أحمد موسى يفجر مفاج0ة عن ميناء السخنة    محمد الغباري: إسرائيل تستخدم وجود حماس لمنع قيام دولة فلسطين (فيديو)    ذا أثليتك: برونو يرحب بفكرة تجديد تعاقده مع يونايتد    على رأسهم تاليسكا.. النصر يتخلى عن ثنائي الفريق في الصيف    ردود الفعل على حادثة محاولة الخطف والاعتداء الجنسي في أوبر: صلاح عبد الله يدعم المقاطعة وعبير صبري تطالب بالرقابة والإغلاق    16 مايو.. الحكم على متهم بتزوير محررات رسمية    بعد تصدره مؤشر جوجل.. أعمال كريم قاسم الفنية    بالصور.. خطوبة مينا مسعود والممثلة الهندية إميلي شاه    "العبدلله حسن المنوفي".. أحمد الفيشاوي يكشف عن شخصيته في "بنقدر ظروفك"    قبل البيرة ولا بعدها؟..تعليق علاء مبارك على انسحاب يوسف زيدان من تكوين    رئيس جامعة الأقصر يفتتح مركز خدمة الطلاب ذوي الإعاقة    انعقاد برنامج البناء الثقافي للأئمة والواعظات بمديرية أوقاف المنيا    دمياط تتسلم 25 وحدة من وصلات القلب للانتهاء من قوائم الانتظار    طريقة عمل الفول النابت لأكلة مغذية واقتصادية    تنظيم 10 ندوات لمناقشة المشكلات المجتمعية المرتبطة بالقضية السكانية في شمال سيناء    جامعة حلوان تنظم ورشة عمل للتعريف باختصاصات عمل وحدة مناهضة العنف ضد المرأة    الأربعاء.. انطلاق فعاليات الدورة الثانية لمعرض زايد لكتب الأطفال    شكري ردا على «خارجية الاحتلال»: نرفض لي الحقائق.. وإسرائيل سبب الأزمة الانسانية بغزة    المشدد 3 سنوات ل6 أشخاص بتهمة حيازة أسلحة واستعراض قوة بشبرا الخيمة    5 معلومات عن السيارات الكهربائية في مصر |إنفوجراف    جامعة كفرالشيخ تتقدم 132 مركزا عالميا في التصنيف الأكاديمي CWUR    متاحف وزارة الثقافة مجانًا للجمهور احتفالا بيومها العالمي.. تعرف عليها    اليوم.. تامر حسنى يبدأ تصوير فيلمه الجديد "ريستارت"    محافظ أسوان يكلف نائبته بالمتابعة الميدانية لمعدلات تنفيذ الصروح التعليمية    دولة أوروبية تنوي مضاعفة مساعداتها للفلسطينيين 4 أضعاف    الجنائية الدولية: نسعى لتطبيق خارطة الطريق الليبية ونركز على تعقب الهاربين    شعبة الأدوية: الشركات تتبع قوعد لاكتشاف غش الدواء وملزمة بسحبها حال الاكتشاف    أشرف عطية يتفقد الأعمال الجارية بمشروع محور بديل خزان أسوان الحر    كورتوا على رادار الأندية السعودية    أخبار الأهلي : مروان عطية يثير القلق في الأهلي.. تعرف على التفاصيل    الشيبي يظهر في بلو كاست للرد على أزمة الشحات    «الزراعة»: مشروع مستقبل مصر تفكير خارج الصندوق لتحقيق التنمية    برلماني: مصر قادرة على الوصول ل50 مليون سائح سنويا بتوجيهات الرئيس    لماذا أصبح عادل إمام «نمبر 1» في الوطن العربي؟    وزير التعليم يفتتح الندوة الوطنية الأولى حول «مفاهيم تعليم الكبار»    "العيد فرحة".. موعد عيد الأضحى 2024 المبارك وعدد أيام الاجازات الرسمية وفقًا لمجلس الوزراء    مصرع شخص غرقاً فى مياه نهر النيل بأسوان    هيئة الأرصاد الجوية تحذر من اضطراب الملاحة وسرعة الرياح في 3 مناطق غدا    «على قد الإيد».. أبرز الفسح والخروجات لقضاء «إجازة الويك اند»    «صحة النواب» توصي بزيادت مخصصات «العلاج على نفقة الدولة» 2 مليار جنيه    بالصور.. وزير الصحة يبحث مع "استرازنيكا" دعم مهارات الفرق الطبية وبرامج التطعيمات    طالب يضرب معلمًا بسبب الغش بالغربية.. والتعليم: إلغاء امتحانه واعتباره عام رسوب    التشكيل الرسمي لمباراة الاتحاد السكندري وسموحة في الدوري    تصريحات كريم قاسم عن خوفه من الزواج تدفعه لصدارة التريند ..ما القصة؟    وزير الدفاع البريطاني: لن نحاول إجبار أوكرانيا على قبول اتفاق سلام مع روسيا    «الداخلية»: ضبط 25 طن دقيق مدعم قبل بيعها في السوق السوداء    داعية إسلامي: يوضح ما يجب على الحاج فعله فور حصوله على التأشيرة    دعاء للميت في ذي القعدة.. تعرف على أفضل الصيغ له    أحمد الطاهرى: فلسطين هي قضية العرب الأولى وباتت تمس الأمن الإقليمي بأكمله    مصر تدين الهجوم الإرهابى بمحافظة صلاح الدين بالعراق    السيد عبد الباري: من يحج لأجل الوجاهة الاجتماعية نيته فاسدة.. فيديو    مفتي الجمهورية يتوجه إلى البرتغال للمشاركة في منتدى كايسيد للحوار العالمى..    نموذج RIBASIM لإدارة المياه.. سويلم: خطوة مهمة لتطوير منظومة توزيع المياه -تفاصيل    فى أول نزال احترافى.. وفاة الملاكم البريطانى شريف لوال    "مقصود والزمالك كان مشارك".. ميدو يوجه تحية للخطيب بعد تحركه لحماية الأهلي    رئيس جامعة القاهرة: زيادة قيمة العلاج الشهري لأعضاء هيئة التدريس والعاملين 25%    الإسكان: الأحد المقبل.. بدء تسليم الأراضي السكنية بمشروع 263 فدانا بمدينة حدائق أكتوبر    «الأونروا»: أكثر من 150 ألف إمرأة حامل فى غزة يواجهن ظروفا ومخاطر صحية رهيبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفسير سورة البقرة للإمام الطبري (من الآية 30 إلى الآية 37)
نشر في المشهد يوم 28 - 02 - 2014


البقرة
{30} وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قَالَ رَبّك } قَالَ أَبُو جَعْفَر : زَعَمَ بَعْض الْمَنْسُوبِينَ إلَى الْعِلْم بِلُغَاتِ الْعَرَب مِنْ أَهْل الْبَصْرَة أَنَّ تَأْوِيل قَوْله : { وَإِذْ قَالَ رَبّك } وَقَالَ رَبّك , وَأَنَّ " إذْ " مِنْ الْحُرُوف الزَّوَائِد , وَأَنَّ مَعْنَاهَا الْحَذْف . وَاعْتَلَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي وَصَفْنَا عَنْهُ فِي ذَلِكَ بِبَيْتِ الْأَسْوَد بْن يَعْفُر : فَإِذَا وَذَلِكَ لَامَهَاهَ لِذِكْرِهِ وَالدَّهْر يُعْقِب صالحا بِفَسَادِ ثم قال : ومعناها : وذلك لَامَهَاهَ لِذِكْرِهِ . وَبِبَيْتِ عبد مَنَاف بن ربع الْهُذَلِيّ : حَتَّى إذَا أَسَلَكُوهُمْ فِي قَتَائِدَة شَلًّا كَمَا تَطْرُد الْجَمَّالَة الشُّرُدَا وَقَالَ : مَعْنَاهُ : حَتَّى أَسَلَكُوهُمْ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْأَمْر فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا قَالَ ; وَذَلِكَ أَنَّ " إذْ " حَرْف يَأْتِي بِمَعْنَى الْجَزَاء , وَيَدُلّ عَلَى مَجْهُول مِنْ الْوَقْت , وَغَيْر جَائِز إبْطَال حَرْف كَانَ دَلِيلًا عَلَى مَعْنًى فِي الْكَلَام . إذْ سَوَاء قِيلَ قَائِل هُوَ بِمَعْنَى التَّطَوُّل , وَهُوَ فِي الْكَلَام دَلِيل عَلَى مَعْنَى مَفْهُوم . وَقِيلَ آخَر فِي جَمِيع الْكَلَام الَّذِي نَطَقَ بِهِ دَلِيلًا عَلَى مَا أُرِيدَ بِهِ وَهُوَ بِمَعْنَى التَّطَوُّل . وَلَيْسَ لِمُدَّعِي الَّذِي وَصَفْنَا قَوْله فِي بَيْت الْأَسْوَد بْن يَعْفُر , أَنَّ " إذَا " بِمَعْنَى التَّطَوُّل وَجْه مَفْهُوم ; بَلْ ذَلِكَ لَوْ حُذِفَ مِنْ الْكَلَام لَبَطَلَ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ الْأَسْوَد بْن يَعْفُر مِنْ قَوْله : فَإِذَا وَذَلِكَ لَامَهَاهَ لِذِكْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ : فَإِذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ , وَمَا مَضَى مِنْ عَيْشنَا . وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إلَى مَا تَقَدَّمَ وَصْفه مِنْ عَيْشه الَّذِي كَانَ فِيهِ لَامَهَاهَ لِذِكْرِهِ , يَعْنِي لَا طَعْم لَهُ وَلَا فَضْل , لِإِعْقَابِ الدَّهْر صَالِح ذَلِكَ بِفَسَادٍ . وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْل عَبْد مَنَاف بْن ربع : حَتَّى إذَا أَسَلَكُوهُمْ فِي قَتَائِدَة شَلًّا . . ................ لَوْ أَسَقَطَ مِنْهُ " إذَا " بَطَل مَعْنَى الْكَلَام ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ : حَتَّى إذَا أَسَلَكُوهُمْ فِي قَتَائِدَة سَلَكُوا شَلًّا . فَدَلَّ قَوْله : " وَأَسْلِكُوهُمْ شَلًّا " عَلَى مَعْنَى الْمَحْذُوف , فَاسْتُغْنِيَ عَنْ ذِكْره بِدَلَالَةِ " إذَا " عَلَيْهِ , فَحُذِفَ . كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا عَلَى مَا تَفْعَل الْعَرَب فِي نَظَائِر ذَلِكَ , وَكَمَا قَالَ النَّمِر بْن تَوْلَب : فَإِنَّ الْمَنِيَّة مَنْ يَخْشَهَا فَسَوْف تُصَادِفهُ أَيْنَمَا وَهُوَ يُرِيد : أَيْنَمَا ذَهَبَ . وَكَمَا تَقُول الْعَرَب : أَتَيْتُك مِنْ قَبْل وَمِنْ بَعْد ; تُرِيد : مِنْ قَبْل ذَلِكَ وَمِنْ بَعْد ذَلِكَ . فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي " إذَا " كَمَا يَقُول الْقَائِل : إذَا أَكْرَمَك أَخُوك فَأَكْرِمْهُ وَإِذَا لَا فَلَا ; يُرِيد : وَإِذَا لَمْ يُكْرِمك فَلَا تُكْرِمهُ . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الْآخَر : فَإِذَا وَذَلِكَ لَا يَضُرّك ضُرّه فِي يَوْم أَسْأَل نَائِلًا أَوْ أَنْكَد نَظِير مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى فِي بَيْت الْأَسْوَد بْن يَعْفُر . وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِذْ قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ } لَوْ أُبْطِلَتْ " إذْ " وَحُذِفَتْ مِنْ الْكَلَام , لَاسْتَحَالَ عَنْ مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ بِهِ وَفِيهِ " إذْ " . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا مَعْنَى ذَلِكَ ؟ وَمَا الْجَالِب ل " إذْ " , إذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَام قَبْله مَا يَعْطِف بِهِ عَلَيْهِ ؟ قِيلَ لَهُ : قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَاطَبَ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِقَوْلِهِ : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ } بِهَذِهِ الْآيَات وَاَلَّتِي بَعْدهَا مُوَبِّخهمْ مُقَبِّحًا إلَيْهِمْ سُوء فِعَالهمْ وَمَقَامهمْ عَلَى ضَلَالهمْ مَعَ النِّعَم الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَسْلَافهمْ , وَمُذَكِّرهمْ بِتَعْدِيدِ نِعَمه عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَسْلَافهمْ بَأْسه أَنْ يَسْلُكُوا سَبِيل مَنْ هَلَكَ مِنْ أَسْلَافهمْ فِي مَعْصِيَة اللَّه , فَيَسْلُك بِهِمْ سَبِيلهمْ فِي عُقُوبَته ; وَمُعَرِّفهمْ مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ تَعَطُّفه عَلَى التَّائِب مِنْهُمْ اسْتِعْتَابًا مِنْهُ لَهُمْ . فَكَانَ مِمَّا عَدَّدَ مِنْ نِعَمه عَلَيْهِمْ , أَنَّهُ خَلَقَ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا , وَسَخَّرَ لَهُمْ مَا فِي السَّمَوَات مِنْ شَمْسهَا وَقَمَرهَا وَنُجُومهَا وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ مَنَافِعهَا الَّتِي جَعَلَهَا لَهُمْ وَلِسَائِرِ بَنِي آدَم مَعَهُمْ مَنَافِع , فَكَانَ فِي قَوْله : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ } مَعْنَى : اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ , إذْ خَلَقْتُكُمْ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا , وَخَلَقْت لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا , وَسَوَّيْت لَكُمْ مَا فِي السَّمَاء . ثُمَّ عَطْف بِقَوْلِهِ : { وَإِذْ قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ } عَلَى الْمَعْنَى الْمُقْتَضَى بِقَوْلِهِ : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ } إذْ كَانَ مُقْتَضِيًا مَا وَصَفْت مِنْ قَوْله : اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ إذْ فَعَلْت بِكُمْ وَفَعَلْت , وَاذْكُرُوا فِعْلِي بِأَبِيكُمْ آدَم , إذْ قُلْت لِلْمَلَائِكَةِ إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ نَظِير فِي كَلَام الْعَرَب نَعْلَم بِهِ صِحَّة مَا قُلْت ؟ قِيلَ : نَعَمْ , أَكْثَر مِنْ أَنْ يُحْصَى , مِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : أَجِدّك لَنْ تَرَى بِثُعَيْلِبَات وَلَا بَيْدَانَ نَاجِيَة ذَمُولَا وَلَا مُتَدَارِك وَالشَّمْس طِفْل بِبَعْضِ نَوَاشِغ الْوَادِي حُمُولَا فَقَالَ : وَلَا مُتَدَارِك , وَلَمْ يَتَقَدَّمهُ فِعْل بِلَفْظٍ يُعْطَف عَلَيْهِ , وَلَا حَرْف مُعْرَب إعْرَابه فَيُرَدّ " مُتَدَارِك " عَلَيْهِ فِي إعْرَابه . وَلَكِنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَهُ فِعْل مَجْحُود ب " لَنْ " يَدُلّ عَلَى الْمَعْنَى الْمَطْلُوب فِي الْكَلَام وَعَلَى الْمَحْذُوف , اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنْهُ عَنْ إظْهَار مَا حُذِفَ , وَعَامِل الْكَلَام فِي الْمَعْنَى وَالْإِعْرَاب مُعَامَلَته أَنْ لَوْ كَانَ مَا هُوَ مَحْذُوف مِنْهُ ظَاهِرًا . لِأَنَّ قَوْله : أَجِدّك لَنْ تَرَى بِثُعَيْلِبَات بِمَعْنَى : أَجِدّك لَسْت بَرَاء , فَرُدَّ " مُتَدَارِكًا " عَلَى مَوْضِع " تَرَى " كَأَنَّ " لَسْت " وَالْبَاء مَوْجُودَتَانِ فِي الْكَلَام , فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَإِذْ قَالَ رَبّك } لِمَا سَلَف قَبْله تَذْكِير اللَّه الْمُخَاطَبِينَ بِهِ مَا سَلَف قِبَلهمْ وَقِبَل آبَائِهِمْ مِنْ أَيَادِيه وَآلَائِهِ , وَكَانَ قَوْله : { وَإِذْ قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ } مَعَ مَا بَعْده مِنْ النِّعَم الَّتِي عَدَّدَهَا عَلَيْهِمْ وَنَبَّهَهُمْ عَلَى مَوَاقِعهَا , رُدَّ " إذْ " عَلَى مَوْضِع : { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ } لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : اُذْكُرُوا هَذِهِ مِنْ نِعَمِي , وَهَذِهِ الَّتِي قُلْت فِيهَا لِلْمَلَائِكَةِ . فَلَمَّا كَانَتْ الْأُولَى مُقْتَضِيَة " إذْ " عُطِفَ ب " إذْ " عَلَى مَوْضِعهَا فِي الْأُولَى كَمَا وَصَفْنَا مِنْ قَوْل الشَّاعِر فِي " وَلَا مُتَدَارِك " .

{30} وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِلْمَلَائِكَةِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْمَلَائِكَة جَمْع مَلَك , غَيْر أَنَّ وَاحِدهمْ بِغَيْرِ الْهَمْز أَكْثَر وَأَشْهَر فِي كَلَام الْعَرَب مِنْهُ بِالْهَمْزِ , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي وَاحِدهمْ مَلَك مِنْ الْمَلَائِكَة , فَيَحْذِفُونَ الْهَمْز مِنْهُ , وَيُحَرِّكُونَ اللَّامّ الَّتِي كَانَتْ مُسَكَّنَة لَوْ هَمْز الِاسْم . وَإِنَّمَا يُحَرِّكُونَهَا بِالْفَتْحِ , لِأَنَّهُمْ يَنْقُلُونَ حَرَكَة الْهَمْزَة الَّتِي فِيهِ بِسُقُوطِهَا إلَى الْحَرْف السَّاكِن قَبْلهَا , فَإِذَا جَمَعُوا وَاحِدهمْ رَدُّوا الْجَمْع إلَى الْأَصْل وَهَمَزُوا , فَقَالُوا : مَلَائِكَة . وَقَدْ تَفْعَل الْعَرَب نَحْو ذَلِكَ كَثِيرًا فِي كَلَامهَا , فَتَتْرُك الْهَمْز فِي الْكَلِمَة الَّتِي هِيَ مَهْمُوزَة فَيَجْرِي كَلَامهمْ بِتَرْكِ هَمْزهَا فِي حَال , وَبِهَمْزِهَا فِي أُخْرَى , كَقَوْلِهِمْ : رَأَيْت فُلَانًا , فَجَرَى كَلَامهمْ بِهَمْزِ رَأَيْت , ثُمَّ قَالُوا : نَرَى وَتَرَى وَيَرَى , فَجَرَى كَلَامهمْ فِي يَفْعَل وَنَظَائِرهَا بِتَرْكِ الْهَمْز , حَتَّى صَارَ الْهَمْز مَعَهَا شَاذًّا مَعَ كَوْن الْهَمْز فِيهَا أَصْلًا . فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي مَلَك وَمَلَائِكَة , جَرَى كَلَامهمْ بِتَرْكِ الْهَمْز مِنْ وَاحِدهمْ , وَبِالْهَمْزِ فِي جَمِيعهمْ . وَرُبَّمَا جَاءَ الْوَاحِد مَهْمُوزًا كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَلَسْت لِإِنْسِيٍّ وَلَكِنْ لَمِلْأَك تَحَدَّرَ مِنْ جَوّ السَّمَاء يَصُوب وَقَدْ يُقَال فِي وَاحِدهمْ : مَأْلُك , فَيَكُون ذَلِكَ مِثْل قَوْلهمْ : جَبَذَ وَجَذَبَ , وَشَأْمَل وَشَمْأَل , وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ مِنْ الْحُرُوف الْمَقْلُوبَة . غَيْر أَنَّ الَّذِي يَجِب إذَا سُمِّيَ وَاحِدهمْ مَأْلُك , أَنْ يُجْمَع إذْ جَمَعَ عَلَى ذَلِكَ : مَالِك , وَلَسْت أَحْفَظ جَمْعهمْ كَذَلِكَ سَمَاعًا , وَلَكِنَّهُمْ قَدْ يَجْمَعُونَ مَلَائِك وَمَلَائِكَة , كَمَا يُجْمَع أَشْعَث : أَشَاعِث وَأَشَاعِثَة , وَمِسْمَع : مَسَامِع وَمَسَامِعَة . قَالَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت فِي جَمْعهمْ كَذَلِكَ : وَفِيهَا مِنْ عِبَاد اللَّه قَوْم مَلَائِك ذَلِّلُوا وَهُمُ صِعَاب وَأَصْل الْمَلْأَك : الرِّسَالَة , كَمَا قَالَ عَدِيّ بْن زَيْد الْعَبَّادِيّ أَبْلِغْ النُّعْمَان عَنِّي ملأكا أَنَّهُ قَدْ طَالَ حَبْسِي وَانْتِظَارِي وَقَدْ يُنْشَد " مَأْلُكًا " عَلَى اللُّغَة الْأُخْرَى , فَمَنْ قَالَ : ملأكا , فَهُوَ مُفْعِل مِنْ لَأَكَ إلَيْهِ يَلْأَكُ : إذَا أَرْسَلَ إلَيْهِ رِسَالَة ملأكة . وَمَنْ قَالَ : مَأْلُكًا , فَهُوَ مُفْعِل مِنْ أَلَكْت إلَيْهِ آلُك : إذَا أَرْسَلْت إلَيْهِ مَأْلُكَة وَأَلُوكًا , كَمَا قَالَ لَبِيد بْن رَبِيعَة : وَغُلَام أَرْسَلَتْهُ أُمّه بِأَلُوكٍ فَبَذَلْنَا مَا سَأَلَ فَهَذَا مِنْ أَلَكْت . وَمِنْهُ قَوْل نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : أَلِكْنِي يَا عُيَيْنُ إلَيْك قَوْلًا سَتُهْدِيهِ الرِّوَاة إلَيْك عَنِّي وَقَالَ عَبْد بَنِي الحسحاس : أَلِكْنِي إلَيْهَا عَمْرك اللَّه يَا فَتَى بِآيَةِ مَا جَاءَتْ إلَيْنَا تَهَادِيًا يَعْنِي بِذَلِكَ : أَبْلِغْهَا رِسَالَتِي . فَسُمِّيَتْ الْمَلَائِكَة مَلَائِكَة بِالرِّسَالَةِ , لِأَنَّهَا رُسُل اللَّه بَيْنه وَبَيْن أَنْبِيَائِهِ وَمَنْ أُرْسِلَتْ إلَيْهِ مِنْ عِبَاده .

{30} وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي قَوْله : { إنِّي جَاعِل } , فَقَالَ بَعْضهمْ : إنِّي فَاعِل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 500 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ جَرِير بْن حَازِم , وَمُبَارَك عَنْ الْحَسَن , وَأَبِي بَكْر , يَعْنِي الْهُذَلِيّ عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَةُ , قَالُوا : قَالَ اللَّه لِلْمَلَائِكَةِ : { إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة } قَالَ لَهُمْ : إنِّي فَاعِل . وَقَالَ آخَرُونَ : إنِّي خَالِق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 501 - حُدِّثْت عَنْ المنجاب بْن الْحَارِث قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة عَنْ أَبِي رَوْق , قَالَ : كُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن " جَعْل " فَهُوَ خَلْق . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب فِي تَأْوِيل قَوْله : { إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة } أَيْ مُسْتَخْلَف فِي الْأَرْض خَلِيفَة وَمُصِير فِيهَا خَلَفًا , وَذَلِكَ أَشَبَه بِتَأْوِيلِ قَوْل الْحَسَن وَقَتَادَةُ . وَقِيلَ إنَّ الْأَرْض الَّتِي ذَكَرهَا اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة هِيَ مَكَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 502 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ ابْن سَابِطٍ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " دُحِيَتْ الْأَرْض مِنْ مَكَّة . وَكَانَتْ الْمَلَائِكَة تَطُوف بِالْبَيْتِ , فَهِيَ أَوَّل مَنْ طَافَ بِهِ , وَهِيَ الْأَرْض الَّتِي قَالَ اللَّه : { إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة } , وَكَانَ النَّبِيّ إذَا هَلَكَ قَوْمه وَنَجَا هُوَ وَالصَّالِحُونَ أَتَى هُوَ وَمَنْ مَعَهُ فَعَبَدُوا اللَّه بِهَا حَتَّى يَمُوتُوا , فَإِنَّ قَبْر نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَشُعَيْبٍ بَيْن زَمْزَم وَالرُّكْن وَالْمَقَام "

{30} وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { خَلِيفَة } وَالْخَلِيفَة الْفَعِيلَة , مِنْ قَوْلك : خَلَف فُلَان فُلَانًا فِي هَذَا الْأَمْر إذَا قَامَ مَقَامه فِيهِ بَعْده , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِف فِي الْأَرْض مِنْ بَعْدهمْ لِنَنْظُر كَيْفَ تَعْمَلُونَ } 10 14 يَعْنِي بِذَلِكَ : أَنَّهُ أَبْدَلَكُمْ فِي الْأَرْض مِنْهُمْ فَجَعَلَكُمْ خُلَفَاء بَعْدهمْ وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلسُّلْطَانِ الْأَعْظَم : خَلِيفَة , لِأَنَّهُ خَلَف الَّذِي كَانَ قَبْله , فَقَامَ بِالْأَمْرِ مَقَامه , فَكَانَ مِنْهُ خَلَفًا , يُقَال مِنْهُ : خَلَف الْخَلِيفَة يَخْلُف خِلَافَة وَخَلِيفًا , وَكَانَ ابْن إسْحَاق يَقُول بِمَا : 503 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق : { إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة } يَقُول : سَاكِنًا وَعَامِرًا يَسْكُنهَا وَيَعْمُرهَا خَلَقًا لَيْسَ مِنْكُمْ . وَلَيْسَ الَّذِي قَالَ ابْن إسْحَاق فِي مَعْنَى الْخَلِيفَة بِتَأْوِيلِهَا , وَإِنْ كَانَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا أَخْبَرَ مَلَائِكَته أَنَّهُ جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة يَسْكُنهَا , وَلَكِنْ مَعْنَاهَا مَا وَصَفْت قَبْل . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَمَا الَّذِي كَانَ فِي الْأَرْض قَبْل بَنِي آدَم لَهَا عَامِرًا فَكَانَ بَنُو آدَم بَدَلًا مِنْهُ وَفِيهَا مِنْهُ خَلَفًا ؟ قِيلَ : قَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ . 504 - فَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : أَوَّل مَنْ سَكَنَ الْأَرْض الْجِنّ , فَأَفْسَدُوا فِيهَا , وَسَفَكُوا فِيهَا الدِّمَاء , وَقَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا . قَالَ : فَبَعَثَ اللَّه إلَيْهِمْ إبْلِيس فِي جُنْد مِنْ الْمَلَائِكَة , فَقَتَلَهُمْ إبْلِيس وَمَنْ مَعَهُ , حَتَّى أَلْحَقَهُمْ بِجَزَائِر الْبُحُور وَأَطْرَاف الْجِبَال ; ثُمَّ خَلَقَ آدَم فَأَسْكَنَهُ إيَّاهَا , فَلِذَلِكَ قَالَ : { إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة } . فَعَلَى هَذَا الْقَوْل إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة مِنْ الْجِنّ يَخْلُفُونَهُمْ فِيهَا فَيَسْكُنُونَهَا وَيُعَمِّرُونَهَا . 505 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْله : { إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة } الْآيَة , قَالَ : إنَّ اللَّه خَلَقَ الْمَلَائِكَة يَوْم الْأَرْبِعَاء , وَخَلَقَ الْجِنّ يَوْم الْخَمِيس , وَخَلَقَ آدَم يَوْم الْجُمُعَة , فَكَفَرَ قَوْم مِنْ الْجِنّ , فَكَانَتْ الْمَلَائِكَة تَهْبِط إلَيْهِمْ فِي الْأَرْض فَتُقَاتِلهُمْ , فَكَانَتْ الدِّمَاء وَكَانَ الْفَسَاد فِي الْأَرْض . وَقَالَ آخَرُونَ فِي تَأْوِيل قَوْله : { إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة } أَيْ خَلَفًا يَخْلُف بَعْضهمْ بَعْضًا , وَهُمْ وَلَد آدَم الَّذِينَ يَخْلُفُونَ أَبَاهُمْ آدَم , وَيَخْلُف كُلّ قَرْن مِنْهُمْ الْقَرْن الَّذِي سَلَف قَبْله . وَهَذَا قَوْل حُكِيَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ , وَنَظِير لَهُ مَا : 506 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ ابْن سَابِطٍ فِي قَوْله : { إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } قَالَ : يَعْنُونَ بِهِ بَنِي آدَم . 507 - وَحَدَّثَنِي يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد قَالَ اللَّه لِلْمَلَائِكَةِ : إنِّي أُرِيد أَنْ أَخْلُق فِي الْأَرْض خَلْقًا , وَأَجْعَل فِيهَا خَلِيفَة , وَلَيْسَ لِلَّهِ يَوْمئِذٍ خَلْق إلَّا الْمَلَائِكَة وَالْأَرْض لَيْسَ فِيهَا خَلْق . وَهَذَا الْقَوْل يَحْتَمِل مَا حُكِيَ عَنْ الْحَسَن , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَرَادَ ابْن زَيْد أَنَّ اللَّه أَخْبَرَ الْمَلَائِكَة أَنَّهُ جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة لَهُ , يَحْكُم فِيهَا بَيْن خَلْقه بِحُكْمِهِ , نَظِير مَا : 508 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس وَعَنْ مُرَّة عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ : { إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة } قَالُوا : رَبّنَا وَمَا يَكُون ذَلِكَ الْخَلِيفَة ؟ قَالَ : يَكُون لَهُ ذُرِّيَّة يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَيَتَحَاسَدُونَ وَيَقْتُل بَعْضهمْ بَعْضًا . فَكَانَ تَأْوِيل الْآيَة عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس : إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة مِنِّي يَخْلُفنِي فِي الْحُكْم بَيْن خَلْقِي , وَذَلِكَ الْخَلِيفَة هُوَ آدَم وَمَنْ قَامَ مَقَامه فِي طَاعَة اللَّه وَالْحُكْم بِالْعَدْلِ بَيْن خَلْقه . وَأَمَّا الْإِفْسَاد وَسَفْك الدِّمَاء بِغَيْرِ حَقّهَا فَمِنْ غَيْر خُلَفَائِهِ , وَمِنْ غَيْر آدَم وَمَنْ قَامَ مَقَامه فِي عِبَاد اللَّه ; لِأَنَّهُمَا أَخْبَرَا أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ لِمَلَائِكَتِهِ إذْ سَأَلُوهُ : مَا ذَاكَ الْخَلِيفَة : إنَّهُ خَلِيفَة يَكُون لَهُ ذُرِّيَّة يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَيَتَحَاسَدُونَ وَيَقْتُل بَعْضهمْ بَعْضًا . فَأَضَافَ الْإِفْسَاد وَسَفْك الدِّمَاء بِغَيْرِ حَقّهَا إلَى ذُرِّيَّة خَلِيفَته دُونه وَأَخْرَجَ مِنْهُ خَلِيفَته . وَهَذَا التَّأْوِيل وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا فِي مَعْنَى الْخَلِيفَة مَا حُكِيَ عَنْ الْحَسَن مِنْ وَجْه , فَمُوَافِق لَهُ مِنْ وَجْه . فَأَمَّا مُوَافَقَته إيَّاهُ فَصَرْف مُتَأَوِّلِيهِ إضَافَة الْإِفْسَاد فِي الْأَرْض وَسَفْك الدِّمَاء فِيهَا إلَى غَيْر الْخَلِيفَة . وَأَمَّا مُخَالَفَته إيَّاهَا فَإِضَافَتهمَا الْخِلَافَة إلَى آدَم بِمَعْنَى اسْتِخْلَاف اللَّه إيَّاهُ فِيهَا , وَإِضَافَة الْحَسَن الْخِلَافَة إلَى وَلَده بِمَعْنَى خِلَافَة بَعْضهمْ بَعْضًا , وَقِيَام قَرْن مِنْهُمْ مَقَام قَرْن قَبْلهمْ , وَإِضَافَة الْإِفْسَاد فِي الْأَرْض وَسَفْك الدِّمَاء إلَى الْخَلِيفَة . وَاَلَّذِي دَعَا الْمُتَأَوِّلِينَ قَوْله : { إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة } فِي التَّأْوِيل الَّذِي ذُكِرَ عَنْ الْحَسَن إلَى مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الْمَلَائِكَة إنَّمَا قَالَتْ لِرَبِّهَا إذْ قَالَ لَهُمْ رَبّهمْ : { إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مِنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } إخْبَارًا مِنْهَا بِذَلِكَ عَنْ الْخَلِيفَة الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ جَاعِله فِي الْأَرْض لَا غَيْره ; لِأَنَّ الْمُحَاوَرَة بَيْن الْمَلَائِكَة وَبَيْن رَبّهَا عَنْهُ جَرَتْ . قَالُوا : فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ اللَّه قَدْ بَرَّأَ آدَم مِنْ الْإِفْسَاد فِي الْأَرْض وَسَفْك الدِّمَاء وَطَهَّرَهُ مِنْ ذَلِكَ , عُلِمَ أَنَّ الَّذِي عَنَى بِهِ غَيْره مِنْ ذُرِّيَّته , فَثَبَتَ أَنَّ الْخَلِيفَة الَّذِي يُفْسِد فِي الْأَرْض وَيَسْفِك الدِّمَاء هُوَ غَيْر آدَم , وَأَنَّهُمْ وَلَده الَّذِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ , وَأَنَّ مَعْنَى الْخِلَافَة الَّتِي ذَكَرهَا اللَّه إنَّمَا هِيَ خِلَافَة قَرْن مِنْهُمْ قَرْنًا غَيْرهمْ لِمَا وَصَفْنَا . وَأَغْفَلَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة وَمُتَأَوِّلُو الْآيَة هَذَا التَّأْوِيل سَبِيل التَّأْوِيل , وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَة إذْ قَالَ لَهَا رَبّهَا : { إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة } لَمْ تُضْفِ الْإِفْسَاد وَسَفْك الدِّمَاء فِي جَوَابهَا رَبّهَا إلَى خَلِيفَته فِي أَرْضه , بَلْ قَالَتْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا } , وَغَيْر مُنْكَر أَنْ يَكُون رَبّهَا أَعْلَمَهَا أَنَّهُ يَكُون لِخَلِيفَتِهِ ذَلِكَ ذُرِّيَّة يَكُون مِنْهُمْ الْإِفْسَاد وَسَفْك الدِّمَاء , فَقَالَتْ : يَا رَبّنَا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء ؟ كَمَا قَالَ ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس , وَمَنْ حَكَيْنَا ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل .

