القدس تمهيدا لعملية الاقتحام . إنما فى الموعد المحدد تصدى لهم المقدسيون ودارت مواجهات شرسة بين المسلمين المرابطين بالمسجد الأقصى وبين قوات الاحتلال التى اقتحمت باحات المسجد وقامت باعتقال عدد من حراسه وعدد من المصلين بداخله ، كما اعتدت بالهراوات وقنابل الغاز والصوت عليهم ، واتسعت المواجهات ضد جنود الاحتلال فامتدت إلى البلدة القديمة وذلك بعد أن قامت قوات الاحتلال بمنع دخول المسلمين إلى المسجد الأقصى وإعلانه منطقة عسكرية مغلقة محظور الوصول إليها . وقد دارت أعنف المواجهات بالحجارة فى مشهد أعاد للأذهان مشاهد انتفاضة الحجارة الأولى ، وخاصة تلك المواجهات التى وقعت بحى باب رأس العمود حيث كان الشباب الفلسطينيون يستدرجوا الجنود إلى الشوارع الضيقة التى يخشاها الإسرائيليون بشدة ويمطرونهم بوابل من الحجارة .
بالطبع تمت اعتقالات ، ومن جديد صدرت أحكام بالإبعاد . فى الوقت الذى لم تكن قد انتهت فيه بعد مدة إبعاد الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية ونائبه الشيخ كمال الخطيب خارج القدس طبقا للأحكام التى كانت السلطات الإسرائيلية قد حكمت بها ضدهما عقب اعتقالهما خلال تصدى المسلمين لمحاولة اقتحام اليهود للأقصى التى سبقت هذه المحاولة مباشرة خلال عيد "العُرش" اليهودى ، فكان القرار بالإبعاد عن الأقصى هذه المرة من نصيب الشيخ "علي أبو شيخة" مستشار الحركة الإسلامية لشؤون القدس والأقصى ، مع اعتقال وإبعاد عدد من المقدسيين .
لكن كانت الحصيلة الرئيسية هى نجاح المسلمين بالقدس مجددا فى منع اليهود من اقتحام الأقصى وممارسة شعائرهم فيه .
إنما اتضح عبر هذه المحاولة التى تبعت سريعا بسابقتها والتى لحقت بها محاولات صغيرة جديدة دخل فيها يهود بأعداد قليلة تحرسهم قوات من الشرطة باعتبارهم طلبة فى كلية الأثار كما حدث فى 9 يناير2010 أو باعتبارهم يقومون بزيارة سياحية ويستكشفوا الأماكن وهم يحملون خرائط للهيكل المزعوم كماجرى فى 11 يناير 2010 ، ثم من جديد فى 26 يناير 2010 حيث تجولت مجموعة يهودية فى حماية الشرطة ليس فى ساحات المسجد فقط وإنما أيضا فى المصليات المسقوفة سواء الجامع القبلى أو مسجد قبة الصخرة أوالمصلى المروانى بصحبة مرشد يشرح لهم من خريطة يحملها تتضمن رسم للهيكل ، إتضح من تكرار مثل هذه المحاولات أن هناك ما يؤكد بشكل عملى على ما أعلنه الإسرائيليون صراحة من أن ما يسمونه "معركة إثبات السيادة على جبل الهيكل" ، والمقصود معركة إثبات السيادة على المسجد الأقصى ، قد بدأت .
معارك منسية
هل هذه المحاولات المتتابعة هى أمر غير معهود من قبل .
● إرهاصات هذه المعركة تناثرت خلال السنوات الماضية بدون تسليط الأضواء عليها عربيا وعالميا . على الرغم من أن المقدسيين قد سبق أن استبسلوا فى العديد من المعارك أو المواجهات التى خاضوها ضد محاولات الإسرائيليين لاقتحام الأقصى ، وخاصة خلال أواخر السبعينات مع بدايات تغلب الرأى اليهودى القائل بشرعية إقامة الشعائر التلمودية فى المسجد الأقصى ، حيث بدأت تظهر بالتالى محاولات جماعية وليس فقط فردية لاقتحام الأقصى من أجل إقامة الصلاة اليهودية فيه .
وكانت أبرز هذه المحاولات الجماعية هى محاولة قامت بها كل من جماعة "أمناء الهيكل" و"كاخ " فى عام 1979 ، فتصدى لهم حوالى عشرين ألف من المقدسيين الذين تجمعوا للصلاة فى المسجد الأقصى ، ثم دارت بينهم وبين الشرطة الإسرائيلية التى كانت قد جاءت لحماية اليهود مواجهات شديدة ، ترتب عليها سقوط عشرات الجرحى الفلسطينيين ، إلا أن الله قد كتب لهم النجاح فى حماية الأقصى المبارك ومنع اليهود من إقامة شعائرهم التلمودية فيه .
بعدها انتقل الحاخامات الذين تعتمد الجماعات اليهودية على فتواهم بجواز صلاة اليهود فى المسجد الأقصى ، إنتقلوا من مجرد الإفتاء إلى البحث حول الوسائل التى عليهم اتباعها من أجل السيطرة على المسجد الأقصى ، ومن أجل مناقشة هذا الأمر عقدوا مؤتمرا عاما بعد شهور قليلة من محاولة الاقتحام الفاشلة ، حيث أقاموا مؤتمرهم هذا فى ابريل 1980 .
ويبدو أنهم قد قرروا مواصلة محاولات الاقتحام مهما فشلت . وبالفعل تكررت المحاولات ، بالذات خلال الأعياد الدينية اليهودية لكن فشلت جميع المحاولات سواء المحاولة التى فى يناير 1981 أو المحاولة التالية لها فى شهر مايو من العام نفسه .
ثم تكررت محاولات أخرى لاقتحام المسجد الأقصى فى كل من فبراير وبعدها فى مارس ثم فى إبريل عام 1982 ، ولقد تضمنت المحاولة التى جرت فى مارس أمرا خطيرا وهو أن اليهود الذين قاموا بها كانوا مزودين بأسلحة نارية ، لكن الحراس العرب اشتبكوا معهم ونجحوا فى حماية المسجد .
كذلك دخل السلاح من جديد إلى المسجد الأقصى على يد جندى صهيونى اسمه "إيلى جثمان" الذى أطلق النار على حرس المسجد فقتل اثنين منهم ، وتمكن من الوصول إلى قبة الصخرة مما أدى إلى وقوع مصادمات بين المسلمين وسلطات الاحتلال الإسرائيلى أسفرت عن سقوط تسعة شهداء ، ومئة وستة وثلاثين جريحا فلسطينيا .
وفى العام التالى 1983 ، ومن جديد فى موسم الأعياد اليهودية جرت محاولات لاقتحام المسجد الأقصى فى منتصف شهر مارس ولما تصدى لهم المقدسيون وفشلوا عادوا فكرروا المحاولة من جديد فى شهر مايو من العام نفسه وأيضا تكرر الفشل .
ثم خلال الموسم نفسه فى عام 1984 جرت من جديد محاولة فاشلة من مجموعات يهودية لاقتحام الأقصى . وظلت مثل تلك المحاولات تتكرر تباعا فى موعد الأعياد طوال السنوات التالية ، كما استمر فى الوقت نفسه تجدد نجاح المقدسيين فى حماية المسجد الأقصى بأجسادهم وكأنهم دروع بشرية .
إلى أن جاء عام 1990 ، حيث حدث تطور جديد فى مضمون محاولات الاقتحام اليهودية للمسجد الأقصى ، ففى ذلك العام جرت محاولة كبرى من جماعة "أمناء جبل الهيكل" ليس لاقتحام المسجد الأقصى لتأدية الصلاة اليهودية فقط ، وإنما أيضا من أجل وضع حجر الأساس للهيكل المزعوم داخل ساحة المسجد , فتصدى لهم المقدسيون ببسالة ، فى الوقت الذى تدخل الجنود الصهاينة ضد المسلمين مما أدى إلى ما يشبه المجزرة حيث استشهد وقتها 22 فلسطينيا ، وأصيب حوالى 200 فلسطينى آخرين بجراح .
ثم تواصلت خلال السنوات العشر التالية محاولات الاقتحام وعمل ما يشبه بالونات الاختبار لقياس مدى تمسك المقدسيين بمواصلة التصدى للمقتحمين ، وتعددت أشكال محاولات الاقتحام ، ما بين الدخول بأعداد صغيرة تحت اسم السياحة الداخلية خاصة عن طريق باب المغاربة الذى سبق للسلطات الإسرائيلية الاستيلاء على مفاتيحه بمجرد احتلالهم القدس عام 1967 ، وما بين اكتشاف محاولات تخريبية من بعض اليهود ضد الأقصى ، كما تضمنت تلك الفترة التضييق على الحق الطبيعى للمسلمين فى صيانة الأقصى كأحد أهم المقدسات الإسلامية .
انتفاضة الأقصى
إلى أن كانت محاولة الاقتحام الهامة التى فجرت انتفاضة الاقصى ، تلك المحاولة التى لا تعود أهميتها فقط إلى نتائجها الواسعة ، وإنما فى الوقت ذاته بسبب الإسم الذى دعا إليها .
الإسم الأشهر بالطبع كان "شارون" رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق .
●تماما ، أما المحاولة الشهيرة فكانت كما هو معروف تزعمه دخول المسجد الأقصى عام 2000 ، مما أدى إلى اندلاع الانتفاضة الثانية المعروفة باسم انتفاضة الأقصى ، والتى حملت هذا الإسم انطلاقا من أن المحرك الأساسى لها كان دخول "شارون" والذين معه إلى ساحات المسجد الأقصى فى حماية القوات الإسرائيلية . إلا أن زحمة تكدس الأحداث ربما أدت إلى أن ضاع من ذاكرة البعض أن الغاية الأولى للانتفاضة قد كانت حماية المسجد الأقصى .
