- القانون أصدره رئيس غير منتخب معيّن من وزير الدفاع السابق الذي كان منصبه محل شك دستوريا وهذه النقيصة في حد ذاتها كافية لإسقاط القانون - القانون انتهاك صريح للدستور ولمبادئ حقوق الإنسان التي يوجب الدستور أيضا احترامها بالكامل - المأساة القضائية أن من يرأس المحكمة الدستورية الآن هو الرئيس المؤقت الزخرفي الذي أصدر القانون ودافع عنه بضراوة وهو تضارب فاضح في المصالح - يثير الاستغراب أن لا أحد من أولي الأمر في مصر الآن يعي حقيقة أن اضطهاد النشطاء لم يفلح في إخماد جذوة الثورة ولن يفلح - تطبيق القانون بالعصا الأمنية الغليظة جاء بنتائج كارثية فقد بدت الحكومة كجسد بأذرع غليظة من دون عقل ذكي ومدبر يحركها تتفق جميع الاتجاهات الفكرية والسياسية على ضرورة حرية الرأي والتعبير كشرط ضروري للتفتح والإزدهار المجتمعي. في الغرب يؤثر عن نابليون بونابرت القول:"الشعب الذي يستطيع أن يقول اي شيء، يستطيع أن يفعل كل شيء". وفي الشرق يشتهر عن ماو تسي تونج، في خطاب المعالجة الصحيحة للتناقضات بين الناس، (1957) العبارة الخالدة: "دع مائة زهرة تتفتح، ومائة مدرسة فكرية تتبارى، هي السياسة الكفيلة بتقدم الفنون والعلوم وازدهار الثقافة الاشتراكية" فما هو حال حريات الرأي والتعبير في مصر تحت الحكم الراهن للمؤسسة العسكرية؟ نشرت الصحف، الشهر الماضي، أن المتحدث باسم مجلس الوزراء، قال إن "قانون التظاهر مازال قائمًا، ولا توجد نية لمناقشته؛ لأنه قد حظى بتوافق مجتمعي كبير قبل إصداره". لاحظ، من فضلك، تبرير السيد المتحدث الكاذب بالتوافق المجتمعي المختلق. هذا التصريح صدر بعد أن كانت الصحف نشرت أن مجلس الوزراء سيناقش القانون بقصد التخفيف من الأحكام التي تضمنها، وحددت أن النية تتجه لاستبدال الغرامة المالية بالسجن. الموقف يعبر عن تراجع الحكومة, على الأرجح تحت ضغط الأجهزة الأمنية، عن العودة إلى الحق، وهي فضيلة محمودة في تراثنا، وإسقاط هذا القانون الجائر أو على الأقل التخفيف من عقوباته المغلّظة. إلا أن ما يعنيني هنا هو قول السيد "الكذاب الرسمي" باسم مجلس الوزراء بأن القانون سيء الصيت، في الداخل والخارج على حد سواء، قد حظي بتوافق مجتمعي كبير قبل إصداره. وهو ما أظنه أبعد ما يكون عن الحقيقة. فهذا القانون أصدره رئيس غير منتخب لكن معيّن من وزير الدفاع السابق، الذي كان منصبه هذا محل شك دستوريا، لإسقاطه الرئيس الذي عينّه في المنصب أصلا. وهذه النقيصة في حد ذاتها كافية لإسقاط القانون. ناهيك عن انتهاكه الصريح للدستور ولمبادئ حقوق الإنسان التي يوجب الدستور ايضا احترامها بالكامل. وأظن أن قانونا لم يصدر في مصر وقوبل بمثل هذا الاحتجاج العنيف والمستمر من فئات شعبية عديدة ومتزايدة، ناهيك عن المظالم النكراء التي سببها، خاصة مع إفراط القضاة في تغليظ العقوبات باستعمال هذا القانون المنافي لأبسط مبادئ حقوق الإنسان فيما يتصل بحق التجمع السلمي. حتى أن الواضع الأصلي للقانون، رئيس مجلس الوزراء حينئذ حازم الببلاوي وهو اصلا دارس قانون، قد اعترف مؤخرا، فقط بعد أن خربت مالطة"، بأن القانون بحاجة لتعديل لأن العقوبات فيه جاءت مغلظة. فلتصدُقوا قليلا، يرحمكم الله ، وعسى يرحمكم الشعب، حين تدور الدوائر على الباغين. فعندما يكتب تاريخ المرحلة الانتقالية الثانية سيتضمن على الأرجح أن إحدي أسوأ سقطات الحكومة المؤقتة خلال المرحلة الانتقالية الثانية، التي عينها وزير الدفاع السابق، على التحديد الرئيس ورئيس الوزارة الزخرفيين عدلي منصور وحازم الببلاوي، كانت إصدار هذا القانون وتطبيقه بالبطش الأمني