«التنظيم والإدارة» يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل    محافظ مطروح يتفقد أعمال تطوير وتوسعة طريق شاطئ الغرام    تعرف على طقس غسل الأرجل في أسبوع الألم    محللون: شهادات ال30% وزيادة العائد على أذون الخزانة تسحبان السيولة من البورصة بعد استقرار الدولار    ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا    دوافع الولايات المتحدة لإنشاء ميناء غزة المؤقت    الولايات المتحدة تعلن فرض عقوبات جديدة على روسيا    دون راحة.. الأهلي يستعد لمواجهة الجونة    ضربة مزدوجة للزمالك أمام البنك الأهلي في الدوري    تحرير 14 محضرا تموينيا متنوعا في شمال سيناء    مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة الباجورية بالمنوفية    معرض أبو ظبي.. نورا ناجي: نتعلم التجديد في السرد والتلاعب بالتقنيات من أدب نجيب محفوظ    خالد الجندي: الله أثنى على العمال واشترط العمل لدخول الجنة    «أكثر لاعب أناني».. مدرب ليفربول السابق يهاجم محمد صلاح    مصر للمقاصة تفوز بجائزة أفضل شركة للمقاصة في الوطن العربي    كوريا الجنوبية ترفع حالة التأهب القصوى في السفارات.. هجوم محتمل من جارتها الشمالية    6 مصابين جراء مشاجرة عنيفة على ري أرض زراعية بسوهاج    مواعيد قطارات مطروح وفق جداول التشغيل.. الروسي المكيف    حزب مصر أكتوبر: تأسيس تحالف اتحاد القبائل العربية يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في سيناء    أحمد السقا عن مشهد الرمال بفيلم السرب لفاطمة مصطفى: كنت تحت الأرض 4 ساعات    ارسم حلمك ب«الكارتون».. عروض وورش مجانية للأطفال برعاية «نادي سينما الطفل»    عاجل| الحكومة تزف بشرى سارة للمصريين بشأن أسعار السلع    ندوة توعوية بمستشفى العجمي ضمن الحملة القومية لأمراض القلب    "بسبب الصرف الصحي".. غلق شارع 79 عند تقاطعه مع شارعي 9 و10 بالمعادى    «مايلستون» تنطلق بأول مشروعاتها في السوق المصري باستثمارات 6 مليارات جنيه    تراجع مشاهد التدخين والمخدرات بدراما رمضان    بينها إجازة عيد العمال 2024 وشم النسيم.. قائمة الإجازات الرسمية لشهر مايو    وزيرة البيئة تنعى رئيس لجنة الطاقة والبيئة والقوى العاملة بمجلس الشيوخ    برلماني سوري: بلادنا فقدت الكثير من مواردها وهي بحاجة لدعم المنظمات الدولية    رسائل تهنئة عيد القيامة المجيد 2024 للأحباب والأصدقاء    النجمة آمال ماهر في حفل فني كبير "غدًا" من مدينة جدة على "MBC مصر"    الفائزون بجائزة الشيخ زايد للكتاب يهدون الجمهور بعض من إبداعاتهم الأدبية    توقعات برج الميزان في مايو 2024: يجيد العمل تحت ضغط ويحصل على ترقية    استشهاد رئيس قسم العظام ب«مجمع الشفاء» جراء التعذيب في سجون الاحتلال    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية في الطور    ما هو حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام وكيفية القراءة؟    تجديد حبس عنصر إجرامي بحوزته 30 قنبلة يدوية بأسوان 15 يوما    الخطيب يُطالب خالد بيبو بتغليظ عقوبة أفشة    لحظة انهيار سقف مسجد بالسعودية بسبب الأمطار الغزيرة (فيديو)    الأمم المتحدة: أكثر من 230 ألف شخص تضرروا من فيضانات بوروندي    أذكار بعد الصلاة.. 1500 حسنه في ميزان المسلم بعد كل فريضة    الفندق المسكون يكشف عن أول ألغازه في «البيت بيتي 2»    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    انتبه.. 