ولمن نسى فإننا نحاول تنشيط الذاكرة حول أن ما يكرره الإسرائيليون من محاولات لاقتحام المسجد الأقصى وإقامة شعائر تلمودية فيه هو نفسه ما كان قد سبق وحاول "أريئل شارون" القيام به فى حراسة ثلاثة آلاف جندى إسرائيلى يوم 28 سبتمبر 2000 مما أدى إلى بدء انتفاضة الأقصى ، فقد قام "شارون" وقتها وهو رئيسا لحزب الليكود المعارض بالحصول على موافقة رسمية بزيارة الأقصى او جبل الهيكل حسب ما يزيفون به اسمه ، وكانت تلك الموافقة متضمنة أن السلطات الإسرائيلية مسئولة عن تأمين الزيارة ، فهو لم يكن ذاهبا للسياحة أو لمشاهدة الأقصى كأحد المعالم الإسلامية ، إنما كان ذاهبا من المنطلق نفسه الذى من حين إلى آخر ترفعه مجموعات يهودية فى محاولات لتقرير أمر واقع حول حقهم فى أداء صلواتهم بالأقصى . لكن الفلسطينيين تصدوا له وللوفد الذى رافقه من أعضاء حزبه وقتها (الليكود) ، وتطورت المواجهات حيث اندلعت انتفاضة الأقصى .
ولمن نسى فعلينا إيقاظ الذاكرة أيضا حول أن السبب الذى فسر به وقتها "شارون" قيامه بالذهاب للمسجد الأقصى هو قوله بأنه ذاهب لزيارة جبل الهيكل مبررا ذلك بأنه حريص على الذهاب من أجل زيارة أكثر الأماكن قدسية عند اليهود حسب تعبيره .
نلاحظ أنه لم يقل أنه ذاهب لزيارة الأقصى ، فقد تعمد تجاهل أن هذا المكان هو مسجدنا الأقصى ، وأيضا تعمد كغيره من الإسرائيليين استخدام اسم "جبل الهيكل" على المسجد الأقصى بما يضمه من باحات ومنشآت .
بالتالى فحين نتحدث حول ما فعله المقدسيون فيما بعد خلال أكتوبر 2009 من الرباط بالمسجد الأقصى والتصدى بصدورهم لليهود الذين أرادوا الصلاة فى الأقصى لادعاء هؤلاء اليهود أنهم بذلك يؤدون الصلاة فى الهيكل باعتبار زعمهم أن الأقصى مقاما فوقه ، فعلينا أن نستعيد من الذاكرة أن هذا هو نفسه ما سبق أن فعله المقدسيون الأبطال حين تصدوا بصدورهم لشارون ومن معه وللقوات الإسرائيلية الداعمة له . وأنه مثلما امتدت المواجهات خلال أكتوبر 2009 إلى البلدة القديمة بالقدس فقد كان هذا هو أيضا ماجرى عند زيارة شارون الشهيرة .
أما امتداد المظاهرات الرافضة للمساس بالأقصى لتنتشر فى مختلف المدن الفلسطينية وكذلك العربية التى امتدت إليها اعتراضا على اقتحام شارون ومن معه لأولى القبلتين فهو الأمر الذى لم يتكرر عند محاولة اقتحام اليهود للأقصى فى 2009 ، فلقد انكمش الاحتجاج وصار مقتصرا على ما يقوم به المقدسيون وحدهم ، بالإضافة إلى بعض احتجاجات محدودة ومتناثرة فى بقية المدن الفلسطينية وفى قليل من الدول العربية ، إنما دون أن يصل الاحتجاج إلى المدى الذى يشبه أو حتى يقترب مما جرى فى انتفاضة الأقصى ردا على محاولة شارون دخول الأقصى من قبل باعتبار زعمه أنه جبل الهيكل .
أما عند النظر إلى المشهد على الجانب الإسرائيلى وقت دخول شارون للأقصى فى 28 سبتمبر 2000 ثم وقت محاولة الاقتحام الكبير فى أكتوبر 2009 فسنلاحظ أن الصهاينة قد تصاعد بينهم الزعم بأن المسجد الأقصى مقاما فوق جبل الهيكل ، وأن هذا التصاعد لم يعد مقصورا على مجموعات يهودية محدودة ، إنما هو يزداد تغلغلا بين الإسرائيليين . كما نلاحظ أن الذين يزعمون بهذا لم يعد يكفيهم أن يعلنوا ادعاءهم بأحقيتهم فى المسجد الأقصى باعتباره كما يزعمون مقاما فوق الهيكل بل ويصممون على أن يتبعوا هذا بالتجرؤ على المقدسات الإسلامية واقتحام المسجد الأقصى تحت زعم أن ما يقومون به ليس إلا زيارة لجبل هيكلهم بحسب ما يصفونه .
الحرب والصلاة
إنما مع تجرؤ الإسرائيليين على مقدساتنا وتكرار محاولاتهم لاقتحام الأقصى فإن الفلسطينيين كعادتهم فى ابتكار أسلحة غير مألوفة وفى الوقت ذاته لا يسهل على الإسرائيليين وقف مفعولها ابتكروا سلاحا مناسبا لساحة الحرب هذه المرة ، فكان السلاح هو : الصلاة .
كيف ؟
● قد يظن البعض للوهلة الأولى أن المقصود بسلاح الصلاة هو الدعاء ، لكن ما أقصده هو أنه انطلاقا من أن المرحلة الحالية من الحرب مع الإسرائيليين قد تجددت بسبب تصميمهم على انتهاك حرمة المسجد الأقصى كبداية للتخلص منه وإقامة هيكلهم مكانه ، بالتالى فإن مواظبة الفلسطينيين على أداء صلاة الجماعة بالمسجد الأقصى هو أمر يشكل حماية للمسجد وتخويف لمن يريدون المساس به .
من هنا جعل المقدسيون من صلاة الجماعة سلاحا ، تفرع منه سلاح دينى آخر هو "الاعتكاف" بالمسجد الأقصى ، بما تتضمنه عبادة الاعتكاف من أمور تساعد على تقوية إرادة المسلم عبر الصلاة والدعاء وقراءة القرآن ، مع اقتران كل هذا بالإقامة فى المسجد ، فيتحقق عبر الإقامة بالمسجد ما تحققه الاعتصامات ، إنما باستخدام طريقة دينية لها مذاق يخاطب فطرة فى الوجدان .
فالصلاة والاعتكاف بالأقصى تتواصل بها تلك الأسلحة التى قامت الانتفاضة من قبل بتفعيلها ، وعلى رأسها سلاح "الحجارة" التى يرجم الفلسطينيون بها الجنود الإسرائيليين ، والتى تزداد قوتها عند استخدامها لما تحمله فى الوجدان المسلم من رمز لرجم الشيطان خلال شعائر الحج ، ومن رجم أصحاب الفيل بجيشهم الذى تجرأوا به فى محاولة لهدم بيت الله الحرام بمكة خلال عام الفيل الذى شهد ميلاد سيدنا محمد عقب معجزة قيام الطير الأبابيل برجم جيش الأعداء بحجارة من سجيل ، إذن فالحجاروة من جديد يحملها شباب كالطير الأبابيل ، ويرجموا بها جنودا مدرعين كالأفيال يرغبون فى القضاء على المسجد الأقصى ثانى بيت فى الدنيا لعبادة الله تعالى بعد المسجد الحرام الذى حماه الله سبحانه بحجارة من سجيل ألقاها طير أبابيل على الجيش المقتحم بالأفيال .
هناك مسلمون وعرب يقارنون بين قوة الإسرائيليين عسكريا وقوة المسلمين ثم لا يفعلون شيئا من أجل المسجد الأقصى ويقولون "للبيت رب يحميه" .
● لم يحاول المقدسيون أن يقارنوا بين إمكانياتهم وبين أسلحة سلطات الاحتلال الإسرائيلى لتبرير التخاذل عبر استخدام مقولة "للبيت رب يحميه" فى غير موضعها ، لأنهم يدركون أن الله قد أرسل الطير يحمى المسجد الحرام خلال العام الذى ولد فيه سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، حيث لم يكن الإسلام قد ظهر بعد فلم يمنح الله سبحانه شرف الدفاع عن بيته الحرام للمشركين الذين هدموا الجانب الروحى فى البيت الحرام بعبادتهم للأصنام فى داخله ، فلم يشرفهم بالقيام بحماية البيت كبناء مادى ، وأرسل سبحانه معجزة من السماء فأنقذ البيت الحرام كبناء مادى ، ثم جعل لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام مهمة الناحية الروحية ، وذلك بتطهير الكعبة من الأصنام والشرك بالله سبحانه . أما الآن وقد انتشر الإسلام ، بالتالى فقد أصبح الدفاع عن أولى القبلتين شرف يمنحه الله بإذنه لمن يستحقه من المسلمين الذين ينصرون الله سبحانه ، ويتصدون بأعدادهم القليلة وصدورهم العارية وظهورهم المكشوفة ولسوف ينصرهم الله بإذنه ، أما الذين يكتفوا بتكرار القول "للبيت رب يحميه" ، فسواء كان السبب هو لعدم الوعى المخلوط بالأمل فى حماية المسجد الأقصى الذى تهفو النفوس إليه ، أو كان البعض عبر هذا السياق يردد ذلك خنوعا وكسلا عن الجهاد فى سبيل حماية أولى القبلتين بطريقة أقرب إلى ما قاله اليهود لسيدنا موسى عليه السلام حين قالوا له "إذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون" .
