يسجل المؤرخ القبطي ساويرس ابن المقفع الذي عاش في القرن العاشر الميلادي كيف تعامل المسلمون والمسيحيون في مصر منذ القرن السابع الميلادي حيث لم يكن تولى المسيحيين مناصب عليا في ادارة الدولة أمرًا مستغربًا. ويرصد في لغة عربية تمتاز بخفة الظل مقارنات بين قسوة الاحتلال الروماني المسيحي للبلاد وبين تعامل المسلمين مع المسيحيين حيث كان هرقل "يبلي أهل مصر بلايا صعبة وكمثل الديب الخاطف كان يأكل القطيع الناطق ولا يشبع" وفي ذلك الوقت كان البطريرك بنيامين هاربًا ومطاردًا. ويضيف أن رجلاً من العرب "ثار... اسمه محمد. فرد عباد الأوثان إلى معرفة الله وحده وأن يقولوا أن محمد رسوله" وأنه بعد دخول العرب إلى مصر تعاون موظف بيزنطي اسمه سانوتيوس مع عمرو بن العاص وأخبره بسبب اختفاء "الاب المجاهد بنيامين البطرك وأنه هارب من الروم خوفًا منهم فكتب عمرو بن العاص الى أعمال مصر كتابًا يقول فيه: "الموضع الذي فيه بنيامين بطرك النصارى القبط له العهد والامان والسلامة من الله فليحضر امنًا مطمئنًا ويدبر حال بيعته وسياسة طائفته. فلما سمع القديس بنيامين هذا عاد الى الاسكندرية بفرح عظيم بعد غيبة 13 سنة منها عشر سنين لهرقل الرومي الكافر وثلاث سنين قبل ان يفتح المسلمون اسكندرية" مقر الكنيسة المرقسية الارثوذكسية الى الان. ويسجل ساويرس أن القديس بنيامين قابل ابن العاص ثم "جلس هذا الاب الروحاني بنيامين البطرك في شعبه دفعة أخرى بنعمة المسيح ورحمته. فرحت به كورة مصر كلها وجذب اليه أكثر الناس الذين أضلهم هرقل الملك المخالف وكان يجذبهم للرجوع الى الامانة المستقيمة بسكينة ووعظ وملاطفة وتعزية". ومخطوطة (تاريخ البطاركة) لساويرس ابن المقفع أعدها وعلق عليها الكاتب المصري عبد العزيز جمال الدين في كتاب موسوعي عنوانه (تاريخ مصر) سجل فيه أن ساويرس "لم يوجد في عصره من يضاهيه في معرفة الكتاب المقدس" وأنه كان يهدف من تسجيل سير البطاركة الى تمجيد الدين المسيحي والاشادة بالمذهب الارثوذكسي أو "الامانة المستقيمة" وأنه كان يمزج أحيانا بين الدين والتاريخ وكرامات بعض البطاركة. والكتاب الذي نشرته الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر يقع في عشرة أجزاء تضم نحو ستة الاف صفحة كبيرة القطع تحت عنوان فرعي هو "من بدايات القرن الاول الميلادي حتى نهاية القرن العشرين من خلال مخطوطة تاريخ البطاركة لساويرس ابن المقفع". وقال جمال الدين ان مخطوطة (تاريخ البطاركة) لابن المقفع تعد أكبر المخطوطات من حيث الفترة التاريخية التي تغطيها ولكن معظم مؤرخي مصر يتجاهلونها لاسباب منها الظن بأنها تخص تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية وليس التاريخ المصري. وأوضح أن كاتب المخطوطة ولد عام 915 ميلادية من أب لقب بالمقفع على غرار عبد الله بن المقفع مترجم كتاب (كليلة ودمنة). وقال ان ساويرس كان كاتبًا بارزًا في الجهاز الاداري للدولة وترقى لاعلى المناصب في عهد المعز لدين الله الفاطمي ثم تخلى عن وظيفته ليترهبن في أحد الاديرة وأنه في ظل الرهبنة أتقن علوم الكتاب المقدس وألف فيها كتبا بالعربية منها (الدر الثمين في ايضاح الاعتقاد في الدين) وأنه كان يترجم من اللغة القبطية الى العربية. وأضاف أن ساويرس سجل تسامح الخلفاء الفاطميين اذ "أصبح جميع مقدمي المملكة والناظرين في دواوينها وتدبير أمورها كلهم نصارى" حيث شغل المسيحيون كثيرًا من الوظائف المالية والادارية العليا وازداد نفوذهم في ظل السلطة الاسلامية. وقال ان بعضهم أصبحوا وزراء "بسبب عدم كفاءة الجهاز الاداري الاسلامي وحاجته الى خبرات غير المسلمين في ادارته. وكان هذا يؤدي في بعض الاحيان الى احتجاج فقهاء الدين." ويسجل ساويرس أن الرب "أعطاه نعمة وقوة في اللسان العربي" حتى انه جادل قضاة من المسلمين بأمر من المعز لدين الله الفاطمي "فغلبهم بقوة الله ونعمته". ويسجل أيضا ما يمكن اعتباره شهادة في حق المصريين حيث كان المعز لدين الله الفاطمي "كلما أراد أن يعمل شيئا كعادته في الغرب يمنعه منه جوهر (الصقلي قائد الجيش الذي دخل مصر) بلطف وسياسة ويقول ان أهل مصر قوم فيهم مكر وفطنة لا يخفى عنهم شيء فكأنهم يعلمون الغيب