5 أشخاص لا يجوز إعطاؤهم من زكاة المال| تعرف عليهم    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي الثاني للطب الطبيعي والتأهيلي وعلاج الروماتيزم    فقدت ابنها بسبب لقاح أسترازينيكا.. أم ملكوم تروي تجربتها مع اللقاح    الرعاية الصحية تطلق حملة توعوية حول ضعف عضلة القلب فى 13 محافظة    جرثومة المعدة.. إليك أفضل الطرق الطبيعية والفعالة للعلاج    شراكة استراتيجية بين "كونتكت وأوراكل" لتعزيز نجاح الأعمال وتقديم خدمات متميزة للعملاء    تزايد حالات السكتة الدماغية لدى الشباب.. هذه الأسباب    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    الأهلي يجهز ياسر إبراهيم لتعويض غياب ربيعة أمام الجونة    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    تحديد أول الراحلين عن صفوف برشلونة    كريم بنزيما يغادر إلى ريال مدريد لهذا السبب (تفاصيل)    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاشتراكيون الثوريون بين الحقيقة الفكرية وتهمة إثارة الفوضى
نشر في المشهد يوم 29 - 12 - 2011

علاقة الاشتراكيين الثوريين بالكفر والإلحاد وعدائهم للسلطة والرأسماليين وموقفهم من الفقراء
تداول الشعب المصري في الآونة الأخيرة مصطلحا واسم فصيل سياسي، تم توجيه اتهام شبه رسمي له بأنه المثير الأساسي لحالة الفوضى في مصر، وفقاً للفيديو الذي تم عرضه في المؤتمر الصحفي الذي قاده اللواء عادل عمارة عضو المجلس العسكري، ألا وهو " الاشتراكية الثورية" أو فصيل " الاشتراكيون الثوريون".
كان السؤال الكبير الذي طرحه رجل الشارع المصري هو: من هؤلاء؟ ولأن الاشتراكية مرتبطة في ذهن البسطاء من غالبية الشعب بالكفر والإلحاد، تم التحيز فوراً ضدهم وصدقت الغالبية كل الكلام الذي تم عرضه في القنوات الحكومية والسلفية وحتى جريدة "الحرية والعدالة" التابعة لحزب الإخوان المسلمين، والذي خلط بين جميع الأفكار والمصطلحات المتناقضة، حيث إن الإشتراكيين الثوريين هم الأناركيون الذين يدعون إلى الفوضى والذين يتلقون تمويلهم من المخابرات الأمريكية ال " سي آي إيه"..... أرجو من الفاهمين أن يتوقفوا عن الضحك ويدعوني أحاول في جمل بسيطة تقديم معلومات أبسط عن الاشتراكية في مجملها، ليعرف حقيقتها على الأقل من يعرف القراءة والكتابة ولديه وصلة إنترنت.
الاشتراكية وعبد الناصر
دائماً ما يخلط الناس بين كلمة "يسار" أو " اشتراكية"، وبين الحكم الناصري أو الحكم في دولة الاتحاد السوفيتي المنهارة ودول أوروبا الشرقية، وما يترتب على ذلك من صور قمع الحريات وديكتاتورية الحاكم وتحجيم حرية التملك وإقامة المشروعات وسياسات الحزب الواحد وقمع الحريات الدينية والتي تصل حتى إلى إلغاء الدين نفسه وإغلاق دور العبادة.. لكن الاشتراكية في حقيقتها لا علاقة لها بكل ما سبق من صور سوداوية قميئة، حيث كانت تطبيقات تزعم تبنيها للفكر الاشتراكي، في حين أنها تأخذ واجهة غير حقيقية وظالمة أيضاً للفكرة في أساسها، بدليل أن عبد الناصر – مع احترامي للناصريين - كما حبس وعذب الإخوان المسلمين قام بنفس الشىء مع الاشتراكيين أو اليسار كما اعتدنا أن نسميهم.
وبالنسبة للاشتراكية الثورية، تلك الدول لم تكن اشتراكية إلا في الاسم ولكنها كانت في الواقع شكلاً من أشكال رأسمالية الدولة، بمعنى تحريم الملكية على الأفراد واحتكار الدولة لها وهذا لا يختلف في جوهره عن الحكم الرأسمالي الموجود في الولايات المتحدة الأمريكية أو بعض دول أوروبا، كما أنه مختلف أيضاً عن مبادئ الثورة الروسية التي هزت العالم في 1917، فقد تم قلب المبادئ الاشتراكية رأساً على عقب خلال ثلاثينيات القرن الماضي حين تم تصفية الثورة وتحولت الحرية إلي الاستبداد والمساواة إلي شعار فارغ وحكم الجماهير إلي حكم أقلية في قمة الحزب والدولة.