بغض النظر عن نوايا القاعدين فى بقية الدول الإسلامية ، فلقد تحمل أهل القدس المسئولية كعادتهم ، وواصلوا الابتكار فى الأسلحة . فعلى غرار الابتكار باستخدام سلاح الحجارة استمرت ابتكاراتهم فى مواجهة اليهود ممن يريدون اقتحام ثانى بيت وضع لعبادة الله سبحانه ، فكان السلاح المناسب ضد الأخطار المدبرة للتخلص من المسجد الأقصى هو الحرص على الصلاة والتواجد فيه .
وكيف تم نشر الدعوة لاستخدام هذا السلاح .
● كان ذلك عن طريق مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية التى لم تحصر عملها على إعمار المسجد بالطرق المعتادة من تجديد للأروقة وللأعمدة وما إلى ذلك ، إنما اتسعت نظرتها لفكرة الإعمار لتصبح إعمار المسجد بالعبادة التى أقيم من أجلها ، إعماره بالروحانيات عبر تواجد المصلين وتحفيزهم من أجل اغتنام الصلاة فيه مع توفير سبل تيسير وصولهم لأداء الصلاة فيه ، كذلك عقد مجالس العلم بداخله لكل من الكبار وأيضا للصغار كوسيلة للمزيد من ربط المقدسيين بالمسجد الأقصى المبارك .
ولقد بدأت فكرة استخدام سلاح الصلاة والتواجد فى المسجد الأقصى تتجلى بوضوح منذ يوليو2001 حين تجرأ أعضاء جماعة أمناء جبل الهيكل وأعلنوا أنهم سيضعوا حجر أساس للهيكل فى الأقصى • فجاء تصدى المقدسيين لهم وقتها عبر طريقة مستوحاة مما فعله القائد صلاح الدين الأيوبى مع الصليبييين بعد تحريره للقدس حين حدد يوما أطلق عليه اسم "مسيرة البيارق" تم فيه استنفار المسلمين من كل مكان ليزحفوا إلى الأقصى بعشرات الآلاف كى يأتوا ابتغاء وجه الله للصلاة فى ثالث مسجد تشد إليه الرحال فى الإسلام بعد المسجد الحرام والمسجد النبوى ، بما حققه هذا فى ذلك الوقت من ربط للمسلمين بالأقصى دفاعا عنه من ناحية ، ومن ناحية أخرى كى تؤدى استجابة الآلاف القادمين من مختلف البلاد الإسلامية إلى إلقاء الرعب فى قلوب الصليبيين من ناحية أخرى . وهى المسيرة التى عُرفت باسم "مسيرة البيارق" ، ولقد جاءت التسمية من البيارق أى الأعلام أو الرايات التى كانت ترفعها كل مجموعة من الحشود القادمة ، وكذلك لأن البيارق هى فى الوقت نفسه الأنوار أو المشاعل التى كانوا يرفعونها ليلا .
وإضافة لهذا التفسير اللغوى فإن فى تسمية "البيارق" ما يوحى بضياء الأنوار التى تملأ الدنيا باستجابة المسلمين لنداء النفير بأن انهضوا للدفاع عن المسجد الأقصى .
ولقد قامت مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية بإحياء هذه التسمية الموحية واستخدامها فى دعوتها للمسلمين بأراضى ال 48 كى يتوجهوا إلى المسجد الأقصى فى اليوم نفسه الذى كان اليهود قد أعلنوا أنهم سيقتحمون فيه الأقصى ، حيث قامت مؤسسة الأقصى بتسيير حافلات حملت المسلمين من عدة مدن فلسطينية بالمناطق المحتلة عام 1948 باعتبارها المناطق التى يتم السماح بالانتقال منها لزيارة القدس التى لا يستطيع أن يدخلها المقيمين فى غزة ، كما لا يستطيع أن يدخلها الفلسطينيون المقيمون بالضفة الغربية إلا عبر تصاريح من الصعب استخراجها .
ومن ناحية أخرى فقد حرص الداعون إلى مسيرات البيارق التى يتم تنظيمها من أجل الصلاة فى الأقصى أن يطلبوا من المسلمين بأن تكون الصلاة فى الأقصى وهو تحت الاحتلال الإسرائيلى واجبا على المقدسيين وسكان الأراضى التى تحتلها إسرائيل منذ عام 48 وحدهم ، وطالبوا بعدم مجئ العرب أو المسلمين من الدول الأخرى حتى لا يشوب الهدف النبيل شائبة التطبيع مع العدو ، إلا إذا تم فتح باب الجهاد ، عندها لن تكون الصلاة فى الأقصى بتأشيرة سياحية إسرائيلية .
لكن هناك رأى يؤيد زيارة المسجد الأقصى بتأشيرة إسرائيلية ويستشهدوا بقول الزعيم الفلسطينى الراحل "فيصل الحسينى" وهى : "زيارة السجين لا تعنى التطبيع مع السجان" .
● لكن هناك أيضا من يستشهد بأبيه الشهيد عبد القادر الحسينى وتمسكه بنهج المقاومة عام 1948 ، إلى درجة أنه حين عز توفير السلاح وطلب من الجامعة العربية إمداده بالسلاح لمواصلة الجهاد ، ولم يحصل على ما طلبه ، أرسل وقتها للأمين العام لجامعة الدول العربية رسالة يحمله فيها مسئولية عدم إمدادهم بالسلاح بالرغم من انتصاراته ومن معه من المجاهدين .
مع ذلك لم يتحجج الشهيد عبد القادر الحسينى بقلة السلاح للقعود مع القاعدين ، إنما قرر مواصلة الدفاع عن الطريق إلى القدس ولو بجسده هو والمجاهدين معه الذين ما بدلوا تبديلا ، حيث أعلنها صريحة عام 1948 "إما النصر أو الشهادة" فنال شرف الشهادة ، وكان استشهاده دفاعا عن القدس ، ولم تسقط القدس وقتها .
أما فكرة زيارة السجين فإذا كان القصد هو ألا تنقطع الصلة مع السجين ، إذن فمن باب أولى تنفيذ مطلب السجين الذى هو أهل القدس والذين اختاروا انطلاقا من الأحوال التى يعرفونها هم أكثر من غيرهم أنهم لا يحتاجون زيارة الخنوع ، وإنما هم يريدون التواصل عبر وسيلة أهم يتجاهلها تماما دعاة تغليف التطبيع فى ورق سوليفان ، فأهل القدس يريدون التواصل عبر القيام بنقل رسائلهم التى يرسلونها لنا والتى يسجلون فيها حالهم وحال المسجد الأقصى الأسير بأن يتم توضيح الصورة أمام العالم حول أن السجان ينزع أظافر السجين ، ومن بعد نزع الأظافر تحول إلى قطع أصابعه ، وأن السجان يتصرف تصرفات من يريد أن يدمر السجين تماما ، إنها رسالة أهل القدس التى لا ينقلها العرب عنهم إلى الدنيا حول أن إسرائيل لم تحفر فقط تحت المسجد الأقصى وتقتطع الأجزاء منه ومن الأرض المباركة حوله ، إنما تسير أيضا فى طريق التخلص منه ومنهم ، ولقد طالب المقدسيون بهذا عبر العديد من المؤتمرات الصحفية التى عقدوها مع كل اكتشاف لنفق جديد يتم حفره تحت المسجد الأقصى ومع كل افتتاح لكنيس تحت المسجد الأقصى ومن حوله ، لكن وسائل إعلام العرب لا تنقل النبأ ، وإذا نقلته تضعه فى مكان منزو ، بدلا من أن يتصدر نشرات أخبارها ، فالعرب لم يحجبوا عن الرأى العام العالمى فقط ما يبثه أهل القدس من أخطار تم تنفيذها بالفعل ضد المسجد الأقصى ، لكنهم فى الوقت ذاته قد حجبوا هذه الأنباء الخطيرة عن المواطن العربى أو فى أفضل الأحوال تعاملوا معها بروتينية أو بعيدا عن عوامل الجذب ، بالإضافة لإغراق الجمهور العربى فيما هو بعيد تماما عن الخطر الذى يهدد المسجد الأقصى .
وماذا عمن يقولون أن زيارة المسجد الأقصى واجبة باعتباره ثالث المساجد التى يشد إليها الرحال بعد المسجد الحرام والمسجد النبوى طبقا للحديث النبوى الشريف .
● الحديث النبوى الشريف يخص المسجد الأقصى عن بقية المساجد التى يشد إليها الرحال بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال أن من لا يستطيع زيارة المسجد الأقصى "فليبعث بزيت يُسرج فى قناديله" .
فالذى لا يستطيع الذهاب إلى المسجد الأقصى يصبح عليه طبقا للحديث الشريف أن يعمل على المساهمة فى بقاء المسجد الأقصى مضاء كناية عن أن يحرص على عمارته ، فما بالنا حين يكون الحال كما هو اليوم حيث يحاول اليهود التخلص منه تماما ، بالتالى فالعمل على توعية الناس بما يفعله الإسرائيليون ضد المسجد الأقصى هو نوع من الزيت الذى يسرج فى قناديل المسجد الأقصى كى يظل قائما ومنيرا ومنارة ، والتبرع لأهل القدس المدافعين عن الأقصى الذين تحاول إسرائيل أن تضيق عليهم فتفرض ضدهم الضرائب المرتفعة كى يتركوا المدينة هو نوع من الزيت الذى يسرج فى قناديله ، والتبرع لمسيرات البيارق التى تسير الحافلات المجانية إلى المسجد الأقصى من مختلف أراضى ال 48 هى نوع من الزيت الذى يظل به المسجد الأقصى عامرا بالمسلمين وعصّيا على الاحتلال بإذن الله سبحانه . الدفاع عن المسجد الأقصى ماديا ومعنويا هو بإذن الله فى مقام الزيت الذى يسرج فى قناديله .