{30} وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } قَالَ أَبُو جَعْفَر : إنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قَالَتْ الْمَلَائِكَة لِرَبِّهَا إذْ أَخْبَرَهَا أَنَّهُ جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } وَلَمْ يَكُنْ آدَم بَعْد مَخْلُوقًا وَلَا ذُرِّيَّته , فَيَعْلَمُوا مَا يَفْعَلُونَ عِيَانًا ؟ أَعَلِمَتْ الْغَيْب فَقَالَتْ ذَلِكَ , أَمْ قَالَتْ مَا قَالَتْ مِنْ ذَلِكَ ظَنًّا , فَذَلِكَ شَهَادَة مِنْهَا بِالظَّنِّ وَقَوْل بِمَا لَا تَعْلَم , وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ صِفَتهَا , فَمَا وَجْه قَيْلهَا ذَلِكَ لِرَبِّهَا ؟ قِيلَ : قَدْ قَالَتْ الْعُلَمَاء مِنْ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا ; وَنَحْنُ ذَاكِرُو أَقْوَالهمْ فِي ذَلِكَ , ثُمَّ مُخْبِرُونَ بِأَصَحِّهَا بُرْهَانًا وَأَوْضَحَهَا حُجَّةً . فَرُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ مَا : 509 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ إبْلِيس مِنْ حَيّ مِنْ أَحْيَاء الْمَلَائِكَة , يُقَال لَهُمْ " الْحِنّ " خُلِقُوا مِنْ نَار السَّمُوم مِنْ بَيْن الْمَلَائِكَة , قَالَ : وَكَانَ اسْمه الْحَارِث . قَالَ : وَكَانَ خَازِنًا مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّة . قَالَ : وَخُلِقَتْ الْمَلَائِكَة كُلّهمْ مِنْ نُور غَيْر هَذَا الْحَيّ . قَالَ : وَخُلِقَتْ الْجِنّ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي الْقُرْآن مِنْ مَارِج مِنْ نَار , وَهُوَ لِسَان النَّار الَّذِي يَكُون فِي طَرَفهَا إذْ أُلْهِبَتْ . قَالَ : وَخُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ طِين , فَأَوَّل مَنْ سَكَنَ الْأَرْض الْجِنّ , فَأَفْسَدُوا فِيهَا وَسَفَكُوا الدِّمَاء , وَقَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا . قَالَ : فَبَعَثَ اللَّه إلَيْهِمْ إبْلِيس فِي جُنْد مِنْ الْمَلَائِكَة , وَهُمْ هَذَا الْحَيّ الَّذِينَ يُقَال لَهُمْ " الْحِنّ " فَقَتَلَهُمْ إبْلِيس وَمَنْ مَعَهُ حَتَّى أَلْحَقهُمْ بِجَزَائِر الْبُحُور وَأَطْرَاف الْجِبَال . فَلَمَّا فَعَلَ إبْلِيس ذَلِكَ اغْتَرَّ فِي نَفْسه , وَقَالَ : قَدْ صَنَعْت شَيْئًا لَمْ يَصْنَعهُ أَحَد . قَالَ : فَاطَّلَعَ اللَّه عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَلْبه , وَلَمْ تَطَّلِع عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ ; فَقَالَ اللَّه لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُ : { إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة } فَقَالَتْ الْمَلَائِكَة مُجِيبِينَ لَهُ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } كَمَا أَفْسَدَتْ الْجِنّ وَسَفَكَتْ الدِّمَاء ؟ وَإِنَّمَا بُعِثْنَا عَلَيْهِمْ لِذَلِكَ . فَقَالَ : { إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } يَقُول : إنِّي قَدْ اطَّلَعْت مِنْ قَلْب إبْلِيس عَلَى مَا لَمْ تَطَّلِعُوا عَلَيْهِ مِنْ كِبْره وَاغْتِرَاره , قَالَ : ثُمَّ أَمَرَ بِتُرْبَةِ آدَم فَرُفِعَتْ , فَخَلَقَ اللَّه آدَم مِنْ طِين لَازِب - وَاللَّازِب : اللَّزِج الصُّلْب مِنْ حَمَأ مَسْنُون - مُنْتِن . قَالَ : وَإِنَّمَا كَانَ حَمَأ مَسْنُونًا بَعْد التُّرَاب . قَالَ : فَخَلَقَ مِنْهُ آدَم بِيَدِهِ . قَالَ فَمَكَثَ أَرْبَعِينَ لَيْلَة جَسَدًا مُلْقًى , فَكَانَ إبْلِيس يَأْتِيه فَيَضْرِبهُ بِرِجْلِهِ فَيُصَلْصِل - أَيْ فَيُصَوِّت - قَالَ : فَهُوَ قَوْل اللَّه : { مِنْ صَلْصَال كَالْفَخَّارِ } 55 14 يَقُول : كَالشَّيْءِ الْمَنْفُوخ الَّذِي لَيْسَ بِمُصْمَتٍ , قَالَ : ثُمَّ يَدْخُل فِي فِيهِ وَيَخْرَج مِنْ دُبُره , وَيَدْخُل مِنْ دُبُره وَيَخْرُج مِنْ فِيهِ , ثُمَّ يَقُول : لَسْت شَيْئًا ! لِلصَّلْصَلَةِ , وَلِشَيْءٍ مَا خُلِقْت ! لَئِنْ سُلِّطْت عَلَيْك لَأَهْلِكَنَّكَ , وَلَئِنْ سُلِّطْت عَلَيَّ لَأَعْصِيَنَّكَ . قَالَ : فَلَمَّا نَفَخَ اللَّه فِيهِ مِنْ رُوحه , أَتَتْ النَّفْخَة مِنْ قِبَل رَأْسه , فَجَعَلَ لَا يَجْرِي شَيْء مِنْهَا فِي جَسَده إلَّا صَارَ لَحْمًا وَدَمًا . فَلَمَّا انْتَهَتْ النَّفْخَة إلَى سُرَّته نَظَرَ إلَى جَسَده , فَأَعْجَبَهُ مَا رَأَى مِنْ حُسْنه , فَذَهَبَ لِيَنْهَض فَلَمْ يَقْدِر , فَهُوَ قَوْل اللَّه : { وَكَانَ الْإِنْسَان عُجُولًا } 17 11 قَالَ : ضَجِرًا لَا صَبْر لَهُ عَلَى سَرَّاء وَلَا ضَرَّاء . قَالَ : فَلَمَّا تَمَّتْ النَّفْخَة فِي جَسَده عَطَسَ فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ , بِإِلْهَامٍ مِنْ اللَّه تَعَالَى . فَقَالَ اللَّه لَهُ : يَرْحَمك اللَّه يَا آدَم . قَالَ : ثُمَّ قَالَ اللَّه لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ إبْلِيس خَاصَّة دُون الْمَلَائِكَة الَّذِينَ فِي السَّمَوَات : اُسْجُدُوا لِآدَم ! فَسَجَدُوا كُلّهمْ أَجْمَعُونَ إلَّا إبْلِيس أَبَى وَاسْتَكْبَرَ لِمَا كَانَ حَدَّثَ بِهِ نَفْسه مِنْ كِبْره وَاغْتِرَاره , فَقَالَ : لَا أَسْجُد لَهُ وَأَنَا خَيْر مِنْهُ وَأَكْبَر سِنًّا وَأَقْوَى خَلْقًا , خَلَقْتَنِي مِنْ نَار وَخَلَقْته مِنْ طِين . يَقُول : إنَّ النَّار أَقْوَى مِنْ الطِّين . قَالَ : فَلَمَّا أَبَى إبْلِيس أَنْ يَسْجُد أَبْلَسَهُ اللَّه , وَآيَسَهُ مِنْ الْخَيْر كُلّه , وَجَعَلَهُ شَيْطَانًا رَجِيمًا عُقُوبَة لِمَعْصِيَتِهِ , ثُمَّ عَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا , وَهِيَ هَذِهِ الْأَسْمَاء الَّتِي يَتَعَارَف بِهَا النَّاس : إنْسَان وَدَابَّة وَأَرْض وَسَهْل وَبَحْر وَجَبَل وَحِمَار , وَأَشْبَاه ذَلِكَ مِنْ الْأُمَم وَغَيْرهَا . ثُمَّ عَرَضَ هَذِهِ الْأَسْمَاء عَلَى أُولَئِكَ الْمَلَائِكَة , يَعْنِي الْمَلَائِكَة الَّذِينَ كَانُوا مَعَ إبْلِيس الَّذِينَ خُلِقُوا مِنْ نَار السَّمُوم , وَقَالَ لَهُمْ : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ } يَقُول : أَخْبِرُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ { إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي لَمْ أَجْعَل فِي الْأَرْض خَلِيفَة . قَالَ : فَلَمَّا عَلِمَتْ الْمَلَائِكَة مُؤَاخَذَة اللَّه عَلَيْهِمْ فِيمَا تَكَلَّمُوا بِهِ مِنْ عِلْم الْغَيْب الَّذِي لَا يَعْلَمهُ غَيْره الَّذِي لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْم , قَالُوا : سُبْحَانك ! تَنْزِيهًا لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَكُون أَحَدٌ يَعْلَم الْغَيْب غَيْره , تُبْنَا إلَيْك لَا عِلْم لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتنَا ! تَبَرِّيًا مِنْهُمْ مِنْ عِلْم الْغَيْب , إلَّا مَا عَلَّمْتنَا كَمَا عَلَّمْت آدَم . فَقَالَ : { يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } يَقُول : أَخْبِرْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ { فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ } أَيّهَا الْمَلَائِكَة خَاصَّة { إنِّي أَعْلَم غَيْب السَّمَوَات وَالْأَرْض } وَلَا يَعْلَمهُ غَيْرِي { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ } يَقُول : مَا تُظْهِرُونَ { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } يَقُول : أَعْلَم السِّرّ كَمَا أَعْلَم الْعَلَانِيَة , يَعْنِي مَا كَتَمَ إبْلِيس فِي نَفْسه مِنْ الْكِبْر وَالِاغْتِرَار . وَهَذِهِ الرِّوَايَة عَنْ ابْن عَبَّاس تُنْبِئ عَنْ أَنَّ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِذْ قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ إنِّي جَاعِل فِي الْأَرَصّ خَلِيفَة } خِطَاب مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِخَاصٍّ مِنْ الْمَلَائِكَة دُون الْجَمِيع , وَأَنَّ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ مِنْ الْمَلَائِكَة كَانُوا قَبِيلَة إبْلِيس خَاصَّة , الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَهُ جِنّ الْأَرْض قَبْل خَلْق آدَم . وَأَنَّ اللَّه إنَّمَا خَصَّهُمْ بِقَيْلِ ذَلِكَ امْتِحَانًا مِنْهُ لَهُمْ وَابْتِلَاء لِيُعَرِّفهُمْ قُصُور عِلْمهمْ وَفَضْل كَثِير مِمَّنْ هُوَ أَضَعْف خَلْقًا مِنْهُمْ مِنْ خَلْقه عَلَيْهِمْ , وَأَنَّ كَرَامَته لَا تُنَال بِقَوَى الْأَبَدَانِ وَشِدَّة الْأَجْسَام كَمَا ظَنَّهُ إبْلِيس عَدُوّ اللَّه . وَيُصَرِّح بِأَنَّ قَيْلهمْ لِرَبِّهِمْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } كَانَتْ هَفْوَة مِنْهُمْ وَرَجْمًا بِالْغَيْبِ , وَأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَطْلَعَهُمْ عَلَى مَكْرُوه مَا نَطَقُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ , وَوَقَفَهُمْ عَلَيْهِ حَتَّى تَابُوا وَأَنَابُوا إلَيْهِ مِمَّا قَالُوا وَنَطَقُوا مِنْ رَجْم الْغَيْب بِالظُّنُونِ , وَتَبَرَّءُوا إلَيْهِ أَنْ يُعَلِّم الْغَيْب غَيْره , وَأَظْهَرَ لَهُمْ مِنْ إبْلِيس مَا كَانَ مُنْطَوِيًا عَلَيْهِ مِنْ الْكِبْر الَّذِي قَدْ كَانَ عَنْهُمْ مُسْتَخْفِيًا . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس خِلَاف هَذِهِ الرِّوَايَة , وَهُوَ مَا : 510 - حَدَّثَنِي به موسى بن هَارُونَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بن حماد , قال : حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذَكَرَهُ عن أبي مالك , وعن أبي صالح , عن ابن عباس , وعن مرة , عن ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : لما فرغ الله من خلق ما أَحَبَّ , استوى على العرش فجعل إبليس عَلَى مُلْك سَمَاء الدُّنْيَا , وَكَانَ مِنْ قَبِيلَة مِنْ الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُمْ الْجِنّ ; وَإِنَّمَا سُمُّوا الْجِنّ لِأَنَّهُمْ خُزَّان الْجَنَّة . وَكَانَ إبْلِيس مَعَ مُلْكه خَازِنًا , فَوَقَعَ فِي صَدْره كِبْر وَقَالَ : مَا أَعْطَانِي اللَّه هَذَا إلَّا لِمَزِيَّةٍ لِي - هَكَذَا قَالَ مُوسَى بْن هَارُونَ , وَقَدْ حَدَّثَنِي بِهِ غَيْره وَقَالَ : لِمَزِيَّةٍ لِي عَلَى الْمَلَائِكَة - فَلَمَّا وَقَعَ ذَلِكَ الْكِبْر فِي نَفْسه , اطَّلَعَ اللَّه عَلَى ذَلِكَ مِنْهُ فَقَالَ اللَّه لِلْمَلَائِكَةِ : { إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة } قَالُوا : رَبّنَا وَمَا يَكُون ذَلِكَ الْخَلِيفَة ؟ قَالَ : يَكُون لَهُ ذُرِّيَّة يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَيَتَحَاسَدُونَ وَيَقْتُل بَعْضهمْ بَعْضًا { قَالُوا } رَبّنَا { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك قَالَ إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } يَعْنِي مِنْ شَأْن إبْلِيس . فَبَعَثَ جِبْرِيل إلَى الْأَرْض لِيَأْتِيَهُ بِطِينٍ مِنْهَا , فَقَالَتْ الْأَرْض : إنِّي أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْك أَنْ تُنْقِص مِنِّي أَوْ تَشِيننِي ! فَرَجَعَ وَلَمْ يَأْخُذ وَقَالَ : رَبّ إنَّهَا عَاذَتْ بِك فَأَعَذْتهَا . فَبَعَثَ اللَّه مِيكَائِيل , فَعَاذَتْ مِنْهُ فَأَعَاذَهَا , فَرَجَعَ فَقَالَ كَمَا قَالَ جِبْرِيل . فَبَعَثَ مَلَك الْمَوْت , فَعَاذَتْ مِنْهُ فَقَالَ : وَأَنَا أَعُوذ بِاَللَّهِ أَنْ أَرْجِع وَلَمْ أُنَفِّذ أَمْره . فَأَخَذَ مِنْ وَجْه الْأَرْض وَخَلَطَ , فَلَمْ يَأْخُذ مِنْ مَكَان وَاحِد , وَأَخَذَ مِنْ تُرْبَة حَمْرَاء وَبَيْضَاء وَسَوْدَاء ; فَلِذَلِكَ خَرَجَ بَنُو آدَم مُخْتَلِفِينَ , فَصَعِدَ بِهِ فَبَلْ التُّرَاب حَتَّى عَادَ طِينًا لَازِبًا - وَاللَّازِب : هُوَ الَّذِي يَلْتَزِق بَعْضه بِبَعْضٍ - ثُمَّ تُرِكَ حَتَّى أَنْتَنَ وَتَغَيَّرَ , وَذَلِكَ حِين يَقُول : { مِنْ حَمَأ مَسْنُون } 15 28 قَالَ : مُنْتِن , ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ { إنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ طِين فَإِذَا سَوَّيْته وَنَفَخْت فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } 38 71 : 72 فَخَلَقَهُ اللَّه بِيَدَيْهِ لِكَيْلَا يَتَكَبَّر إبْلِيس عَلَيْهِ لِيَقُولَ لَهُ : تَتَكَبَّر عَمَّا عَمِلْت بِيَدَيَّ وَلَمْ أَتَكَبَّر أَنَا عَنْهُ ؟ فَخَلَقَهُ بَشَرًا , فَكَانَ جَسَدًا مِنْ طِين أَرْبَعِينَ سَنَة مِنْ مِقْدَار يَوْم الْجُمُعَة . فَمَرَّتْ بِهِ الْمَلَائِكَة فَفَزِعُوا مِنْهُ لَمَّا رَأَوْهُ , وَكَانَ أَشَدّهمْ مِنْهُ فَزِعًا إبْلِيس , فَكَانَ يَمُرّ فَيَضْرِبهُ , فَيُصَوِّت الْجَسَد كَمَا يُصَوِّت الْفَخَّار وَتَكُون لَهُ صَلْصَلَة , فَذَلِكَ حِين يَقُول : { مِنْ صَلْصَال كَالْفَخَّارِ } 55 14 وَيَقُول لِأَمْرٍ مَا
خُلِقْت ! وَدَخَلَ فِيهِ فَخَرَجَ مِنْ دُبُره , فَقَالَ لِلْمَلَائِكَةِ : لَا تَرْهَبُوا مِنْ هَذَا , فَإِنَّ رَبّكُمْ صَمَد وَهَذَا أَجْوَف , لَئِنْ سُلِّطْت عَلَيْهِ لَأَهْلِكَنَّهُ ! فَلَمَّا بَلَغَ الْحِين الَّذِي يُرِيد اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يَنْفُخ فِيهِ الرُّوح , قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ : إذَا نَفَخْت فِيهِ مِنْ رُوحِي فَاسْجُدُوا لَهُ ! فَلَمَّا نَفَخَ فِيهِ الرُّوح , فَدَخَلَ الرُّوح فِي رَأْسه عَطَسَ , فَقَالَتْ لَهُ الْمَلَائِكَة : قُلْ الْحَمْد لِلَّهِ ! فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ , فَقَالَ لَهُ اللَّه : رَحِمَك رَبّك ! فَلَمَّا دَخَلَ الرُّوح فِي عَيْنَيْهِ , نَظَرَ إلَى ثِمَار الْجَنَّة , فَلَمَّا دَخَلَ فِي جَوْفه اشْتَهَى الطَّعَام , فَوَثَبَ قَبْل أَنْ تَبْلُغ الرُّوح رِجْلَيْهِ عَجْلَان إلَى ثِمَار الْجَنَّة , فَذَلِكَ حِين يَقُول : { خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل } 21 37 فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلّهمْ أَجْمَعُونَ إلَّا إبْلِيس أَبَى أَنْ يَكُون مَعَ السَّاجِدِينَ - أَيْ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ - قَالَ اللَّه لَهُ : { مَا مَنَعَك أَنْ تَسْجُد } إذْ أَمَرْتُك { لِمَا خَلَقْت بِيَدَيَّ قَالَ أَنَا خير مِنْهُ } لم أَكُنْ لِأَسْجُد لِبَشَرٍ خَلَقْته مِنْ طِين , قَالَ اللَّهُ لَهُ : { اُخْرُجْ مِنْهَا فَمَا يَكُون لَك } يَعْنِي مَا يَنْبَغِي لَك { أَنْ تَتَكَبَّر فِيهَا فَاخْرُجْ إنَّك مِنْ الصَّاغِرِينَ } وَالصَّغَار هُوَ الذُّلّ . قَالَ : وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا , ثُمَّ عَرَضَ الْخَلْق عَلَى الْمَلَائِكَة فَقَالَ : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَنَّ بَنِي آدَم يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاء , فَقَالُوا لَهُ : { سُبْحَانك لَا عِلْم لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتنَا إنَّك أَنْتَ الْعَلِيم الْحَكِيم } اللَّه : { قَالَ يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إنِّي أَعْلَم غَيْب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ : قَوْلهمْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا } فَهَذَا الَّذِي أَبَدَوْا , وَأَعْلَم مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ , يَعْنِي مَا أَسَرَّ إبْلِيس فِي نَفْسه مِنْ الْكِبْر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَهَذَا الْخَبَر أَوَّله مَخَالِف مَعْنَاهُ مَعْنَى الرِّوَايَة الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ ابْن عَبَّاس مِنْ رِوَايَة الضَّحَّاك الَّتِي قَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرهَا قَبْل , وَمُوَافِق مَعْنَى آخِره مَعْنَاهَا ; وَذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي أَوَّله أَنَّ الْمَلَائِكَة سَأَلَتْ رَبّهَا : مَا ذَاكَ الْخَلِيفَة ؟ حِين قَالَ لَهَا : { إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة } فَأَجَابَهَا أَنَّهُ تَكُون لَهُ ذُرِّيَّة يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَيَتَحَاسَدُونَ وَيَقْتُل بَعْضهمْ بَعْضًا . فَقَالَتْ الْمَلَائِكَة حِينَئِذٍ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } ؟ فَكَانَ قَوْل الْمَلَائِكَة مَا قَالَتْ مِنْ ذَلِكَ لِرَبِّهَا بَعْد إعْلَام اللَّه إيَّاهَا أَنَّ ذَلِكَ كَائِن مِنْ ذُرِّيَّة الْخَلِيفَة الَّذِي يَجْعَلهُ فِي الْأَرْض , فَذَلِكَ مَعْنَى خِلَاف أَوَّله مَعْنَى خَبَر الضَّحَّاك الَّذِي ذَكَرْنَاهُ . وَأَمَّا مُوَافَقَته إيَّاهُ فِي آخِره , فَهُوَ قَوْلهمْ فِي تَأْوِيل قَوْله : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَنَّ بَنِي آدَم يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاء . وَأَنَّ الْمَلَائِكَة قَالَتْ إذْ قَالَ لَهَا رَبّهَا ذَلِكَ , تَبَرِّيًا مِنْ عِلْم الْغَيْب : { سُبْحَانك لَا عِلْم لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتنَا إنَّك أَنْتَ الْعَلِيم الْحَكِيم } . وَهَذَا إذَا تَدَبَّرَهُ ذُو الْفَهْم , عَلِمَ أَنَّ أَوَّله يُفْسِد آخِره , وَأَنَّ آخِره يبطل معنى أَوَّله ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنْ كَانَ أَخْبَرَ الْمَلَائِكَة أَنَّ ذُرِّيَّة الْخَلِيفَة الَّذِي يَجْعَلهُ فِي الْأَرْض تُفْسِد فِيهَا وَتَسْفِك الدِّمَاء , فَقَالَتْ الْمَلَائِكَة لِرَبِّهَا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } فَلَا وَجْه لِتَوْبِيخِهَا عَلَى أَنْ أُخْبِرَتْ عَمَّنْ أَخْبَرَهَا اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ يُفْسِد فِي الْأَرْض وَيَسْفِك الدِّمَاء بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَهَا عَنْهُمْ رَبّهَا , فَيَجُوز أَنْ يُقَال لَهَا فِيمَا طُوِيَ عَنْهَا مِنْ الْعُلُوم إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِيمَا عَلِمْتُمْ بِخَبَرِ اللَّه إيَّاكُمْ أَنَّهُ كَائِن مِنْ الْأُمُور , فَأُخْبِرْتُمْ بِهِ , فَأَخْبِرُونَا بِاَلَّذِي قَدْ طَوَى اللَّه عَنْكُمْ عِلْمه , كَمَا قَدْ أَخْبَرْتُمُونَا بِاَلَّذِي قَدْ أَطْلَعَكُمْ اللَّه عَلَيْهِ . بَلْ ذَلِكَ خُلْف مِنْ التَّأْوِيل , وَدَعْوَى عَلَى اللَّه مَا لَا يَجُوز أَنْ يَكُون لَهُ صِفَة . وَأَخْشَى أَنْ يَكُون بَعْض نَقَلَة هَذَا الْخَبَر هُوَ الَّذِي غَلَط عَلَى مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَة , وَأَنْ يَكُون التَّأْوِيل مِنْهُمْ كَانَ عَلَى ذَلِكَ : أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِيمَا ظَنَنْتُمْ أَنَّكُمْ أَدْرَكْتُمُوهُ مِنْ الْعِلْم بِخَبَرِي إيَّاكُمْ أَنَّ بَنِي آدَم يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاء , حَتَّى اسْتَجَرْتُمْ أَنْ تَقُولُوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } فَيَكُون التَّوْبِيخ حِينَئِذٍ وَاقِعًا عَلَى مَا ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ أَدْرَكُوا بِقَوْلِ اللَّه لَهُمْ : إنَّهُ يَكُون لَهُ ذُرِّيَّة يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاء , لَا عَلَى إخْبَارهمْ بِمَا أَخْبَرَهُمْ اللَّه بِهِ أَنَّهُ كَائِن . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ أَخْبَرَهُمْ عَمَّا يَكُون مِنْ بَعْض ذُرِّيَّة خَلِيفَته فِي الْأَرْض مَا يَكُون مِنْهُ فِيهَا مِنْ الْفَسَاد وَسَفْك الدِّمَاء , فَقَدْ كَانَ طَوَى عَنْهُمْ الْخَبَر عَمَّا يَكُون مِنْ كَثِير مِنْهُمْ مَا يَكُون مِنْ طَاعَتهمْ رَبّهمْ وَإِصْلَاحهمْ فِي أَرْضه وَحَقْن الدِّمَاء وَرَفْعه مَنْزِلَتهمْ وَكَرَامَتهمْ عَلَيْهِ , فَلَمْ يُخْبِرهُمْ بِذَلِكَ , فَقَالَتْ الْمَلَائِكَة : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } عَلَى ظَنّ مِنْهَا عَلَى تَأْوِيل هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْت , وَظَاهِرهمَا أَنَّ جَمِيع ذُرِّيَّة الْخَلِيفَة الَّذِي يَجْعَلهُ فِي الْأَرْض يُفْسِدُونَ فِيهَا وَيَسْفِكُونَ فِيهَا الدِّمَاء . فَقَالَ اللَّه لَهُمْ إذْ عَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَمِيع بَنِي آدَم يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاء عَلَى مَا ظَنَنْتُمْ فِي أَنْفُسكُمْ , إنْكَارًا مِنْهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِقِيلِهِمْ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْجَمِيع وَالْعُمُوم , وَهُوَ مِنْ صِفَة خَاصّ ذُرِّيَّة الْخَلِيفَة مِنْهُمْ . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ صِفَة مِنَّا لِتَأْوِيلِ الْخَبَر لَا الْقَوْل الَّذِي نَخْتَارهُ فِي تَأْوِيل الْآيَة . وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَوْجِيه خَبَر الْمَلَائِكَة عَنْ إفْسَاد ذُرِّيَّة الْخَلِيفَة وَسَفْكهَا الدِّمَاء عَلَى الْعُمُوم , مَا : 511 - حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن سَابِطٍ , قَوْله : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } قَالَ : يَعْنُونَ النَّاس . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 512 - حَدَّثَنَا بِهِ بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَإِذْ قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة } فَاسْتَخَارَ الْمَلَائِكَة فِي خَلْق آدَم , فَقَالُوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } وَقَدْ عَلِمَتْ الْمَلَائِكَة مِنْ عِلْم اللَّه أَنَّهُ لَا شَيْء أَكْرَه إلَى اللَّه مِنْ سَفْك الدِّمَاء وَالْفَسَاد فِي الْأَرْض ; { وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك قَالَ إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } فَكَانَ فِي عِلْم اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ الْخَلِيفَة أَنْبِيَاء وَرُسُل , وَقَوْم صَالِحُونَ , وَسَاكِنُو الْجَنَّة . قَالَ : وَذَكَر لَنَا أَنَّ ابْن عَبَّاس كَانَ يَقُول : إنَّ اللَّه لَمَا أَخَذَ فِي خَلْق آدَم قَالَتْ الْمَلَائِكَة : مَا اللَّه خَالِق خَلْقًا أَكْرَم عَلَيْهِ مِنَّا وَلَا أَعْلَم مِنَّا ! فَابْتُلُوا بِخَلْقِ آدَم , وَكُلّ خَلْق مُبْتَلَى , كَمَا اُبْتُلِيَتْ السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالطَّاعَةِ فَقَالَ اللَّه : { ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } 41 11 وَهَذَا الْخَبَر عَنْ قَتَادَةَ يَدُلّ عَلَى أَنَّ قَتَادَةَ كَانَ يَرَى أَنَّ الْمَلَائِكَة قَالَتْ مَا قَالَتْ مِنْ قَوْلهَا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } عَلَى غَيْر يَقِين عِلْم تَقَدَّمَ مِنْهَا بِأَنَّ ذَلِكَ كَائِن ; وَلَكِنْ عَلَى الرَّأْي مِنْهَا وَالظَّنّ , وَأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قِيلهَا وَرَدَّ عَلَيْهَا مَا رَأَتْ بِقَوْلِهِ : { إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } مِنْ أَنَّهُ يَكُون مِنْ ذُرِّيَّة ذَلِكَ الْخَلِيفَة الْأَنْبِيَاء وَالرَّسْل وَالْمُجْتَهِد فِي طَاعَة اللَّه . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ خِلَاف هَذَا التَّأْوِيل , وَهُوَ مَا : 513 - حَدَّثَنَا بِهِ الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا } قَالَ : كَانَ اللَّه أَعْلَمَهُمْ إذَا كَانَ فِي الْأَرْض خَلْق أَفْسَدُوا فِيهَا وَسَفَكُوا الدِّمَاء , فَذَلِكَ قَوْله : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا } . وَبِمِثْلِ قَوْل قَتَادَةَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل , مِنْهُمْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ . 514 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ جَرِير بْن حَازِم , وَمُبَارَك عَنْ الْحَسَن وَأَبِي بَكْر عَنْ الْحَسَن , وَقَتَادَةُ قَالَا : قَالَ اللَّه لِمَلَائِكَتِهِ : { إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْضَ خَلِيفَة } قَالَ لَهُمْ إنِّي فَاعِل . فَعَرَضُوا بِرَأْيِهِمْ , فَعَلَّمَهُمْ عِلْمًا وَطَوَى عَنْهُمْ عِلْمًا عَلِمَهُ لَا يَعْلَمُونَهُ . فَقَالُوا بِالْعِلْمِ الَّذِي عَلَّمَهُمْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } - وَقَدْ كَانَتْ الْمَلَائِكَة عَلِمَتْ مِنْ عِلْم اللَّه أَنَّهُ لَا ذَنْب أَعْظَم عِنْد اللَّه مِنْ سَفْك الدِّمَاء - { وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك قَالَ إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } . فَلَمَّا أَخَذَ فِي خَلْق آدَم , هَمَسَتْ الْمَلَائِكَة فِيمَا بَيْنهَا , فَقَالُوا : لِيَخْلُق رَبّنَا مَا شَاءَ أَنْ يَخْلُق , فَلَنْ يَخْلُق خَلْقًا إلَّا كُنَّا أَعْلَم مِنْهُ , وَأَكْرَم عَلَيْهِ مِنْهُ . فَلَمَّا خَلَقَهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحه , أَمَرَهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا لَهُ لَمَّا قَالُوا , فَفَضْله عَلَيْهِمْ , فَعَلِمُوا أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِخَيْرٍ مِنْهُ , فَقَالُوا : إنْ لَمْ نَكُنْ خَيْرًا منه فَنَحْنُ أَعْلَم مِنْهُ , لِأَنَّا كُنَّا
قَبْله , وَخُلِقَتْ الْأُمَم قَبْله , فَلَمَّا أُعْجِبُوا بِعِلْمِهِمْ اُبْتُلُوا { فَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } إِنِّي لَا أَخْلُق خَلْقًا إلَّا كُنْتُمْ أَعْلَم مِنْهُ , فَأَخْبِرُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ! قَالَ : فَفَزِعَ الْقَوْم إلَى التَّوْبَة - وَإِلَيْهَا يَفْزَع كُلّ مُؤْمِن - فَقَالُوا : { سُبْحَانك لَا عِلْم لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتنَا إنَّك أَنْتَ الْعَلِيم الْحَكِيم قَالَ يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إنِّي أَعْلَم غَيْب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } لِقَوْلِهِمْ : لِيَخْلُق رَبّنَا مَا شَاءَ فَلَنْ يَخْلُق خَلْقًا أَكْرَم عَلَيْهِ مِنَّا وَلَا أَعْلَم مِنَّا . قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء , هَذِهِ الْجِبَال وَهَذِهِ الْبِغَال , وَالْإِبِل , وَالْجِنّ , وَالْوَحْش , وَجَعَلَ يُسَمِّي كُلّ شَيْء بِاسْمِهِ , وَعُرِضَتْ عَلَيْهِ كُلّ أُمَّة ف { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إنِّي أَعْلَم غَيْب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } . قَالَ : أَمَّا مَا أَبْدَوْا فَقَوْلهمْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } . وَأَمَّا مَا كَتَمُوا فَقَوْل بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : نَحْنُ خَيْر مِنْهُ وَأَعْلَم . 515 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق بْن الْحَجَّاج , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْله : { إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة } الْآيَة . قَالَ : إنَّ اللَّه خَلَقَ الْمَلَائِكَة يَوْم الْأَرْبِعَاء وَخَلَقَ الْجِنّ يَوْم الْخَمِيس , وَخَلَقَ آدَم يَوْم الْجُمُعَة . قَالَ : فَكَفَرَ قَوْم مِنْ الْجِنّ , فَكَانَتْ الْمَلَائِكَة تَهْبِط إلَيْهِمْ فِي الْأَرْض فَتُقَاتِلهُمْ , فَكَانَتْ الدِّمَاء , وَكَانَ الْفَسَاد فِي الْأَرْض . فَمِنْ ثَمَّ قَالُوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } . . . الْآيَة . 516 - وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , بِمِثْلِهِ . { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنَّ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } إلَى قَوْله : { إنَّك أَنْتَ الْعَلِيم الْحَكِيم } قَالَ : وَذَلِكَ حِين قَالُوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك } قَالَ : فَلَمَّا عَرَفُوا أَنَّهُ جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة قَالُوا بَيْنهمْ : لَنْ يَخْلُق اللَّه خَلْقًا إلَّا كُنَّا نَحْنُ أَعْلَم مِنْهُ وَأَكْرَم ! فَأَرَادَ اللَّه أَنْ يُخْبِرهُمْ أَنَّهُ قَدْ فَضَّلَ عَلَيْهِمْ آدَم , وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا , فَقَالَ لِلْمَلَائِكَةِ : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } إلَى قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } وَكَانَ الَّذِي أَبْدَوْا حِين { قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } وَكَانَ الَّذِي كَتَمُوا بَيْنهمْ قَوْلهمْ : لَنْ يَخْلُق اللَّه خَلْقًا إلَّا كُنَّا نَحْنُ أَعْلَم مِنْهُ وَأَكْرَم . فَعَرَفُوا أَنَّ اللَّه فَضَّلَ عَلَيْهِمْ آدَم فِي الْعِلْم وَالْكَرَم . وَقَالَ ابْن زَيْد بِمَا : 517 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : لَمَّا خَلَقَ اللَّه النَّار ذَعَرَتْ مِنْهَا الْمَلَائِكَة ذُعْرًا شَدِيدًا , وَقَالُوا : رَبّنَا لِمَ خَلَقْت هَذِهِ النَّار , وَلِأَيِّ شَيْء خَلَقْتهَا ؟ قَالَ : لِمَنْ عَصَانِي مِنْ خَلْقِي . قَالَ : وَلَمْ يَكُنْ لِلَّهِ خَلْق يَوْمئِذٍ إلَّا الْمَلَائِكَة وَالْأَرْض , لَيْسَ فِيهَا خَلْق , إنَّمَا خَلَقَ آدَم بَعْد ذَلِكَ . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين مِنْ الدَّهْر لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا } 76 1 قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : يَا رَسُول اللَّه لَيْتَ ذَلِكَ الْحِين . ثُمَّ قَالَ : قَالَتْ الْمَلَائِكَة : يَا رَبّ أَوَ يَأْتِي عَلَيْنَا دَهْر نَعْصِيك فِيهِ ! لَا يَرَوْنَ لَهُ خَلْقًا غَيْرهمْ . قَالَ : لَا , إنِّي أُرِيد أَنْ أَخْلُق فِي الْأَرْض خَلْقًا وَأَجْعَل فِيهَا خَلِيقَة يَسْفِكُونَ الدِّمَاء وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض . فَقَالَتْ الْمَلَائِكَة : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } وَقَدْ اخْتَرْتنَا ؟ فَاجْعَلْنَا نَحْنُ فِيهَا فَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك وَنَعْمَل فِيهَا بِطَاعَتِك ! وَأَعْظَمَتْ الْمَلَائِكَة أَنْ يَجْعَل اللَّه فِي الْأَرْض مَنْ يَعْصِيه . فَقَالَ : إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ , يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ! فَقَالَ : فُلَان , وَفُلَان . قَالَ : فَلَمَّا رَأَوْا مَا أَعْطَاهُ اللَّه مِنْ الْعِلْم , أَقَرُّوا لِآدَم بِالْفَضْلِ عَلَيْهِمْ , وَأَبَى الْخَبِيث إبْلِيس أَنْ يُقِرّ لَهُ , قَالَ : { أَنَا خَيْر مِنْهُ خَلَقْتنِي مِنْ نَار وَخَلَقْته مِنْ طِين قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُون لَك أَنْ تَتَكَبَّر فِيهَا } . وَقَالَ ابْن إسْحَاق بِمَا : 518 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : لَمَّا أَرَادَ اللَّه أَنْ يَخْلُق آدَم بِقُدْرَتِهِ لِيَبْتَلِيَهُ وَيَبْتَلِي بِهِ , لِعِلْمِهِ بِمَا فِي مَلَائِكَته وَجَمِيع خَلْقه - وَكَانَ أَوَّل بَلَاء اُبْتُلِيَتْ بِهِ الْمَلَائِكَة مِمَّا لَهَا فِيهِ مَا تُحِبّ وَمَا تَكْرَه لِلْبَلَاءِ وَالتَّمْحِيص لِمَا فِيهِمْ مِمَّا لَمْ يَعْلَمُوا وَأَحَاطَ بِهِ عِلْم اللَّه مِنْهُمْ - جَمَعَ الْمَلَائِكَة مِنْ سُكَّان السَّمَوَات وَالْأَرْض , ثُمَّ قَالَ : { إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة } يَقُول : عَامِر أَوْ سَاكِن يَسْكُنهَا وَيَعْمُرهَا خَلْقًا لَيْسَ مِنْكُمْ . ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِعِلْمِهِ فِيهِمْ , فَقَالَ : يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاء وَيَعْمَلُونَ بِالْمَعَاصِي , فَقَالُوا جَمِيعًا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك } لَا نَعْصِي وَلَا نَأْتِي شَيْئًا كَرِهْته ؟ قَالَ : { إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } - قَالَ : إنِّي أَعْلَم فِيكُمْ وَمِنْكُمْ , وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ - مِنْ الْمَعْصِيَة وَالْفَسَاد وَسَفْك الدِّمَاء وَإِتْيَان مَا أُكْرِهَ مِنْهُمْ , مِمَّا يَكُون فِي الْأَرْض , مِمَّا ذُكِرَتْ فِي بَنِي آدَم . قَالَ اللَّه لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْم بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى إذْ يَخْتَصِمُونَ إنْ يُوحَى إلَيَّ إلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِير مُبِين } إلَى قَوْله : { فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } 38 69 : 71 فَذَكَرَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ مِنْ ذِكْره آدَم حِين أَرَادَ خَلْقه وَمُرَاجَعَة الْمَلَائِكَة إيَّاهُ فِيمَا ذَكَرَ لَهُمْ مِنْهُ . فَلَمَّا عَزَمَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَلَى خَلْق آدَم قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ : { إنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ صَلْصَال مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون } 15 28 بِيَدَيَّ تَكْرِمَة لَهُ , وَتَعْظِيمًا لِأَمْرِهِ , وَتَشْرِيفًا لَهُ ; حَفِظَتْ الْمَلَائِكَة عَهْده , وَوَعَوْا قَوْله , وَأَجْمَعُوا الطَّاعَة , إلَّا مَا كَانَ مِنْ عَدُوّ اللَّه إبْلِيس , فَإِنَّهُ صَمَتَ عَلَى مَا كَانَ فِي نَفْسه مِنْ الْحَسَد وَالْبَغْي وَالتَّكَبُّر وَالْمَعْصِيَة . وَخَلْق اللَّه آدَم مِنْ أَدَمَة الْأَرْض , مِنْ طِين لَازِب مِنْ حَمَأ مَسْنُون , بَيْدَيْهِ تَكْرِمَة لَهُ وَتَعْظِيمًا لِأَمْرِهِ وَتَشْرِيفًا لَهُ عَلَى سَائِر خَلْقه . قَالَ ابْن إسْحَاق : فَيُقَال وَاَللَّه أَعْلَم : خَلَقَ اللَّه آدَم ثُمَّ وَضَعَهُ يَنْظُر إلَيْهِ أَرْبَعِينَ عَامًا قَبْل أَنْ يَنْفُخ فِيهِ الرُّوح حَتَّى عَادَ صَلْصَالًا كَالْفَخَّارِ , وَلَمْ تَمَسّهُ نَار . قَالَ : فَيُقَال وَاَللَّه أَعْلَم : إنَّهُ لَمَّا انْتَهَى الرُّوح إلَى رَأْسه عَطَسَ , فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ ! فَقَالَ لَهُ رَبّه : يَرْحَمك رَبّك ! وَوَقَعَ الْمَلَائِكَة حِين اسْتَوَى سُجُودًا لَهُ حِفْظًا لِعَهْدِ اللَّه الَّذِي عَهِدَ إلَيْهِمْ , وَطَاعَة لِأَمْرِهِ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ . وَقَامَ عَدُوّ اللَّه إبْلِيس مِنْ بَيْنهمْ , فَلَمْ يَسْجُد مُكَابِرًا مُتَعَظِّمًا بَغْيًا وَحَسَدًا , فَقَالَ لَهُ : { يَا إبْلِيس مَا مَنَعَك أَنْ تَسْجُد لِمَا خَلَقْت بِيَدَيَّ } إلَى : { لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّم مِنْك وَمِمَّنْ تَبِعَك مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } 38 75 : 85 قَالَ : فَلَمَّا فَرَغَ اللَّه مِنْ إبْلِيس وَمُعَاتَبَته وَأَبَى إلَى الْمَعْصِيَة , أَوَقَعَ عَلَيْهِ اللَّعْنَة وَأَخْرَجَهُ مِنْ الْجَنَّة . ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى آدَم , وَقَدْ عَلَّمَهُ الْأَسْمَاء كُلّهَا , فَقَالَ : { يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إنِّي أَعْلَم غَيْب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ قَالُوا سُبْحَانك لَا عِلْم لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتنَا إنَّك أَنْتَ الْعَلِيم الْحَكِيم } أَيْ إنَّمَا أَجَبْنَاك فِيمَا عَلَّمْتنَا , فَأَمَّا مَا لَمْ تُعَلِّمنَا فَأَنْت أَعْلَم بِهِ . فَكَانَ مَا سَمَّى آدَم مِنْ شَيْء كَانَ اسْمه الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ إلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ ابْن جُرَيْجٍ بِمَا : 519 - حَدَّثَنَا بِهِ الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : إنَّمَا تَكَلَّمُوا بِمَا أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ كَائِن مِنْ خَلْق آدَم , فَقَالُوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } . وَقَالَ بَعْضهمْ : إنَّمَا قَالَتْ الْمَلَائِكَة مَا قَالَتْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } لِأَنَّ اللَّه أَذِنَ لَهَا فِي السُّؤَال عَنْ ذَلِكَ بَعْد مَا أَخْبَرَهَا أَنَّ ذَلِكَ كَائِن مِنْ بَنِي آدَم , فَسَأَلَتْهُ الْمَلَائِكَة فَقَالَتْ عَلَى التَّعَجُّب مِنْهَا : وَكَيْفَ يَعْصُونَك يَا رَبّ وَأَنْت خَالِقهمْ ! فَأَجَابَهُمْ رَبّهمْ : { إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ كَائِن مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوهُ أَنْتُمْ , وَمِنْ بَعْض مَنْ تَرَوْنَهُ لِي طَائِعًا . يَعْرِفهُمْ بِذَلِكَ قُصُور عِلْمهمْ عَنْ عِلْمه وَقَالَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة : قَوْل الْمَلَائِكَة : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا } عَلَى غَيْر وَجْه الْإِنْكَار مِنْهُمْ عَلَى رَبّهمْ , وَإِنَّمَا سَأَلُوهُ لِيَعْلَمُوا , وَأَخْبَرُوا عَنْ أَنْفُسهمْ أَنَّهُمْ يُسَبِّحُونَ . وَقَالَ : قَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَرِهُوا أَنْ يُعْصَى اللَّه , لِأَنَّ الْجِنّ قَدْ كَانَتْ أُمِرَتْ قَبْل ذَلِكَ فَعَصَتْ . وَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ مِنْ الْمَلَائِكَة عَلَى وَجْه الِاسْتِرْشَاد عَمَّا لَمْ يَعْلَمُوا مِنْ ذَلِكَ , فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا : يَا رَبّ خَبِّرْنَا ; مَسْأَلَة اسْتِخْبَار مِنْهُمْ لِلَّهِ لَا عَلَى وَجْه مَسْأَلَة التَّوْبِيخ . قَالَ أَبُو
جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ التَّأْوِيلَات بِقَوْلِ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْ مَلَائِكَته قِيلهَا لَهُ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك } تَأْوِيل مَنْ قَالَ : إنَّ ذَلِكَ مِنْهَا اسْتِخْبَار لِرَبِّهَا ; بِمَعْنَى : أَعْلِمْنَا يَا رَبّنَا , أَجَاعِل أَنْتَ فِي الْأَرْض مِنْ هَذِهِ صِفَته وَتَارِك أَنْ تَجْعَل خُلَفَاءَك مِنَّا , وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك , وَنُقَدِّس لَك ؟ لَا إنْكَار مِنْهَا لِمَا أَعْلَمَهَا رَبّهَا أَنَّهُ فَاعِل , وَإِنْ كَانَتْ قَدْ اسْتَعْظَمَتْ لَمَّا أُخْبِرَتْ بِذَلِكَ أَنْ يكون لله خلق يعصيه . وأما دعوى مَنْ زعم أن الله جل ثناؤه كان أَذِنَ لها بالسؤال عن ذلك فسألته على وجه التَّعَجُّب , فَدَعْوَى لَا دَلَالَة عَلَيْهَا فِي ظَاهِر التَّنْزِيل وَلَا خَبَر بِهَا مِنْ الْحُجَّة يَقْطَع الْعُذْر , وَغَيْر حَائِز أَنْ يُقَال فِي تَأْوِيل كِتَاب اللَّه بِمَا لَا دَلَالَة عَلَيْهِ مِنْ بَعْض الْوُجُوه الَّتِي تَقُوم بِهَا الْحُجَّة . وَأَمَّا وَصْف الْمَلَائِكَة مِنْ وَصَفَتْ فِي اسْتِخْبَارهَا رَبّهَا عَنْهُ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْض وَسَفْك الدِّمَاء , فَغَيْر مُسْتَحِيل فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود مِنْ الْقَوْل الَّذِي رَوَاهُ السُّدِّيّ وَوَافَقَهُمَا عَلَيْهِ قَتَادَةَ مِنْ التَّأْوِيل . وَهُوَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة تَكُون لَهُ ذُرِّيَّة يَفْعَلُونَ كَذَا وَكَذَا , فَقَالُوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا } عَلَى مَا وَصَفَتْ مِنْ الِاسْتِخْبَار . فَإِنَّ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا وَجْه اسْتِخْبَارهَا وَالْأَمْر عَلَى مَا وَصَفَتْ مِنْ أَنَّهَا قَدْ أُخْبِرَتْ أَنَّ ذَلِكَ كَائِن ؟ قِيلَ : وَجْه اسْتِخْبَارهَا حِينَئِذٍ يَكُون عَنْ حَالهمْ عَنْ وُقُوع ذَلِكَ , وَهَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ ؟ وَمَسْأَلَتهمْ رَبّهمْ أَنْ يَجْعَلهُمْ الْخُلَفَاء فِي الْأَرْض حَتَّى لَا يَعْصُوهُ . وَغَيْر فَاسِد أَيْضًا مَا رَوَاهُ الضَّحَّاك عَنْ ابْن عَبَّاس وَتَابِعه عَلَيْهِ الرَّبِيع بْن أَنَس مِنْ أَنَّ الْمَلَائِكَة قَالَتْ ذَلِكَ لَمَّا كَانَ عِنْدهَا مِنْ عِلْم سُكَّان الْأَرْض قَبْل آدَم مِنْ الْجِنّ , فَقَالَتْ لِرَبِّهَا : أَجَاعِل فِيهَا أَنْتَ مِثْلهمْ مِنْ الْخَلْق يَفْعَلُونَ مِثْل الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَ ؟ عَلَى وَجْه الِاسْتِعْلَام مِنْهُمْ لِرَبِّهِمْ , لَا عَلَى وَجْه الْإِيجَاب أَنَّ ذَلِكَ كَائِن كَذَلِكَ , فَيَكُون ذَلِكَ مِنْهَا إخْبَارًا عَمَّا لَمْ تَطْلُع عَلَيْهِ مِنْ عِلْم الْغَيْب . وَغَيْر خَطَأ أَيْضًا مَا قَالَهُ ابْن زَيْد مِنْ أَنْ يَكُون قِيلَ الْمَلَائِكَة مَا قَالَتْ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْه التَّعَجُّب مِنْهَا مِنْ أَنْ يَكُون لِلَّهِ خَلْق يَعْصِي خَالِقه . وَإِنَّمَا تَرَكْنَا الْقَوْل بِاَلَّذِي رَوَاهُ الضَّحَّاك عَنْ ابْن عَبَّاس وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ الرَّبِيع بْن أَنَس وَبِاَلَّذِي قَالَهُ ابْن زَيْد فِي تَأْوِيل ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَا خَبَر عِنْدنَا بِاَلَّذِي قَالُوهُ مِنْ وَجْه يَقْطَع مَجِيئَهُ الْعُذْر وَيَلْزَم سَامِعه بِهِ الْحُجَّة . وَالْخَبَر عَمَّا مَضَى وَمَا قَدْ سَلَف , لَا يُدْرِك عِلْم صِحَّته إلَّا بِمَجِيئِهِ مَجِيئًا يمتنع منه التَّشَاغُب وَالتَّوَاطُؤ , وَيَسْتَحِيل منه الْكَذِب وَالْخَطَأ وَالسَّهْو . وليس ذلك بِمَوْجُودٍ كَذَلِكَ فِيمَا حَكَاهُ الضَّحَّاك عَنْ ابْن عَبَّاس وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ الرَّبِيع , وَلَا فِيمَا قَالَهُ ابْن زَيْد . فَأَوْلَى التَّأْوِيلَات إذْ كَانَ الْأَمْر كَذَلِكَ بِالْآيَةِ , مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ ظَاهِر التَّنْزِيل دَلَالَة مِمَّا يَصِحّ مَخْرَجه فِي الْمَفْهُوم . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنْ كَانَ أَوْلَى التَّأْوِيلَات بِالْآيَةِ هُوَ مَا ذَكَرْت مِنْ أَنَّ اللَّه أَخْبَرَ الْمَلَائِكَة بِأَنَّ ذُرِّيَّة خَلِيفَته فِي الْأَرْض يُفْسِدُونَ فِيهَا وَيَسْفِكُونَ فِيهَا الدِّمَاء , فَمِنْ أَجْل ذَلِكَ قَالَتْ الْمَلَائِكَة : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا } فَأَيْنَ ذِكْر إخْبَار اللَّه إيَّاهُمْ فِي كِتَابه بِذَلِكَ ؟ قِيلَ لَهُ : اكْتَفِي بِدَلَالَةِ مَا قَدْ ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام عَلَيْهِ عَنْهُ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَلَا تَدْفِنُونِي إنَّ دَفْنِي مُحَرَّم عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ خَامِرِي أُمَّ عَامِرٍ فَحَذَفَ قَوْله دَعُونِي لِلَّتِي يُقَال لَهَا عِنْد صَيْدهَا خَامِرِي أُمَّ عَامِر , إذْ كَانَ فِيمَا أَظَهَرَ مِنْ كَلَامه دَلَالَة عَلَى مَعْنَى مُرَاده . فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا } لَمَّا كَانَ فِيهِ دَلَالَة عَلَى مَا تَرَكَ ذِكْره بَعْد قَوْله : { إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة } مِنْ الْخَبَر عَمَّا يَكُون مِنْ إفْسَاد ذُرِّيَّته فِي الْأَرْض اكْتَفَى بِدَلَالَتِهِ وَحَذَفَ , فَتَرَك ذِكْره كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْل الشَّاعِر وَنَظَائِر ذَلِكَ فِي الْقُرْآن وَأَشْعَار الْعَرَب وَكَلَامهَا أَكْثَر مِنْ أَنْ يُحْصَى . فَلَمَّا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ اخْتَرْنَا مَا اخْتَرْنَا مِنْ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } .

{30} وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك } قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَمَّا قَوْله : { وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك } فَإِنَّهُ يَعْنِي : إنَّا نُعَظِّمك بِالْحَمْدِ لَك وَالشُّكْر , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّك } 110 3 وَكَمَا قَالَ : { وَالْمَلَائِكَة يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهمْ } 42 5 وَكُلّ ذِكْر لِلَّهِ عِنْد الْعَرَب فَتَسْبِيح وَصَلَاة , يَقُول الرَّجُل مِنْهُمْ : قَضَيْت سُبْحَتِي مِنْ الذِّكْر وَالصَّلَاة . وَقَدْ قِيلَ إنَّ التَّسْبِيح صَلَاة الْمَلَائِكَة . 520 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي , فَمَرَّ رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَجُل مِنْ الْمُنَافِقِينَ , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَأَنْت جَالِس ! فَقَالَ لَهُ : امْضِ إلَى عَمَلك إنْ كَانَ لَك عَمَل , فَقَالَ : مَا أَظُنّ إلَّا سَيَمُرُّ عَلَيْك مَنْ يُنْكِر عَلَيْك فَمَرَّ عَلَيْهِ عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَقَالَ لَهُ : يَا فُلَان النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَنْت جَالِس ! فَقَالَ لَهُ مِثْلهَا فَقَالَ : هَذَا مِنْ عَمَلِي . فَوَثَبَ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ حَتَّى انْتَهَى . ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِد فَصَلَّى مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا انْفَتَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ إلَيْهِ عُمَر , فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه مَرَرْت آنِفًا عَلَى فُلَان وَأَنْت تُصَلِّي , فَقُلْت لَهُ : النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَنْت جَالِس ! فَقَالَ : سِرْ إلَى عَمَلك إنْ كَانَ لَك عَمَل . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَهَلَّا ضَرَبْت عُنُقه " فَقَامَ . ... عُمَر مُسْرِعًا . فَقَالَ : " يَا عُمَر ارْجِعْ فَإِنَّ غَضَبك عِزّ وَرِضَاك حُكْم , إنَّ لِلَّهِ فِي السَّمَوَات السَّبْع مَلَائِكَة يُصَلُّونَ لَهُ غِنًى عَنْ صَلَاة فُلَان " . فَقَالَ عُمَر : يَا نَبِيّ اللَّه وَمَا صَلَاتهمْ ؟ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ شَيْئًا . فَأَتَاهُ جِبْرِيل , فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه سَأَلَك عُمَر عَنْ صَلَاة أَهْل السَّمَاء ؟ قَالَ : " نَعَمْ " , فَقَالَ : اقْرَأْ عَلَى عُمَر السَّلَام , وَأَخْبِرْهُ أَنَّ أَهْل السَّمَاء الدُّنْيَا سُجُود إلَى يَوْم الْقِيَامَة يَقُولُونَ : سُبْحَان ذِي الْمَلِك وَالْمَلَكُوت , وَأَهْل السَّمَاء الثَّانِيَة رُكُوع إلَى يَوْم الْقِيَامَة يَقُولُونَ : سُبْحَان ذِي الْعِزَّة وَالْجَبَرُوت , وَأَهْل السَّمَاء الثَّالِثَة قِيَام إلَى يَوْم الْقِيَامَة يَقُولُونَ : سُبْحَان الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : 521 - وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , وَسَهْل بْن مُوسَى الرَّازِيُّ , قَالَا : حَدَّثَنَا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْجَرِيرِيّ , عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه الْجَسْرِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الصَّامِت , عَنْ أَبِي ذَرّ : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَادَهُ - أَوْ أَنَّ أَبَا ذَرّ عَادَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ - فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه بِأَبِي أَنْتَ , أَيْ الْكَلَام أَحَبّ إلَى اللَّه ؟ فَقَالَ : " مَا اصْطَفَى اللَّه لِمَلَائِكَتِهِ : سُبْحَان رَبِّي وَبِحَمْدِهِ , سُبْحَان رَبِّي وَبِحَمْدِهِ " صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي أَشْكَال لَمَّا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَار كَرِهْنَا إطَالَة الْكِتَاب بِاسْتِقْصَائِهَا . وَأَصْل التَّسْبِيح لِلَّهِ عِنْد الْعَرَب التَّنْزِيه لَهُ مِنْ إضَافَة مَا لَيْسَ مِنْ صِفَاته إلَيْهِ وَالتَّبْرِئَة لَهُ مِنْ ذَلِكَ , كَمَا قَالَ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : أَقُول لَمَّا جَاءَنِي فَخْره سُبْحَان مِنْ عَلْقَمَة الْفَاخِر يُرِيد : سُبْحَان اللَّه مِنْ فَخْر عَلْقَمَة ! أَيْ تَنْزِيهًا لِلَّهِ مِمَّا أَتَى عَلْقَمَة مِنْ الِافْتِخَار عَلَى وَجْه النَّكِير مِنْهُ لِذَلِكَ . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى التَّسْبِيح وَالتَّقْدِيس فِي هَذَا الْمَوْضِع . فَقَالَ بَعْضهمْ : قَوْلهمْ : نُسَبِّح بِحَمْدِك : نُصَلِّي لَك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 522 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : { وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك } قَالَ : يَقُولُونَ : نُصَلِّي لَك . وَقَالَ آخَرُونَ : { نُسَبِّح بِحَمْدِك } التَّسْبِيح الْمَعْلُوم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 523 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك } قَالَ التَّسْبِيح التَّسْبِيح . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنُقَدِّس لَك } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالتَّقْدِيس هُوَ التَّطْهِير وَالتَّعْظِيم ; وَمِنْهُ قَوْلهمْ : سُبُّوح قُدُّوس , يَعْنِي بِقَوْلِهِمْ سُبُّوح : تَنْزِيهًا لِلَّهِ ; وَبِقَوْلِهِمْ قُدُّوس : طَهَارَة لَهُ وَتَعْظِيمًا ; وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْأَرْضِ : أَرْض مُقَدَّسَة , يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُطَهَّرَة . فَمَعْنَى قَوْل الْمَلَائِكَة إذًا { وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك } نُنَزِّهك وَنُبَرِّئك مِمَّا يُضِيفهُ إلَيْك أَهْل الشِّرْك بِك , وَنُصَلِّي لَك . وَنُقَدِّس لَك : نَنْسُبك إلَى مَا هُوَ مِنْ صِفَاتك مِنْ الطَّهَارَة مِنْ الْأَدْنَاس وَمَا أَضَافَ إلَيْك أَهْل الْكُفْر بِك . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ تَقْدِيس الْمَلَائِكَة لِرَبِّهَا صَلَاتهَا لَهُ كَمَا : 524 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَنُقَدِّس لَك } قَالَ : التَّقْدِيس : الصَّلَاة . وَقَالَ بَعْضهمْ : نُقَدِّس لَك : نُعَظِّمك وَنُمَجِّدك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 525 حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا هَاشِم بْن الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد الْمُؤَدِّب , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح فِي قَوْله : { وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك } قَالَ : نُعَظِّمك وَنُمَجِّدك . 526 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنِي عِيسَى . وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل جَمِيعًا , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَنُقَدِّس لَك } قَالَ : نُعَظِّمك وَنُكَبِّرك . 527 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل , عَنْ ابْن إسْحَاق : { وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك } لَا نَعْصِي وَلَا نَأْتِي شَيْئًا تَكْرَههُ . 528 - وَحُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { وَنُقَدِّس لَك } قَالَ : التَّقْدِيس : التَّطْهِير . وَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ : إنَّ التَّقْدِيس الصَّلَاة أَوْ التَّعْظِيم , فَإِنَّ مَعْنَى قَوْله ذَلِكَ رَاجِع إلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّطْهِير ; مِنْ أَجْل أَنَّ صَلَاتهَا لِرَبِّهَا تَعْظِيم مِنْهَا لَهُ وَتَطْهِير مِمَّا يَنْسُبهُ إلَيْهِ أَهْل الْكُفْر بِهِ . وَلَوْ قَالَ مَكَان : " وَنُقَدِّس لَك " : " وَنُقَدِّسك " , كَانَ فَصِيحًا مِنْ الْكَلَام , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب تَقُول : فُلَان يُسَبِّح اللَّه وَيُقَدِّسهُ , وَيُسَبِّح لِلَّهِ وَيُقَدِّس لَهُ بِمَعْنًى وَاحِد , وَقَدْ جَاءَ بِذَلِكَ الْقُرْآن , قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { كَيْ نُسَبِّحك كَثِيرًا وَنَذْكُرك كَثِيرًا } 20 33 : 34 صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { يُسَبِّح لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض } 62 1