نفس الشىء ينطبق علي فترة حكم عبد الناصر في مصر، فهناك تناقض كبير بين الشعارات حول التحرر الوطني والتنمية المستقلة وبين سيطرة مجموعة صغيرة من الضباط علي السلطة والثروة.. لكننا لا نستطيع أن ننكر أن هذه الفترة شهدت إصلاحات اجتماعية كثيرة، لكنها لم تكن جذرية أو أصيلة، كما جاء حكم الرئيس أنور السادات لينقلب عليها ويحول مصر إلى سياسة الانفتاح الاقتصادي والسوق الحرة والخصخصة التي أكملها المخلوع حسني مبارك من بعده، فتمت مصادرة أي محاولة لإصلاح مسار التطبيق الناصري لفكرة الاشتراكية.. كما أن سياسة التأميم التي اتبعها عبد الناصر في الستينات لم تنقل الملكية من كبار رجال الأعمال إلي الشعب، بل نقلتها إلي إدارة وسيطرة الضباط أو " الجيش" الذي شكل دولة جديدة تحتكر وتسيطر على كل شيء. كما أن الحديث عن الحرية في ظل امتلاء المعتقلات بالمناضلين، سواء من الإخوان أو من الاشتراكيين هو افتراء على كلمة حرية بمعناها الحقيقي الذي ننشده، وكل هذه التناقضات كانت بالتأكيد سبباً في انهيار التجربة الناصرية مع مأساة الهزيمة في نكسة 1967.
الاشتراكية والإلحاد
العصا السحرية التي استخدمتها الأنظمة على تعاقبها في مصر منذ ثورة 1952 وحتى الآن ضد الفكر الاشتراكي والاشتراكيون أو اليسار يمكننا أن نسميها " إلحاد" أو " كفر"، ذلك الاتهام الجاهز، الذي تستخدمه حكومات بلادنا لتشويه الاشتراكية في عين الشعب حتى تنفره منها، ولكن الواقع هو أنه لا توجد أي علاقة بين الإلحاد والاشتراكية، حيث إن فكرة الاشتراكية الثورية، تهتم فقط بمصالح الفقراء من العمال والفلاحين ومعركة الاشتراكيين الثوريين في الأساس ضد الرأسمالية والاستعمار، أي ضد أصحاب الأملاك الذين يظلمون العمال والفلاحين ولا يعطوهم حقوقهم كي يعيشوا حياة كريمة، وضد تدخلات دول الغرب وأمريكا في شئون بلادنا الداخلية أو التحكم في إدارة بلدنا وعلاقتها بالدول الأخرى، لكنها لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالدين ولا تناقشه أو تتدخل في أموره، لأنها في الأساس نظرية سياسية اقتصادية فقط، تدافع عن حقوق العمال والفلاحين سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين، ملتزمين دينياً أو غير ملتزمين، ولا تتدخل أبداً في المسائل الدينية وعلاقة الناس بربهم، وتؤمن بأنه بإمكان السلفي مثلاً أن يكون اشتراكي لأن السلفية طريقة من الطرق الإسلامية والاشتراكية طريقة من الطرق السياسية والاقتصادية.
ومن الأمثلة المهمة على أن الاشتراكيين الثوريين ساندوا ودعموا كل محاولات مقاومة الاستعمار والظلم، بغض النظر عن الدين، موقفهم من حرب التحرير في فيتنام وأفغانستان بعد ذلك ضد الاستعمار الأمريكي، لكنهم يناضلون ضد اضطهاد الشعوب باسم الدين مثل النظام الحاكم في السعودية أو باكستان أو السودان، فقضيتهم الأساسية ليست حول تدخل الدين في الدولة أو الحركة السياسية، ولكن حول المضمون الطبقي لتلك الدولة أو الحركة وعن أي مصالح طبقية تدافع عنها، هل مصالح العمال والفلاحين والفقراء بشكل عام، أم مصالح أصحاب المال والسلطة؟ وبالتأكيد تدافع الاشتراكية الثورية عن الحرية الكاملة في العقيدة وممارسة الشعائر الدينية، لذلك فهي تناضل ضد كراهية الإسلام واضطهاد المسلمين في أوروبا، كما تناضل من أجل المساواة الكاملة بين المسيحيين والمسلمين في مصر.