نعود إلى مسيرة البيارق عام 2001 ، وإلى أى مدى نجحت فى صد محاولة اليهود لوضع
حجر الأساس للهيكل داخل المسجد الأقصى ؟
● لقد شهدت الدعوة إلى المشاركة فى مسيرات البيارق إقبالا مبهرا وجاء المسلمون وقتها من أراضى ال 48 بأعداد عظيمة ، ونجحت مؤسسة الأقصى فى حماية أولى القبلتين بهذه الطريقة .
وعلى الرغم من صعوبة التنقل عبر الحواجز العسكرية الإسرائيلية ، فإن مؤسسة الأقصى قد واصلت بعد ذلك الدعوة إلى مسيرات البيارق عبر تسيير حافلات مجانية للأقصى من أجل إعماره بالمصلين ، بما صار يمثله هذا من محاربة للأعداء عبر استخدام سلاح روحى ودينى وجميل وممتع . سلاح لا يتم تصنيعه فى ورش يسهل ضربها ولا عبر تهريب يمكن اكتشافه ، إنما هو سلاح يصنعه المؤمنون من أرواحهم عبر أدائهم للصلاة جماعة فى ثالث المساجد التى تشد إليها الرحال ويتضاعف فيها الأجر والثواب ، فما بالنا حين يضاف إلى أجر الصلاة أجر الجهاد ضد من يحتل المقدسات .
وبمواصلة مسيرات البيارق تجدد نجاح المقدسيين فى التصدى للإسرائيليين ومن ذلك تظاهرهم عقب الصلاة فى مايو 2003 ، ضد دعوة وزير الأمن الإسرائيلى وقتها بضرورة السماح لليهود بالصلاة في ساحة المسجد الأقصى حيث وقعت مواجهات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية والمصلين .
وحين أدركت سلطات الاحتلال أن المقدسيين يحاربونهم عبر الصلاة بالأقصى بدأت تضيق على وصول المصلين إلى المسجد الأقصى ، خاصة بالتزامن مع محاولات الجماعات اليهودية الاستفزازية التى تتوقع معها الشرطة الإسرائيلية المصادمات مع المقدسيين .
وقد بدأ هذا التضييق يظهر بوضوح أكبر مما كان عليه من قبل ، وذلك مع إعلان جماعة "أمناء جبل الهيكل" عن ترتيبهم لاقتحام المسجد الأقصى فى أكتوبر 2004 تزامنا مع عيد "العُرش" اليهودى وهو العيد الذى تتكرر فيه تلك الدعوات من الإسرائيليين .
جاءت محاولة الاقتحام اليهودية كعادتهم من باب المغاربة الذى تسيطر سلطات الاحتلال على مفاتيحه ، وكان مكان التجمع لهم هو أمام حائط البراق (الذين يقولون عنه أنه حائط المبكى) . وعلى الرغم من تضييق قوات الشرطة على المسلمين لمنعهم من الوصول إلى الأقصى فقد نجح المقدسيين فى إفشال محاولة الاقتحام .
ثم بسرعة بعد شهور حل موعد العيد الآخر الذى يحرص اليهود على الاحتفال به على نطاق واسع وهو عيد الفصح فى شهر إبريل عام 2005 ، ومن جديد حاولت مجموعات كبيرة من اليهود بدعوة من جماعة أمناء جبل الهيكل معاودة محاولة اقتحام الأقصى للصلاة فيه قائلين كما صار معتادا أنهم ذاهبين للصلاة فى جبل الهيكل ، إنما تصدى لهم الفلسطينيون ، ومن جديد بدأ التصدى عن طريق قيام مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية بدعوة فلسطينيى أراضى ال 48 وأهل القدس للمشاركة فى الصلاة بالمسجد الأقصى لحمايته ممن يريدون اقتحامه . ومن جديد نجح المصلون المسلمون بفضل الله فى حماية مسجده .
فإذا بمنظمة يهودية أخرى هى "ريفافاه" تعلن عن نيتها لتنظيم اقتحام جماعى آخر بأكثر من عشرة آلاف من أنصارها للمسجد الأقصى ، على أن يتم ذلك الاقتحام خلال الشهر التالى مباشرة ، وذلك فى التاسع من شهر مايو خلال العام نفسه .
وأمام هذا التحدى توسعت مؤسسة الأقصى فى استخدام طريقة مسيرة البيارق نفسها التى ثبتت فعاليتها فى محاربة اليهود المقتحمون ، إنما مع توسع أكبر كى يكون الحشد من أجل الصلاة فى الأقصى بأعداد أكثر ، وجاء نداء الحشد وقتها تحت اسم "يوم الحشد والرباط" بالمسجد الأقصى ، فنظمت المؤسسة وقتها حملة إعلامية للتعريف بالمخاطر المحيطة بالمسجد الأقصى ، حيث دعا الشيخ عكرمة صبرى مفتى القدس والديار الفلسطينية وقتها إلى النفير العام من أجل التصدى للتهديدات الصهيونية باقتحام المسجد الأقصى المبارك . وأكدت المؤسسة فى بيان أصدرته وقتها على أن المسجد الأقصى يمر بمرحلة مصيرية ، وأن المخاطر التي تهدده تتصاعد يوماً بعد يوم . ومن ناحية أخرى فقد تم الحرص فى هذا البيان على الإشارة إلى أن الجماعات اليهودية لا تواصل وحدها محاولات اقتحام الأقصى ، بل إن هذا التتابع لمحاولات اقتحام الأقصى يتم بدعم من شخصيات سياسية إسرائيلية رسمية تخطط لبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى ، أو بناء كنيس يهودى على جزء من باحاته كمرحلة تمهيدية .
وكما صار معتادا فقد تعهدت مؤسسة الأقصى وقتها بنقل آلاف المصلين من الرجال والنساء عبر "مسيرة البيارق" للصلاة والرباط بالمسجد الأقصى . كما تضمنت الدعوة إقامة برنامج يتخلله الكلمات التوجيهية والمواعظ والأدعية بمشاركة قيادات الحركة الإسلامية وعلى رأسهم الشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية ، والشيخ هاشم عبد الرحمن الناطق الرسمي باسم الحركة الإسلامية ورئيس بلدية أم الفحم وقتها .
وحان وقت الصلاة واقتربت الساعات المحددة لمحاولة الاقتحام . وكبر المصلون وركعوا وسجدوا وسلموا أمرهم لله . لقد نصروا الله سبحانه وعاودوا وقوفهم كدروع بشرية لصد محاولة المقتحمين اليهود الذين تدفقوا فى حراسة الشرطة الإسرائيلية ، ومن جديد نصر الله سبحانه المرابطين المسلمين المتمسكين بنصرة الله سبحانه فى أرض الرباط وفشلت من جديد محاولة الاقتحام اليهودية .
إذن صارت الصلاة فى الأقصى جهادا .
● صارت الصلاة فى المسجد الأقصى جهادا يقبل الجميع عليه ، ولأن السلطات الإسرائيلية قد تنبهت إلى ذلك فقد أخذت تضع العراقيل لكبح عنفوانه ، وذلك بالتقييد على الوصول إلى المسجد الأقصى عبرزيادة الحواجز العسكرية على طريقه ، وأيضا بتحديد أعمار المصلين الذين يتم السماح لهم بالصلاة ، إلى درجة أن وصلت إسرائيل إلى حد منع المصلين الذين تقل أعمارهم عن خمسين عاما من دخوله للصلاة كلما أرادت ، وهو أمر كثيرا ما تنفذه السلطات الإسرائيلية بجبروت . فهل استسلم الشباب المقدسيون لمنعهم من الصلاة بالمسجد الأقصى ، لم يستسلموا وإنما قرروا تحدى الاحتلال وأداء الصلاة فى الأرض التى بارك الله فيها حوله ، أليس الله سبحانه هو الذى وصف ما حول المسجد الأقصى بوضوح فى أول آية من سورة الإسراء بقوله تعالى : "سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله" ، وكأن الله سبحانه وتعالى ينبههم إلى ما عليهم أن يفعلوه ، فتحدوا الاحتلال الذى يمنعهم من دخول المسجد وتعاملوا مع كل أرض القدس كمسجد سواء فى شوارع القدس العتيقة الضيقة ، أو فى الشوارع المتسعة ، وأيضا إلى جوار أسوار المسجد الأقصى التى يمنعهم الاحتلال بالقوة من اجتيازها ، فصارت صورتهم منتشرين للصلاة فى كل مكان معبرة عن عدم الاستسلام للتعسف الإسرائيلى وعن التصميم على مواصلة الدفاع عن الأقصى والمدينة المقدسة من خلال التجمع للصلاة .
فتحولت ممارسة العبادة الإسلامية التى يخشى الإسرائيليون من تجمع المسلمين لأدائها داخل المسجد الأقصى إلى تجمعات يخشونها كذلك خارج الأقصى ، فيراقب الجنود الإسرائيليون المدججين بالسلاح كل من يؤدونها فى الشوارع ، يتربصون بهم فى مشاهد تقترب هيئة المصلين فيها من حالة صلاة الحرب ، حيث كثيرا ما يصطف مصلون مقدسيون للصلاة ومن خلفهم عدد من الشباب بطريقة يبدو الشباب فيها وكأنهم يقومون بحماية صفوف المصلين ضد صفوف الجنود الإسرائيليين المسلحين والمستعدين للاشتباك معهم فى أية لحظة ، حيث أصبحت جموع المسلمين فى صلاتهم من حول المسجد الأقصى يمثلون سدا آخرا ضد محاولات اليهود للصلاة فى المسجد الأقصى .