{30} وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ ; فَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } مِمَّا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ إبْلِيس , وَإِضْمَاره الْمَعْصِيَة لِلَّهِ وَإِخْفَائِهِ الْكِبْر , مِمَّا اطَّلَعَ عَلَيْهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْهُ وَخَفِيَ عَلَى مَلَائِكَته . ذِكْر مِنْ قَالَ ذَلِكَ : 529 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَلَاء , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } يَقُول إنِّي قَدْ اطَّلَعْت مِنْ قَلْب إبْلِيس عَلَى مَا لَمْ تَطَّلِعُوا عَلَيْهِ مِنْ كِبْره وَاغْتِرَاره . 530 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : { إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } يَعْنِي مِنْ شَأْن إبْلِيس . 531 - وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد . وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا مُؤَمَّل , قَالَا جَمِيعًا : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } قَالَ : عَلِمَ مِنْ إبْلِيس الْمَعْصِيَة وَخَلَقَهُ لَهَا . وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بِشْر , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ عَلِيّ بْن بَذِيمَة , عَنْ مُجَاهِد بِمِثْلِهِ . حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن يَمَانِ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَلِيّ بْن بَذِيمَة , عَنْ مُجَاهِد مِثْله وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا حَكَّام عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بزة عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } قَالَ : عَلِمَ مِنْ إبْلِيس الْمَعْصِيَة وَخَلَقَهُ لَهَا . وَحَدَّثَنِي جَعْفَر بْن مُحَمَّد البزوري , قَالَ : حَدَّثَنَا حَسَن بْن بِشْر عَنْ حَمْزَة الزَّيَّات , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } قَالَ : عَلِمَ مِنْ إبْلِيس كِتْمَانه الْكِبْر أَنْ لَا يَسْجُد لِآدَم . * وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى بْن مَيْمُون , قَالَ : وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل جَمِيعًا عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } قَالَ : عَلِمَ مِنْ إبْلِيس الْمَعْصِيَة . وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا سُوَيْدُ , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ سُفْيَان , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله : { إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } قَالَ : عَلِمَ مِنْ إبْلِيس الْمَعْصِيَة وَخَلَقَهُ لَهَا . وَقَالَ مُرَّة آدَم . وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت عَبْد الْوَهَّاب بْن مُجَاهِد يُحَدِّث عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْله : { إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } قَالَ : عَلِمَ مِنْ إبْلِيس الْمَعْصِيَة وَخَلَقَهُ لَهَا , وَعَلِمَ مِنْ آدَم الطَّاعَة وَخَلَقَهُ لَهَا . وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ وَالثَّوْرِيّ عَنْ عَلِيّ بْن بَذِيمَة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } قَالَ : عَلِمَ مِنْ إبْلِيس الْمَعْصِيَة وَخَلَقَهُ لَهَا . 532 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق : { إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } أَيْ فِيكُمْ وَمِنْكُمْ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ مِنْ الْمَعْصِيَة وَالْفَسَاد وَسَفْك الدِّمَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ أَنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ مِنْ أَنَّهُ يَكُون مِنْ ذَلِكَ الْخَلِيفَة أَهْل الطَّاعَة وَالْوِلَايَة لِلَّهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 533 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : { إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } فَكَانَ فِي عِلْم اللَّه أَنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ الْخَلِيفَة أَنْبِيَاء وَرُسُل وَقَوْم صَالِحُونَ وَسَاكِنُو الْجَنَّة . وَهَذَا الْخَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , يُنْبِئ عَنْ أَنَّ الْمَلَائِكَة الَّتِي قَالَتْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } اسْتَفْظَعَتْ أَنْ يَكُون لِلَّهِ خَلْق يَعْصِيه , وَعَجِبَتْ مِنْهُ إذْ أُخْبِرَتْ أَنَّ ذَلِكَ كَائِن ; فَلِذَلِكَ قَالَ لَهُمْ رَبّهمْ : { إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم : إنَّكُمْ لَتَعْجَبُونَ مِنْ أَمْر اللَّه وتستفظعونه وَأَنَا أَعْلَم أَنَّهُ فِي بَعْضكُمْ , وَتَصِفُونَ أَنْفُسكُمْ بِصِفَةٍ أَعْلَم خِلَافهَا مِنْ بَعْضكُمْ وَتَعْرِضُونَ بِأَمْرٍ قَدْ جَعَلْته لِغَيْرِكُمْ . وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَة لَمَّا أَخْبَرَهَا رَبّهَا بِمَا هُوَ كَائِن مِنْ ذُرِّيَّة خَلِيفَته مِنْ الْفَسَاد وَسَفْك الدِّمَاء قَالَتْ لِرَبِّهَا : يَا رَبّ أَجَاعِل أَنْتَ فِي الْأَرْض خَلِيفَة مِنْ غَيْرنَا يَكُون مِنْ ذُرِّيَّته مِنْ يَعْصِيك أَمْ مِنَّا ؟ فَإِنَّا نُعَظِّمك وَنُصَلِّي لَك وَنُطِيعك وَلَا نَعْصِيك ! وَلَمْ يَكُنْ عِنْدهَا عِلْم بِمَا قَدْ انْطَوَى عَلَيْهِ كَشْحًا إبْلِيس مِنْ اسْتِكْبَاره عَلَى رَبّه . فَقَالَ لَهُمْ رَبّهمْ : إنِّي أَعْلَم غَيْر الَّذِي تَقُولُونَ مِنْ بَعْضكُمْ . وَذَلِكَ هُوَ مَا كَانَ مَسْتُورًا عَنْهُمْ مِنْ أَمْر إبْلِيس وَانْطِوَائِهِ عَلَى مَا قَدْ كَانَ انْطَوَى عَلَيْهِ مِنْ الْكِبْر . وَعَلَى قِيلهمْ ذَلِكَ وَوَصْفهمْ أَنْفُسهمْ بِالْعُمُومِ مِنْ الْوَصْف عُوتِبُوا .

{31} وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَعَلَّمَ آدَم } قَالَ أَبُو جَعْفَر : 534 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : بَعَثَ رَبّ الْعِزَّة مَلَك الْمَوْت , فَأَخَذَ مِنْ أَدِيم الْأَرْض مِنْ عَذْبهَا وَمَالِحهَا , فَخَلَقَ مِنْهُ آدَم . وَمِنْ ثُمَّ سُمِّيَ آدَم لِأَنَّهُ خَلَقَ مِنْ أَدِيَم الْأَرْض . 535 - وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن ثَابِت , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنْ عَلِيّ قَالَ : إنَّ آدَم خَلَقَ مِنْ أَدِيَم الْأَرْض فِيهِ الطَّيِّب وَالصَّالِح وَالرَّدِيء , فَكُلّ ذَلِكَ أَنْتَ رَاءِ فِي وَلَده الصَّالِح وَالرَّدِيء . 536 - وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : حَدَّثَنَا مِسْعَر , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : خُلِقَ آدَم مِنْ أَدِيم الْأَرْض فَسُمِّيَ آدَم وَحَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد , قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَة , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : إنَّمَا سُمِّيَ آدَم لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيم الْأَرْض . 537 وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إنَّ مُلْك الْمَوْت لَمَّا بَعَثَ لِيَأْخُذ مِنْ الْأَرْض تُرْبَة آدَم , أَخَذَ مِنْ وَجْه الْأَرْض وَخَلَطَ فَلَمْ يَأْخُذ مِنْ مَكَان وَاحِد , وَأَخَذَ مِنْ تُرْبَة حَمْرَاء وَبَيْضَاء وَسَوْدَاء ; فَلِذَلِكَ خَرَجَ بَنُو آدَم مُخْتَلِفِينَ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ آدَم , لِأَنَّهُ أُخِذَ مِنْ أَدِيم الْأَرْض . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ خَبَرٌ يُحَقِّق مَا قَالَ مَنْ حَكَيْنَا قَوْله فِي مَعْنَى آدَم , وَذَلِكَ مَا : 538 - حَدَّثَنِي بِهِ يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن عُلَيَّة , عَنْ عَوْف , وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار وَعُمَر بْن شَبَّة , قَالَا : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا عَوْف , وَحَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي عَدِيّ وَمُحَمَّد بْن جَعْفَر وَعَبْد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ قَالُوا : حَدَّثَنَا عَوْف , وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيل بْن أَبَانَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَنْبَسَة , عَنْ عَوْف الْأَعْرَابِيّ , عَنْ قسامة بْن زُهَيْر , عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ " إنَّ اللَّه خَلَقَ آدَم مِنْ قَبْضَة قَبَضَهَا مِنْ جَمِيع الْأَرْض , فَجَاءَ بَنُو آدَم عَلَى قَدْر الْأَرْض جَاءَ مِنْهُمْ الْأَحْمَر وَالْأَسْوَد وَالْأَبْيَض وَبَيْن ذَلِكَ وَالسَّهْل وَالْحَزَن وَالْخَبِيث وَالطَّيِّب " فَعَلَى التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَ آدَم مَنْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيم الْأَرْض , يَجِب أَنْ يَكُون أَصْل آدَم فِعْلًا سُمِّيَ بِهِ أَبُو الْبَشَر , كَمَا سُمِّيَ أَحْمَد بِالْفِعْلِ مِنْ الْإِحْمَاد , وَأَسْعَد مِنْ الْإِسْعَاد , فَلِذَلِكَ لَمْ يُجَرّ , وَيَكُون تَأْوِيله حِينَئِذٍ : آدَم الْمَلَك الْأَرْض , يَعْنِي بِهِ بَلَغَ أَدْمَتهَا , وَأَدْمَتهَا وَجْههَا الظَّاهِر لِرَأْيِ الْعَيْن , كَمَا أَنَّ جَلْدَة كُلّ ذِي جَلْدَة لَهُ . أَدَمَة , وَمِنْ ذَلِكَ سُمِّيَ الْإِدَام إدَامًا , لِأَنَّهُ صَارَ كَالْجِلْدَةِ الْعُلْيَا مِمَّا هِيَ مِنْهُ , ثُمَّ نُقِلَ مِنْ الْفِعْل فَجَعَلَ اسْمًا لِلشَّخْصِ بِعَيْنِهِ .

{31} وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْأَسْمَاء كُلّهَا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْأَسْمَاء الَّتِي عَلِمَهَا آدَم ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَى الْمَلَائِكَة . فَقَالَ ابْن عَبَّاس مَا : 539 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : عَلَّمَ اللَّه آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا , وَهِيَ هَذِهِ الْأَسْمَاء الَّتِي يَتَعَارَف بِهَا النَّاس : إنْسَان وَدَابَّة , وَأَرْض , وَسَهْل , وَبَحْر , وَجَبَل , وَحِمَار , وَأَشْبَاه ذَلِكَ مِنْ الْأُمَم وَغَيْرهَا . 540 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنِي عِيسَى عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد , وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء . وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خَصِيف , عَنْ مُجَاهِد : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء . 541 - وَحَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِم الْحَرَمِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن مُصْعَب , عَنْ قِيس بْن الرَّبِيع , عَنْ خَصِيف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم الْغُرَاب وَالْحَمَامَة , وَاسْم كُلّ شَيْء . 542 - وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي , عَنْ شَرِيك , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء , حَتَّى الْبَعِير وَالْبَقَرَة وَالشَّاة . 543 - وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ شَرِيك , عَنْ عَاصِم بْن كُلَيْب , عَنْ سَعِيد بْن مَعْبَد عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم الْقَصْعَة وَالْفَسْوَة وَالْفَسْيَة . وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : حَدَّثَنَا شَرِيك , عَنْ عَاصِم بْن كُلَيْب , عَنْ الْحَسَن بْن سَعْد , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } قَالَ : حَتَّى الفسوة والفسية . حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِم , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُصْعَب , عَنْ قِيس عَنْ عَاصِم بْن كُلَيْب , عَنْ سَعِيد بْن مَعْبَد , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء حَتَّى الْهَنَة وَالْهُنَيَّة وَالْفَسْوَة وَالضَّرْطَة . وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن مُسْهِر , عَنْ عَاصِم بْن كُلَيْب , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : عَلَّمَهُ الْقَصْعَة مِنْ الْقَصِيعَة , وَالْفَسْوَة مِنْ الْفَسْيَة . 544 - وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } حَتَّى بَلَغَ : { إنَّك أَنْتَ الْعَلِيم الْحَكِيم } قَالَ : يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ! فَأَنْبَأَ كُلّ صِنْف مِنْ الْخَلْق بِاسْمِهِ وَأَلْجَأَهُ إلَى جِنْسه . 545 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء : هَذَا جَبَل , وَهَذَا بَحْر , وَهَذَا كَذَا وَهَذَا كَذَا , لِكُلِّ شَيْء , ثُمَّ عَرَضَ تِلْكَ الْأَشْيَاء عَلَى الْمَلَائِكَة فَقَالَ : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } 546 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ جَرِير بْن حَازِم وَمُبَارَك , عَنْ الْحَسَن , وَأَبِي بَكْر عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَةُ قَالَا : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء : هَذِهِ الْخَيْل , وَهَذِهِ الْبِغَال , وَالْإِبِل , وَالْجِنّ , وَالْوَحْش , وَجَعَلَ يُسَمِّي كُلّ شَيْء بِاسْمِهِ . 547 - وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : اسْم كُلّ شَيْء . وَقَالَ آخَرُونَ : عَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا أَسَمَاء الْمَلَائِكَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 548 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } قَالَ : أَسَمَاء الْمَلَائِكَة . وَقَالَ آخَرُونَ : إنَّمَا عَلَّمَهُ أَسَمَاء ذُرِّيَّته كُلّهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 549 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } قَالَ : أَسَمَاء ذُرِّيَّته أَجْمَعِينَ . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ وَأَشْبَهَهَا بِمَا دَلَّ عَلَى صِحَّته ظَاهِر التِّلَاوَة قَوْل مَنْ قَالَ فِي قَوْله : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } إنَّهَا أَسَمَاء ذُرِّيَّته وَأَسْمَاء الْمَلَائِكَة , دُون أَسَمَاء سَائِر أَجْنَاس الْخَلْق . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة } يَعْنِي بِذَلِكَ أَعْيَان الْمُسَمِّينَ بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي عَلَّمَهَا آدَم , وَلَا تَكَاد الْعَرَب تُكَنِّي بِالْهَاءِ وَالْمِيم إلَّا عَنْ أَسَمَاء بَنِي آدَم وَالْمَلَائِكَة ; وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَنْ أَسَمَاء الْبَهَائِم وَسَائِر الْخَلْق , سِوَى مَنْ وَصَفْنَا , فَإِنَّهَا تَكُنِّي عَنْهَا بِالْهَاءِ وَالْأَلِف , أَوْ بِالْهَاءِ وَالنُّون , فَقَالَتْ : عَرَضَهُنَّ , أَوْ عَرْضهَا . وَكَذَلِكَ تَفْعَل إذَا كُنْت عَنْ أَصْنَاف مِنْ الْخَلْق , كَالْبَهَائِمِ وَالطَّيْر وَسَائِر أَصْنَاف الْأُمَم , وَفِيهَا أَسَمَاء بَنِي آدَم وَالْمَلَائِكَة , فَإِنَّهَا تَكُنِّي عَنْهَا بِمَا وَصَفْنَا مِنْ الْهَاء وَالنُّون , أَوْ الْهَاء وَالْأَلِف . وَرُبَّمَا كَنَّتْ عَنْهَا إذْ كَانَ كَذَلِكَ بِالْهَاءِ وَالْمِيم , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَللَّه خَلَقَ كُلّ دَابَّة مِنْ مَاء فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنه وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَع } 24 45 فَكَنَّى عَنْهَا بِالْهَاءِ وَالْمِيم , وَهِيَ أَصْنَاف مُخْتَلِفَة فِيهَا الْآدَمِيّ وَغَيْره . وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَإِنَّ الْغَالِب الْمُسْتَفِيض فِي كَلَام الْعَرَب مَا وَصَفْنَا مِنْ إخْرَاجهمْ كِنَايَة أَسَمَاء أَجْنَاس الْأُمَم إذَا اخْتَلَطَتْ بِالْهَاءِ وَالْأَلِف , أَوْ الْهَاء وَالنُّون . فَلِذَلِكَ قُلْت : أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة أَنْ تَكُون الْأَسْمَاء الَّتِي عَلَّمَهَا آدَم أَسَمَاء أَعْيَان بَنِي آدَم وَأَسْمَاء الْمَلَائِكَة . وَإِنْ كَانَ مَا قَالَ ابْن عَبَّاس جَائِزًا عَلَى مِثَال مَا جَاءَ فِي كِتَاب اللَّه مِنْ قَوْله : { وَاَللَّه خَلَقَ كُلّ دَابَّة مِنْ مَاء فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنه } 24 45 الْآيَة . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا فِي حَرْف ابْن مَسْعُود : " ثُمَّ عَرَضَهُنَّ " , وَأَنَّهَا فِي حَرْف أُبَيّ : " ثُمَّ عَرَضَهَا " . وَلَعَلَّ ابْن عَبَّاس تَأَوَّلَ مَا تَأَوَّلَ مِنْ قَوْله : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء حَتَّى الْفَسْوَة وَالْفَسْيَة عَلَى قِرَاءَة أُبَيّ , فَإِنَّهُ فِيمَا بَلَغَنَا كَانَ يَقْرَأ قِرَاءَة أُبَيّ . وَتَأْوِيل ابْن عَبَّاس عَلَى مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي مِنْ قِرَاءَته غَيْر مُسْتَنْكَر , بَلْ هُوَ صَحِيح مُسْتَفِيض فِي كَلَام الْعَرَب عَلَى نَحْو مَا تَقَدَّمَ وَصْفِي ذَلِكَ .

{31} وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة } قَالَ أَبُو جَعْفَر : قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرنَا التَّأْوِيل الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْآيَةِ عَلَى قِرَاءَتنَا وَرَسْم مُصْحَفنَا , وَأَنَّ قَوْله : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } بِالدَّلَالَةِ عَلَى بَنِي آدَم وَالْمَلَائِكَة أَوْلَى مِنْهُ بِالدَّلَالَةِ عَلَى أَجْنَاس الْخَلْق كُلّهَا , وَإِنْ كَانَ غَيْر فَاسِد أَنْ يَكُون دَالًا عَلَى جَمِيع أَصْنَاف الْأُمَم لِلْعِلَلِ الَّتِي وَصَفْنَا . وَيَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } ثُمَّ عَرَضَ أَهْل الْأَسْمَاء عَلَى الْمَلَائِكَة . وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَأْوِيل قَوْله : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة } نَحْو اخْتِلَافهمْ فِي قَوْله : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } وَسَأَذْكُرُ قَوْل مَنْ انْتَهَى إلَيْنَا عَنْهُ فِيهِ قَوْل . 550 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَلَاء , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة عَنْ أَبِي رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة } ثُمَّ عَرَضَ هَذِهِ الْأَسْمَاء ; يَعْنِي أَسَمَاء جَمِيع الْأَشْيَاء الَّتِي عَلَّمَهَا آدَم مِنْ أَصْنَاف جَمِيع الْخَلْق . 551 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبَى صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } ثُمَّ عَرَضَ الْخَلْق عَلَى الْمَلَائِكَة . 552 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : أَسَمَاء ذُرِّيَّته كُلّهَا أَخَذَهُمْ مِنْ ظَهْره . قَالَ , ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة . 553 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء ثُمَّ عَرَضَ تِلْكَ الْأَسْمَاء عَلَى الْمَلَائِكَة . 554 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } عَرَضَ أَصْحَاب الْأَسْمَاء عَلَى الْمَلَائِكَة 555 - وَحَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِم , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُصْعَب , عَنْ قِيس , عَنْ خَصِيف عَنْ مُجَاهِد : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة } يَعْنِي عَرَضَ الْأَسْمَاء الْحَمَامَة وَالْغُرَاب 556 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ جَرِير بْن حَازِم , وَمُبَارَك عَنْ الْحَسَن , وَأَبِي بَكْر عَنْ الْحَسَن , وَقَتَادَةُ قَالَا : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء هَذِهِ الْخَيْل وَهَذِهِ الْبِغَال وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ , وَجَعَلَ يُسَمِّي كُلّ شَيْء بِاسْمِهِ , وَعُرِضَتْ عَلَيْهِ أُمَّة .

{31} وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَتَأْوِيل قَوْله : { أَنْبِئُونِي } أَخْبِرُونِي , كَمَا : 557 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { أَنْبِئُونِي } يَقُول : أَخْبِرُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ . وَمِنْهُ قَوْل نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : وَأَنْبَأَهُ الْمُنَبِّئ أن حَيًّا حُلُول من حَرَام أو جُذَام يَعْنِي بِقَوْلِهِ أَنْبَأَهُ : أَخْبَرَهُ وَأَعْلَمَهُ . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : 558 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ } قَالَ : بِأَسْمَاءِ هَذِهِ الَّتِي حَدَّثْت بِهَا آدَم . حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِد : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يَقُول : بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ الَّتِي حَدَّثْت بِهَا آدَم .

{31} وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ . 559 - فَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ لَمْ أَجْعَل فِي الْأَرْض خَلِيفَة . 560 - وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : { إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَنَّ بَنِي آدَم يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاء . 561 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج , عَنْ جَرِير بْن حَازِم وَمُبَارَك عَنْ الْحَسَن وَأَبِي بَكْر عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَةُ قَالَا : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَنِّي لَمْ أَخْلُق خَلْقًا إلَّا كُنْتُمْ أَعْلَم مِنْهُ , فَأَخْبِرُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة تَأْوِيل ابْن عَبَّاس وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ . وَمَعْنَى ذَلِكَ فَقَالَ : أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ مِنْ عَرَضْته عَلَيْكُمْ أَيَّتهَا الْمَلَائِكَة الْقَائِلُونَ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } مِنْ غَيْرنَا , أَمْ مِنَّا ؟ فَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك ; إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي قِيلكُمْ أَنِّي إنْ جَعَلَتْ خَلِيفَتِي فِي الْأَرْض مِنْ غَيْركُمْ عَصَانِي ذُرِّيَّته , وَأَفْسَدُوا فِيهَا , وَسَفَكُوا الدِّمَاء , وَإِنْ جَعَلْتُكُمْ فِيهَا أَطَلَعْتُمُونِي , وَاتَّبَعْتُمْ أَمْرِي بِالتَّعْظِيمِ لِي وَالتَّقْدِيس . فَإِنَّكُمْ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ أَسَمَاء هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَرَضْتهمْ عَلَيْكُمْ مِنْ خَلْقِي وَهُمْ مَخْلُوقُونَ مَوْجُودُونَ تَرَوْنَهُمْ وَتُعَايِنُونَهُمْ , وَعَلَّمَهُ غَيْركُمْ بِتَعْلِيمِي إيَّاهُ , فَأَنْتُمْ بِمَا هُوَ غَيْر مَوْجُود مِنْ الْأُمُور الْكَائِنَة الَّتِي لَمْ تُوجَد بَعْد , وَبِمَا هُوَ مُسْتَتِر مِنْ الْأُمُور الَّتِي هِيَ مَوْجُودَة عَنْ أَعْيُنكُمْ أَحْرَى أَنْ تَكُونُوا غَيْر عَالَمِينَ , فَلَا تَسْأَلُونِي مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْم , فَإِنِّي أَعْلَم بِمَا يُصْلِحكُمْ وَيُصْلِح خَلْقِي . وَهَذَا الْفِعْل مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَلَائِكَتِهِ الَّذِينَ قَالُوا لَهُ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا } مِنْ جِهَة عِتَابه جَلَّ ذِكْره إيَّاهُمْ , نَظِير قَوْله جَلَّ جَلَاله لِنَبِيِّهِ نُوحَ صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ , إذْ قَالَ : { رَبّ إنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَك الْحَقّ وَأَنْت أَحْكَم الْحَاكِمِينَ } 11 45 لَا تَسْأَلَنَّ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم إنِّي أَعِظك أَنَّ تَكُون مِنْ الْجَاهِلِينَ . فَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَة سَأَلَتْ رَبّهَا أَنْ تَكُون خُلَفَاءَهُ فِي الْأَرْض يُسَبِّحُوهُ وَيُقَدِّسُوهُ فِيهَا , إذْ كَانَ ذُرِّيَّة مَنْ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ جَاعِله فِي الْأَرْض خَلِيفَة , يُفْسِدُونَ فِيهَا , وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاء , فَقَالَ لَهُمْ جَلَّ ذِكْره : { إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ أَنِّي أَعْلَم أَنَّ بَعْضكُمْ فَاتِح الْمَعَاصِي وَخَاتِمهَا - وَهُوَ إبْلِيس - مُنْكَرًا بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره قَوْلهمْ . ثُمَّ عَرَّفَهُمْ مَوْضِع هَفْوَتهمْ فِي قِيلهمْ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ , بِتَعْرِيفِهِمْ قُصُور عِلْمهمْ عَمَّا هُمْ لَهُ شَاهِدُونَ عِيَانًا , فَكَيْف بِمَا لَمْ يَرَوْهُ وَلَمْ يُخْبِرُوا عَنْهُ بِعَرْضِهِ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ خَلْقه الْمَوْجُودِينَ يَوْمئِذٍ , وَقِيله لَهُمْ : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَنَّكُمْ إنْ اسْتَخْلَفْتُكُمْ فِي أَرْضِي سَبَّحْتُمُونِي وَقَدَّسْتُمُونِي , وَإِنْ اسْتَخْلَفْت فِيهَا غَيْركُمْ عَصَانِي ذُرِّيَّته , وَأَفْسَدُوا وَسَفَكُوا الدِّمَاء . فَلَمَّا اتَّضَحَ لَهُمْ مَوْضِع خَطَأ قِيلهمْ , وَبَدَتْ لَهُمْ هَفْوَة زَلَّتهمْ أَنَابُوا إلَى اللَّه بِالتَّوْبَةِ فَقَالُوا : { سُبْحَانك لَا عِلْم لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتنَا } فَسَارِعُوا الرَّجْعَة مِنْ الْهَفْوَة , وَبَادِرُوا الْإِنَابَة مِنْ الزَّلَّة , كَمَا قَالَ نُوح حِين عُوتِبَ فِي مَسْأَلَته , فَقِيلَ لَهُ : لَا تَسْأَلَنَّ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم : { رَبّ إنِّي أَعُوذ بِك أَنْ أَسَأَلَك مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْم وَإِلَّا تَغْفِر لِي وَتَرْحَمنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ } 11 47 وَكَذَلِكَ فَعَلَ كُلّ مُسَدِّد لِلْحَقِّ مُوَفَّق لَهُ , سَرِيعَة إلَى الْحَقّ إنَابَته , قَرِيبَة إلَيْهِ أَوْبَته . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض نَحْوِيِّي أَهْل الْبَصْرَة أَنَّ قَوْله : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَلَائِكَة ادَّعَوْا شَيْئًا , إنَّمَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْ جَهْلهمْ بِعِلْمِ الْغَيْب وَعِلْمه بِذَلِكَ وَفَضْله , فَقَالَ : أَنْبِئُونِي إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ; كَمَا يَقُول الرَّجُل لِلرَّجُلِ : أَنْبِئْنِي بِهَذَا إنْ كُنْت تَعْلَم , وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُ لَا يَعْلَم ; يُرِيد أَنَّهُ جَاهِل . وَهَذَا قَوْل إذَا تَدَبَّرَهُ مُتَدَبِّر عَلِمَ أَنَّ بَعْضه مُفْسِد بَعْضًا , وَذَلِكَ أَنَّ قَائِله زَعَمَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ إذْ عَرَضَ عَلَيْهِمْ أَهْل الْأَسْمَاء : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ } وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ , وَلَا هُمْ ادَّعَوْا عِلْم شَيْء يُوجِب أَنْ يُوَبِّخُوا بِهَذَا الْقَوْل . وَزَعَمَ أَنَّ قَوْله : { إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } نَظِير قَوْل الرَّجُل لِلرَّجُلِ : أَنْبِئْنِي بِهَذَا إنْ كُنْت تَعْلَم , وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُ لَا يَعْلَم ; يُرِيد أَنَّهُ جَاهِل . وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { إذْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } إنَّمَا هُوَ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ , إمَّا فِي قَوْلكُمْ , وَإِمَّا فِي فِعْلكُمْ ; لِأَنَّ الصِّدْق فِي كَلَام الْعَرَب إنَّمَا هُوَ صِدْق فِي الْخَبَر لَا فِي الْعِلْم ; وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر مَعْقُول فِي لُغَة مِنْ اللُّغَات أَنْ يُقَال صَدَقَ الرَّجُل بِمَعْنَى عَلِمَ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ أَنْ يَكُون اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ عَلَى تَأْوِيل قَوْل هَذَا الَّذِي حَكَيْنَا قَوْله فِي هَذِهِ الْآيَة : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُمْ غَيْر صَادِقِينَ يُرِيد بِذَلِكَ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ . وَذَلِكَ هُوَ عَيْن مَا أَنَكْرَهُ , لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الْمَلَائِكَة لَمْ تَدَع شَيْئًا فَكَيْف جَازَ أَنْ يُقَال لَهُمْ : إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَأَنْبَئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ ؟ هَذَا مَعَ خُرُوج هَذَا الْقَوْل الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ صَاحِبه مِنْ أَقْوَال جَمِيع الْمُتَقَدِّمِينَ والمتأخرين مِنْ أَهْل التَّأْوِيل وَالتَّفْسِير . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْض أَهْل التَّفْسِير أَنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّل قَوْله : { إذْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } بِمَعْنَى : إذْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . وَلَوْ كَانَتْ " إنْ " بِمَعْنَى " إذْ " فِي هَذَا الْمَوْضِع لَوَجَبَ أَنْ تَكُون قِرَاءَتهَا بِفَتْحِ أَلِفهَا , لِأَنَّ " إذْ " إذَا تَقَدَّمَهَا فِعْل مُسْتَقْبِل صَارَتْ عِلَّة لِلْفِعْلِ وَسَبَبًا لَهُ , وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِل : أَقَوْم إذْ قُمْت , فَمَعْنَاهُ : أَقَوْم مِنْ أَجْل أَنَّك قُمْت , وَالْأَمْر بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَال . فَمَعْنَى الْكَلَام لَوْ كَانَتْ إنَّ بِمَعْنَى إذْ : أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ مِنْ أَجْل أَنَّكُمْ صَادِقُونَ . فَإِذَا وُضِعَتْ " إنْ " مَكَان ذَلِكَ , قِيلَ : " أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ أَنَّ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " مَفْتُوحَة الْأَلِف , وَفِي إجْمَاع جَمِيع قُرَّاء أَهْل الْإِسْلَام عَلَى كَسْر الْأَلِف مِنْ " إنَّ " دَلِيل وَاضِح عَلَى خَطَأ تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَ " إنَّ " بِمَعْنَى " إذْ " فِي هَذَا الْمَوْضِع .