بواسطة أجهزة أمن لم تتب عن أساليب القمع التي قامت الثورة الشعبية ضدها، على الرغم من قسمها المتكرر، كذبا ايضا، بأنها قد وعت الدرس وعادت إلى حماية حقوق المواطنين وحرياتهم. **** بداية، إصدار القانون كان خطأً ففي مواد قوانين العقوبات الحالية ما كان يكفي لصيانة الأمن، بالطبع ضمن حزمة متكاملة من السياسات والإجراءات الكفيلة بما يحفظ المصالحة الوطنية، لو أرادت الحكومة احترام سيادة القانون وصيانة حقوق الإنسان، وخريطة المستقبل التي أعلنها الرئيس الحاكم، لا أقل، في 3 يولية 2013. قبل كل شيء أمسى إصدار هذا القانون المعيب دليلا دامغا على فشل الحكومة في وضع استراتيجية متكاملة، متعددة الأبعاد بالطبيعة، للتنفيذ الناجع والناجز لخريطة المستقبل التي توجّت الموجة الثانية الكبيرة من الثورة الشعبية في يونيو/ يوليو 2013، وكان أحد أهم أركانها المصالحة الوطنية. ولو نجحت الحكومة (الرئيس والوزارة) في ذلك الركن من خريطة المستقبل لما احتاجت لهذا القانون القمعي، وما جره تطبيقه بالقبضة الأمنية الغليظة من كوارث ستعمق من الشقاق بين أبناء الشعب وحتما ستعوق أي جهد للمصالحة الوطنية في المستقبل. ناهيك عن أن هذه السلطة الحريصة على صورتها في الخارج، جلبت على نفسها فيضانا من الانتقاد اللاذع والمبرر للقانون وتطبيقه ليس فقط من حكومات أجنبية ولكن من عموم مجتمع حقوق الإنسان في الخارج، كما في الداخل. أضف إلى ذلك أن الحكومة المؤقتة لم تكن على قلب رجل واحد بشأن إصدار القانون وطريقة تطبيقه، والأرجح أن تبعات هذا القانون كانت وراء استقالة أحد نواب رئيس الوزراء. ثانيا: الحكومة كذبت، وهي تعلم أنها كاذبة وإلا وصمت نفسها بالجهل بالقانون، عندما إدعت أن القانون لا يقيد حق التظاهر. فهو يقيد حق التظاهر كما يقيد كثيرا من تبعات التظاهر مثل الاعتصام والإضراب السلمي، المضمونان في المواثيق الدولية التي يوجب الدستور احترامها. ثالثا: تطبيق القانون بالعصا الأمنية الغليظة جاء بنتائج كارثية. فقد بدت الحكومة كجسد بأذرع غليظة من دون عقل ذكي ومدبر يحركها. فأصبحنا نسمع عن إلقاء القبض على فتيات لرفع شعار، أيا كان، وعلى صبي لحمله أداة مدرسية عليها شعار ما. وقد ترتب على كل ذلك أن عادت الإدانات لإساءة اجهزة الأمن من عامة المحتجزين والمساجين كما من ذويهم تنهال على السلطة من مجتمع حقوق الإنسان في الخارج والداخل على حد سواء. وبلغ بعضها حدا فاضحا مثل تقييد شابة مسجونة بالأصفاد بعد وضعها لمولودتها مباشرة. ولا يفيد هنا نفي المسئولين عن الأمن، التجميلي والكاذب، على الأرجح، عن الحقيقة شيئا. هو فقط يُذكّر بالأيام الأخيرة من نظام الحكم القمعي الباطش التي اندلعت الثورة الشعبية ضده حين كان المسئولون المناظرون حينئذ يتبجحون باحترام أجهزة الأمن حقوق الإنسان وهم يعذبون ويقتلون أبناء الشعب الذي يستعملهم لحماية الأمن ويتكبد اجورهم ومزاياهم. ويدعو للانزعاج بوجه خاص تقاعس بعض وكلاء النائب العام عن ضمان الحقوق الدستورية للمتهمين والمحتجزين وحمابتهم من تعديات أجهزة الأمن في مقار الاحتجاز أو الحبس. وتسيئ أجهزة الأمن معاملة المتظاهرين ومن يلقي القبض عليهم أثناء الاحتجاز أو تمضية العقوبة، فيما يُعد ردة إلى أسوأ ممارسات البطش الأمني قبل الثورة، حتى اضطر المجلس القومي لحقوق الإنسان، على حرصه على السلطة الراهنة التي عينته، إلى انتقاد هذه الممارسات علنا، ناهيك عن انها تمثل مخالفات صريحة لنصوص الدستور الحامية للحريات والحقوق. ولا يسلم ذوي المحتجزين والمحبوسين من سوء المعاملة. ولن يجدي فتيلا أن تنكر الداخلية، فقد كانت هذه عادتها قبل الثورة أيضا. وبالمناسبة فإن كل هذه التجاوزات تمثل انتهاكات فاضحة لنصوص جازمة في الدستور الذي قامت على إعداده سلطة 3 يوليو2013، فإن لم تحترمه تلك السلطة، فلِمَ يحترمه أي كان؟ كما أدى هذا القانون إلى ارتباك جسيم في القضاء الذي نأمل أن يكون حصن الحق والعدل. فيتأرجح القضاء بين إصدار أحكام أولية قاسية يُخفّف بعضها فيما بعد، وبين الإفراج عن مئات او عشرات ممن يلقى القبض عليهم والإحجام عن محاكمة آخرين، خاصة من قيادات الإخوان الضالين وأنصارهم. إذ في ظل المناخ الذي أفرز هذا القانون المعيب يغالى بعض القضاة، خصوصا في محاكم أول درجة المشكّلة من قاض وحيد حديث العهد بالقضاء، فأُصدرت احكام غاية في القسوة. صحيح ان اكثرها تشددا قد خُفف في درجات أعلى من القضاء، لكن هذه الرأفة لم تشمل جميع الحالات التي حكم عليها بهذا القانون. وعندما يأتي التخفيف يكون كثيرا من الضرر قد وقع فعلا. واين في الكون. وبأي قانون يستحق الإسم، يحكم قاض، يستحق المنصب السامي، غيابيا على من دعا الله، وهو في السجن، بالانتقام من الظالم، بالسجن والغرامة، وفقط بناء على وشاية حراس السجن؟! وأين في الكون بأكمله تقضي شابة عشرة شهور في السجن لحملها شارة، أيا كانت ما تقول؟ !واين في الكون المتحضر يحكم على شابة نابهة بالسجن ثلاث سنوات لمجرد حملها لافتة تحتج على هذا القانون الشيطاني، وتتعاطف مع الشباب المسجونين بسببه. ******* رابعا، وربما الأهم فإن القانون غير دستوري. فالدستور يحمي الحق في التظاهر من دون أي قيود. وليس أولى من الحكومة المؤقتة باحترام نصوص الدستور الذي قامت على وضعه. إذ ينص الدستور على أن "للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة، والمواكب والتظاهرات وجميع أشكال الاحتجاجات السلمية، غير حاملين سلاحًا من أى نوع، بإخطار على النحو الذى ينظمه القانون." لاحظ بالإخطار وليس التصريح المسبق! أما الآن وقد أحال واحد من قضاة مصر ذلك القانون سيئ الصيت إلى المحكمة الدستورية، وسيحكم على الأرجح بعواره دستوريا، إن صح اداء المحكمة الدستورية، فلتحفظ الحكومة القليل الباقي من كرامتها وتلغي القانون، بيدها لا قسرا. إلا أن المأساة القضائية أن من يرأس المحكمة الدستورية الآن هو الرئيس المؤقت الزخرفي الذي أصدر القانون ودافع عنه بضراوة، وهو تضارب فاضح في المصالح. وحتى إن تنحى الرئيس المؤقت السابق عن نظر قضية عدم دستورية قانون التظاهر، فإن رئاسته للمحكمة تجعلنا لا نطمئن لعدالة الحكم. ولا ينهض تبريرا للإبقاء على هذا القانون المخالف لدستور البلاد أن فصيلا من الشعب يمارس إرهابا وتكديرا لأمن باقي المواطنين، فلهؤلاء أيضا حقوق يضمنها الدستور، كما قد طال عسف قانون التظاهر نشطاء من جميع التيارات السياسية. نهاية، يثير الاستغراب أن لا أحد من أولي الأمر في مصر الآن يعي حقيقة أن اضطهاد النشطاء لم يفلح في إخماد جذوة الثورة، ولن يفلح. فما دامت الأسباب الموضوعية لاندلاع حركات الاحتجاج الشعبي قائمة، فستكون هناك موجات تالية من الثورة الشعبية العظيمة حتى تنجح إحداها في إقامة حكم ثوري بحق يسعى لنيل غايات الثورة. ويثير التعجب أنهم لا يعون أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة حاول وفشل، واليمين المتأسلم حاول وفشل، وعار أن تحاول حكومة جاءت أصلا على صدر الموجة الثانية الكبيرة من الثورة الشعبية أيا كانت مبرراتها أن تعيد الكرة محاولة إجهاض الثورة الشعبية العظيمة. ولن يفلح مسعاها الخبيث. اضغط هنا لمشاهدة الملف بالحجم الكامل