متى كانت أول مرة يدخل فيها اليهود إلى المسجد الأقصى ويؤدوا الصلاة اليهودية ؟
● حدث هذا للمرة الأولى حين هوت مدينة القدس يوم 7 يونيو خلال الحرب عام 1967 .
ففى الساحة المجاورة لقبة الصخرة بهيبة هيئتها وببركة أرضها وبركة الأرض التى من حولها ، بحلاوة نسيم هوائها رغم حرارة الصيف فى شهر يونيو 1967 ، وبروعة الجمال الذى تطل عليه الهضبة المقامة فوقها . وسط هذا الجمال المعتاد فى البقعة المباركة ، تسرب قبح كأنه تابع من توابع زلزال احتلال الصهاينة للقدس الشريف ودخولهم إلى المسجد الأقصى .
فلقد تضمن المشهد وقتها حاخام الجيش الإسرائيلى "شلومو جورين" ومعه حوالى خمسين من أتباعه يؤدون الصلاة اليهودية فى ساحة المسجد الأقصى ، نعم فى ساحة المسجد الأقصى ، ليس هذا فقط بل لقد تضمن المشهد أيضا قيام الحاخام بالنفخ فى البوق على الطريقة اليهودية من فوق أرض ساحة الأقصى المبارك ، وهو البوق المصنوع من قرن الكبش والمعروف لديهم باسم "الشوفار" والذى يتم النفخ فيه خلال عدد من المناسبات الدينية ، إنما هو أصلا يرمز إلى الدعوة للحرب وتخويف العدو .
ثم ما أن فرغ الحاخام من فعلته حتى قال للجنرال "عوزى نرجس" وهو أول جنرال من الجيش الإسرائيلى يصل إلى المسجد الأقصى كما أنه هو المصدر الذى ذكر هذه المشاهد فى مذكراته ، فقد قال له الحاخام محرضا : "هذا هو الوقت المناسب لوضع مائة كيلو جراما من المتفجرات للتخلص من المسجد نهائيا" ، لكن الجنرال رفض وقتها قائلا : "هذا أمر لا داعى له" . لم يكن رفض الجنرال نابعا من أسباب أخلاقية أو انطلاقا من أن حتى الاحتلال له أصول وأعراف وقواعد من المفروض اتباعها ، ولكن انطلاقا من اسلوب الخطوة خطوة الذى اعتاده الإسرائيليون لتحقيق ما يريدون ، ولقد كان الاستيلاء على حائط البراق والمنطقة المجاورة له وتحويله إلى حائط المبكى هو الأمر المطلوب التركيز عليه لديهم فى تلك المرحلة كى لا تتشتت جهودهم ، على أن يأتى الدور للاستيلاء على المسجد الأقصى بعد وضع الاستعدادات المدروسة اللازمة على الأرض ، وكانت أول خطوة من خطوات استعداداتهم على الأرض فى ذلك الوقت هى أن وفروا لأنفسهم ما يضمن لهم اجتياز سور المسجد الأقصى حين يشاءوا عبر استيلائهم فى ذلك الوقت على مفتاح أحد أبواب المسجد الأقصى وهو باب المغاربة ، وكان اختيارهم له باعتباره الملاصق لمنطقة حائط البراق التى ركزوا جهدهم عليها فى تلك المرحلة بدلا من أن يشتتوا جهودهم بين إحكام السيطرة على حائط البراق ، وبين السيطرة على المسجد الأقصى بكل ما للمسجد الأقصى من مكانة واضحة فى الدنيا كلها ، ولقد جاء الرد على الحاخام من الجنرال طبقا لما جاء فى مذكراته موضحا السبب بقوله : "لأن هذا سوف يثير علينا الدنيا كلها". وقتها رد عليه الحاخام مستعليا : "أى دنيا التى سوف يثيرها" . قال الجنرال مشيرا إلى بعض الذين يعمل الإسرائيليون لهم حسابا : "المجتمع الدولى ، وعلى رأسه أمريكا التي لها صداقات كثيرة تحرص عليها في المنطقة . ونحن أيضا لنا أصدقاء فى العالم الإسلامى ، مثل تركيا وإيران وإندونيسيا وباكستان، وغيرهم". إلا أن الحاخام لم يسكت ، إنما واصل الإلحاح عليه قائلا "إنك لا تستوعب الأهمية العظمى لاستغلال هذه اللحظة ، إنها فرصة يجب اغتنامها الآن وفي هذه الساعة حتى لا تضيع غدا" ، كما أخذ يحرض المنفعة الشخصية عنده قائلا له "ًإنك لو فعلت هذا ستدخل التاريخ" . إنما لأن الجنرال كان ممتلئا بالفعل زهوا عبر إتمام احتلال القدس فقد رد على الحاخام قائلا أنه بالفعل قد دخل التاريخ حين دخل (أورشليم) "القدس" .
فالجنرال بالإضافة لانتشائه باغتصاب القدس كان فى الوقت ذاته مدركا كغيره من رجال السلطة الإسرائيلية أن ما تم لهم من احتلال للقدس بأكملها هو خطوة كبيرة جدا ، وأن عليهم وضع الترتيبات اللازمة لما يجب أن يعقبها من خطوات ، قد لا يتم الإعلان عن التجهيز لتلك الخطوات قبل اتخاذها ، مع ذلك فإن عدم ظهورها يعود إلى أنهم يجهزون للإعلان عنها فى الوقت الذى يرون أنه مناسبا لحماية ما قرروه فى شأنها .
أما الحاخام فحين لم تدعمه على الفور قوات الجنرال كى يقطع خطوة واسعة على طريق إقامة هيكلهم عبر الهدم الفورى للأقصى ، فإنه هو أيضا قد لجأ إلى أسلوب الوصول لهدفه بطريقة الخطوة خطوة ، فبالمصطلحات التى صارت شائعة مؤخرا ، فإن الحاخام قد اتجه إلى عمل "نيولوك" للغاية التى يسعى إليها والمتمثلة فى إقامة الهيكل مكان المسجد الأقصى كى تحل الشعائر اليهودية مكان الشعائر الإسلامية ولو خطوة خطوة ، فلقد انتظر الوقت المناسب ليواصل سعيه إلى خطوة تالية ، وكان الوقت الذى قدّر أنه مناسبا هو عقب أن أصبح رئيسا لحاخامى إسرائيل ، وكان ال"النيولوك" الذى غلف به غايته هو قيامه بتقديم طلب إلى المحكمة العليا الإسرائيلية لبناء كنيس يهودى للصلاة فيه بساحة المسجد . صحيح أن المحكمة لم تستجب له فى ذلك الوقت لاعتبارات أمنية ، إلا أن قرارا قد صدر بعد فترة سمح لليهود بالصلاة فى الأقصى إنما بشرط التنسيق مع الشرطة الإسرائيلية ، من أجل حماية المصلين .
صلاة اليهود فى الأقصى
بحكم من المحكمة
وهل دخول اليهود للصلاة فى المسجد الأقصى هو أمر تم إقراره بحكم محكمة ؟
● فى عام 2001 ، وفى تنويع للوسائل التى لجأ إليها الإسرائيليون من أجل إقرار الأمر الواقع لكى يتم تخصيص إما أماكن أو أوقات ليقيم اليهود صلواتهم داخل المسجد الأقصى تم اللجوء للمحكمة العليا الإسرائيلية ، فقد كان ذلك العام هو العام التالى لمحاولة شارون اقتحام الأقصى ، فكأن تجرؤه قد فتح شهية آخرين على اتخاذ وسيلة أخرى لبسط نوع من السيطرة اليهودية على أولى القبلتين للمسلمين ، فما لم يتمكن شارون من تحقيقه بواسطة الشرطة حاول غيره من أعضاء جماعة "أمناء جبل الهيكل" بعد شهور مما اقترفه شارون ، حاولت الجماعة تحقيقه عن طريق القضاء .
وماذا كانت نتيجة اللجوء إلى القضاء الإسرائيلى ؟
● جاء قرار المحكمة برفض التدخل في الموضوع ، إنما جاء قرار الرفض حسب ما جاء فى أوراقهم انطلاقا من أن قبول المحكمة لموقف الحكومة الإسرائيلية الذى يتضمن أن الصلاة بباحات المسجد الأقصى (أو جبل الهيكل حسب ما يحرصون على تغيير اسمه الإسلامى إلى تسميتهم التى يحرصون عبرها على تكريس مفهومهم حول أن المكان مقدسا لهم) أن صلاة اليهود فيه هى قرار سياسى وامنى أساسا ، وأن الظروف الحالية لا تناسب اتخاذ قرارات بهذا الشأن .
وكانت الدعوى قد تضمنت ادعاؤهم بأن مطلبهم ينطلق مما يزعمونه حول أن الهيكل كان قائما مكان باحة الاقصى الحالية . كما تضمنت الدعوى نموذجا آخرا من نماذج قيامهم بقلب الحقائق حيث تضمنت قولهم أن غياب اليهود عن المكان يؤدى الى ما وصفوه بأنه إطلاق يد دائرة الاوقاف الاسلامية لعمل كل ما تريد تحت الاقصى ، بما في ذلك "تصفية الآثار اليهودية" على حد زعمهم .
