خلافة آدم من البراهين المهمة كذلك علي أنه لم يخلق من الطين مباشرة أو ابتداء لقول الحق: «إني جاعل في الأرض خليفة»، وقد بيننا فيما سبق أن آدم محال أن يكون خليفة الله في الأرض، لأن الخليفة استخلف في مكان أو أمر من كان قبله، فهو مأخوذ من أنه خلف غيره وقام مقامه، والخليفة لا يصبح خليفة لمن ليس من جنسه كالله أو الملائكة أو الجن أو غيرهم، فالخليفة ليس خليفة إلا لمن هو من بني جنسه حتي ولو تم بعض التعديل والتغيير عليه فلابد أن يكون من أصل المخلوف ومن نفس جنسه، فلا يصلح أن يخلف الإنسان الملائكة، ولا تصلح الملائكة في خلافة الإنسان، ولا يصلح أن يخلف الإنسان الجن، ولا تصلح الجن في خلافة الإنسان. ونجد البرهان علي ذلك في قوله تعالي: «ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون» «الزخرف: 60»، لاحظ قوله: «منكم ملائكة» أي من جنسكم ملائكة فقوله: «ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة» أي لو نشاء لجعلنا «منكم» من نفس جنسكم ملائكة في الأرض يخلفون، لأنه لا يصلح أن يخلفكم ملائكة من جنس غير جنسكم فلو جعلنا ملائكة يخلفونكم سيكونون منكم كما جاء في الآية: «لجعلنا منكم ملائكة»، ومثلا علي ذلك رد الحق سبحانه علي أهل مكة حين طلبوا من الرسول أن ينزل الله عليهم ملكا خلفا لمحمد فأجابهم الله: «ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلا» «9 - الأنعام» أي لو أنزلنا عليكم ملكا خلفا لمحمد كما طلبتم لجعلناه رجلا منكم لأنه لا يمكنكم أن تروا الملك أو تتعاملوا معه وهو في جنسه الملائكي، فلابد من جعله رجلا مثلكم، وفي هذا دلالة واضحة علي أن آدم كان خليفة لمخلوقات من نفس جنسه وليس خليفة لجنس من غير جنسه، فالخليفة لا يصلح أن يكون خليفة إلا لبني جنسه وحسب. ومن ثم فآدم لم يخلقه الله هكذا من عدم، ولم يبدأ خلقه من طين كما يظن معظم الناس، إنما آدم انحدر من سلالة حيوانية كانت موجودة بالفعل في الأرض وقبل انقراضها أراد الله أن يصطفي منها آدم وزوجه فقام بتطويرهما إلي الطور الذي عليه الإنسان بصورته وتكوينه الحالي. ويبدو أن آباء آدم الأولين كانوا يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء مما جعل الملائكة يقولون: «أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء» وذلك لعلم الملائكة بأحوال سلف آدم الأولين وما كانوا يفعلون في الأرض، وليس كما يقول المفسرون ومن سار علي دربهم أن الله أعلم الملائكة بما سيصنع آدم وأولاده فقالوا ما قالوا. نقول: كلام المفسرين يناقض ما جاء في رد الله علي الملائكة ونفيه علمهم بشيء مما سيحدث وذلك حين رد عليهم بقوله: «إني أعلم ما لا تعلمون»، فكيف ينفي الله عنهم العلم بما سيحدث ثم يقول المفسرون إن الله أعلمهم بما سيحدث، أليس في هذا تناقض واضح؟. وكذلك قول المفسرين إن الجن كانوا في الأرض من قبل آدم وكانوا يفسدون فيها ويسفكون الدماء، وهذا قول لا برهان عليه إن هو إلا ظن والظن لا يغني من الحق شيئا.