{32} قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا سُبْحَانك لَا عِلْم لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتنَا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ذِكْره عَنْ مَلَائِكَته بِالْأَوْبَةِ إلَيْهِ , وَتَسْلِيم عِلْم مَا لَمْ يُعَلِّمُوهُ لَهُ , وَتَبَرِّيهِمْ مِنْ أَنْ يَعْلَمُوا أَوْ يَعْلَم أَحَد شَيْئًا إلا ما عَلِمَهُ تَعَالَى ذِكْره . وَفِي هَذِهِ الْآيَات الثَّلَاث الْعِبْرَة لِمَنْ اُعْتُبِرَ , وَالذِّكْرَى لِمَنْ ادَّكَرَ , وَالْبَيَان لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْب أَوْ أَلْقَى السَّمْع وَهُوَ شَهِيد , عَمَّا أَوْدَعَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ آيَ هَذَا الْقُرْآن مِنْ لَطَائِف الْحِكَم الَّتِي تَعْجِز عَنْ أَوْصَافهَا الْأَلْسُن . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ احْتَجَّ فِيهَا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى مَنْ كَانَ بَيْن ظَهْرَانَيْهِ مِنْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل بِاطِّلَاعِهِ إيَّاهُ مِنْ عُلُوم الْغَيْب الَّتِي لَمْ يَكُنْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَطْلَعَ عَلَيْهَا مِنْ خَلْقه إلَّا خَاصًّا , وَلَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا عِلْمه إلَّا بِالْإِنْبَاءِ وَالْإِخْبَار , لِتَتَقَرَّر عِنْدهمْ صِحَّة نُبُوَّته , وَيَعْلَمُوا أَنَّ مَا أَتَاهُمْ بِهِ فَمِنْ عِنْده , وَدَلَّ فِيهَا عَلَى أَنَّ كُلّ مُخْبِر خَبَرًا عَمَّا قَدْ كَانَ أَوْ عَمَّا هُوَ كَائِن مِمَّا لَمْ يَكُنْ وَلَمْ يَأْتِهِ بِهِ خَبَر وَلَمْ يُوضَع لَهُ عَلَى صِحَّته بُرْهَان فَمُتَقَوَّل مَا يَسْتَوْجِب بِهِ مِنْ رَبّه الْعُقُوبَة . أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّه جَلَّ ذِكْره رَدَّ عَلَى مَلَائِكَته قِيلهمْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك قَالَ إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } وَعَرَّفَهُمْ أَنَّ قِيل ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا لَهُمْ بِمَا عَرَّفَهُمْ مِنْ قُصُور عِلْمهمْ عِنْد عَرْضه مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَهْل الْأَسْمَاء , فَقَالَ : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنَّ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَفْزَع إلَّا الْإِقْرَار بِالْعَجْزِ وَالتَّبَرِّي إلَيْهِ أَنْ يَعْلَمُوا إلَّا مَا عَلَّمَهُمْ بِقَوْلِهِمْ : { سُبْحَانك لَا عِلْم لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتنَا } فَكَانَ فِي ذَلِكَ أَوْضَح الدَّلَالَة وَأَبْيَن الْحُجَّة عَلَى كَذِب مَقَالَة كُلّ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا مِنْ عُلُوم الْغَيْب مِنْ الحزاه وَالْكَهَنَة والعافة وَالْمُنَجِّمَة . وَذَكَرَ بها الَّذِينَ وَصَفْنَا أَمْرهمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب سَوَالِف نِعَمه عَلَى آبَائِهِمْ , وَأَيَادِيه عِنْد أَسْلَافهمْ , عِنْد إنَابَتهمْ إلَيْهِ , وَإِقْبَالهمْ إلَى طَاعَته ; مُسْتَعْطِفهمْ بِذَلِكَ إلَى الرَّشَاد , وَمُسْتَعْتِبهمْ بِهِ إلَى النَّجَاة , وَحَذَّرَهُمْ بِالْإِصْرَارِ وَالتَّمَادِي فِي الْبَغْي وَالضَّلَال , حُلُول الْعِقَاب بِهِمْ نَظِير مَا أَحَلَّ بَعْدُوهُ إبْلِيس , إذْ تَمَادَى فِي الْغَيّ وَالْخَسَار . قَالَ : وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { سُبْحَانك لَا عِلْم لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتنَا } فَهُوَ كَمَا : 562 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : قَالُوا : { سُبْحَانك } تَنْزِيهًا لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَكُون أَحَد يَعْلَم الْغَيْب غَيْره , تُبْنَا إلَيْك , لَا عِلْم لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتنَا : تَبَرَّءُوا مِنْهُمْ مِنْ عِلْم الْغَيْب , إلَّا مَا عَلَّمْتنَا كَمَا عَلَّمْت آدَم . وَسُبْحَان مَصْدَر لَا تَصَرُّف لَهُ , وَمَعْنَاهُ : نُسَبِّحك كَأَنَّهُمْ قَالُوا : نُسَبِّحك تَسْبِيحًا , وَنُنَزِّهك تَنْزِيهًا , وَنُبَرِّئك مِنْ أَنْ نَعْلَم شَيْئًا غَيْر مَا عَلَّمْتنَا .

{32} قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّك أَنْتَ الْعَلِيم الْحَكِيم } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَتَأْوِيل ذَلِكَ : أَنَّك أَنْتَ يَا رَبّنَا الْعَلِيم مِنْ غَيْر تَعْلِيم بِجَمِيعِ مَا قَدْ كَانَ وَمَا وَهُوَ كَائِن , وَالْعَالِم لِلْغُيُوبِ دُون جَمِيع خَلْقك . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ نَفَوْا عَنْ أَنْفُسهمْ بِقَوْلِهِمْ : { لَا عِلْم لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتنَا } أَنْ يَكُون لَهُمْ عِلْم إلَّا مَا عَلَّمَهُمْ رَبّهمْ , وَأَثْبَتُوا مَا نَفَوْا عَنْ أَنْفُسهمْ مِنْ ذَلِكَ لِرَبِّهِمْ بِقَوْلِهِمْ : { إنَّك أَنْتَ الْعَلِيم } يَعْنُونَ بِذَلِكَ الْعَالِم مِنْ غَيْر تَعْلِيم , إذْ كَانَ مِنْ سِوَاك لَا يَعْلَم شَيْئًا إلَّا بِتَعْلِيمِ غَيْره إيَّاهُ . وَالْحَكِيم : هُوَ ذُو الْحِكْمَة . كَمَا 563 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , الْعَلِيم : الَّذِي قَدْ كَمَلَ فِي عِلْمه ; وَالْحَكِيم : الَّذِي قَدْ كَمَلَ فِي حُكْمه وَقَدْ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى الْحَكِيم : الْحَاكِم , كَمَا أَنَّ الْعَلِيم بِمَعْنَى الْعَالِم , وَالْخَبِير بِمَعْنَى الْخَابِر .

{33} قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إنِّي أَعْلَم غَيْب السَّمَاوَات وَالْأَرْض } قَالَ أَبُو جَعْفَر : إنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَرَّفَ مَلَائِكَته الَّذِينَ سَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلهُمْ الْخُلَفَاء فِي الْأَرْض وَوَصَفُوا أَنْفُسهمْ بِطَاعَتِهِ وَالْخُضُوع لِأَمْرِهِ دُون غَيْرهمْ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ قِيهَا وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاء , أَنَّهُمْ مِنْ الْجَهْل بِمَوَاقِع تَدْبِيره وَمَحِلّ قَضَائِهِ , قَبْل إطْلَاعه إيَّاهُمْ عَلَيْهِ , عَلَى نَحْو جَهْلهمْ بِأَسْمَاءِ الَّذِينَ عَرَضَهُمْ عَلَيْهِمْ , إذْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَعْلَمهُمْ فَيَعْلَمُوهُ , وَأَنَّهُمْ وَغَيْرهمْ مِنْ الْعِبَاد لَا يَعْلَمُونَ مِنْ الْعِلْم إلَّا مَا عَلَّمَهُمْ إيَّاهُ رَبّهمْ , وَأَنَّهُ يَخُصّ بِمَا شَاءَ مِنْ الْعِلْم مِنْ شَاءَ مِنْ الْخَلْق وَيَمْنَعهُ مِنْهُمْ مَنْ شَاءَ كَمَا عَلَّمَ آدَم أَسَمَاء مَا عَرَضَ عَلَى الْمَلَائِكَة وَمَنْعهمْ مِنْ عِلْمهَا إلَّا بَعْد تَعْلِيمه إيَّاهُمْ . فَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { قَالَ يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ } يَقُول : أَخْبِرْ الْمَلَائِكَة . وَالْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله : { أَنْبِئْهُمْ } عَائِدَتَانِ عَلَى الْمَلَائِكَة , وَقَوْله : { بِأَسْمَائِهِمْ } يَعْنِي بِأَسْمَاءِ الَّذِينَ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة . وَالْهَاء وَالْمِيم اللَّتَانِ فِي " أَسْمَائِهِمْ " كِنَايَة عَنْ ذِكْر هَؤُلَاءِ الَّتِي فِي قَوْله : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ } { فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ } يَقُول : فَلَمَّا أَخْبَرَ آدَم الْمَلَائِكَة بِأَسْمَاءِ الَّذِينَ عَرَضَهُمْ عَلَيْهِمْ , فَلَمْ يَعْرِفُوا أَسَمَاءَهُمْ , وَأَيْقَنُوا خَطَأ قِيلهمْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك } وَأَنَّهُمْ قَدْ هَفَوْا فِي ذَلِكَ وَقَالُوا مَا لَا يَعْلَمُونَ كَيْفِيَّة وُقُوع قَضَاء رَبّهمْ فِي ذَلِكَ , لَوْ وَقَعَ عَلَى مَا نَطَقُوا بِهِ , قَالَ لَهُمْ رَبّهمْ { أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إنِّي أَعْلَم غَيْب السَّمَوَات وَالْأَرْض } - وَالْغَيْب : هُوَ مَا غَابَ عَنْ أَبْصَارهمْ فَلَمْ يُعَايِنُوهُ - تَوْبِيخًا مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ قِيلهمْ وَفَرَّطَ مِنْهُمْ مَنْ خَطَّأَ مَسْأَلَتهمْ , كَمَا : 564 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن الْعَلَاء , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك عَنْ ابْن عَبَّاس : { قَالَ يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } يَقُول : أَخْبِرْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ , { فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ } أَيّهَا الْمَلَائِكَة خَاصَّة { إنِّي أَعْلَم غَيْب السَّمَوَات وَالْأَرْض } وَلَا يَعْلَمهُ غَيْرِي . 565 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قِصَّة الْمَلَائِكَة وَآدَم , فَقَالَ اللَّه لِلْمَلَائِكَةِ : كَمَا لَمْ تَعْلَمُوا هَذِهِ الْأَسْمَاء فَلَيْسَ لَكُمْ عِلْم , إنَّمَا أَرَدْت أَنْ أَجَعَلَهُمْ لِيُفْسِدُوا فِيهَا , هَذَا عِنْدِي قَدْ عَلِمْته ; فَكَذَلِكَ أَخْفَيْت عَنْكُمْ أَنِّي أَجْعَل فِيهَا مَنْ يَعْصِينِي وَمَنْ يُطِيعنِي . قَالَ : وَسَبَقَ مِنْ اللَّه : { لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّم مِنْ الْجِنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ } 11 119 قَالَ : وَلَمْ تَعْلَم الْمَلَائِكَة ذَلِكَ وَلَمْ يَدْرُوهُ . قَالَ : فَلَمَّا رَأَوْا مَا أَعْطَى اللَّه آدَم مِنْ الْعِلْم أَقَرُّوا لِآدَم بِالْفَضْلِ .

{33} قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَرُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ مَا : 566 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ } يَقُول : مَا تُظْهِرُونَ { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } يَقُول : أَعْلَم السِّرّ كَمَا أَعْلَم الْعَلَانِيَة . يَعْنِي مَا كَتَمَ إبْلِيس فِي نَفْسه مِنْ الْكِبْر وَالِاغْتِرَار . 567 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ قَوْلهمْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا } فَهَذَا الَّذِي أَبْدَوْا , { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } يَعْنِي مَا أَسَرَّ إبْلِيس فِي نَفْسه مِنْ الْكِبْر . 568 - وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن ثَابِت , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ : مَا أَسَرَّ إبْلِيس فِي نَفْسه . 569 - وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان فِي قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ : مَا أَسَرَّ إبْلِيس فِي نَفْسه مِنْ الْكِبْر أَنْ لَا يَسْجُد لِآدَم . 570 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَجَّاج الْأَنْمَاطِي , قَالَ : حَدَّثَنَا مَهْدِيّ بْن مَيْمُون , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن بْن دِينَار قَالَ لِلْحَسَنِ وَنَحْنُ جُلُوس عِنْده فِي مَنْزِله : يَا أَبَا سَعِيد أَرَأَيْت قَوْل اللَّه لِلْمَلَائِكَةِ { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } مَا الَّذِي كَتَمَتْ الْمَلَائِكَة ؟ فَقَالَ الْحَسَن : إنَّ اللَّه لَمَّا خَلَقَ آدَم رَأَتْ الْمَلَائِكَة خَلْقًا عَجِيبًا , فَكَأَنَّهُمْ دَخَلَهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْء , فَأَقْبَلَ بَعْضهمْ إلَى بَعْض , وَأَسَرُّوا ذَلِكَ بَيْنهمْ , فَقَالُوا : وَمَا يُهِمّكُمْ مِنْ هَذَا الْمَخْلُوق إنَّ اللَّه لَمْ يَخْلُق خَلْقًا إلَّا كُنَّا أَكْرَم عَلَيْهِ مِنْهُ . 571 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ : أَسَرُّوا بَيْنهمْ فَقَالُوا يَخْلُق اللَّه مَا يَشَاء أَنْ يَخْلُق , فَلَنْ يَخْلُق خَلْقًا إلَّا وَنَحْنُ أَكْرَم عَلَيْهِ مِنْهُ . 572 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } فَكَانَ الَّذِي أَبْدَوْا حِين قَالُوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا } وَكَانَ الَّذِي كَتَمُوا بَيْنهمْ قَوْلهمْ : لَنْ يَخْلُق رَبّنَا خَلْقًا إلَّا كُنَّا نَحْنُ أَعْلَم مِنْهُ وَأَكْرَم . فَعَرَفُوا أَنَّ اللَّه فَضَّلَ عَلَيْهِمْ آدَم فِي الْعِلْم وَالْكَرَم . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة مَا قَالَهُ ابْن عَبَّاس , وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ } وَأَعْلَم مَعَ عِلْمِي غَيْب السَّمَوَات وَالْأَرْض مَا تُظْهِرُونَ بِأَلْسِنَتِكُمْ { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } وَمَا كُنْتُمْ تُخْفُونَهُ فِي أَنْفُسكُمْ , فَلَا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْء سَوَاء عِنْدِي سَرَائِركُمْ وَعَلَانِيَتكُمْ . وَاَلَّذِي أَظَهَرُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوهُ , وَهُوَ قَوْلهمْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك } وَاَلَّذِي كَانُوا يَكْتُمُونَهُ مَا كَانَ مُنْطَوِيًا عَلَيْهِ إبْلِيس مِنْ الْخِلَاف عَلَى اللَّه فِي أَمْره وَالتَّكَبُّر عَنْ طَاعَته ; لِأَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل أَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ غَيْر خَارِج مِنْ أَحَد الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْت , وَهُوَ مَا قُلْنَا . وَالْآخَر مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْل الْحَسَن وَقَتَادَةُ . وَمَنْ قَالَ : إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ كِتْمَان الْمَلَائِكَة بَيْنهمْ لَنْ يَخْلُق اللَّه خَلْقًا إلَّا كُنَّا أَكْرَم عَلَيْهِ مِنْهُ ; فَإِذَا كَانَ لَا قَوْل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ إلَّا أَحَد الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْت ثُمَّ كَانَ أَحَدهمَا غَيْر مَوْجُودَة عَلَى صِحَّته الدَّلَالَة مِنْ الْوَجْه الَّذِي يَجِب التَّسْلِيم لَهُ صَحَّ الْوَجْه الْآخَر . فَاَلَّذِي حُكِيَ عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَةُ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ غَيْر مَوْجُودَة الدَّلَالَة عَلَى صِحَّته مِنْ الْكِتَاب وَلَا مِنْ خَبَر يَجِب بِهِ حُجَّة . وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْن عَبَّاس يَدُلّ عَلَى صِحَّته خَبَر اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ إبْلِيس وَعِصْيَانه إيَّاهُ إذْ دَعَاهُ إلَى السُّجُود لِآدَم , فَأَبَى وَاسْتُكْبِرَ , وَإِظْهَاره لِسَائِرِ الْمَلَائِكَة مِنْ مَعْصِيَته وَكِبْره مَا كَانَ لَهُ كَاتِمًا قَبْل ذَلِكَ . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ الْخَبَر عَنْ كِتْمَان الْمَلَائِكَة مَا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ لَمَّا كَانَ خَارِجًا مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْجَمِيع كَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مَا رُوِيَ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ عَنْ ابْن عَبَّاس وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ خَبَر عَنْ كِتْمَان إبْلِيس الْكِبْر وَالْمَعْصِيَة صَحِيحًا , فَقَدْ ظَنَّ غَيْر الصَّوَاب ; وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب إذَا أَخْبَرَتْ خَبَرًا عَنْ بَعْض جَمَاعَة بِغَيْرِ تَسْمِيَة شَخْص بِعَيْنِهِ أَنْ تُخَرِّج الْخَبَر عَنْهُ مَخْرَج الْخَبَر عَنْ جَمِيعهمْ , وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ : قُتِلَ الْجَيْش وَهُزِمُوا , وَإِنَّمَا قُتِلَ الْوَاحِد أَوْ الْبَعْض مِنْهُمْ , وَهُزِمَ الْوَاحِد أَوْ الْبَعْض , فَتُخَرِّج الْخَبَر عَنْ الْمَهْزُوم مِنْهُ وَالْمَقْتُول مَخْرَج الْخَبَر عَنْ جَمِيعهمْ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَك مِنْ وَرَاء الْحُجُرَات أَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } 49 4 ذِكْر أَنَّ الَّذِي نَادَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيهِ , كَانَ رَجُلًا مِنْ جَمَاعَة بَنِي تَمِيم , كَانُوا قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ . فَأَخْرَجَ الْخَبَر عَنْهُ مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْجَمَاعَة , فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } أَخَرَجَ الْخَبَر مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْجَمِيع , وَالْمُرَاد بِهِ الْوَاحِد مِنْهُمْ .