إنما فى الوقت الذى جاء فيه هذا الرفض المؤقت من القضاء الإسرائيلى لأداء الصلاة اليهودية بالأقصى فإن رئيس الوزراء الإسرائيلى وقتها "آرييل شارون" قد أصدر قرارا كأنه أراد به التأكيد على ضرورة التجهيز أو الاستعداد لانتزاع هذا الذى يعتبره اليهود حقا لهم ، حيث أصدر وقتها أوامره بأن تضع قيادة الجيش والشرطة وغيرهما من الأجهزة الأمنية خطة لضمان هذه الصلاة ، وذلك انطلاقا من أنهم يعتبرون أن العقيدة اليهودية تضمن لكل من يرغب من اليهود أن يصلى في باحات المسجد الأقصى ("هار هبايت" أى جبل الهيكل كما يسمونه) لأنه حسب زعمهم مكان مقدس لليهود .
ومن جديد فى يوليو 2003 تقدمت جماعة "أمناء جبل الهيكل" بالتماس للمحكمة العليا الإسرائيلية للسماح بالصلاة فى الأقصى حيث كانت الشرطة الإسرائيلية قد سمحت لهم بالدخول للزيارة فقط دون السماح بأداء الصلاة ، ثم علقت الشرطة السماح بالزيارة أيضا ، وهو القرار نفسه الذى تكرر إصداره من المحكمة العليا الإسرائيلية . وحين احتجت الأحزاب اليمينية فى الكنيست على هذا وتقدموا بطلب ليقوموا هم كأعضاء للكنيست بزيارة المسجد الأقصى باعتباره مقاما فوق الهيكل فإن طلبهم هم أيضا قد قوبل بالرفض .
إنما من الضرورى الإشارة بوضوح إلى أن هذا القرار بالرفض هو أيضا ، كمثل القرارات التى سبقته ، لم يكن رفضا مطلقا ، وإنما هو رفض مؤقت أو تأجيل حيث تضمنت حيثياته أنه لأسباب أمنية وسياسية . فلقد كانت انتفاضة الأقصى ما تزال فى عنفوانها . كما كان صدى اندلاع الانتفاضة فى شرارتها الأولى بسبب قيام شارون بدخول باحات المسجد الأقصى مازالت فى الأذهان .
إذن ما يمنعهم عن انتهاك حرمة الأقصى هو فقط أنهم يجدون من يتصدى لهم ويهددهم أمنيا ، وليس لاعترافهم بحقنا فى الأقصى .
● بالضبط ، فما تكرره المحكمة عادة هو أن الأحوال السياسية والأمنية لا تسمح ، وهو ما لايعنى الرفض التام للفكرة ، وإنما تأجيلها إلى أن تصبح الظروف مناسبة ، أى حين تطمئن إلى أن هذا لن يترتب عليه اندلاع لمواجهات مع الفلسطينيين .
ونلاحظ أن قرارا من المحكمة العليا الإسرائيلية قد سمح بعد ذلك بأن يصلى اليهود فى الأقصى ، إنما قيدت المحكمة هذا السماح بقيد يتمثل فى التنسيق مع الشرطة الإسرائيلية .
وصارت الشرطة الإسرائيلية تسمح أحيانا وترفض أحيانا . وهذا السماح أو الرفض هو باستمرار مرتبط بالحالة الامنية ، فأثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان ضد المقاومة الإسلامية لحزب الله خلال (يوليو تموز 2006 ) تقدمت مجموعات يهودية بطلب من أجل الصلاة بالأقصى فرفضت الشرطة استنادا إلى ما أسموه "تقويمات تشير إلى أن إقامة الصلاة اليهودية في المكان ستتسبب في اثارة الشغب والصدامات الدامية" . إذن فالمحكمة الإسرائيلية "توارب" الباب ، كذلك الشرطة الإسرائيلية قد تقبل وقد ترفض ، وكل منهما يختار القرار حسب قياس ردود الأفعال المتوقعة وهل سيتصدى المسلمون لهم أم لا . إذن فالقرار حسب الظروف .
هل اكتفى الإسرائيليون المتمسكون بأداء الشعائر اليهودية داخل المسجد الأقصى بأن يظلوا يتكلمون ليل نهار حول اعتراضهم على قرار المحكمة بالتأجيل ، أو من جانب آخر هل وضع الإسرائيليون يدهم على خدهم انتظارا لأن تأتى الظروف المواتية .
● الإجابة لا ، فلقد أخذوا يخططون ، بل وبدأوا فى اتخاذ خطوات لتنفيذ ما يريدون .
فصحيح أن تفعيل القرار لم يتم بصورة سافرة على أرض الواقع ، إلا أن وجوده محفوظا بالأدراج كان له مغزى هو الانتهاء من الخطوة القانونية التى يستطيعون تفعيلها فى الوقت الذى يرونه مناسبا من وجهة نظرهم .
خطط الشرطة الإسرائيلية
لحماية الاقتحامات
وهل حدث بالفعل تفعيلا للقرار ؟
● كانت أحد مرات هذا التفعيل لمسألة سماح السلطات الإسرائيلية لليهود بالصلاة فى الأقصى إنما بالتنسيق مع الشرطة الإسرائيلية هو ما تم عند محاولة اليهود الكبرى للصلاة بالأقصى فى عيد العُرش خلال أكتوبر 2009 .
ومن أجل أن تجيد الشرطة ممارسة مهمتها ، فقد سبق تلك المحاولة ، وبالتحديد فى يونيو 2009 قيام وزير الأمن الداخلى الصهيونى "اسحاق أهارونوفيتش" بالتجرؤ ودخول ساحات ومصليات المسجد الأقصى المبارك برفقه العشرات من ضباط قوات الاحتلال الصهيونى ، وكان دخولهم من باب المغاربة الذى تسيطر على مفاتيحه السلطات الإسرائيلية منذ بداية احتلال القدس ، وذكر وقتها أحد حراس المسجد الأقصى أن الوزير الصهيونى كان مرافقا له عدد من قيادات أجهزة الأمن الصهيونية ، وأنه كان يستمع طوال جولته للشرحٍ حول المواقع التى يطوفون فيها .
بالطبع استنكرت مؤسسة "الأقصى" للوقف والتراث الفلسطينية جولة الوزير الصهيونى ، إنما الملفت للنظر أن البيان الصادر عنها قد رصد وتنبأ أن هذه الزيارة تدل على أن المؤسسة الإسرائيلية قد باتت أكثر استهدافاً للمسجد الأقصى ، كما تضمن البيان تساؤلا ثبت بعد ذلك أنه كان فى محله جدا . فقد كان التساؤل الذى طرحه البيان هو : هل هذا الاقتحام من وزير الشرطة هو اقتحام استفزازى فحسب ، أم أن وراء هذا الاقتحام للمسجد الأقصى ما وراءه .
وبالفعل فما جرى بعد هذه الزيارة من محاولة اقتحام مجموعات يهودية كبيرة للأقصى خلال عيد العرش اليهودى كما سبق أن ذكرنا هو أمر يشير إلى بعد نظر القائمين على مؤسسة الأقصى ، حيث اتضح من توالى الأحداث أن وزير الشرطة أو الأمن الداخلى الإسرائيلى لم يكن يحاول بنفسه تكرار ما سبق أن فعله شارون ، إنما كان يمهد الأرض لليهود الذين حاولوا بعد ذلك فى عيد العرش من العام نفسه تكرار ما فعله شارون من دخول الأقصى . فقد أخذ الوزير الإسرائيلى يدرس على الطبيعة مداخل ومخارج المسجد الأقصى لوضع خطة تأمين اليهود الذين كما هو متبع يتقدمون بطلب إلى الشرطة الإسرائيلية لتأمين دخولهم إلى الأقصى تحسبا لمواجهة المسلمين لهم . وهى المواجهة الشهيرة التى جرت بالفعل كما ذكرنا أثناء محاولة أعداد كبيرة من اليهود لاقتحام الأقصى وإقامة شعائر تلمودية بداخله . إذن فالواضح أن ممثلين لهؤلاء اليهود قد تقدموا بطلب للزيارة كما هو متبع ، وأن وزير الأمن قد ذهب بنفسه كى يتفقد الوضع جيدا ويضع خطة التأمين لدخول أومحاولة اقتحام الأقصى التى جرت فى عيد العرش 2009 .
ونلاحظ أن شارون حين قرر الذهاب إلى الأقصى أعلن عن ذلك قبل الذهاب لأنه كان يريد الإعلان عما يزعمونه حول حق اليهود فى المسجد الأقصى مع تسميته بجبل الهيكل ، أما وزير الشرطة الإسرائيلى فلم يعلن عن ذهابه إلى المسجد الأقصى إلا بعد عودته ، أما قبلها فلم يعلن عنها إعلاميا ، ولم يخبر بها أحد فى إدارة الأوقاف الإسلامية التى يتبع لها المسجد الأقصى . واختار وقت الزيارة فى ساعة مبكرة بعيدا عن أوقات تواجد المصلين حيث وصل فى الثامنة صباحا ، ودخل من باب المغاربة الذى استولت إسرائيل على مفتاحه منذ احتلال القدس ، وهو الباب الذى يقع ناحية حائط البراق الذى استولت عليه إسرائيل أيضا منذ الاحتلال وأسمته حائط المبكى .