الرأسمالية والاستغلال
يعمل المدافعون عن الفكر الرأسمالي دائماً، على إلقاء اللوم على الفقراء بأنهم هم المتسببون في فقرهم وشقائهم، فتجدهم مثلاً يفسرون ذلك بزيادة الإنجاب وارتفاع معدلات نمو السكان، مما يؤدي للقضاء على أي محاولات للتنمية في البلد. وهذا من وجهة نظر الاشتراكية خديعة كبرى، لأنه بالرغم من أن موارد مصر والعالم كله محدودة، فإن التقدم التكنولوجي الكبير الذي يشهده العالم الرأسمالي قد وصل إلى درجة تسمح بتحقيق معدلات نمو اقتصادي تزيد كثيراً عن معدلات النمو السكاني، فإذا فرضنا أن معدل النمو السكاني قد وصل لدينا إلى رقم فلكي هو 3% سنويا، (في الحقيقة معدل النمو السكاني في مصر لم يزد في عام 2005 عن 1.78%)، فإنه إذا تم تحقيق معدل نمو اقتصادي 10% في السنة، وهو معدل تحققه الصين الآن وكانت تحقق أعلى منه في سنوات سابقة، فإن استيعاب الزيادة السكانية وتلبية احتياجات البشر في المأكل والملبس والمسكن، بل تحقيق فائض، يصبح أمراً ممكناً للغاية.
هناك أيضاً تفسير ثاني يروجه الحكام ورجال الأعمال الكبار في العالم، وهو أن الفقراء مسئولون عن فقرهم بسبب كسلهم وعدم رغبتهم في العمل. أما هذا التفسير فهو في الحقيقة أكثر وقاحة من سابقه؛ فكيف يمكن أن نصف بالكسل الطلاب الذين يتركون دراستهم من أجل العمل لمساعدة أسرهم في تحمل أعباء المعيشة، وكيف نصف عمال المصانع الفقراء بالكسل في حين يعمل أغلبهم لمدة 10 أو 12 ساعة في اليوم الواحد. وعلى الجانب الآخر، كيف يمكن أن نصف رجال الأعمال وأبنائهم بالنشاط، في حين أن كل المجهود الذي يبذلونه هو ملء خزائنهم بالأموال وإنفاقها في الرحلات والسهرات وسبل الرفاهية والمتعة المختلفة!.
أما الاشتراكية الثورية فترى أن كل الفظائع لا يتسبب فيها العمال ولا الفقراء، بل أنهم ضحايا الرأسمالية القائمة على النهب والاستغلال، فالنظام الرأسمالي يقوم عامة على قاعدة أساسية، هي أن الدافع وراء النشاط الاقتصادي هو تحقيق الأرباح وتكديسها في خزائن وبنوك الرأسماليين وليس تلبية الاحتياجات الأساسية للبشر. وبما أن المحرك الأساسي للنظام الرأسمالي هو تحقيق الأرباح ومراكمة رأس المال، لذا فالرأسماليون يتسابقون في السوق على تخفيض تكاليف الإنتاج بالجور على حقوق العمال لديهم، وبالتالي فإن ثروة الرأسماليين مصدرها جهد وعرق العمال.
الأمر كله لا يتوقف على درجة "إحسان وطيبة" رجال الأعمال الرأسماليين على العمال الذين يعملون لديهم، لكن بوضع هؤلاء الرأسماليين في المنافسة مع بعضهم محلياً، وعلى المستوى العالمي أيضاً. فإذا عمل أحد الرأسماليين على زيادة أجور عماله أو تحسين الظروف التي يعملون وفقها، لن يجد لديه ما يكفي من الأرباح التي تسمح له بتوسيع استثماراته ومراكمة المزيد من رأس المال لينافس به نظرائه. وإن لم يفعل ذلك سوف يسقط في هذه المنافسة ويلتهمه منافسيه في السوق، كما أن الرأسمالي يستثمر وينتج لأنه يتوقع أرباحاً، وليس لأنه يريد "إسعاد البشرية". ومن ثم لا تكترث الرأسمالية في مصر، على سبيل المثال، ب7 ملايين مواطن يسكنون المقابر وعشش الصفيح، في حين أن المستثمرين الكبار في قطاع العقارات يتكالبون على بناء القرى السياحية والفيلات والقصور والعمارات الفخمة التي تتكلف المليارات بدلاً من بناء مساكن شعبية تأوي هؤلاء.