{34} وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيس أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَمَّا قَوْله : { وَإِذْ قُلْنَا } فَمَعْطُوف عَلَى قَوْله : { وَإِذْ قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ } كَأَنَّهُ قَالَ جَلَّ ذِكْره لِلْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مُعَدِّدًا عَلَيْهِمْ نِعَمه , وَمُذَكِّرهمْ آلَاءَهُ عَلَى نَحْو الَّذِي وَصَفْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل : اُذْكُرُوا فَعَلَيَّ بِكُمْ إذْ أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ , فَخَلَقْت لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا , وَإِذْ قُلْت لِلْمَلَائِكَةِ إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة , فَكَرَّمْت أَبَاكُمْ آدَم بِمَا آتَيْته مِنْ عِلْمِي وَفَضْلِي وَكَرَامَتِي , وَإِذْ أَسْجَدْت لَهُ مَلَائِكَتِي فَسَجَدُوا لَهُ . ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ جَمِيعهمْ إبْلِيس , فَدَلَّ بِاسْتِثْنَائِهِ إيَّاهُ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ , وَأَنَّهُ مِمَّنْ قَدْ أَمَرَ بِالسُّجُودِ مَعَهُمْ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إلَّا إبْلِيس لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَك أَلَّا تَسْجُد إذْ أَمَرْتُك } 7 11 : 12 فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَ إبْلِيس فِيمَنْ أَمَرَهُ مِنْ الْمَلَائِكَة بِالسُّجُودِ لِآدَم . ثُمَّ اسْتَثْنَاهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِمَّا أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ مِنْ السُّجُود لِآدَم , فَأَخْرَجَهُ مِنْ الصِّفَة الَّتِي وَصَفَهُمْ بِهَا مِنْ الطَّاعَة لِأَمْرِهِ وَنَفَى عَنْهُ مَا أَثَبَتَهُ لِمَلَائِكَتِهِ مِنْ السُّجُود لِعَبْدِهِ آدَم . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ الْمَلَائِكَة أَمْ هُوَ مِنْ غَيْرهمْ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 573 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ إبْلِيس مِنْ حَيّ مِنْ أَحْيَاء الْمَلَائِكَة , يُقَال لَهُمْ " الْجِنّ " خُلِقُوا مِنْ نَار السَّمُوم مِنْ بَيْن الْمَلَائِكَة . قَالَ : فَكَانَ اسْمه الْحَارِث . قَالَ : وَكَانَ خَازِنًا مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّة . قَالَ : وَخُلِقَتْ الْمَلَائِكَة مِنْ نُور غَيْر هَذَا الْحَيّ . قَالَ : وَخُلِقَتْ الْجِنّ الَّذِينَ ذَكَرُوا فِي الْقُرْآن مِنْ مَارِج مِنْ نَار , وَهُوَ لِسَان النَّار الَّذِي يَكُون فِي طَرَفهَا إذَا الْتَهَبَتْ . 574 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ خَلَّاد , عَنْ عَطَاء , عَنْ طَاوُس , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ إبْلِيس قَبْل أَنْ يَرْكَب الْمَعْصِيَة مِنْ الْمَلَائِكَة اسْمه عَزَازِيل , وَكَانَ مِنْ سُكَّان الْأَرْض وَكَانَ مِنْ أَشَدّ الْمَلَائِكَة اجْتِهَادًا وَأَكْثَرهمْ عِلْمًا , فَذَلِكَ دَعَاهُ إلَى الْكِبْر , وَكَانَ مِنْ حَيّ يُسَمَّوْنَ حِنًّا . 575 - وَحَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْدٍ مَرَّة أُخْرَى , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ خَلَّاد , عَنْ عَطَاء , عَنْ طَاوُس , أَوْ مُجَاهِد أَبِي الْحَجَّاج , عَنْ ابْن عَبَّاس وَغَيْره بِنَحْوِهِ , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : كَانَ مَلِكًا مِنْ الْمَلَائِكَة اسْمه عَزَازِيل , وَكَانَ مِنْ سُكَّان الْأَرْض وَعُمَّارهَا , وَكَانَ سُكَّان الْأَرْض فِيهِمْ يُسَمَّوْنَ الْجِنّ مِنْ بَيْن الْمَلَائِكَة . 576 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : جَعَلَ إبْلِيس عَلَى مُلْك سَمَاء الدُّنْيَا , وَكَانَ مِنْ قَبِيلَة مِنْ الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُمْ الْجِنّ , وَإِنَّمَا سُمُّوا الْجِنّ لِأَنَّهُمْ خُزَّان الْجَنَّة , وَكَانَ إبْلِيس مَعَ مُلْكه خَازِنًا . 577 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : كَانَ إبْلِيس مِنْ أَشْرَاف الْمَلَائِكَة وَأَكْرَمهمْ قَبِيلَة وَكَانَ خَازِنًا عَلَى الْجِنَان , وَكَانَ لَهُ سُلْطَان سَمَاء الدُّنْيَا , وَكَانَ لَهُ سُلْطَان الْأَرْض . قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : وَقَوْله : { كَانَ مِنْ الْجِنّ } , إنَّمَا يُسَمَّى بِالْجِنَانِ أَنَّهُ كَانَ خَازِنًا عَلَيْهَا , كَمَا يُقَال لِلرَّجُلِ : مَكِّيّ , وَمَدَنِي , وَكُوفِيّ , وَبَصْرِيّ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ سِبْط مِنْ الْمَلَائِكَة قَبِيلَة , فَكَانَ اسْم قَبِيلَته الْجِنّ . 578 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ صَالِح مَوْلَى التَّوْأَمَة وَشَرِيك بْن أَبِي نَمِر أَحَدهمَا أَوْ كِلَاهُمَا , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : إنَّ مِنْ الْمَلَائِكَة قَبِيلَة مِنْ الْجِنّ , وَكَانَ إبْلِيس مِنْهَا , وَكَانَ يَسُوس مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض . وَحُدِّثْت عَنْ الْحَسَن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , يَقُول فِي قَوْله : { فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } 18 50 قَالَ : كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : إنَّ إبْلِيس كَانَ مِنْ أَشَرَف الْمَلَائِكَة وَأَكْرَمهمْ قَبِيلَة , ثُمَّ ذَكَرَ مِثْل حَدِيث ابْن جُرَيْجٍ الْأَوَّل سَوَاء . 579 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنِي شَيْبَان , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْن مِسْكِين , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : كَانَ إبْلِيس رَئِيس مَلَائِكَة سَمَاء الدُّنْيَا . 580 - وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } 18 50 كَانَ مِنْ قَبِيل مِنْ الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُمْ الْجِنّ . وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَلَائِكَة لَمْ يُؤْمَر بِالسُّجُودِ وَكَانَ عَلَى خِزَانَة سَمَاء الدُّنْيَا . قَالَ : وَكَانَ قَتَادَةَ يَقُول : جَنَّ عَنْ طَاعَة رَبّه . وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله { إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } 18 50 قَالَ : كَانَ مِنْ قَبِيل مِنْ الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُمْ الْجِنّ . 581 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : أَمَّا الْعَرَب فَيَقُولُونَ : مَا الْجِنّ إلَّا كُلّ مِنْ اجْتَنَّ فَلَمْ يُرَ . وَأَمَّا قَوْله : { إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } 18 50 أَيْ كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَة , وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَة اجْتَنُّوا فَلَمْ يُرَوْا , وَقَدْ قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَجَعَلُوا بَيْنه وَبَيْن الْجِنَّة نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّة إنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } 37 158 وَذَلِكَ لِقَوْلِ قُرَيْش : إنَّ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه . فَيَقُول اللَّه : إنْ تَكُنْ الْمَلَائِكَة بَنَاتِي فَإِبْلِيس مِنْهَا , وَقَدْ جَعَلُوا بَيْنِي وَبَيْن إبْلِيس وَذُرِّيَّته نَسَبًا . قَالَ : وَقَدْ قَالَ الْأَعْشَى , أَعْشَى بَنِي قَيْس بْن ثَعْلَبَة الْبَكْرِيّ , وَهُوَ يَذْكُر سُلَيْمَان بْن دَاوُد وَمَا أَعْطَاهُ اللَّه : وَلَوْ كَانَ شَيْء خَالِدًا أَوْ مُعَمَّرًا لَكَانَ سُلَيْمَان الْبَرِيّ مِنْ الدَّهْر بَرَاهُ إلَهِي وَاصْطَفَاهُ عباده وَمَلَّكَهُ ما بين ثُرْيَا إلَى مِصْر وَسَخَّرَ مِنْ جِنّ الْمَلَائِك تِسْعَة قِيَامًا لَدَيْهِ يَعْمَلُونَ بِلَا أَجْر قَالَ : فَأَبَتْ الْعَرَب فِي لُغَتهَا إلَّا أَنَّ " الْجِنّ " كُلّ مَا اجْتَنَّ . يَقُول : مَا سَمَّى اللَّه الْجِنّ إلَّا أَنَّهُمْ اجْتَنُّوا فَلَمْ يُرَوْا , وَمَا سُمِّيَ بَنِي آدَم الْإِنْس إلَّا أَنَّهُمْ ظَهَرُوا فَلَمْ يَجْتَنُّوا , فَمَا ظَهَرَ فَهُوَ إنْس , وَمَا اجْتَنَّ فَلَمْ يُرَ فَهُوَ جِنّ . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 582 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : مَا كَانَ إبْلِيس مِنْ الْمَلَائِكَة طَرْفَة عَيْن قَطّ , وَإِنَّهُ لِأَصْلِ الْجِنّ كَمَا أَنَّ آدَم أَصْل الْإِنْس . 583 - وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقُول فِي قَوْله : { إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } إلْجَاء إلَى نَسَبه فَقَالَ اللَّه : { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّته أَوْلِيَاء مِنْ دُونِي } الْآيَة . .. وَهُمْ يَتَوَالَدُونَ كَمَا يَتَوَالَد بَنُو آدَم . 584 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد الْيَحْمُدِيّ , حَدَّثَنَا إسْمَاعِيل بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا سَوَّار بْن الْجَعْد الْيَحْمُدِيّ , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب قَوْله : { مِنْ الْجِنّ } قَالَ : كَانَ إبْلِيس مِنْ الْجِنّ الَّذِينَ طَرَدَتْهُمْ الْمَلَائِكَة , فَأَسَرَهُ بَعْض الْمَلَائِكَة فَذَهَبَ بِهِ إلَى السَّمَاء . 585 - وَحَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو نَصْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْخَلَّال , قَالَ : حَدَّثَنِي سُنَيْد بْن دَاوُد , قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن يَحْيَى , عَنْ مُوسَى بْن نُمَيْر , وَعُثْمَان بْن سَعِيد بْن كَامِل , عَنْ سَعْد بْن مَسْعُود , قَالَ : كَانَتْ الْمَلَائِكَة تُقَاتِل الْجِنّ , فَسُبِيَ إبْلِيس وَكَانَ صَغِيرًا , فَكَانَ مَعَ الْمَلَائِكَة فَتَعَبَّدَ مَعَهَا . فَلَمَّا أُمِرُوا بِالسُّجُودِ لِآدَم سَجَدُوا , فَأَبَى إبْلِيس ; فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّه : { إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } 18 50 586 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل , قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُبَارَك بْن مُجَاهِد أَبُو الْأَزْهَر , عَنْ شَرِيك بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي نَمِر , عَنْ صَالِح مَوْلَى التَّوْأَمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : إنَّ مِنْ الْمَلَائِكَة قَبِيلًا يُقَال لَهُمْ الْجِنّ , فَكَانَ إبْلِيس مِنْهُمْ , وَكَانَ إبْلِيس يَسُوس مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض فَعَصَى , فَمَسَخَهُ اللَّه شَيْطَانًا رَجِيمًا . 587 - قَالَ : وَحَدَّثَنَا يُونُس , عَنْ ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : إبْلِيس أَبُو الْجِنّ , كَمَا آدَم أَبُو الْإِنْس . وَعِلَّة مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَة , أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ فِي كِتَابه أَنَّهُ خَلَقَ إبْلِيس مِنْ نَار السَّمُوم وَمِنْ مَارِج مِنْ نَار , وَلَمْ يُخْبِر عَنْ الْمَلَائِكَة أَنَّهُ خَلَقَهَا مِنْ شَيْء مِنْ ذَلِكَ . وَأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ مِنْ الْجِنّ . فَقَالُوا : فَغَيْر جَائِز أَنْ يُنْسِب إلَى غَيْر مَا نَسَبَهُ اللَّه إلَيْهِ . قَالُوا : وَلَإِبْلِيس نَسْل وَذُرِّيَّة , وَالْمَلَائِكَة لَا تَتَنَاسَل وَلَا تَتَوَالَد .
588 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ شَرِيك عَنْ رَجُل عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : إنَّ اللَّه خَلَقَ خَلْقًا , فَقَالَ : اُسْجُدُوا لِآدَم فَقَالُوا : لَا نَفْعَل . فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ نَارًا تُحْرِقهُمْ . ثُمَّ خَلَقَ خَلْقًا آخَر , فَقَالَ : إنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ طِين , اُسْجُدُوا لِآدَم ! فَأَبَوْا , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ نَارًا فَأَحْرَقَتْهُمْ . قَالَ : ثُمَّ خَلَقَ هَؤُلَاءِ , فَقَالَ : اُسْجُدُوا لِآدَم ! فَقَالُوا : نَعَمْ . وَكَانَ إبْلِيس مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَبَوْا أَنْ يَسْجُدُوا لِآدَم . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذِهِ عِلَل تُنْبِئ عَنْ ضَعْف مَعْرِفَة أَهْلهَا . وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر مُسْتَنْكِر أَنْ يَكُون اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَلَقَ أَصْنَاف مَلَائِكَته مِنْ أَصْنَاف مِنْ خَلْقه شَتَّى , فَخَلَقَ بَعْضًا مِنْ نُور . وَبَعْضًا مِنْ نَار , وَبَعْضًا مِمَّا شَاءَ مِنْ غَيْر ذَلِكَ . وَلَيْسَ فِي تَرْك اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْخَبَر عَمَّا خَلَقَ مِنْهُ مَلَائِكَته وَإِخْبَاره عَمَّا خَلَقَ مِنْهُ إبْلِيس مَا يُوجِب أَنْ يَكُون إبْلِيس خَارِجًا عَنْ مَعْنَاهُمْ , إذْ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَكُون خَلَقَ صِنْفًا مِنْ مَلَائِكَته مِنْ نَار كَانَ مِنْهُمْ إبْلِيس , وَأَنْ يَكُون أَفْرَدَ إبْلِيس بِأَنْ خَلَقَهُ مِنْ نَار السَّمُوم دُون سَائِر مَلَائِكَته . وَكَذَلِكَ غَيْر مَخْرَجه أَنْ يَكُون كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَة بِأَنْ كَانَ لَهُ نَسْل وَذُرِّيَّة لِمَا رُكِّبَ فِيهِ مِنْ الشَّهْوَة وَاللَّذَّة الَّتِي نُزِعَتْ مِنْ سَائِر الْمَلَائِكَة لَمَّا أَرَادَ اللَّه بِهِ مِنْ الْمَعْصِيَة . وَأَمَّا خَبَر اللَّه عَنْ أَنَّهُ مِنْ الْجِنّ , فَغَيْر مَدْفُوع أَنْ يُسَمَّى مَا اُجْتُنَّ مِنْ الْأَشْيَاء عَنْ الْأَبْصَار كُلّهَا جِنًّا , كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْل فِي شِعْر الْأَعْشَى , فَيَكُون إبْلِيس وَالْمَلَائِكَة مِنْهُمْ لِاجْتِنَانِهِمْ عَنْ أَبْصَار بَنِي آدَم . الْقَوْل فِي مَعْنَى إبْلِيس . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِبْلِيس " إِفْعِيل " مِنْ الْإِبْلَاس : وَهُوَ الْإِيَاس مِنْ الْخَيْر وَالنَّدَم والْحُزْن . كَمَا : 589 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : إبْلِيس أَبْلَسَهُ اللَّه مِنْ الْخَيْر كُلّه وَجَعَلَهُ شَيْطَانًا رَجِيمًا عُقُوبَة لِمَعْصِيَتِهِ . 590 - وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : كَانَ اسْم إبْلِيس الْحَارِث , وَإِنَّمَا سُمِّيَ إبْلِيس حِين أُبْلِسَ مُتَحَيَّرًا . [ قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَكَمَا ] قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } 6 44 يَعْنِي بِهِ أَنَّهُمْ آيِسُونَ مِنْ الْخَيْر , نَادِمُونَ حُزْنًا , كَمَا قَالَ الْعَجَّاج : يَا صَاحِ هَلْ تَعْرِف رَسْمًا مُكْرَسَا قَالَ نَعَمْ أَعْرِفهُ وَأَبْلَسَا وَقَالَ رُؤْبَة : وَحَضَرْت يَوْم الْخَمِيس الْأَخْمَاس وَفِي الْوُجُوه صُفْرَة وَإِبْلَاس يَعْنِي بِهِ اكْتِئَابًا وَكُسُوفًا . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَإِنْ كَانَ إبْلِيس كَمَا قُلْت " إِفْعِيل " مِنْ الْإِبْلَاس , فَهَلَّا صُرِفَ وَأُجْرِيَ ؟ قِيلَ : تُرِكَ إجْرَاؤُهُ اسْتِثْقَالًا إذْ كَانَ اسْمًا لَا نَظِير لَهُ مِنْ أَسَمَاء الْعَرَب , فَشَبَّهَتْهُ الْعَرَب إذْ كَانَ كَذَلِكَ بِأَسْمَاءِ الْعَجَم الَّتِي لَا تُجْرَى , وَقَدْ قَالُوا : مَرَرْت بِإِسْحَاقَ , فَلَمْ يَجُرُّوهُ , وَهُوَ مَنْ أَسْحَقَهُ اللَّه إسْحَاقًا , إذْ كَانَ وَقَعَ مُبْتَدَأ اسْمًا لِغَيْرِ الْعَرَب ثُمَّ تَسَمَّتْ بِهِ الْعَرَب فَجَرَى مَجْرَاهُ , وَهُوَ مِنْ أَسَمَاء الْعَجَم فِي الْإِعْرَاب , فَلَمْ يُصْرَف . وَكَذَلِكَ أَيُّوب إنَّمَا هُوَ فَيْعُول مِنْ آبَ يَئُوب . وَتَأْوِيل قَوْله : { أَبَى } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ إبْلِيس أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ السُّجُود لِآدَم فَلَمْ يَسْجُد لَهُ . { وَاسْتَكْبَرَ } يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ تَعَظَّمَ وَتَكَبَّرَ عَنْ طَاعَة اللَّه فِي السُّجُود لِآدَم . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَبَرًا عَنْ إبْلِيس , فَإِنَّهُ تَقْرِيع لِضُرَبَائِهِ مِنْ خَلْق اللَّه الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ عَنْ الْخُضُوع لِأَمْرِ اللَّه وَالِانْقِيَاد لِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ , وَالتَّسْلِيم لَهُ فِيمَا أَوَجَبَ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْض مِنْ الْحَقّ . وَكَانَ مِمَّنْ تَكَبَّرَ عَنْ الْخُضُوع لِأَمْرِ اللَّه وَالتَّذَلُّل لِطَاعَتِهِ وَالتَّسْلِيم لِقَضَائِهِ فِيمَا أَلْزَمَهُمْ مِنْ حُقُوق غَيْرهمْ الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَأَحْبَارهمْ الَّذِينَ كَانُوا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَصِفَته عَارِفِينَ وَبِأَنَّهُ لِلَّهِ رَسُول عَالَمِينَ , ثُمَّ اسْتَكْبَرُوا مَعَ عِلْمهمْ بِذَلِكَ عَنْ الْإِقْرَار بِنُبُوَّتِهِ وَالْإِذْعَان لِطَاعَتِهِ , بَغْيًا مِنْهُمْ لَهُ وَحَسَدًا , فَقَرَعَهُمْ اللَّه بِخَبَرِهِ عَنْ إبْلِيس الَّذِي فَعَلَ فِي اسْتِكْبَاره عَنْ السُّجُود لِآدَم حَسَدًا لَهُ وَبَغْيًا نَظِير فِعْلهمْ فِي التَّكَبُّر عَنْ الْإِذْعَان لِمُحَمَّدٍ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَنُبُوَّته , إذْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْد رَبّهمْ حَسَدًا وَبَغْيًا . ثُمَّ وُصِفَ إبْلِيس بِمِثْلِ الَّذِي وُصِفَ بِهِ الَّذِينَ ضَرَبَهُ لَهُمْ مَثَلًا فِي الِاسْتِكْبَار وَالْحَسَد وَالِاسْتِنْكَاف عَنْ الْخُضُوع لِمَنْ أَمَرَهُ اللَّه بِالْخُضُوعِ لَهُ , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَكَانَ } يَعْنِي إبْلِيس { مِنْ الْكَافِرِينَ } مِنْ الْجَاحِدِينَ نَعَمْ اللَّه عَلَيْهِ وَأَيَادِيه عِنْده بِخِلَافِهِ عَلَيْهِ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ السُّجُود لِآدَم , كَمَا كَفَرَتْ الْيَهُود نِعَم رَبّهَا الَّتِي آتَاهَا وَآبَاءَهَا قَبْل : مِنْ إطْعَام اللَّه أَسْلَافهمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى , وَإِظْلَال الْغَمَام عَلَيْهِمْ وَمَا لَا يُحْصَى مِنْ نِعَمه الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ , خُصُوصًا مَا خَصَّ الَّذِينَ أَدْرَكُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِإِدْرَاكِهِمْ إيَّاهُ وَمُشَاهَدَتهمْ حُجَّة اللَّه عَلَيْهِمْ ; فَجَحَدَتْ نُبُوَّته بَعْد عِلْمهمْ بِهِ , وَمَعْرِفَتهمْ بِنُبُوَّتِهِ حَسَدًا وَبَغْيًا . فَنَسَبَهُ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إلَى الْكَافِرِينَ , فَجَعَلَهُ مِنْ عِدَادهمْ فِي الدِّين وَالْمِلَّة , وَإِنْ خَالَفَهُمْ فِي الْجِنْس وَالنِّسْبَة , كَمَا جَعَلَ أَهْل النِّفَاق بَعْضهمْ مِنْ بَعْض لِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى النِّفَاق , وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْسَابهمْ وَأَجْنَاسهمْ , فَقَالَ : { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَات بَعْضهمْ مِنْ بَعْض } 9 67 يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض فِي النِّفَاق وَالضَّلَال , فَكَذَلِكَ قَوْله فِي إبْلِيس : { كَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } كَانَ مِنْهُمْ فِي الْكُفْر بِاَللَّهِ وَمُخَالَفَته أَمْره وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا جِنْسه أَجْنَاسهمْ وَنَسَبه نَسَبهمْ . وَمَعْنَى قَوْله : { وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } أَنَّهُ كَانَ حِين أَبَى عَنْ السُّجُود مِنْ الْكَافِرِينَ حِينَئِذٍ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } فِي هَذَا الْمَوْضِع وَكَانَ مِنْ الْعَاصِينَ . 591 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } يَعْنِي الْعَاصِينَ . وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِمِثْلِهِ . وَذَلِكَ شَبِيه بِمَعْنَى قَوْلنَا فِيهِ . وَكَانَ سُجُود الْمَلَائِكَة لِآدَم تَكْرِمَة لِآدَم وَطَاعَة لِلَّهِ , لَا عِبَادَة لِآدَم . كَمَا : 592 - حَدَّثَنَا بِهِ بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم } فَكَانَتْ الطَّاعَة لِلَّهِ , وَالسَّجْدَة لِآدَم , أَكْرَمَ اللَّه آدَم أَنْ أَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَته .

{35} وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقُلْنَا يَا آدَم اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجك الْجَنَّة } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَفِي هَذِهِ الْآيَة دَلَالَة وَاضِحَة عَلَى صِحَّة قَوْل مَنْ قَالَ : إنَّ إبْلِيس أُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّة بَعْد الِاسْتِكْبَار عَنْ السُّجُود لِآدَم , وَأَسْكَنَهَا آدَم قَبْل أَنْ يَهْبِط إبْلِيس إلَى الْأَرْض ; أَلَا تَسْمَعُونَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ يَقُول : { وَقُلْنَا يَا آدَم اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجك الْجَنَّة وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَان عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ إبْلِيس إنَّمَا أَزَلَّهُمَا عَنْ طَاعَة اللَّه , بَعْد أَنْ لُعِنَ وَأَظْهَرَ التَّكَبُّر ; لِأَنَّ سُجُود الْمَلَائِكَة لِآدَم كَانَ بَعْد أَنْ نَفَخَ فِيهِ الرُّوح , وَحِينَئِذٍ كَانَ امْتِنَاع إبْلِيس مِنْ السُّجُود لَهُ , وَعِنْد الِامْتِنَاع مِنْ ذَلِكَ حَلَّتْ عَلَيْهِ اللَّعْنَة . كَمَا : 593 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَنَّ عَدُوّ اللَّه إبْلِيس أَقْسَمَ بِعِزَّةِ اللَّه لَيُغْوِيَنَّ آدَم وَذُرِّيَّته وَزَوْجه , إلَّا عِبَاده الْمُخْلَصِينَ مِنْهُمْ , بَعْد أَنْ لَعَنَهُ اللَّه , وَبَعْد أَنْ أُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّة , وَقَبْل أَنْ يَهْبِط إلَى الْأَرْض , وَعَلَّمَ اللَّه آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا . 594 وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : لَمَّا فَرَغَ اللَّه مِنْ إبْلِيس وَمُعَاتَبَته , وَأَبَى إلَّا الْمَعْصِيَة , وَأَوْقَع عَلَيْهِ اللَّعْنَة , ثُمَّ أَخَرَجَهُ مِنْ الْجَنَّة ; أَقْبَلَ عَلَى آدَم وَقَدْ عَلَّمَهُ الْأَسْمَاء كُلّهَا , فَقَالَ : { يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } إلَى قَوْله : { إنَّك أَنْتَ الْعَلِيم الْحَكِيم } ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْحَال الَّتِي خُلِقَتْ لِآدَم زَوْجَته وَالْوَقْت الَّذِي جُعِلَتْ لَهُ سَكَنًا . فَقَالَ ابْن عَبَّاس بِمَا : 595 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : فَأَخْرَجَ إبْلِيس مِنْ الْجَنَّة حِين لُعِنَ , وَأَسْكَنَ آدَم الْجَنَّة , فَكَانَ يَمْشِي فِيهَا وَحْشًا لَيْسَ لَهُ زَوْج يَسْكُن إلَيْهَا . فَنَامَ نَوْمَة فَاسْتَيْقَظَ , وَإِذَا عِنْد رَأْسه امْرَأَة قَاعِدَة خَلَقَهَا اللَّه مِنْ ضِلْعه , فَسَأَلَهَا : مَنْ أَنْتِ ؟ فَقَالَتْ : امْرَأَة , قَالَ : وَلِمَ خُلِقْتِي ؟ قَالَتْ : تَسْكُن إلَيَّ . قَالَتْ لَهُ الْمَلَائِكَة يَنْظُرُونَ مَا بَلَغَ عِلْمه : مَا اسْمهَا يَا آدَم ؟ قَالَ : حَوَّاء , قَالُوا : وَلِمَ سُمِّيَتْ حَوَّاء ؟ قَالَ : لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ شَيْء حَيّ . فَقَالَ اللَّه لَهُ : { يَا آدَم اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجك الْجَنَّة وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا } فَهَذَا الْخَبَر يُنْبِئ عَنْ أَنَّ حَوَّاء خُلِقَتْ بَعْد أَنْ سَكَنَ آدَم الْجَنَّة فَجُعِلَتْ لَهُ سَكَنًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ خُلِقَتْ قَبْل أَنْ يَسْكُن آدَم الْجَنَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 596 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : لَمَّا فَرَغَ اللَّه مِنْ مُعَاتَبَة إبْلِيس أَقْبَلَ عَلَى آدَم وَقَدْ عَلَّمَهُ الْأَسْمَاء كُلّهَا , فَقَالَ : { يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } إلَى قَوْله : { إنَّك أَنْتَ الْعَلِيم الْحَكِيم } قَالَ : ثُمَّ أَلْقَى السِّنَة عَلَى آدَم - فِيمَا بَلَغَنَا عَنْ أَهْل الْكِتَاب مِنْ أَهْل التَّوْرَاة وَغَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْعِلْم , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَغَيْره - ثُمَّ أَخَذَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعه مِنْ شِقّه الْأَيْسَر وَلَأَمَ مَكَانه لَحْمًا وَآدَم نَائِم لَمْ يَهَب مِنْ نَوْمَته حَتَّى خَلَقَ اللَّه مِنْ ضِلْعه تِلْكَ زَوْجَته حَوَّاء , فَسَوَّاهَا امْرَأَة لِيَسْكُن إلَيْهَا . فَلَمَّا كَشَفَ عَنْهُ السِّنَة وَهَبَّ مِنْ نَوْمَته رَآهَا إلَى جَنْبه , فَقَالَ فِيمَا يَزْعُمُونَ وَاَللَّه أَعْلَم : لَحْمِي وَدَمِي وَزَوْجَتِي . فَسَكَنَ إلَيْهَا . فَلَمَّا زَوَّجَهُ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَجَعَلَ لَهُ سَكَنًا مِنْ نَفْسه , قَالَ لَهُ , فَتَلَا : { يَا آدَم اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجك الْجَنَّة وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَيُقَال لِامْرَأَةِ الرَّجُل زَوْجه وَزَوْجَته , وَالزَّوْجَة بِالْهَاءِ أَكْثَر فِي كَلَام الْعَرَب مِنْهَا بِغَيْرِ الْهَاء , وَالزَّوْج بِغَيْرِ الْهَاء يُقَال إنَّهُ لُغَة لِأَزْد شَنُوءَة . فَأَمَّا الزَّوْج الَّذِي لَا اخْتِلَاف فِيهِ بَيْن الْعَرَب فَهُوَ زَوْج الْمَرْأَة

{35} وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَمَّا الرَّغَد , فَإِنَّهُ الْوَاسِع مِنْ الْعَيْش , الْهَنِيء الَّذِي لَا يَعْنِي صَاحِبه , يُقَال : أَرْغَدَ فُلَان : إذَا أَصَابَ وَاسِعًا مِنْ الْعَيْش الْهَنِيء , كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقِيس بْن حُجْرٍ : بَيْنَمَا الْمَرْء تَرَاهُ نَاعِمًا يَأْمَن الْأَحْدَاث فِي عَيْش رَغَد 597 - وَحَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : { وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا } قَالَ : الرَّغَد : الْهَنِيء . 598 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { رَغَدًا } قَالَ : لَا حِسَاب عَلَيْهِمْ . وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا حِكَام عَنْ عَنْبَسَة عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بزة , عَنْ مُجَاهِد : { وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا } أَيْ لَا حِسَاب عَلَيْهِمْ . 599 - وَحُدِّثْت عَنْ المنجاب بْن الْحَارِث , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا } قَالَ : الرَّغَد : سَعَة الْمَعِيشَة . فَمَعْنَى الْآيَة : وَقُلْنَا يَا آدَم اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجك الْجَنَّة , وَكُلَا مِنْ الْجَنَّة رِزْقًا وَاسِعًا هَنِيئًا مِنْ الْعَيْش حَيْثُ شِئْتُمَا . كَمَا : 600 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { يَا آدَم اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجك الْجَنَّة وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا } ثُمَّ إنَّ الْبَلَاء الَّذِي كُتِبَ عَلَى الْخَلْق كُتِبَ عَلَى آدَم كَمَا اُبْتُلِيَ الْخَلْق قَبْله أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَحَلَّ لَهُ مَا فِي الْجَنَّة أَنْ يَأْكُل مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شَاءَ غَيْر شَجَرَة وَاحِدَة نُهِيَ عَنْهَا , وَقَدِمَ إلَيْهِ فِيهَا , فَمَا زَالَ بِهِ الْبَلَاء حَتَّى وَقَعَ بِاَلَّذِي نُهِيَ عَنْهُ .

{35} وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالشَّجَر فِي كَلَام الْعَرَب : كُلّ مَا قَامَ عَلَى سَاقَ , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَالنَّجْم وَالشَّجَر يَسْجُدَانِ } 55 6 يَعْنِي بِالنَّجْمِ : مَا نَجَمَ مِنْ الْأَرْض مِنْ نَبْت . وَبِالشَّجَرِ : مَا اسْتَقَلَّ عَلَى سَاق . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي عَيْن الشَّجَرَة الَّتِي نُهِيَ عَنْ أَكْل ثَمَرهَا آدَم , فَقَالَ بَعْضهمْ هِيَ السُّنْبُلَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 601 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْمَاعِيل الْأَحْمَسِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد الْحِمَّانِيّ عَنْ النَّضْر , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : الشَّجَرَة الَّتِي نُهِيَ عَنْ أَكْل ثَمَرهَا آدَم هِيَ السُّنْبُلَة . 602 - وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , حَدَّثَنَا هُشَيْم , وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن عُتَيْبَة جَمِيعًا , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك فِي قَوْله : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } قَالَ : هِيَ السُّنْبُلَة . وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن مَهْدِيّ وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَا جَمِيعًا : حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ حُصَيْن عَنْ أَبِي مَالِك , مِثْله . 603 وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْن وَكِيع , قَالَا : حَدَّثَنَا ابْن إدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت أَبِي عَنْ عَطِيَّة فِي قَوْله : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } قَالَ : السُّنْبُلَة . 604 - وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : الشَّجَرَة الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا آدَم هِيَ السُّنْبُلَة . 605 وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِم بْن إبْرَاهِيم . قَالَ : حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنِي رَجُل مِنْ بَنِي تَمِيم أَنَّ ابْن عَبَّاس كَتَبَ إلَى أَبِي الجلد يَسْأَلهُ عَنْ الشَّجَرَة الَّتِي أَكَلَ مِنْهَا آدَم وَالشَّجَرَة الَّتِي تَابَ عِنْدهَا , فَكَتَبَ إلَيْهِ أَبُو الْجِلْد : سَأَلْتنِي عَنْ الشَّجَرَة الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا آدَم , وَهِيَ السُّنْبُلَة . وَسَأَلْتنِي عَنْ الشَّجَرَة الَّتِي تَابَ عِنْدهَا آدَم , وَهِيَ الزَّيْتُونَة . وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ رَجُل مِنْ أَهْل الْعِلْم , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس , أَنَّهُ كَانَ يَقُول : الشَّجَرَة الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا آدَم : الْبُرّ . وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن عُيَيْنَةَ ابْن الْمُبَارَك , عَنْ الْحَسَن بْن عُمَارَة , عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : كَانَتْ الشَّجَرَة الَّتِي نَهَى اللَّه عَنْهَا آدَم وَزَوْجَته السُّنْبُلَة . 606 وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ بَعْض أَهْل الْيُمْن , عَنْ وَهْب بْن مُنَبَّه الْيَمَانِي أَنَّهُ كَانَ يَقُول : هِيَ الْبُرّ ; وَلَكِنْ الْحَبَّة مِنْهَا فِي الْجَنَّة كَكُلَى الْبَقَر أَلْيَن مِنْ الزُّبْد وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَل . وَأَهْل التَّوْرَاة يَقُولُونَ : هِيَ الْبُرّ . 607 وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ يَعْقُوب بْن عُتْبَةَ : أَنَّهَا حَدَّثَ أَنَّهَا الشَّجَرَة الَّتِي تَحْتَكّ بِهَا الْمَلَائِكَة لِلْخُلْدِ . 608 وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن يَمَان عَنْ جَابِر بْن يَزِيد بْن رِفَاعَة عَنْ مُحَارِب بْن دِثَار قَالَ : هِيَ السُّنْبُلَة . 609 وَحَدَّثَنَا بْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَة عَنْ يَزِيد بْن إبْرَاهِيم , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : هِيَ السُّنْبُلَة الَّتِي جَعَلَهَا اللَّه رِزْقًا لِوَلَدِهِ فِي الدُّنْيَا قَالَ أَبُو جَعْفَر , وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ الْكَرْمَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 610 حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : هِيَ الْكَرْمَة . 611 حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ , فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } قَالَ : هِيَ الْكَرْمَة . وَتَزْعُم الْيَهُود أَنَّهَا الْحِنْطَة . 612 وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَا : الشَّجَرَة هِيَ الْكَرْم . 613 وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ جَعْدَة بْن هُبَيْرَة , قَالَ : هُوَ الْعِنَب فِي قَوْله : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ خَلَّاد الصَّفَّار , عَنْ بَيَان , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ جَعْدَة بْن هُبَيْرَة : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } قَالَ : الْكَرْم . وَحَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنِي الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِد الْوَاسِطِي , عَنْ بَيَان , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ جَعْدَة بْن هُبَيْرَة : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } قَالَ : الْكَرْم . 614 وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ وَابْن وَكِيع , قَالَا : حَدَّثَنَا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ جَعْدَة بْن هُبَيْرَة , قَالَ : الشَّجَرَة الَّتِي نَهْي عَنْهَا آدَم : شَجَرَة الْخَمْر . 615 وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبَّاد بْن الْعَوَّام , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ يَعْلَى بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَوْله { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } قَالَ : الْكَرْم . وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : الْعِنَب . 616 وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن قَيْس , قَالَ : عِنَب وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ التِّينَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 617 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ بَعْض أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ : تِينَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عِبَاده أَنَّ آدَم وَزَوْجَته أَكَلَا مِنْ الشَّجَرَة الَّتِي نَهَاهُمَا رَبّهمَا عَنْ الْأَكْل مِنْهَا , فَأَتَيَا الْخَطِيئَة الَّتِي نَهَاهُمَا عَنْ إتْيَانهَا بِأَكْلِهِمَا مَا أَكَلَا مِنْهَا , بَعْد أَنْ بَيَّنَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمَا عَيْن الشَّجَرَة الَّتِي نَهَاهُمَا عَنْ الْأَكْل مِنْهَا وَأَشَارَ لَهُمَا إلَيْهَا بِقَوْلِهِ : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } وَلَمْ يَضَع اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِعِبَادِهِ الْمُخَاطَبِينَ بِالْقُرْآنِ دَلَالَة عَلَى أَيّ أَشْجَار الْجَنَّة كَانَ نَهْيه آدَم أَنْ يَقْرَبهَا بِنَصِّ عَلَيْهَا بِاسْمِهَا وَلَا بِدَلَالَةِ عَلَيْهَا . وَلَوْ كَانَ لِلَّهِ فِي الْعِلْم بِأَيِّ ذَلِكَ مِنْ أَيّ رِضًا لَمْ يَخْلُ عِبَاده مِنْ نَصْب دَلَالَة لَهُمْ عَلَيْهَا يَصِلُونَ بِهَا إلَى مُعْرِفَة عَيْنهَا , لِيُطِيعُوهُ بِعِلْمِهِمْ بِهَا , كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي كُلّ مَا بِالْعِلْمِ بِهِ لَهُ رِضًا . فَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَهَى آدَم وَزَوْجَته عَنْ أَكْل شَجَرَة بِعَيْنِهَا مِنْ أَشْجَار الْجَنَّة دُون سَائِر أَشْجَارهَا , فَخَالَفَا إلَى مَا نَهَاهُمَا اللَّه عَنْهُ , فَأَكَلَا مِنْهَا كَمَا وَصَفَهُمَا اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهِ . وَلَا عِلْم عِنْدنَا أَيّ شَجَرَة كَانَتْ عَلَى التَّعْيِين , لِأَنَّ اللَّه لَمْ يَضَع لِعِبَادِهِ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ فِي الْقُرْآن وَلَا فِي السُّنَّة الصَّحِيحَة , فَأَنَّى يَأْتِي ذَلِكَ مَنْ أَتَى ؟ ! وَقَدْ قِيلَ : كَانَتْ شَجَرَة الْبُرّ . وَقِيلَ : كَانَتْ شَجَرَة الْعِنَب . وَقِيلَ : كَانَتْ شَجَرَة التِّين . وَجَائِز أَنْ تَكُون وَاحِدَة مِنْهَا , وَذَلِكَ إنْ عَلِمَهُ عَالَم لَمْ يَنْفَع الْعَالِم بِهِ عِلْمه , وَإِنْ جَهِلَهُ جَاهِل لَمْ يَضُرّهُ جَهْله بِهِ . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ : تَأْوِيل ذَلِكَ : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } فَإِنَّكُمَا إنْ قَرَّبْتُمَاهَا كُنْتُمَا مِنْ الظَّالِمِينَ . فَصَارَ الثَّانِي فِي مَوْضِع جَوَاب الْجَزَاء , وَجَوَاب الْجَزَاء يَعْمَل فِيهِ أَوَّله كَقَوْلِك : إنْ تَقُمْ أَقُمْ , فَتَجْزِم الثَّانِي بِجَزْمِ الْأَوَّل . فَكَذَلِكَ قَوْله : { فَتَكُونَا } لَمَّا وَقَعَتْ الْفَاء فِي مَوْضِع شَرْط الْأَوَّل نُصِبَ بِهَا , وَصُيِّرَتْ بِمَنْزِلَةِ " كَيْ " فِي نَصْبهَا الْأَفْعَال الْمُسْتَقْبِلَة لِلُزُومِهَا الِاسْتِقْبَال , إذْ كَانَ أَصْل الْجَزَاء الِاسْتِقْبَال . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي أَهْل الْبَصْرَة : تَأْوِيل ذَلِكَ : لَا يَكُنْ مِنْكُمَا قُرْب هَذِهِ الشَّجَرَة فَأَنْ تَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ . غَيْر أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ " أَنَّ " غَيْر جَائِز إظْهَارهَا مَعَ " لَا " , وَلَكِنَّهَا مُضْمَرَة لَا بُدّ مِنْهَا لِيَصِحّ الْكَلَام بِعَطْفِ اسْم وَهِيَ " أَنَّ " عَلَى الِاسْم , كَمَا غَيْر جَائِز فِي قَوْلهمْ " عَسَى أَنْ يَفْعَل " : عَسَى الْفِعْل , وَلَا فِي قَوْلك : " مَا كَانَ لِيَفْعَل " : مَا كَانَ لِأَنْ يَفْعَل . وَهَذَا الْقَوْل الثَّانِي يُفْسِدهُ إجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى تَخْطِئَة قَوْل الْقَائِل : سَرَّنِي تَقُوم يَا هَذَا , وَهُوَ يُرِيد : سَرَّنِي قِيَامك . فَكَذَلِكَ الْوَاجِب أَنْ يَكُون خَطَأ عَلَى هَذَا الْمَذْهَب قَوْل الْقَائِل : لَا تَقُمْ , إذَا كَانَ الْمَعْنَى : لَا يَكُنْ مِنْك قِيَام . وَفِي إجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى صِحَّة قَوْل الْقَائِل : لَا تَقُمْ , وَفَسَاد قَوْل الْقَائِل : سَرَّنِي تَقُوم بِمَعْنَى سَرَّنِي قِيَامك , الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى فَسَاد دَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّ مَعَ " لَا " الَّتِي فِي قَوْله : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } ضَمِير " أَنَّ " , وَصِحَّة الْقَوْل الْآخَر .