من ناحية أخرى فإن نوعية المرافقين للوزير الإسرائيلى كانت تشير إلى أنها بالفعل زيارة تفقدية لوضع استعدادات لصدامات مرتقبة ، فقد رافقه كل من المفتش العام للشرطة الإسرائيلية "دافيد كوهين" ، وقائد الشرطة فى منطقة القدس "أهارون فرانكو" ، حيث تفقدوا لمدة ساعتين مختلف الأماكن داخل حرم المسجد الأقصى سواء الأجزاء المسقوفة كالجامع القبلى الذى يعتبره البعض أكثر الأماكن خصوصية فى المسجد الأقصى لأنه مكان وقوف الإمام وإلقاء خطبة الجمعة ، كذلك تفقدوا المصلى المروانى ، وقد ذكر وقتها أحد حراس المسجد الأقصى أن الوزير كان يستمع إلى شرح من مرافقيه خلال تفقد مختلف الأماكن والمخارج والمداخل إلى حرم المسجد الأقصى . وأن كل هذه الجولة قد تمت وسط طوق أمنى كثيف أحاط بالوزير ومن معه حيث تم منع الاقتراب منه أو مجرد الاقتراب من الأماكن التى تجول فيها .
وكلها أجواء تجعل زيارة الوزير الإسرائيلى مختلفة عن زيارة "شارون" ، وإن كانت مكملة لغاياتها ، فلقد جاءت زيارته لوضع الترتيبات اللازمة لتأمين قيام المجموعات الإسرائيلية المحتفلة بالعيد اليهودى كى يحققوا إقرار الأمر الواقع بأداء صلواتهم فى الأقصى ، وهو الأمر الذى سبقهم إليه شارون ، ومنعته الانتفاضة .
ومن الأمور التى تشير إلى ترحيب غالبية الإسرائيليين بما فعله شارون من دخول الأقصى هو فوزه فى الانتخابات التى أعقبت تصرفه هذا ، حيث قام بتشكيل الحكومة وأصبح رئيسا للوزراء فى 2001 أى أن أسهمه قد ارتفعت بعد ما أقدم على فعلته .
وبصعوده رئيسا للوزراء تنوعت النغمة التى افتتحها هو بذهابه إلى المسجد الأقصى وقوله أن الأقصى مقام فى مكان جبل هيكل سليمان ، كأنه قد أعطى إشارة البدء مع مطلع الألفية الثالثة لبدء الخطوات التدريجية لتحويل المسجد الأقصى على أرض الواقع ليصبح الهيكل الذى يتعبد فيه اليهود ، فأفصحت العديد من الوجوه الإسرائيلية علنا عما كانوا يقولونه من قبل بشكل خافت ، وقد ظهر هذا الإفصاح على المستوى الأهلى وأيضا على المستوى الرسمى .
فأحد التنويعات المتفرعة مما فعل شارون ظهرت على المستوى الأهلى عبر حملة إعلانية تم نشرها بعد تولى شارون الحكومة مباشرة .
طالبت تلك الحملة بالسماح لليهود بدخول المسجد الأقصى لأنه فى زعمهم مقام فوق جبل الهيكل . وكانت الحملة قد ظهرت على شكل نشرة تم توزيعها مع عدد من الصحف العبرية عنوانها : "جبل الهيكل قلب الأمة " .
غلاف النشرة كان عبارة عن نجمة داوود وبداخلها صورة للمسجد الأقصى بساحاته ومبانيه . أما الصفحات فتحدثت عن الهيكل الأول والثانى وخرابهما ، وعن أن الأقصى قد تمت إقامته مكان الهيكل المدمر . بالتالى تضمن ختام النشرة نداء بالسماح لليهود بدخول ما أسموه جبل الهيكل الذى يقصدون به المسجد الأقصى .
قام بالتوقيع على هذه النشرة شخصيات إسرائيلية عديدة من مختلف المجالات السياسية والعسكرية والعلمية والأقتصادية والأدبية ، وأطلق الموقعون على أنفسهم تسمية "مجلس قلب الأمة" ، أى أن هؤلاء الذين يمثلون مجالات الحياة المختلفة قد اجتمعوا دفاعا عما أسموه فى عنوان النشرة "قلب الأمة" أى "جبل الهيكل" الذى هو فى الحقيقة مسجدنا الأقصى. ترافق مع توزيع هذه النشرة وقتها تعليق لافتات كبيرة في مداخل المدن الإسرائيلية تضمنت صورة غلاف النشرة مع تلخيص لمضمونها .
كما ترافق معها أيضا إذاعة إعلان بالمضمون نفسه عبر الإذاعة الإسرائيلية . أما "شارون" فقد واصل تصريحاته المحرضة لإقامة الصلوات اليهودية فى المسجد الأقصى مع استخدامه لاسم جبل الهيكل فى تعريفه لمكان المسجد الأقصى حيث ذكر فى سبتمبر 2001 مع الذكرى الأولى لدخوله ساحة المسجد الأقصى التى كانت قد فجرت انتفاضة الأقصى ، قال بالنص : "لن نسمح لأحد بأن يقرر لنا متى وكيف ندخل الهيكل (يقصد المسجد الأقصى) ، نحن ليس عندنا "مكّة" ولا "المدينة" ولا "الفاتيكان" ، عندنا فقط "هيكل سليمان" .
فى تلك الفترة ظهرت تنويعات على النغمة نفسها من شخصيات رسمية ، من بينهم "أفيجدور ليبرمان" الذى كان وقتها وزيرا للبنى التحتية حيث قال فى ذلك الوقت تصريحا جاء فيه : " إنّ دولة إسرائيل هي دولة الشعب اليهودى ، وقد قامت لكي يستطيع اليهود في كل أنحاء العالم أن يتعبّدوا بحريّة فى أماكنهم المقدسة" ، وأضاف أن "أهم هذه الأمكنة هو هذا المكان (يقصد المسجد الأقصى) " ، ولم يكتف بهذ ، بل قال أيضا كأنه يمن على المسلمين : "نحن نسمح لهم (يقصد المسلمين) بالصلاة في مكان نحن نعرف أنّه لا يحق لهم أن تطأه أقدامهم" .
شخصية رسمية أخرى تحدثت حول الأمر نفسه فى تلك الفترة من عام 2001 هو "بنيامين بن أليعازر" وزير الدفاع الإسرائيلى فى ذلك الوقت ، حيث وصف عدم قيام اليهود بالصلاة فى المسجد الأقصى بأنه نوع من "التمييز العنصرى ضد اليهود" .
وبفتح الباب أمام هذه النغمة إذا باليسار الإسرائيلى الذى يتم الترويج له بالاعتدال يظهر من بينه هو أيضا التشكيك بحق المسلمين فى المسجد الأقصى ، ففى العام نفسه 2001 دعا رئيس اتحاد الكتاب الإسرائيليين وقتها " أ. ب يهشوع" وهو شاعر وكاتب من اليسار ، ويمثل أحد قادة حركة "السلام الآن" ، دعا إلى تشكيل رابطة تضم مفكرين وأدباء وصحافيين وجنرالات متقاعدين وفنانين وأكاديميين من اليهود لمطالبة الحكومة بوقف أي أنشطة لدائرة الأوقاف الإسلامية داخل المسجد الأقصى ، على اعتبار أنّ ذلك حسب تعبيره يهدّد الآثار اليهودية في المكان . ثم إذا بأغلب قادة مفكرى اليسار يستجيبون لدعوته . تدرج الأمر كالمعتاد على الطريقة الإسرائيلية ، حيث بدأت جماعات يهودية بعد ذلك تطالب بتفجير الأقصى ، ووصل الأمر إلى حد الهتاف الذى قالوا فيه : "فليتفجر المسجد" .
العاشق والمعشوق
إذن طرح فكرة التخلص من المسجد الأقصى عن طريق استخدام وسائل تخريبية لم يكن قاصرا على ما فعلوه خلال المحاولة الشهيرة لحرق المسجد الأقصى عام 1969 .
● هناك تعبير عميق كانت قد استخدمته مؤسسة الأقصى جاء فيه أنه قد تعددت أشكال النيران اليهودية التى استهدفت ومازالت تستهدف المسجد .
إنما مع ذكر واقعة الحريق وبغض النظر عن أن الأسترالى"دنيس روهان" الذى أحرق وقتها المسجد الأقصى قد حكمت عليه السلطات الاسرائيلية بالجنون وبالترحيل الى بلاده ، ودون استغراق فى تفاصيل تلك الأحداث أو معالم العمارة الإسلامية بالمسجد التى أكلتها النيران ، فإن سيرة ذلك الحريق تستدعى عندى نقاط تحرك فى داخلى نوعا من الشجن .
منها أن المحراب الذى تم تجديده وتزيينه بالمسجد الأقصى فى عهد القائد صلاح الدين الإيوبى بعد استرداده للقدس من الصليبيين ونزع الصليب من فوق قبة الصخرة التى كان الاحتلال الصليبى قد حولها إلى كنيسة مع قيامهم وقتها بتحويل بعض أجزاء من المسجد الأقصى إلى مكان للمقابلات الملكية وبعضها لإقامة فرسان المعبد وبعضها مخازن للأسلحة والذخيرة واسطبلات للخيول خلال احتلالهم للقدس الذى استمر 88 عاما ، فإن القائد صلاح الدين بعد القيام بتطهير كل تلك الأماكن قد أمر أن يتضمن النقش التذكارى الذى يعلو المحراب ويؤرخ للإعمار إشارة إلى أن هذا التجديد قد تم من أجل "التقوى" ، كأنه حريص على التأكيد على ضرورة أن نفعل كل ما نفعله ابتغاء مرضاة الله سبحانه ، وأن نتقى الله فى كل شئ . أما تحديد وقت التجديد فلم يقتصر على ذكر التاريخ بالأرقام ، وأن هذا التاريخ يوافق ما أعقب فتح صلاح الدين للقدس ، وإنما حرص على تحرى التواضع بالشكر لله الذى أتاح هذا النصر العظيم ، فتضمن ذكر الموعد على اللوحة التذكارية أنه كان "حين فتحه الله على يديه" ، أما خاتمة اللوحة التذكارية التى أخجلنى شدة ورعه السارى بين حروفها فقد ورد فيها أن صلاح الدين : "يسأل الله إذاعة شكر هذه النعمة وإجزال حظه من المغفرة والرحمة" .