وفي سياق المنافسة التي لا تنتهي بين الرأسماليين، تتولد الأزمات الاقتصادية التي تنتج عن تكالبهم على الاستثمار في القطاعات الاقتصادية التي ترتفع فيها معدلات الربح، بغض النظر عن مصالح المجتمع الذي يعيشون فيه. تماماً كما ضربنا المثل بالاستثمار في قطاع العقارات. لكن ذلك يؤدي إلى زيادة العرض عن الطلب في مثل تلك القطاعات بشكل كبير، ومن ثم تكدس البضاعة في الأسواق دون أن تجد من يشتريها نتيجة تدني الأجور، ثم إفلاس الرأسماليين وانهيار الاقتصاد بأكمله. وهذا بالضبط ما نطلق عليه "فوضى السوق" حينما تتحكم مصالح حفنة من الأغنياء في توجيه ثروة المجتمع وموارده وقراراته الاقتصادية. وصحيح أنه في كل وحدة إنتاجية (مصنع أو شركة) توجد درجة عالية من التنظيم والتنسيق بين أقسام الإنتاج المختلفة. ففي شركة تويوتا لإنتاج السيارات مثلاً، يوجد تنسيق وتكامل عالي المستوى بين قسم إنتاج الإطارات وقسم إنتاج الهياكل، إلخ، لكن في الوقت نفسه ليست هناك أدنى درجة من التنسيق بين شركة تويوتا وشركة فورد أو بي إم دابليو مثلاً . وهذا ما يؤدي إلى تراكم مئات الآلاف من السيارات المنتجة في السوق دون أن تجد من يشتريها، فيتوقف الإنتاج وتُغلق المصانع ويتم تسريح العمال. وهذه هي الفوضى التي تؤدي بالنظام الرأسمالي العالمي إلى أزمات دورية من فيض الإنتاج ثم الركود والإفلاس. لكن مصر تعد من البلدان المتأخرة اقتصادياً، أي التي لم تصل بعد إلى مستوى تطور اقتصادي تستطيع معه أن تدخل حلبة المنافسة في السوق العالمية. وهذا ما يضاعف المشكلة. فالمشكلة لدينا ليست في الأزمات الدورية والركود الاقتصادي فقط، بل أيضاً في الانخفاض المزمن لمستوى الاقتصاد. هذا بالضبط ما يدفع السلطة والرأسماليين في مصر إلى اتباع سياسات اقتصادية أكثر توحشاً، حيث خصخصة المصانع ومؤسسات الرعاية الاجتماعية، ورفع الدعم على السلع والخدمات، ومضاعفة معدلات الاستغلال. وكل ذلك من أجل تحقيق أكبر قدر من تراكم رأس المال للوصول إلى الأسواق العالمية. وهذا ما يفسر العلاقة الوثيقة التي جمعت بين الديكتاتور مبارك بكبار رجال الأعمال في مصر. فهو الذي سن لهم القوانين التي سهلت لهم النهب والاستغلال، وفي عهده تم توجيه دعماً هائلاً إليهم في نقل البضائع وفي قيمة الضرائب على الأرباح وقيمة الجمارك على نقل المعدات والآلات من الخارج، إلخ. لذا فقد كان مبارك هو الممثل الأفضل لمصالح الرأسماليين في مصر الذي كان يخدم تطلعاتهم في تضخيم أرباحهم واندماجهم في السوق العالمية. ولكن مع سقوط مبارك أصبح الذعر سائداً في صفوفهم حيث يشعرون بقلق بالغ حول مستقبل السلطة في مصر؛ هل ستعمل في خدمة مصالحهم كما كان يفعل مبارك أم لا؟!. أما إذا استقرت السلطة بين يدي من يحافظ على مصالح الرأسمالية المصرية، فستتحول تلك السلطة سريعاً إلى نظام مبارك آخر بنفس جوهر الاستغلال والاستبداد لكن بوجوه جديدة. وهذا بالضبط ما نطلق عليه "إصلاح الرأسمالية"، حيث يتم استبدال نظام ديكتاتوري يقف إلى جانب رجال الأعمال ضد مصالح الفقراء، بنظام أكثر ديمقراطية (أو أقل ديكتاتورية) يقف إلى جانب نفس رجال الأعمال، وقد يمنح الفقراء بعض الفتات من الثروة الاجتماعية التي ينتجونها بأنفسهم، لكن دون القضاء على أسس الاستغلال التي تقوم عليها الرأسمالية.. والتغيير الجذري لمشكلات المجتمع لا يكمن بالتأكيد في إصلاح الرأسمالية، لكن في القضاء عليها بالثورة الاجتماعية وبناء المجتمع الجديد.