{35} وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ
وَفِي قَوْله : { فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } وَجْهَانِ مِنْ التَّأْوِيل : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون " فَتَكُونَا " فِي نِيَّة الْعَطْف عَلَى قَوْله : { وَلَا تَقْرَبَا } فَيَكُون تَأْوِيله حِينَئِذٍ : وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة , وَلَا تَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ . فَيَكُون " فَتَكُونَا " حِينَئِذٍ فِي مَعْنَى الْجَزْم مَجْزُوم بِمَا جُزِمَ بِهِ { وَلَا تَقْرَبَا } , كَمَا يَقُول الْقَائِل : لَا تُكَلِّمْ عَمْرًا وَلَا تُؤْذِهِ , وَكَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقِيس : فَقُلْت لَهُ صَوِّبْ وَلَا تَجْهَدَنَّهُ فَيُذِرْكَ مِنْ أُخْرَى الْقَطَاة فَتَزْلَق فَجَزَمَ " فَيُذِرْكَ " بِمَا جَزَمَ بِهِ " لَا تَجْهَدَنَّهُ " , كَأَنَّهُ كَرَّرَ النَّهْي . وَالثَّانِي أَنْ يَكُون : { فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } بِمَعْنَى جَوَاب النَّهْي , فَيَكُون تَأْوِيله حِينَئِذٍ : لَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة , فَإِنَّكُمَا إنْ قَرِبْتُمَاهَا كُنْتُمَا مِنْ الظَّالِمِينَ ; كَمَا تَقُول : لَا تَشْتُم عَمْرًا فَيَشْتُمك مُجَازَاة . فَيَكُون " فَتَكُونَا " حِينَئِذٍ فِي مَوْضِع نَصْب إذْ كَانَ حَرْف عَطْف عَلَى غَيْر شَكْله لِمَا كَانَ فِي { وَلَا تَقْرَبَا } حَرْف عَامِل فِيهِ , وَلَا يَصْلُح إعَادَته فِي " فَتَكُونَا " فَنُصِبَ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْت فِي أَوَّل هَذِهِ الْمَسْأَلَة . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ فَتَكُونَا مِنْ الْمُتَعَدِّينَ إلَى غَيْر مَا أَذِنَ لَهُمْ وَأُبِيحَ لَهُمْ فِيهِ . وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ أَنَّكُمَا إنْ قَرِبْتُمَا هَذِهِ الشَّجَرَة كُنْتُمَا عَلَى مِنْهَاج مَنْ تَعَدَّى حُدُودِي وَعَصَى أَمْرِي وَاسْتَحَلَّ مَحَارِمِي ; لِأَنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض , وَاَللَّه وَلِيّ الْمُتَّقِينَ . وَأَصْل الظُّلْم فِي كَلَام الْعَرَب وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه ; وَمِنْهُ قَوْل نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : إلَّا الْأَوَارِيَّ لَأْيًا مَا أُبَيِّنهَا وَالنُّؤْي كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجَلَد فَجَعَلَ الْأَرْض مَظْلُومَة , لِأَنَّ الَّذِي حَفَرَ فِيهَا النَّوَى حَفَرَ فِي غَيْر مَوْضِع الْحَفْر , فَجَعَلَهَا مَظْلُومَة لِوَضْعِ الْحُفْرَة مِنْهَا فِي غَيْر مَوْضِعهَا . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل ابْن قَمِيئَة فِي صِفَة غَيْث : ظَلَمَ الْبِطَاح بِهَا انْهِلَال حَرِيصَة فَصَفَا النِّطَاف لَهُ بُعَيْد الْمُقْلَع وَظُلْمه إيَّاهُ : مَجِيئُهُ فِي غَيْر أَوَانه , وَانْصِبَابه فِي غَيْر مَصَبّه . وَمِنْهُ : ظُلْم الرَّجُل جَزُوره , وَهُوَ نَحْره إيَّاهُ لِغَيْرِ عِلَّة ; وَذَلِكَ عِنْد الْعَرَب : وَضَعَ النَّحْر فِي غَيْر مَوْضِعه . وَقَدْ يَتَفَرَّع الظُّلْم فِي مَعَانٍ يَطُول بِإِحْصَائِهَا الْكِتَاب , وَسَنُبَيِّنُهَا فِي أَمَاكِنهَا إذَا أَتَيْنَا عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى وَأَصْل ذَلِكَ كُلّه مَا وَصَفْنَا مِنْ وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه .

{36} فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَان عَنْهَا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ فَقَرَأَتْهُ عَامَّتهمْ : { فَأَزَلَّهُمَا } بِتَشْدِيدِ اللَّامّ , بِمَعْنَى اسْتَزَلَّهُمَا ; مِنْ قَوْلك : زَلَّ الرَّجُل فِي دِينه : إذَا هَفَا فِيهِ وَأَخْطَأَ فَأَتَى مَا لَيْسَ لَهُ إتْيَانه فِيهِ , وَأَزَلَّهُ غَيْره : إذَا سَبَّبَ لَهُ مَا يُزَلّ مِنْ أَجْله فِي دِينه أَوْ دُنْيَاهُ . وَلِذَلِكَ أَضَافَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إلَى إبْلِيس خُرُوج آدَم وَزَوْجَته مِنْ الْجَنَّة فَقَالَ : { فَأَخْرَجَهُمَا } يَعْنِي إبْلِيس { مِمَّا كَانَا فِيهِ } لِأَنَّهُ كَانَ الَّذِي سَبَّبَ لَهُمَا الْخَطِيئَة الَّتِي عَاقَبَهُمَا اللَّه عَلَيْهَا بِإِخْرَاجِهِمَا مِنْ الْجَنَّة . وَقَرَأَهُ آخَرُونَ : " فَأَزَالهُمَا " , بِمَعْنَى إزَالَة الشَّيْء عَنْ الشَّيْء , وَذَلِكَ تَنْحِيَته عَنْهُ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس فِي تَأْوِيل قَوْله { فَأَزَلَّهُمَا } مَا : 618 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ : قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَان } قَالَ : أَغَوَاهُمَا . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { فَأَزَلَّهُمَا } لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَخْبَرَ فِي الْحَرْف الَّذِي يَتْلُوهُ بِأَنَّ إبْلِيس أَخَرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ , وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْله فَأَزَالهُمَا , فَلَا وَجْه إذْ كَانَ مَعْنَى الْإِزَالَة مَعْنَى التَّنْحِيَة وَالْإِخْرَاج أَنْ يُقَال : " فَأَزَالهُمَا الشَّيْطَان عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ " , فَيَكُون كَقَوْلِهِ : " فَأَزَالهُمَا الشَّيْطَان عَنْهَا فَأَزَالهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ " , وَلَكِنَّ الْمَعْنَى الْمَفْهُوم أَنْ يُقَال : فَاسْتَزَلَّهُمَا إبْلِيس عَنْ طَاعَة اللَّه , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَان } وَقَرَأَتْ بِهِ الْقُرَّاء , فَأَخْرَجَهُمَا بِاسْتِزْلَالِهِ إيَّاهُمَا مِنْ الْجَنَّة . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ كَانَ اسْتِزْلَال إبْلِيس آدَم وَزَوْجَته حَتَّى أُضِيفَ إلَيْهِ إخْرَاجهمَا مِنْ الْجَنَّة ؟ قِيلَ : قَدْ قَالَتْ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا سَنَذْكُرُ بَعْضهَا فَحُكِيَ عَنْ وَهْب بْن مُنَبَّه فِي ذَلِكَ مَا 619 - حَدَّثَنَا بِهِ الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مهرب , قَالَ : سَمِعْت وَهْب بْن مُنَبَّه يَقُول : لَمَّا أَسْكَنَ اللَّه آدَم وَذُرِّيَّته , أَوْ زَوْجَته , الشَّكّ مِنْ أَبِي جَعْفَر , وَهُوَ فِي أَصْلِ كِتَابه : وَذُرِّيَّته - وَنَهَاهُ عَنْ الشَّجَرَة , وَكَانَتْ الْمَلَائِكَة لِخُلْدِهِمْ , وَهِيَ الثَّمَرَة الَّتِي نَهَى اللَّه آدَم عَنْهَا وَزَوْجَته . فَلَمَّا أَرَادَ إبْلِيس أَنْ يَسْتَزِلّهُمَا دَخَلَ فِي جَوْف الْحَيَّة , وَكَانَتْ لِلْحَيَّةِ أَرْبَع قَوَائِم كَأَنَّهَا بُخْتِيَّة مِنْ أَحَسَن دَابَّة خَلَقَهَا اللَّه . فَلَمَّا دَخَلَتْ الْحَيَّة الْجَنَّة , خَرَجَ مِنْ جَوْفهَا إبْلِيس , فَأَخَذَ مِنْ الشَّجَرَة الَّتِي نَهَى اللَّه عَنْهَا آدَم وَزَوْجَته , فَجَاءَ بِهَا إلَى حَوَّاء , فَقَالَ : اُنْظُرِي إلَى هَذِهِ الشَّجَرَة , مَا أَطْيَب رِيحهَا , وَأَطْيَب طَعْمهَا , وَأَحْسَن لَوْنهَا ! فَأَخَذَتْ حَوَّاء فَأَكَلَتْ مِنْهَا , ثُمَّ ذَهَبَتْ بِهَا إلَى آدَم , فَقَالَتْ : اُنْظُرْ إلَى هَذِهِ الشَّجَرَة , مَا أَطْيَب رِيحهَا , وَأَطْيَب طَعْمهَا , وَأَحْسَن لَوْنهَا ! فَأَكَلَ مِنْهَا آدَم , فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتهمَا , فَدَخَلَ آدَم فِي جَوْف الشَّجَرَة , فَنَادَاهُ رَبّه : يَا آدَم أَيْنَ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا هُنَا يَا رَبّ , قَالَ : أَلَا تَخْرُج ؟ قَالَ : أَسْتَحْيِي مِنْك يَا رَبّ , قَالَ : مَلْعُونَة الْأَرْض الَّتِي خُلِقْت مِنْهَا لَعْنَة يَتَحَوَّل ثَمَرهَا شَوْكًا . قَالَ : وَلَمْ يَكُنْ فِي الْجَنَّة وَلَا فِي الْأَرْض شَجَرَة كَانَ أَفَضْل مِنْ الطَّلْع وَالسِّدْر ; ثُمَّ قَالَ : يَا حَوَّاء أَنْتِ الَّتِي غَرَرْت عَبْدِي , فَإِنَّك لَا تَحْمِلِينَ حَمْلًا إلَّا حَمَلْتِيهِ كَرْهًا , فَإِذَا أَرَدْت أَنْ تَضَعِي مَا فِي بَطْنك أَشْرَفْت عَلَى الْمَوْت مِرَارًا . وَقَالَ لِلْحَيَّةِ : أَنْتِ الَّتِي دَخَلَ الْمَلْعُون فِي جَوْفك حَتَّى غَرَّ عَبْدِي , مَلْعُونَة أَنْتِ لَعْنَة تَتَحَوَّل قَوَائِمك فِي بَطْنك , وَلَا يَكُنْ لَك رِزْق إلَّا التُّرَاب , أَنْتِ عَدُوَّة بَنِي آدَم وَهُمْ أَعْدَاؤُك حَيْثُ لَقِيت أَحَدًا مِنْهُمْ أَخَذْت بِعَقِبِهِ , وَحَيْثُ لَقِيَك شَدَخَ رَأْسك . قَالَ عُمَر : قِيلَ لِوَهْبٍ : وَمَا كَانَتْ الْمَلَائِكَة تَأْكُل ؟ قَالَ : يَفْعَل اللَّه مَا يَشَاء وَرُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس نَحْو هَذِهِ الْقِصَّة . 620 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَمَّا قَالَ اللَّه لِآدَم : { اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجك الْجَنَّة وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } أَرَادَ إبْلِيس أَنْ يَدْخُل عَلَيْهِمَا الْجَنَّة فَمَنَعَتْهُ الْخَزَنَة , فَأَتَى الْحَيَّة وَهِيَ دَابَّة لَهَا أَرْبَع قَوَائِم كَأَنَّهَا الْبَعِير , وَهِيَ كَأَحْسَن الدَّوَابّ , فَكَلَّمَهَا أَنْ تُدْخِلهُ فِي فَمهَا حَتَّى تَدْخُل بِهِ إلَى آدَم , فَأَدْخَلَتْهُ فِي فَمهَا , فَمَرَّتْ الْحَيَّة عَلَى الْخَزَنَة فَدَخَلَتْ وَلَا يَعْلَمُونَ لِمَا أَرَادَ اللَّه مِنْ الْأَمْر , فَكَلَّمَهُ مِنْ فَمهَا فَلَمْ يُبَالِ بِكَلَامِهِ , فَخَرَجَ إلَيْهِ فَقَالَ : { يَا آدَم هَلْ أَدُلّك عَلَى شَجَرَة الْخُلْد وَمُلْك لَا يَبْلَى } 20 120 يَقُول هَلْ أَدُلّك عَلَى شَجَرَة إنْ أَكَلْت مِنْهَا كَانَتْ مُلْكًا مِثْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ فَلَا تَمُوتَانِ أَبَدًا . وَحَلَفَ لَهُمَا بِاَللَّهِ إنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ . وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا تَوَارَى عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتهمَا بِهَتْكِ لِبَاسهمَا . وَكَانَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ لَهُمَا سَوْأَة لَمَّا كَانَ يَقْرَأ مِنْ كُتُب الْمَلَائِكَة , وَلَمْ يَكُنْ آدَم يَعْلَم ذَلِكَ , وَكَانَ لِبَاسهمَا الظُّفُر . فَأَبَى آدَم أَنْ يَأْكُل مِنْهَا , فَتَقَدَّمَتْ حَوَّاء فَأَكَلَتْ , ثُمَّ قَالَتْ : يَا آدَم كُلْ ! فَإِنِّي قَدْ أَكَلْت فَلَمْ يَضُرَّنِّي . فَلَمَّا أَكَلَ آدَم { بَدَتْ لَهُمَا سَوْأَتهمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَق الْجَنَّة } 621 - وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَدِّث أَنَّ الشَّيْطَان دَخَلَ الْجَنَّة فِي صُورَة دَابَّة ذَات قَوَائِم , فَكَانَ يَرَى أَنَّهُ الْبَعِير . قَالَ : فَلُعِنَ فَسَقَطَتْ قَوَائِمه , فَصَارَ حَيَّة . 622 - وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : وَحَدَّثَنِي أَبُو الْعَالِيَة أَنَّ مِنْ الْإِبِل مَا كَانَ أَوَّلهَا مِنْ الْجِنّ , قَالَ : فَأُبِيحَتْ لَهُ الْجَنَّة كُلّهَا إلَّا الشَّجَرَة , وَقِيلَ لَهُمَا : { لَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } قَالَ : فَأَتَى الشَّيْطَان حَوَّاء فَبَدَأَ بِهَا فَقَالَ : أَنَهَيْتُمَا عَنْ شَيْء ؟ قَالَتْ : نَعَمْ , عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَة . فَقَالَ : { مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَة إلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ } قَالَ : فَبَدَأَتْ حَوَّاء فَأَكَلَتْ مِنْهَا , ثُمَّ أَمَرَتْ آدَم فَأَكَلَ مِنْهَا . قَالَ : وَكَانَتْ شَجَرَة مَنْ أَكَلَ مِنْهَا أَحْدَثَ . قَالَ : وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون فِي الْجَنَّة حَدَّثَ . قَالَ : { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَان عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } قَالَ : فَأُخْرِجَ آدَم مِنْ الْجَنَّة . 623 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن إسْحَاق , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم : أَنَّ آدَم حِين دَخَلَ الْجَنَّة وَرَأَى مَا فِيهَا مِنْ الْكَرَامَة وَمَا أَعْطَاهُ اللَّه مِنْهَا , قَالَ : لَوْ أَنَّ خُلْدًا كَانَ ! فَاغْتَنَمَهَا مِنْهُ الشَّيْطَان لَمَّا سَمِعَهَا مِنْهُ , فَأَتَاهُ مِنْ قِبَل الْخُلْد . 624 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا مَسْلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : حُدِّثْت أَنَّ أَوَّل مَا ابْتَدَأَهُمَا بِهِ مِنْ كَيْده إيَّاهُمَا أَنَّهُ نَاحَ عَلَيْهِمَا نِيَاحَة أَحْزَنَتْهُمَا حِين سَمِعَاهَا , فَقَالَا لَهُ : مَا يَبْكِيك ؟ قَالَ : أَبْكِي عَلَيْكُمَا تَمُوتَانِ فَتُفَارِقَانِ مَا أَنْتُمَا فِيهِ مِنْ النِّعْمَة وَالْكَرَامَة . فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي أَنْفُسهمَا . ثُمَّ أَتَاهُمَا فَوَسْوَسَ إلَيْهِمَا , فَقَالَ : { يَا آدَم هَلْ أَدُلّك عَلَى شَجَرَة الْخُلْد وَمُلْك لَا يَبْلَى } 20 120 وَقَالَ : { مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَة إلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ } 7 20 : 21 أَيْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تُخَلَّدَا إنْ لَمْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ فِي نِعْمَة الْجَنَّة فَلَا تَمُوتَانِ , يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ } 7 22 625 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : وَسْوَسَ الشَّيْطَان إلَى حَوَّاء فِي الشَّجَرَة حَتَّى أَتَى بِهَا إلَيْهَا , ثُمَّ حَسَّنَهَا فِي عَيْن آدَم . قَالَ : فَدَعَاهَا آدَم لِحَاجَتِهِ , قَالَتْ : لَا , إلَّا أَنْ تَأْتِي هَهُنَا . فَلَمَّا أَتَى قَالَتْ : لَا , إلَّا أَنْ تَأْكُل مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَة , قَالَ : فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتهمَا . قَالَ : وَذَهَبَ آدَم هَارِبًا فِي الْجَنَّة , فَنَادَاهُ رَبّه : يَا آدَم أَمِنِّي تَفِرّ ؟ قَالَ : لَا يَا رَبّ , وَلَكِنْ حَيَاء مِنْك . قَالَ : يَا آدَم إنِّي أَتَيْت ؟ قَالَ : مِنْ قِبَل حَوَّاء أَيْ رَبّ . فَقَالَ اللَّه : فَإِنَّ لَهَا عَلَيَّ أَنْ أَدْمِيهَا فِي كُلّ شَهْر مُرَّة كَمَا أَدْمَيْت هَذِهِ الشَّجَرَة , وَأَنْ أَجَعَلَهَا سَفِيهَة , فَقَدْ كُنْت خَلَقْتهَا حَلِيمَة , وَأَنْ أَجَعَلَهَا تَحْمِل كَرْهًا وَتَضَع كَرْهًا , فَقَدْ كُنْت جَعَلْتهَا تَحْمِل يُسْرًا وَتَضَع يُسْرًا . قَالَ ابْن زَيْد : وَلَوْلَا الْبَلِيَّة الَّتِي أَصَابَتْ حَوَّاء لَكَانَ نِسَاء الدُّنْيَا لَا يَحِضْنَ , وَلَكِنْ حَلِيمَات , وَكُنَّ يَحْمِلْنَ يُسْرًا وَيَضَعْنَ يُسْرًا . 626 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ يَزِيد بْن عَبْد اللَّه بْن قسيط , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : سَمِعْته يَحْلِف بِاَللَّهِ مَا يَسْتَثْنِي مَا أَكَلَ آدَم مِنْ الشَّجَرَة وَهُوَ يَعْقِل , وَلَكِنْ حَوَّاء سَقَتْهُ الْخَمْر حَتَّى
إذَا سَكِرَ قَادَتْهُ إلَيْهَا فَأَكَلَ . 627 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ لَيْث بْن أَبِي سُلَيْم , عَنْ طَاوُس الْيَمَانِي عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : إنَّ عَدُوّ اللَّه إبْلِيس عَرَضَ نَفْسه عَلَى دَوَابّ الْأَرْض أَنَّهَا تَحْمِلهُ حَتَّى يَدْخُل الْجَنَّة مَعَهَا , وَيُكَلِّم آدَم وَزَوْجَته , فَكُلّ الدَّوَابّ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ , حَتَّى كَلَّمَ الْحَيَّة فَقَالَ لَهَا : أَمْنَعك مِنْ ابْن آدَم , فَأَنْت فِي ذِمَّتِي إنْ أَنْتِ أَدَخَلْتنِي الْجَنَّة ! فَجَعَلَتْهُ بَيْن نَابَيْنِ مِنْ أَنْيَابهَا , ثُمَّ دَخَلَتْ بِهِ . فَكَلَّمَهُمَا مِنْ فِيهَا , وَكَانَتْ كَاسِيَة تَمْشِي عَلَى أَرْبَع قَوَائِم , فَأَعْرَاهَا اللَّه , وَجَعَلَهَا تَمْشِي عَلَى بَطْنهَا . قَالَ : يَقُول ابْن عَبَّاس : اُقْتُلُوهَا حَيْثُ وَجَدْتُمُوهَا , اخْفِرُوا ذِمَّة عَدُوّ اللَّه فِيهَا . 628 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ ابْن إسْحَاق : وَأَهْل التَّوْرَاة يَدْرُسُونَ : إنَّمَا كَلَّمَ آدَم الْحَيَّة , وَلَمْ يُفَسِّرُوا كَتَفْسِيرِ ابْن عَبَّاس . 629 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ أَبِي مَعْشَر عَنْ مُحَمَّد بْن قَيْس , قَالَ : نَهَى اللَّه آدَم وَحَوَّاء أَنَّ يَأْكُلَا مِنْ شَجَرَة وَاحِدَة فِي الْجَنَّة وَيَأْكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شَاءَا . فَجَاءَ الشَّيْطَان فَدَخَلَ فِي جَوْف الْحَيَّة , فَكَلَّمَ حَوَّاء , وَوَسْوَسَ الشَّيْطَان إلَى آدَم , فَقَالَ : { مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَة إلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ } 7 20 : 21 قَالَ : فَعَضَّتْ حَوَّاء الشَّجَرَة , فَدَمِيَتْ الشَّجَرَة وَسَقَطَ عَنْهُمَا رِيَاشهمَا الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمَا { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَق الْجَنَّة وَنَادَاهُمَا رَبّهمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَة وَأَقُلْ لَكُمَا إنَّ الشَّيْطَان لَكُمَا عَدُوّ مُبِين } 7 22 لِمَ أَكَلْتهَا وَقَدْ نَهَيْتُك عَنْهَا ؟ قَالَ : يَا رَبّ أَطْعَمَتْنِي حَوَّاء . قَالَ لِحَوَّاءَ : لِمَ أَطْعَمْته ؟ قَالَتْ : أَمَرَتْنِي الْحَيَّة . قَالَ لِلْحَيَّةِ : لِمَ أَمَرْتهَا ؟ قَالَتْ : أَمَرَنِي إبْلِيس . قَالَ : مَلْعُون مَدْحُور ! أَمَّا أَنْتِ يَا حَوَّاء فَكَمَا أَدْمَيْت الشَّجَرَة فَتَدْمِين فِي كُلّ هِلَال . وَأَمَّا أَنْتِ يَا حَيَّة فَأَقْطَع قَوَائِمك فَتَمْشِينَ جَرْيًا عَلَى وَجْهك وَسَيَشْدَخُ رَأَسَك مَنْ لَقِيَك بِالْحَجَرِ ; اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ الْأَخْبَار عَمَّنْ رَوَيْنَاهَا عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرهمْ فِي صِفَة اسْتِزْلَال إبْلِيس عَدُوّ اللَّه آدَم وَزَوْجَته حَتَّى أَخَرَجَهُمَا مِنْ الْجَنَّة . وَأَوْلَى ذَلِكَ بِالْحَقِّ عِنْدنَا , مَا كَانَ لِكِتَابِ اللَّه مُوَافِقًا , وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ إبْلِيس أَنَّهُ وَسْوَسَ لِآدَم وَزَوْجَته لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتهمَا , وَأَنَّهُ قَالَ لَهُمَا : { مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَة إلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ } 7 20 وَأَنَّهُ قَاسِمَهُمَا إنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ مُدَلِّيًا لَهُمَا بِغُرُورٍ . فَفِي إخْبَاره جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ عَدُوّ اللَّه أَنَّهُ قَاسَمَ آدَم وَزَوْجَته بِقِيلِهِ لَهُمَا : { إنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ } 7 21 الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنَّهُ قَدْ بَاشَرَ خِطَابهمَا بِنَفْسِهِ , إمَّا ظَاهِرًا لِأَعْيُنِهِمَا , وَإِمَّا مُسْتَجَنًّا فِي غَيْره . وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر مَعْقُول فِي كَلَام الْعَرَب أَنْ يُقَال : قَاسَمَ فُلَان فُلَانًا فِي كَذَا وَكَذَا , إذَا سَبَّبَ لَهُ سَبَبًا وَصَلَ بِهِ إلَيْهِ دُون أَنْ يَحْلِف لَهُ . وَالْحَلِف لَا يَكُون بِتَسَبُّبِ السَّبَب , فَكَذَلِكَ قَوْله : فَوَسْوَسَ إلَيْهِ الشَّيْطَان , لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ إلَى آدَم عَلَى نَحْو الَّذِي مِنْهُ إلَى ذُرِّيَّته مِنْ تَزْيِين أَكُلّ مَا نَهَى اللَّه آدَم عَنْ أَكْله مِنْ الشَّجَرَة بِغَيْرِ مُبَاشَرَة خِطَابه إيَّاهُ بِمَا اسْتَزَلَّهُ بِهِ مِنْ الْقَوْل وَالْحِيَل , لَمَّا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقَاسَمَهُمَا إنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ } 7 21 كَمَا غَيْر جَائِز أَنْ يَقُول الْيَوْم قَائِل مِمَّنْ أَتَى مَعْصِيَة : قَاسَمَنِي إبْلِيس أَنَّهُ لِي نَاصِح فِيمَا زَيِّنْ لِي مِنْ الْمَعْصِيَة الَّتِي أَتَيْتهَا , فَكَذَلِكَ الَّذِي كَانَ مِنْ آدَم وَزَوْجَته لَوْ كَانَ عَلَى النَّحْو الَّذِي يَكُون فِيمَا بَيْن إبْلِيس الْيَوْم وَذُرِّيَّة آدَم لِمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقَاسَمَهُمَا إنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ } 7 21 وَلَكِنْ ذَلِكَ كَانَ إنَّ شَاءَ اللَّه عَلَى نَحْو مَا قَالَ ابْن عَبَّاس وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ . فَأَمَّا سَبَب وُصُوله إلَى الْجَنَّة حَتَّى كَلَّمَ آدَم بَعْد أَنْ أَخَرَجَهُ اللَّه مِنْهَا وَطَرَدَهُ عَنْهَا , فَلَيْسَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس وَوَهَبَ بْن مُنَبَّه فِي ذَلِكَ مَعْنَى يَجُوز لَذِي فَهُمْ مُدَافَعَته , إذْ كَانَ ذَلِكَ قَوْلًا لَا يَدْفَعهُ عَقْل وَلَا خَبَر يَلْزَم تَصْدِيقه مِنْ حَجَّة بِخِلَافِهِ , وَهُوَ مِنْ الْأُمُور الْمُمْكِنَة . وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَى خِطَابهمَا عَلَى مَا أَخْبَرَنَا اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَمُمْكِن أَنْ يَكُون وَصَلَ إلَى ذَلِكَ بِنَحْوِ الَّذِي قَالَهُ الْمُتَأَوِّلُونَ ; بَلْ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّه كَذَلِكَ لِتَتَابُعِ أَقْوَال أَهْل التَّأْوِيل عَلَى تَصْحِيح ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ ابْن إسْحَاق قَدْ قَالَ فِي ذَلِكَ مَا : 630 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة قَالَ : قَالَ ابْن إسْحَاق فِي ذَلِكَ , وَاَللَّه أَعْلَم كَمَا قَالَ ابْن عَبَّاس وَأَهْل التَّوْرَاة : أَنَّهُ خَلَصَ إلَى آدَم وَزَوْجَته بِسُلْطَانِهِ الَّذِي جَعَلَ اللَّه لَهُ لِيَبْتَلِيَ بِهِ آدَم وَذُرِّيَّته , وَأَنَّهُ يَأْتِي ابْن آدَم فِي نَوْمَته وَفِي يَقِظَته , وَفِي كُلّ حَال مِنْ أَحْوَاله , حَتَّى يَخْلُص إلَى مَا أَرَادَ مِنْه حَتَّى يَدْعُوَهُ إِلَى الْمَعْصِيَة , وَيُوقِع فِي نَفْسِه الشَّهْوَة وَهُوَ لَا يَرَاهُ , وَقَدْ قَالَ اللَّه : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَان فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } وَقَالَ : { يَا بَنِي آدَم لَا يَفْتِنَنكُمْ الشَّيْطَان كَمَا أَخَرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِن الْجَنَّة يَنْزِع عَنْهُمَا لِبَاسهمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتهمَا إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيله مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِين أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } 7 27 وَقَدْ قَالَ اللَّه لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : { قُلْ أَعُوذ بِرَبِّ النَّاس مَلِك النَّاس } 114 1 : 2 إلَى آخِر السُّورَة . ثُمَّ ذَكَرَ الْأَخْبَار الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ الشَّيْطَان يَجْرِي مِنْ ابْن آدَم مَجْرَى الدَّم } قَالَ ابْن إسْحَاق : وَإِنَّمَا أُمِرَ ابْن آدَم فِيمَا بَيْنه وَبَيْن عَدُوّ اللَّه , كَأَمْرِهِ فِيمَا بَيْنه وَبَيْن آدَم , فَقَالَ اللَّه : { اهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُون لَك أَنْ تَتَكَبَّر فِيهَا فَاخْرُجْ إنَّك مِنْ الصَّاغِرِينَ } 7 13 ثُمَّ خَلَصَ إلَى آدَم وَزَوْجَته حَتَّى كَلَّمَهُمَا , كَمَا قَصَّ اللَّه عَلَيْنَا مِنْ خَبَرهمَا , قَالَ : { فَوَسْوَسَ إلَيْهِ الشَّيْطَان قَالَ يَا آدَم هَلْ أَدُلّك عَلَى شَجَرَة الْخُلْد وَمُلْك لَا يَبْلَى } 20 120 فَخَلَصَ إلَيْهِمَا بِمَا خَلَصَ إلَى ذُرِّيَّته مِنْ حَيْثُ لَا يَرَيَانِهِ , وَاَللَّه أَعْلَم أَيْ ذَلِكَ كَانَ ; فَتَابَا إلَى رَبّهمَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلَيْسَ فِي يَقِين ابْن إسْحَاق لَوْ كَانَ قَدْ أَيْقَنَ فِي نَفْسه أَنَّ إبْلِيس لَمْ يَخْلُص إلَى آدَم وَزَوْجَته بِالْمُخَاطَبَةِ بِمَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمَا وَخَاطَبَهُمَا بِهِ مَا يَجُوز لِذِي فَهُمْ الِاعْتِرَاض بِهِ عَلَى مَا وَرَدَ مِنْ الْقَوْل مُسْتَفِيضًا مِنْ أَهْل الْعِلْم مَعَ دَلَالَة الْكِتَاب عَلَى صِحَّة مَا اسْتَفَاضَ مِنْ ذَلِكَ بَيْنهمْ , فَكَيْف بِشَكِّهِ ؟ وَاَللَّه نَسْأَل التَّوْفِيقِ .