فهناك نقوش تذكارية لآخرين تتضمن الدعاء لمن تمت فى عهودهم بأن يخلد الله لهم الملك وما إلى ذلك من دعاء دنيوى وأوصاف تتشبث بكراسى الحكم وتختال بصفات طويلة تتم إضافتها إلى أسماء أصحابها وهى كلها أمور لم تكن مما يشغل بال القائد الذى حرر . فتحرير القدس قد منح الله شرفه للقائد الذى ربما لا يذكر الكثيرين أن لقبه هو "صلاح الدنيا والدين" ، حيث كان إصلاح أحوال الناس والحياة فى الدنيا والعلاقة بالدين هى بداية الطريق إلى استعادة القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك .
يظل أيضا فى ذاكرتى بعض ملامح مما بعد ذلك الحريق منها أمر يتعلق بأن منظمة قد نشأت نتيجة لهذا الحريق وحملت إسم منظمة المؤتمر الإسلامى ، ومقرها حتى الآن فى أرض الحرمين الشريفين ، إنما أين دورها مما يحدث ضد المسجد الأقصى اليوم . كما يظل فى وجدانى أيضا أن ذلك الحريق قد تضمن احتراق ما كان مكتوبا من مطلع سورة الاسراء بحروف من الفسيفساء المذهبة فوق المحراب . وهى السورة التى حملت التأكيد على قدسية المسجد الأقصى وربطه بالمسجد الحرام .
حيث قال الله تعالى "سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" . فالآية تسجل أن هذه البقعة الطاهرة من أرض القدس التى أُسرى بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام إليها تحمل إسم "المسجد الأقصى" ، فالإسم من عند الله سبحانه وتعالى . من ناحية أخرى فإن الآية يسرى فيها هذا الربط بين أرض الحرم المكى الشريف مع أرض المسجد الأقصى المبارك فى رحلة الإسراء والمعراج ، وكأن الربط بين المسجدين يتضمن إشارة إلى ضرورة عدم التفريط فى أى منهما .
إن مكة مهبط رسالة الإسلام ، والقدس رمز استمرار الرسالة السماوية .
مكة هى "أم القرى" ، والقدس هى "بوابة السماء" ، فالرسول عليه الصلاة والسلام لم يُعرج به من مكة ، إنما عُرج به إلى السماء من القدس كما كانت عودته من السماء أيضا إلى القدس . الخلق ابتدأ من مكة المكرمة أم القرى ، فهى أم الخلق . أما القدس فبوابة السماء ومحشر الخلق . ففى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أنها أرض المحشر والمنشر .
مكة حرم والقدس أرض مباركة ومسجدها الأقصى هو ثالث المساجد التى تشد إليها الرحال بعد الحرمين الشريفين لكنه ليس ثالث المساجد التى تعتبر حرما ، إنما هو ثالثهما فى شد الرحال إليه ، أى الثالث فى المساجد التى تشد إليها الرحال بعد الحرمين الشريفين ، هو ليس حرما بمعنى أنه لم يتم تحريم الصيد والقتال فيه .
مكة منتصف العالم ، والمسجد الأقصى المبارك منتصف مركز اليابسة .
مكة مثابة للناس وأمنا ، أما القدس فهى أرض الصراع المتواصل بين الخير والشر ، بالتالى هى أرض الرباط والجهاد . وأحد رموز انتصار المجاهدين المسلمين وتحرير القدس من الصليبيين هو منبر المسجد الأقصى الذى احترق خلال الحريق الشهير عام 1969 .
ذلك المنبر كان قد أهداه صلاح الدين للمسجد الأقصى بمجرد تحريره ، حيث كان القائد الكبير "نور الدين زنكى" الذى عمل بإخلاص على طريق تحرير المسجد الأقصى عبر البدء بالإصلاح الداخلى والعدل بين الناس مع تجهيز الإستعدادات القتالية ، كان قد أمر بصناعته من قبل تحرير القدس وهو ينوى بأمانة تحرير الأرض المباركة وإهداء المنبر للمسجد الأقصى ، لكن توفى نور الدين زنكى قبل إكتمال تحقيق حلمه ، وحين أكمل تلميذه صلاح الدين المسيرة من بعده ووفقه الله سبحانه لتحرير القدس ، فإن صلاح الدين لم ينس المنبر الجميل الذى تم صناعته بما يليق وبهاء المسجد الأقصى وبالطريقة الدقيقة للعاشق والمعشوق بدون مسمار واحد وبدون أية مواد لاصقة .
وبعد سنوات من احتراق المنبر عام 1969 ، تم فى الأردن عمل منبر آخر مطابق للمنبر الأصلى وبنفس المميزات والمواد ، حيث اشترك فى صناعته مع الأردنيين مصممون وفنانون من تركيا وسوريا وأندونيسيا ومصر والمغرب .
ولقد تم تركيب المنبر الجديد فى المسجد الأقصى عام 2007 ، أى بعد 37 عاما من الحريق . ولقد تم إنجاز صناعته فى الأردن بدرجة عالية جدا من الجودة ، إنما لجمال الصناعة القديمة طعم خاص .
هذا الطعم الأصيل القديم موجود فى منبر آخرمشابه تماما لمنبر المسجد الأقصى ، ويشترك معه فى الارتباط بتاريخ الانتصار على الصليبيين ، كما يشترك مع منبر المسجد الأقصى أيضا فى أنه هدية من القائد صلاح الدين . أتحدث عن منبر المسجد الإبراهيمى الذى يتعرض هو الآخر للانتهاك على يد الإسرائيليين الذين اغتصبوا الحق فى إقامة الصلاة اليهودية إلى جواره بالمسجد الإبراهيمى .
لا يخصهم فى شئ منبر أى مسجد ، فالمنبر مخصص لوقوف الخطيب . فما بالنا بمنبر المسجد الإبراهيمى الذى ليس كأى منبر آخر ، بل هو أحد رموز استعادة المقدسات منذ اختار القائد صلاح الدين الأيوبى بعد التحرير أن يتم فى مصر صناعة منبر للمسجد الإبراهيمى بالطريقة نفسها المصنوع بها منبر المسجد الأقصى . وبالفعل تم صُنعه فى مصر بمهارة من خشب الأبنوس المطعم بالعاج ، بدون استخدام أى مسمار ولا أى مواد لاصقة ، على طريقة العاشق والمعشوق .
لماذا كل هذا الكلام عن منبر المسجد الأقصى المحترق ومنبر المسجد الإبراهيمى المنتهك ؟
● السبب ليس فقط أن لهما قيمة أثرية وفنية ، كما أنه ليس فقط بسبب أهميتهما الكبرى التاريخية ، أو أنهما من رائحة الأحباب الأبطال المجاهدين وارتباطهما بذكريات الجهاد والعزة والانتصار وتحرير القدس والخليل ، إنما بالإضافة إلى كل هذا فإن هناك أيضا قيمة رمزية لهما ، ففكرة دخول كل قطعة خشب فى القطعة المخصصة لها ، وما يترتب عليه هذا من متانة شديدة دون حاجة إلى عوامل خارجية للمساعدة على التثبيت ، هو أمر يبدو شبيها بعلاقتنا نحن مع فلسطين والقدس . فمهما جئ إليها بمن ليس منها ، بمن لا يشبهها ولا تشبهه ، فإنهم مهما حاولوا تثبيت هؤلاء الذين ليسوا منها مستعينين بدعائم خارجية ، ومهما دقوهم فى ثراها الطاهر ، مهما حاولوا تغيير الحقائق وطمس الهوية ، مهما لصقوهم فى تربتها ، فستلفظهم مع مرور الوقت .
العاشق لا يقبل إلا معشوقه ، والأرض المباركة هى معشوقتنا ولن تقبل بعاشق سوانا .
الإسرائيليون إنتهوا من تجهيز متطلبات الهيكل بما فى ذلك الملابس وكل الأدوات الدقيقة وهو ما نراه فى هذا الفيديو عبر حوار مع مدير معهد الهيكل بالقدس ، صحيح أنه يتحدث من وجهة نظر صهيونية ، لكن المهم هو مشاهدة الأدوات الخاصة بالهيكل المعروضة خلال الحوار .
والمقدسيون بصدورهم العارية وظهورهم المكشوفة وحدهم يدافعون عن الأقصى (سبتمبر 2009) .
موضوعات متعلقة..◄ ننشر الحلقة الأولى من الكتاب القنبلة أهوال ضد المسجد الأقصى.. حقائق مذهلة حول اقتراب إسرائيل من هدم أولى القبلتين وإقامة الهيكل الثالث.. نكشف عنها فى حلقات يومياً
◄ ننشر الحلقة الثانية من الكتاب القنبلة "أهوال ضد المسجد الأقصى".. حكومات إسرائيل المتعاقبة أنشأت ثلاثة كنس تحت محيط المسجد تمهد للهيكل اليهودى الثالث وبه "قدس الأقداس" الذى لا يدخله إلا الحاخام الأكبر
◄ ننشر الحلقة الثالثة من الكتاب القنبلة "أهوال ضد المسجد الأقصى".. تجهيزات إسرائيلية للاقتحام الكبير ل"أولى القبلتين"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.