يبدو المشهد الآن بعد مرور عام على انتفاضة 25 يناير، أنها نجحت فى الإطاحة برمز النظام، الذى يمثل قشرته الخارجية، دون النجاح فى الغوص إلى ركائز وأعمدة النظام، وهنا لا ينبغى أن نسقط فى أحبولة التكرار الممقوت، لأحاجى متعددة من قبيل افتقاد الثورة إلى قيادة، وتشرذم القوى السياسية فلا يسعنا إلا أن نرفع القبعة للمجلس العسكرى الذى أدار هذه المرحلة بدهاء شديد وبإستراتيجية ثابتة تتعدى الحفاظ على مؤسسات الدولة إلى الحفاظ على النظام القائم، ولا غرو فى ذلك، فأى مؤسسة عسكرية عبر التاريخ تعتبر إحد دعائم النظام الذى تعمل فى ظلاله و لا تميل بطبيعتها بفضل التربىة العسكرية الممنهجة إلى التغيرات الجذرية. ويبدو هذا جليأ عند قراءة التغيرات التى تحدث وإيقاعها لندرك جيداً أن المرحلة الانتقالية، أدارها "مايسترو" ماهر، ليحفظ للنظام القائم استقراره، سواء على المستوى الواسع macro، أو المستوى الضيق microويمكن التأكد من ذلك بتحليل مختلف التغييرات التى تتم على مستوى الاشخاص أو السياسات، ومن هنا كان الحرص على تسليم البلاد سريعًا إلى فصيل سياسى ينتمى إلى المنظومة المجتمعية لنظام يوليو بشكل أو بأخر، حيث تفاعلا معا و لعبا معا و أفاد كلاهما الأخر بشكل ما وإن كان هذا الطرح المبنى على رؤى علمية لخطاب التيار الدينى على المستوى السياسى والاجتماعى طوال فترة حكم مبارك الذى يشير إلى التأكيد على الإصلاح السياسى، كمطلب للأحزاب القائمة كافة، للحصول على نصيبها من الكعكة السياسية، الذى كان الهدف والغاية، ولا سيما فى حالة التيارات الدينية المطرودة من جنة النظام إذ أن الثابت علميًا، أن البرامج التى طرحها الحزب سواء فى انتخابات 1987،1990 خلت، وان شئنا الدقة، تراجع فيها البعد الاجتماعى الذى يهدد دعائم النظام المحتكر للسلطة ورأس المال. ولا يجوز الرد على ذلك بالتصريحات الأخيرة للسيد محمد غزلان بأن اعتقال رموز الجماعة ونفيهم فى غياهب السجون لعقود، لدليل على أن الجماعة كانت ضد النظام المجتمعى بتوجهاته الاجتماعية والاقتصادية، لأن تحليل الشرائح الاجتماعية لرموز جماعة الأخوان، يؤكد ما سبق ذكره عن توجهها الاقتصادى والاجتماعى، والذى لايختلف كثيراً عن توجهات نظام مبارك الاقتصادى والاجتماعى إلا أن خطورته هى المرجعية الدينية، التى ستكسبه قداسة زائفة، فى دين أعظم ما فيه أنه لا يعرف الوساطة بين الرب وعبده، وأنه كما قال الثائر الإسلامى الأعظم سيدنا على ابن أبى طالب "القرآن حمال أوجه"، وهى مصالح نظام تتفق فى مجملها مع مصالح استعمارية اكتسبت الطابع العالمى، بفعل آلة إعلامية ضخمة ومهيمنة. أى أن المحصلة النهائية للتغيير هى تغيير مقصود وممنهج بل ومشروط، ولا أدل على ذلك من الحرص والإصرار على "وثيقة السلمى"، التى ترسم وتحدد لحائزى كعكة مجلسى الشعب والشورى ملامح الددستور الجديد. والحديث، همساً، الآن عن إعادة هيكلة المجلس الأعلى للصحافة، واستبداله بمجلس آخر على غرار إلغاء "أمن الدولة"، واستبداله بالأمن الوطنى بحيث يضمن أن الأبواق الإعلامية للنظام، ممثلاً فى المؤسسات الصحفية القومية لاتسلم إلى التيار الدينى، وأخيراً سيخرج لنا الحاوى أخر كروته بتعديل قوانين انتخاب رئاسة الجمهورية الواجبة التعديل، بالطبع، وتأتى بما يضمن الرئيس "البدلة" وهو نمط ننفرد به بين دول العالم. والآن أبشر فقد صارت لدينا دولة حديثة، مدنية، لها رئيس ومجلس شعب منتخبين وشعب يعانى الفقر والجهل و التخلف. "عود على بدء، لايحضرنى هنا أبلغ من تعليق سائق التاكسى "يا بيه الثورة دى ناس معاها فلوس ضد ناس معاها فلوس، واحنا لينا رب كريم ". وأخيراً من مبارك للشيخ مبارك.. ياقلب لاتحزن، والفاتحة لشهدائنا الأبرار.