{36} فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { فَأَخْرَجَهُمَا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : فَأَخْرَجَ الشَّيْطَان آدَم وَزَوْجَته مِمَّا كَانَا , يَعْنِي مِمَّا كَانَ فِيهِ آدَم وَزَوْجَته مِنْ رَغَد الْعَيْش فِي الْجَنَّة , وَسَعَة نَعِيمهَا الَّذِي كَانَا فِيهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا أَضَافَ إخْرَاجهمَا مِنْ الْجَنَّة إلَى الشَّيْطَان , وَإِنْ كَانَ اللَّه هُوَ الْمُخْرِج لَهُمَا ; لِأَنَّ خُرُوجهمَا مِنْهَا كَانَ عَنْ سَبَب مِنْ الشَّيْطَان , وَأُضِيف ذَلِكَ إلَيْهِ لِتَسْبِيبِهِ إيَّاهُ كَمَا يَقُول الْقَائِل لِرَجُلٍ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْهُ أَذًى حَتَّى تَحَوَّلَ مِنْ أَجْله عَنْ مَوْضِع كَانَ يَسْكُنهُ : مَا حَوَّلَنِي مِنْ مَوْضِعِي الَّذِي كُنْت فِيهِ إلَّا أَنْتَ , وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ لَهُ تَحْوِيل , وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ تَحَوُّله عَنْ سَبَب مِنْهُ جَازَ لَهُ إضَافَة تَحْوِيله إلَيْهِ .

{36} فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيل قَوْلِه تَعَالَى : { وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يُقَال : هَبَطَ فُلَان أَرْض كَذَا وَوَادِي كَذَا : إِذَا حَلَّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الشَّاعِر : مَا زِلْت أَرْمُقهُمْ حَتَّى إذَا هَبَطَتْ أَيْدِي الرِّكَاب بِهِمْ مِنْ رَاكِس فَلَقَا وَقَدْ أَبَانَ هَذَا الْقَوْل مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْمُخْرِج آدَم مِنْ الْجَنَّة هُوَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَأَنَّ إضَافَة اللَّه إلَى إبْلِيس مَا أَضَافَ إلَيْهِ مِنْ إخْرَاجهمَا كَانَ عَلَى مَا وَصَفْنَا . وَدَلَّ بِذَلِكَ أَيْضًا عَلَى أَنَّ هُبُوط آدَم وَزَوْجَته وَعَدُوّهُمَا إبْلِيس كَانَ فِي وَقْت وَاحِد . بِجَمْعِ اللَّه إيَّاهُمْ فِي الْخَبَر عَنْ إهْبَاطهمْ , بَعْد الَّذِي كَانَ مِنْ خَطِيئَة آدَم وَزَوْجَته , وَتَسَبَّبَ إبْلِيس ذَلِكَ لَهُمَا , عَلَى مَا وَصَفَهُ رَبّنَا جَلَّ ذِكْره عَنْهُمْ . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { اهْبِطُوا } مَعَ إجْمَاعهمْ عَلَى أَنَّ آدَم وَزَوْجَته مِمَّنْ عَنَى بِهِ 631 - فَحَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ أَبِي عَوَانَة , عَنْ إسْمَاعِيل بْن سَالِم , عَنْ أَبِي صَالِح : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : آدَم , وَحَوَّاء , وَإِبْلِيس , وَالْحَيَّة 632 حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع وَمُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَا : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : فَلَعَنَ الْحَيَّة وَقَطَعَ قَوَائِمهَا وَتَرَكَهَا تَمْشِي عَلَى بَطْنهَا وَجَعَلَ رِزْقهَا مِنْ التُّرَاب , وَأَهْبَطَ إلَى الْأَرْض آدَم وَحَوَّاء وَإِبْلِيس وَالْحَيَّة 633 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى بْن مَيْمُون , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : آدَم , وَإِبْلِيس وَالْحَيَّة وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } آدَم , وَإِبْلِيس , وَالْحَيَّة , ذُرِّيَّة بَعْضهمْ أَعْدَاء لِبَعْضٍ . وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : { بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : آدَم وَذُرِّيَّته , وَإِبْلِيس وَذُرِّيَّته 634 - وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم بْن أَبِي إيَاس , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : يَعْنِي إبْلِيس , وَآدَم 635 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ , حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : بَعْضهمْ عَدُوّ آدَم , وَحَوَّاء , وَإِبْلِيس , وَالْحَيَّة . وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ إسْمَاعِيل السُّدِّيّ , قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ ابْن عَبَّاس يَقُول : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : آدَم , وَحَوَّاء , وَإِبْلِيس , وَالْحَيَّة . 636 - وَحَدَّثَنِي يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : لَهُمَا ولذريتهما . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا كَانَتْ عَدَاوَة مَا بَيْن آدَم وَزَوْجَته , وَإِبْلِيس , وَالْحَيَّة ؟ قِيلَ : أَمَّا عَدَاوَة إبْلِيس آدَم وَذُرِّيَّته , فَحَسَدَهُ إيَّاهُ , وَاسْتِكْبَاره عَنْ طَاعَة اللَّه فِي السُّجُود لَهُ حِين قَالَ لِرَبِّهِ : { أَنَا خَيْر مِنْهُ خَلَقْتنِي مِنْ نَار وَخَلَقْته مِنْ طِين } 38 76 وَأَمَّا عَدَاوَة آدَم وَذُرِّيَّته إبْلِيس , فَعَدَاوَة الْمُؤْمِنِينَ إيَّاهُ لِكُفْرِهِ بِاَللَّهِ وَعِصْيَانه لِرَبِّهِ فِي تَكَبُّره عَلَيْهِ وَمُخَالَفَته أَمْره ; وَذَلِكَ مِنْ آدَم وَمُؤْمِنِي ذُرِّيَّته إيمَان بِاَللَّهِ . وَأَمَّا عَدَاوَة إبْلِيس آدَم , فَكَفَرَ بِاَللَّهِ . وَأَمَّا عَدَاوَة مَا بَيْن آدَم وَذُرِّيَّته , وَالْحَيَّة , فَقَدْ ذَكَرْنَا مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ ابْن عَبَّاس وَوَهْب بْن مُنَبَّه , وَذَلِكَ هِيَ الْعَدَاوَة الَّتِي بَيْننَا وَبَيْنهَا , كَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حَارَبْنَاهُنَّ فَمَنْ تَرَكَهُنَّ خَشْيَة ثَأْرهنَّ فَلَيْسَ مِنَّا " 637 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج بْن رُشْد , قَالَ : حَدَّثَنَا حَيْوَة بْن شُرَيْح , عَنْ ابْن عَجْلَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حَارَبْنَاهُنَّ , فَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهُنَّ خِيفَة فَلَيْسَ مِنَّا } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَحْسِب أَنَّ الْحَرْب الَّتِي بَيْننَا كَانَ أَصْله مَا ذَكَرَهُ عُلَمَاؤُنَا الَّذِينَ قَدَّمْنَا الرِّوَايَة عَنْهُمْ فِي إدْخَالهَا إبْلِيس الْجَنَّة بَعْد أَنْ أَخْرَجَهُ اللَّه مِنْهَا حَتَّى اسْتَزَلَّهُ عَنْ طَاعَة رَبّه فِي أَكْله مَا نُهِيَ عَنْ أَكْله مِنْ الشَّجَرَة . 638 - وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيه بْن هِشَام , وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَلَف الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنِي آدَم جَمِيعًا , عَنْ شَيْبَان , عَنْ جَابِر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : عَنْ قَتْل الْحَيَّات , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : خُلِقَتْ هِيَ وَالْإِنْسَان كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَدُوّ لِصَاحِبِهِ , إنْ رَآهَا أَفْزَعَتْهُ , وَإِنْ لَدَغَتْهُ أَوْجَعَتْهُ . فَأَقْتُلهَا حَيْثُ وَجَدْتهَا

{36} فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ . فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 639 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ } قَالَ : هُوَ قَوْله : { الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض فِرَاشًا } 2 22 640 - وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ } قَالَ : هُوَ قَوْله : { جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض قَرَارًا } 40 64 وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَكُمْ فِي الْأَرْض قَرَار فِي الْقُبُور . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 641 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ } يَعْنِي الْقُبُور . 642 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ إسْمَاعِيل السُّدِّيّ , قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ ابْن عَبَّاس قَالَ : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ } قَالَ : الْقُبُور 643 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ } قَالَ : مَقَامهمْ فِيهَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْمُسْتَقَرّ فِي كَلَام الْعَرَب هُوَ مَوْضِع الِاسْتِقْرَار . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَحَيْثُ كَانَ مِنْ فِي الْأَرْض مَوْجُودًا حَالًا , فَذَلِكَ الْمَكَان مِنْ الْأَرْض مُسْتَقَرّه . إنَّمَا عَنَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : أَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرًّا وَمَنْزِلًا بِأَمَاكِنِهِمْ وَمُسْتَقَرّهمْ مِنْ الْجَنَّة وَالسَّمَاء , وَكَذَلِكَ قَوْله { وَمَتَاع } يَعْنِي بِهِ أَنَّ لَهُمْ فِيهَا مَتَاعًا بِمَتَاعِهِمْ فِي الْجَنَّة .

{36} فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَتَاع إلَى حِين } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضهمْ : وَلَكُمْ فِيهَا بَلَاغ إلَى الْمَوْت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 644 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { وَمَتَاع إلَى حِين } قَالَ يَقُول : بَلَاغ إلَى الْمَوْت . 645 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ إسْمَاعِيل السُّدِّيّ , قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ ابْن عَبَّاس : { وَمَتَاع إلَى حِين } قَالَ : الْحَيَاة . وَقَالَ آخَرُونَ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَمَتَاع إلَى حِين } إلَى قِيَام السَّاعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 646 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد : { وَمَتَاع إلَى حِين } قَالَ : إلَى يَوْم الْقِيَامَة إلَى انْقِطَاع الدُّنْيَا . وَقَالَ آخَرُونَ إلَى حِين , قَالَ : إلَى أَجَل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 647 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَمَتَاع إلَى حِين } قَالَ : إلَى أَجَل . وَالْمَتَاع فِي كَلَام الْعَرَب : كُلّ مَا اسْتَمْتَعَ بِهِ مِنْ شَيْء مِنْ مَعَاش اسْتَمْتَعَ بِهِ أَوْ رِيَاش أَوْ زِينَة أَوْ لَذَّة أَوْ غَيْر ذَلِكَ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ جَعَلَ حَيَاة كُلّ حَيّ مَتَاعًا لَهُ يَسْتَمْتِع بِهَا أَيَّام حَيَاته , وَجَعَلَ الْأَرْض لِلْإِنْسَانِ مَتَاعًا أَيَّام حَيَاته بِقَرَارِهِ عَلَيْهَا , وَاغْتِذَائِهِ بِمَا أَخَرَجَ اللَّه مِنْهَا مِنْ الْأَقْوَات وَالثِّمَار , وَالْتِذَاذه بِمَا خَلَقَ فِيهَا مِنْ الْمَلَاذ وَجَعَلَهَا مِنْ بَعْد وَفَاته لِجُثَّتِهِ كِفَاتًا , وَلِجِسْمِهِ مَنْزِلًا وَقَرَارًا , وَكَانَ اسْم الْمَتَاع يَشْمَل جَمِيع ذَلِكَ ; كَانَ أَوْلَى التَّأْوِيلَات بِالْآيَةِ , إذْ لَمْ يَكُنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَضَعَ دَلَالَة دَالَّة عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ بِقَوْلِهِ : { وَمَتَاع إلَى حِين } بَعْضًا دُون بَعْض , وَخَاصًّا دُون عَامّ فِي عَقْل وَلَا خَبَر ; أَنْ يَكُون ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْعَام , وَأَنْ يَكُون الْخَبَر أَيْضًا كَذَلِكَ إلَى وَقْت يَطُول اسْتِمْتَاع بَنِي آدَم وَبَنِي إبْلِيس بِهَا , وَذَلِكَ إلَى أَنْ تُبَدَّل الْأَرْض غَيْر الْأَرْض . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَات بِالْآيَةِ لَمَّا وَصَفْنَا , فَالْوَاجِب إذَا أَنْ يَكُون تَأْوِيل الْآيَة : وَلَكِنْ فِي الْأَرْض مَنَازِل وَمَسَاكِن , تَسْتَقِرُّونَ فِيهَا اسْتِقْرَاركُمْ كَانَ فِي السَّمَوَات , وَفِي الْجَنَّات فِي مَنَازِلكُمْ مِنْهَا , وَاسْتِمْتَاع مِنْكُمْ بِهَا وَبِمَا أَخَرَجْت لَكُمْ مِنْهَا , وَبِمَا جَعَلْت لَكُمْ فِيهَا مِنْ الْمَعَاش وَالرِّيَاش وَالزِّيَن وَالْمَلَاذّ , وَبِمَا أَعْطَيْتُكُمْ عَلَى ظَهْرهَا أَيَّام حَيَاتكُمْ وَمِنْ بَعْد وَفَاتكُمْ لِأَرْمَاسِكُمْ وَأَجْدَاثكُمْ , تُدْفَنُونَ فِيهَا وَتَبْلُغُونَ بِاسْتِمْتَاعِكُمْ بِهَا إلَى أَنْ أَبْدَلَكُمْ بِهَا غَيْرهَا .

{37} فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { فَتَلَقَّى آدَم } فَقِيلَ إنَّهُ أَخَذَ وَقَبِلَ , وَأَصْله التَّفَعُّل مِنْ اللِّقَاء كَمَا يَتَلَقَّى الرَّجُل الرَّجُل يَسْتَقْبِلهُ عِنْد قُدُومه مِنْ غَيْبَة أَوْ سَفَر , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { فَتَلَقَّى } كَأَنَّهُ اسْتَقْبَلَهُ فَتَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ , حِين أَوْحَى إلَيْهِ , أَوْ أَخْبَرَ بِهِ . فَمَعْنَى ذَلِكَ إذًا : فَلَقَّى اللَّه آدَم كَلِمَات تَوْبَة فَتَلَقَّاهَا آدَم مِنْ رَبّه وَأَخَذَهَا عَنْهُ تَائِبًا فَتَابَ اللَّه عَلَيْهِ بِقِيلِهِ إيَّاهَا وَقَبُوله إيَّاهَا مِنْ رَبّه . كَمَا : 648 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } الْآيَة , قَالَ : لَقَّاهُمَا هَذِهِ الْآيَة : { رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ } 7 23 وَقَدْ قَرَأَ بَعْضهمْ : " فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات " فَجَعَلَ الْكَلِمَات هِيَ الْمُتَلَقِّيَة آدَم . وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ وُجْهَة الْعَرَبِيَّة جَائِزًا إذْ كَانَ كُلّ مَا تَلَقَّاهُ الرَّجُل فَهُوَ لَهُ مُتَلَقٍّ وَمَا لَقِيَهُ فَقَدْ لَقِيَهُ , فَصَارَ لِلْمُتَكَلِّمِ أَنْ يُوَجِّه الْفِعْل إلَى أَيّهمَا شَاءَ وَيَخْرُج مِنْ الْفِعْل أَيّهمَا أَحَبَّ , فَغَيْر جَائِز عِنْدِي فِي الْقِرَاءَة إلَّا رَفَعَ " آدَم " عَلَى أَنَّهُ الْمُتَلَقِّي الْكَلِمَات لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء وَأَهْل التَّأْوِيل مِنْ عُلَمَاء السَّلَف وَالْخَلَف عَلَى تَوْجِيه التَّلَقِّي إلَى آدَم دُون الْكَلِمَات , وَغَيْر جَائِز الِاعْتِرَاض عَلَيْهَا فِيمَا كَانَتْ عَلَيْهِ مُجْمِعَة بِقَوْلِ مَنْ يَجُوز عَلَيْهِ السَّهْو وَالْخَطَأ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي أَعْيَانِ الْكَلِمَات الَّتِي تَلَقَّاهَا آدَم مِنْ رَبّه , فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 649 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن عَطِيَّة , عَنْ قَيْس , عَنْ ابْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبّه كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ } قَالَ : أَيْ رَبّ ! أَلَمْ تَخْلُقنِي بِيَدِك ؟ قَالَ : بَلَى , قَالَ : أَيْ رَبّ ! أَلَمْ تَنْفُخ فِيَّ مِنْ رُوحك ؟ قَالَ : بَلَى , قَالَ : أَيْ رَبّ ! أَلَمْ تُسْكِنِّي جَنَّتك ؟ قَالَ : بَلَى , قَالَ : أَيْ رَبّ ! أَلَمْ تَسْبِق رَحْمَتك غَضَبك ؟ قَالَ : بَلَى , قَالَ : أَرَأَيْت إنْ أَنَا تُبْت وَأَصْلَحْت أَرَاجِعِيَّ أَنْتَ إلَى الْجَنَّة ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَهُوَ قَوْله : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } وَحَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِم , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُصْعَب , عَنْ قَيْس بْن الرَّبِيع , عَنْ عَاصِم بْن كُلَيْب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس نَحْوه . 650 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ } قَالَ : إنَّ آدَم قَالَ لِرَبِّهِ إذْ عَصَاهُ رَبّ أَرَأَيْت إنْ أَنَا تُبْت وَأَصْلَحْت ؟ فَقَالَ لَهُ رَبّه : إنِّي رَاجِعك إلَى الْجَنَّة . 651 - وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } ذَكَرَ لَنَا أَنَّهُ قَالَ : يَا رَبّ أَرَأَيْت إنْ أَنَا تُبْت وَأَصْلَحْت ؟ قَالَ : إنِّي إذَا رَاجِعك إلَى الْجَنَّة . قَالَ : وَقَالَ الْحَسَن إنَّهُمَا قَالَا : { رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ } 7 23 652 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر عَنْ الرَّبِيع . عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } قَالَ : إنَّ آدَم لَمَّا أَصَابَ الْخَطِيئَة , قَالَ : يَا رَبّ أَرَأَيْت إنْ تُبْت وَأَصْلَحْت ؟ فَقَالَ اللَّه : إذًا أُرَجِّعك إلَى الْجَنَّة فَهِيَ مِنْ الْكَلِمَات . وَمِنْ الْكَلِمَات أَيْضًا : { رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ } 7 23 653 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } قَالَ : رَبّ أَلَمْ تَخْلُقنِي بِيَدِك ؟ قِيلَ لَهُ : بَلَى , قَالَ : وَنَفَخْت فِيَّ مِنْ رُوحك ؟ قِيلَ لَهُ : بَلَى , قَالَ : وَسَبَقَتْ رَحْمَتك غَضَبك ؟ قِيلَ لَهُ : بَلَى , قَالَ : رَبّ هَلْ كُنْت كَتَبْت هَذَا عَلَيَّ ؟ قِيلَ لَهُ : نَعَمْ , قَالَ : رَبّ إنْ تُبْت وَأَصْلَحْت هَلْ أَنْتَ رَاجِعِي إلَى الْجَنَّة ؟ قِيلَ لَهُ : نَعَمْ . قَالَ اللَّه تَعَالَى : { ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبّه فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى } 20 122 وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 654 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رَفِيع , قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عُبَيْد بْن عُمَيْر , يَقُول : قَالَ آدَم : يَا رَبّ خَطِيئَتِي الَّتِي أَخْطَأْتهَا أَشَيْء كَتَبْته عَلَيَّ قَبْل أَنْ تَخْلُقنِي , أَوْ شَيْء ابْتَدَعْته مِنْ قِبَل نَفْسِي ؟ قَالَ : بَلَى شَيْء كَتَبْته عَلَيْك قَبْل أَنْ أَخْلُقك . قَالَ : فَكَمَا كَتَبْته عَلَيَّ فَاغْفِرْهُ لِي ! قَالَ : فَهُوَ قَوْل اللَّه : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } وَحَدَّثَنَا ابْن سِنَّانِ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُؤَمَّل , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رَفِيع , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عُبَيْد بْن عُمَيْر بِمِثْلِهِ . وَحَدَّثَنَا ابْن سِنَان , قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيع بْن الْجَرَّاح , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رَفِيع , عَمَّنْ سَمِعَ عُبَيْد بْن عُمَيْر يَقُول : قَالَ آدَم , فَذَكَرَ نَحْوه . وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رَفِيع , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَيْر بِنَحْوِهِ . وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ عَبْد الْعَزِيز , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر بِمِثْلِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 655 - حَدَّثَنِي بِهِ أَحْمَد بْن عُثْمَان بْن حَكِيم الْأَوْدِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن شَرِيك , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنَا حُصَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ حُمَيْد بْن نَبْهَان , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة أَنَّهُ قَالَ : قَوْله : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ } قَالَ آدَم : اللَّهُمَّ لَا إلَه إلَّا أَنْتَ سُبْحَانك وَبِحَمْدِك , أَسَتَغْفِرُك وَأَتُوب إلَيْك , تُبْ عَلَيَّ إنَّك أَنْتَ التَّوَّاب الرَّحِيم . 656 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّان , قَالَ : أَنْبَأَنَا أَبُو زُهَيْر , وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان وَقَيْس جَمِيعًا عَنْ خَصِيف , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } قَالَ قَوْله : { رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمنَا } حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا . 657 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنِي شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , كَانَ يَقُول فِي قَوْل اللَّه : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } الْكَلِمَات : اللَّهُمَّ لَا إلَه إلَّا أَنْتَ سُبْحَانك وَبِحَمْدِك , رَبِّي إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إنَّك خَيْر الْغَافِرِينَ . اللَّهُمَّ لَا إلَه إلَّا أَنْتَ سُبْحَانك وَبِحَمْدِك , رَبِّي إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي فَارْحَمْنِي إنَّك خَيْر الرَّاحِمِينَ . اللَّهُمَّ لَا إلَه إلَّا أَنْتَ سُبْحَانك وَبِحَمْدِك , رَبّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي فَتُبْ عَلَيَّ إنَّك أَنْتَ التَّوَّاب الرَّحِيم . وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي , عَنْ النَّضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ مُجَاهِد : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } قَالَ : هُوَ قَوْله : { رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمنَا } 7 23 الْآيَة . 658 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } قَالَ : أَيْ رَبّ أَتَتُوبُ عَلَيَّ إنْ تُبْت ؟ قَالَ : نَعَمْ ! فَتَابَ آدَم , فَتَابَ عَلَيْهِ رَبّه . 659 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } قَالَ : هُوَ قَوْله : { رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ } 7 23 660 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : هُوَ قَوْله : { رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ } . 7 23 وَهَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي حَكَيْنَاهَا عَمَّنْ حَكَيْنَاهَا عَنْهُ وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَة الْأَلْفَاظ , فَإِنَّ مَعَانِيهَا مُتَّفِقَة فِي أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَقَّى آدَم كَلِمَات , فَتَلَقَّاهُنَّ آدَم مِنْ رَبّه فَقَبَلهنَّ وَعَمَل بِهِنَّ وَتَابَ بِقِيلِهِ إيَّاهُنَّ وَعَمَله بِهِنَّ إلَى اللَّه مِنْ خَطِيئَته , مُعْتَرِفًا بِذَنْبِهِ , مُتَنَصِّلًا إلَى رَبّه مِنْ خَطِيئَته , نَادِمًا عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ مِنْ خِلَاف أَمْره . فَتَابَ اللَّه عَلَيْهِ بِقَبُولِهِ الْكَلِمَات الَّتِي تَلَقَّاهُنَّ مِنْهُ وَنَدِمَهُ عَلَى سَالِف الذَّنْب مِنْهُ . وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَيْهِ كِتَاب اللَّه أَنَّ الْكَلِمَات الَّتِي تَلَقَّاهُنَّ آدَم مِنْ رَبّه هُنَّ الْكَلِمَات الَّتِي أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَهَا مُتَنَصِّلًا بِقِيلِهَا إلَى رَبّه مُعْتَرِفًا بِذَنْبِهِ , وَهُوَ قَوْله : { رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ } 7 23 وَلَيْسَ مَا قَالَهُ مَنْ خَالَفَ قَوْلنَا هَذَا مِنْ الْأَقْوَال الَّتِي حَكَيْنَاهَا بِمَدْفُوعِ قَوْله , وَلَكِنَّهُ قَوْل لَا شَاهِد عَلَيْهِ مِنْ حُجَّة يَجِب التَّسْلِيم لَهَا فَيَجُوز لَنَا إضَافَته إلَى آدَم , وَأَنَّهُ مِمَّا تَلَقَّاهُ مِنْ رَبّه عِنْد إنَابَته إلَيْهِ مِنْ ذَنْبه . وَهَذَا الْخَبَر الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه عَنْ آدَم مِنْ قِيله الَّذِي لَقَّاهُ إيَّاهُ فَقَالَهُ تَائِبًا إلَيْهِ مِنْ خَطِيئَته , تَعْرِيف مِنْهُ جَلَّ ذِكْره جَمِيع الْمُخَاطَبِينَ بِكِتَابِهِ
كَيْفِيَّة التَّوْبَة إلَيْهِ مِنْ الذُّنُوب , وَتَنْبِيه لِلْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ } 2 28 عَلَى مَوْضِع التَّوْبَة مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ , وَأَنَّ خَلَاصهمْ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ الضَّلَالَة نَظِير خَلَاص أَبِيهِمْ آدَم مِنْ خَطِيئَته مَعَ تَذْكِيره إيَّاهُمْ مِنْ السَّالِف إلَيْهِمْ مِنْ النِّعَم الَّتِي خَصَّ بِهَا أَبَاهُمْ آدَم وَغَيْره مِنْ آبَائِهِمْ .

{37} فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَتَابَ عَلَيْهِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَوْله : { فَتَابَ عَلَيْهِ } يَعْنِي عَلَى آدَم , وَالْهَاء الَّتِي فِي " عَلَيْهِ " عَائِدَة عَلَى " آدَم " . وَقَوْله : { فَتَابَ عَلَيْهِ } يَعْنِي رِزْقه التَّوْبَة مِنْ خَطِيئَته . وَالتَّوْبَة مَعْنَاهَا الْإِنَابَة إلَى اللَّه وَالْأَوْبَة إلَى طَاعَته مِمَّا يَكْرَه مِنْ مَعْصِيَته

{37} فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّهُ هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم } قَالَ أَبُو جَعْفَر وَتَأْوِيل قَوْله : { إنَّهُ هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم } أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ هُوَ التَّوَّاب عَلَى مَنْ تَابَ إلَيْهِ مِنْ عِبَاده الْمُذْنِبِينَ مِنْ ذُنُوبه التَّارِك مُجَازَاته بِإِنَابَتِهِ إلَى طَاعَته بَعْد مَعْصِيَته بِمَا سَلَفَ مِنْ ذَنْبه . وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَعْنَى التَّوْبَة مِنْ الْعَبْد إلَى رَبّه : إنَابَته إلَى طَاعَته , وَأَوْبَته إلَى مَا يُرْضِيه بِتَرْكِهِ مَا يُسْخِطهُ مِنْ الْأُمُور الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا مُقِيمًا مِمَّا يَكْرَههُ رَبّه , فَكَذَلِكَ تَوْبَة اللَّه عَلَى عَبْده هُوَ أَنْ يَرْزُقهُ ذَلِكَ , وَيَتُوب مِنْ غَضَبه عَلَيْهِ إلَى الرِّضَا عَنْهُ , وَمِنْ الْعُقُوبَة إلَى الْعَفْو وَالصَّفْح عَنْهُ . وَأَمَّا قَوْله : { الرَّحِيم } فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ الْمُتَفَضِّل عَلَيْهِ مَعَ التَّوْبَة بِالرَّحْمَةِ , وَرَحْمَته إيَّاهُ إقَالَة عَثْرَته وَصَفْحه عَنْ عُقُوبَة جُرْمه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.