"البرباشة" فئة في المجتمع التونسي ليسوا نتاج الثورة، ولا يتحدث عنهم السياسيون ولا صفحات "الفيس بوك". وهم ليسوا بالعلمانيين ولا بالإسلاميين ولا يدافعون عن ختان البنات ولا عن زواج المثليين، لكنهم يشقون لتحصيل رزقهم بشرف رغم ازدراء المجتمع وجفائه. يراهم المرء يجوبون شوارع المدن التونسية وأحياءها المرفهة وحتى الشعبية منها، يستقلون دراجاتهم العادية أو النارية أو يدْفعون عربات كبرى بأيديهم ليجمعوا فيها ما خف حمله وغلا ثمنه. بالنسبة لهم، فما يجمعونه من قوارير وعلب وورق مقوى أو كرتون أو فضلات البلاستيك، كنوزٌ ثمينة. يعملون في صمت، لا ترى وجوههم، فغالبًا ما تراهم ينهمكون في نبش المزابل والبحث عن قوت يومهم. لا يكلمهم الناس في الأحياء التي يجوبونها ليلاً ونهارًا. يعتبرهم البعض ويصنفونهم في قائمة المهمشين والمنسيين من قبل الدولة والمجتمع المدني. تُركوا لحالهم سنوات طوال، لا يحميهم القانون ولا يجمعهم جامع سوى تجار الخردة والمقاولون يشترون كدّ أيامهم ولياليهم. وقام التليفزيون الالمانى DW بجولة في شوارع العاصمة التونسية. قابلت العديد منهم وتكلمت إليهم. أفصحوا بقلوب مفتوحة تنبئ عن جراح دامية وأثر للبؤس من الصعب مداواته. رفض العديد منهم الحديث عن أحوالهم وعن معاناتهم. كما رفضوا الكلام عن ضنك عيشهم وإقصاء المجتمع وقسوة الأيام. أحدهم محمد البشير، رجل جاوز الستين من العمر، وما زالت لقمة العيش تخرجه للعمل. ملامحه تعبر عن الكثير من الحزن والأسى والتعب. لكن هذا الرجل الستيني، لا يثنيه برد الشتاء ولا حر الصيف عن نبش المزابل ليعيل أسرة وفيرة العدد. يعيش محمد في حي النور، وهو من أكثر الأحياء الشعبية بتونس فقرًا وتهميشًا. يقول إنه يبدأ جولته اليومية للبحث عن قوت يومه عند الساعة الثانية صباحًا. يبحث في كل الحاويات في زوايا الأزقة والشوارع بأحياء رادسوالمدينةالجديدةوالمروج. ورغم التعب والروائح الكريهة وأخطار المهنة من أمراض وجروح بفعل رحلات البحث اليومية بين المزابل، فإن المحاصيل لا تسد الحاجة والأجر يبقى زهيدًا لا يكاد يكفي. ويقول محمد البشير إنه رغم الجهد الكبير الذي يبذله يوميًا، إلا أن ما يبيعه لمجمعات النفايات لا يكاد يكفيه وعياله خاصة مع غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار. ورغم أن المكبات التابعة للدولة تستقطب عددًا كبيرًا من جامعي النفايات، إلا أن محمد البشير يقول إن المكبات لا تناسب سنّه، إذ تشهد تزاحمًا شديدًا بين الباحثين عن الغنائم بين فضلات المدينة. ويضيف، أنه عند إفراغ الشاحنات لحمولتها يعلو الغبار المكان ويكاد المرء يختنق، إضافة إلى عراك البرباشة وخصوماتهم المتكررة عند كل حمولة قمامة. وهو يخير أن يقوم بجولة يومية قد تصل إلى أكثر من 20 كيلومترًا في اليوم بين الأحياء والأزقة على أن يرتاد إحدى مكبات القمامة التابعة لوزارة البيئة. "نعم للشقاء ولا للاحتياج" وقرب حاوية أخرى، في أحد أحياء المروج، قابلنا رمزي، في الثلاثينيات من العمر، لم يشأ أن يكشف عن هويته أو يسمح لنا بأخذ صورة له. حدثنا بمرارة عن واقعه اليومي وعن حالته الاجتماعية. رمزي متزوج ويعيل عائلة صغيرة، جرّب عددًا من المهن وعمل طويلاً في مجال البناء. ويقول: "هذا العمل، رغم علاّته أهون من العمل في البناء. فهو يكفيني لخلاص معلومة لقضاء احتياجات المنزل ومصاريف أبنائي". ويلخص رمزي بكلمات صادقة "أشقى ولا للاحتياج". ويضيف أنه يعمل بشرف وهو خير من أن يمد يده للتسول أو للسرقة. وتقدر مصالح وزارة البيئة والتنمية المستديمة كمية النفايات المنزلية المنتجة سنويًا بتونس بحوالي 2.5 مليون طن، يتم التصرف في أكثر من ثلثها بالمعالجة والتثمين. وذكرت صحيفة الشروق اليومية في تحقيق حول النفايات في تونس أن حجم سوق النفايات في تونس يبلغ أكثر من 100 مليون يورو. وينشط بسوق جمع ومعالجة النفايات ما يزيد على 15000 عامل، يمثل "البرباشة" أغلبهم. ورغم أنهم يمثلون الغالبية إلا أنهم الحلقة الأضعف والأكثر فقرًا. إذ يبيع "البرباش" جهد يوم كامل بحوالي 5 يورو لكل 20 كيلو جرامًا من البلاستيك المستعمل. ورغم ارتفاع أثمان المواد الأولية كالبلاستيك والنحاس والحديد، إلا أن دخل البرباش ظل على حاله. ويجمع عادة البرباش بين 10 و20 كيلوجرامًا في اليوم من البلاستيك والعلب المعدنية، يضاف إليها ما قد يجمعه من خبز أو ملابس أو أحذية قديمة أو أدوات وأجهزة معدنية. ويغتنم وسطاء تجارة النفايات أرباحًا كبيرة، في حين يعاني "البرباش" من المهانة يوميًا بين أكوام الفضلات ولا يجني بالنهاية إلا النزر القليل. وقد ازدهرت في السنوات الأخيرة مؤسسات جمع ومعالجة النفايات. ويقدر عدد المؤسسات الصغرى التي تنشط في جمع ونقل ومعالجة النفايات حسب إحصائيات وزارة البيئة والتنمية المستديمة حوالي 300 مؤسسة، ساهم حاملو الشهادات العليا في إحداث 231 مؤسسة منها. ويقول الطيب رمضان، مدير عام الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات التابعة لوزارة البيئة التونسية، في حديث ل DW إن إدارته تحرص على العناية بمختلف العاملين في منظومة جمع وتثمين النفايات في إطار برنامج جديد يأخذ بعين الاعتبار جميع جوانب التصرف في النفايات ومختلف المراحل، أطلق عليه "برنامج التصرف المندمج والمستديم في النفايات". ويأمل المشرفون على هذا البرنامج في أن يمكن البرنامج من العناية بفئات المواطنين الذين يمتهنون جمع النفايات إلى جانب بقية العاملين من مؤسسات خاصة وعمومية ومجتمع مدني.