الطبقة العاملة هي القائدة
مما سبق يمكن لأي ممعن للنظر سبب الاتهام العلني والصريح الذي وجهه المجلس العسكري في مؤتمره الصحفي إلى الاشتراكيين الثوريين متهماً إياه بسذاجه أنه يدعم الفوضى في مصر، وللأسف ساعدته قوى سياسية مثل الإخوان والسلفيين من خلال وسائل الإعلام التي يملكوها. الاشتراكيون الثوريون يخرجون إلى الشارع ويدعمون الاحتجاجات العمالية والمظاهرات المضادة لسلطات القمع في مصر ممثلة في الشرطة المدنية والعسكرية حتى الآن، لأنهم يؤمنون بأن يجب تحقيق التغيير الجذري في مصر. لا شك أن الثورة هي عيد للفقراء والمقهورين، لكن من بين كل المضطهدين في عالمنا المعاصر، توجد طبقة واحدة لديها القدرة على قيادة معسكر المظلومين إلى النصر وهي الطبقة العاملة.
هناك عاملان رئيسيان يجعلان من الطبقة العاملة قوة اجتماعية قادرة على قيادة الثورة الاجتماعية إلى النصر. الأول هو عملها المباشر على وسائل الإنتاج في المجتمع الرأسمالي - الآلات في المصانع و الفلاح في أرضه الزراعية منتجاً الطعام- مما يمنحها قوة اقتصادية هائلة حيث تتحكم بشكل مباشر في عجلة الإنتاج وتستطيع إيقافها (من خلال الإضراب عن العمل) وتهديد أرباح رجال الأعمال إذا أرادت تغيير مسار الأمور. ولقد استطاعت الطبقة العاملة، من خلال استخدام سلاح الإضراب، أن تنتزع الكثير من الحقوق وأن تفرضها أمراً واقعاً على طبقة رجال الأعمال والسلطة التي تمثلها في مصر. فمنذ إضراب المحلة في ديسمبر 2006، انطلقت الحركة العمالية في موجة احتجاجية عملاقة انتزعوا خلالها ليس فقط بعض الحقوق الاقتصادية، لكن أيضاً حق الإضراب عن العمل والحق في التنظيم النقابي المستقل، كمطالب ديمقراطية مباشرة. وفي الأيام الثلاثة الأخيرة قبل سقوط مبارك، دخل مئات الآلاف من العمال في إضرابات ضخمة شلت قطاعات إنتاجية استراتيجية، وهددت الإنتاج الرأسمالي وسددت الضربة القاضية التي أسقطت مبارك. العامل الثاني في قيادية دور الطبقة العاملة في الثورة الاجتماعية يكمن في طبيعة عملية الإنتاج التي يندمج فيها العمال؛ فهم بطبيعة هذه العملية يشكلون الطبقة الأكثر تنظيماً ووحدة في المجتمع الرأسمالي الحديث، حيث يعملون بالآلاف –وعشرات الآلاف أحياناً- في مصانع ومؤسسات إنتاج ضخمة يتم فيها تقسيم العمل فيما بينهم بشكل منظم ودقيق، ويتعرضون خلالها للاستغلال الرأسمالي بشكل مباشر، ما يجعل لهم ظروف معيشية متقاربة وبالتالي مصالح اقتصادية وسياسية مشتركة.
ولا تضم الطبقة العاملة عمال الصناعة فقط، بل تشمل كل العاملين بأجر والخاضعين لاستغلال وسلطة رأس المال، وهكذا فإن الموظفين وعمال الخدمات والمهنيين من أطباء ومهندسين ومحاسبين، إلخ، هم أيضاً في عداد الطبقة العاملة. وفي جميع الثورات في العالم الرأسمالي المعاصر، لعبت الطبقة العاملة أدواراً جوهرية فيها وحققت انتصارات هامة، وكادت في الكثير من الثورات أن تطيح بالرأسمالية بشكل كامل وأن تبني مجتمعاً جديداً لا يحكمه الرأسماليون أو ممثلوهم، بل مجتمعاً يقرر فيه الكادحون من خلال مجالسهم القاعدية والمنتخبة تقرير مصيرهم وصياغة مستقبلهم. هذا المجتمع يعطي أولوية الإنتاج لا لأرباح الرأسماليين وشركاتهم الكبرى، بل للاحتياجات الجماهيرية المباشرة. ومن أجل تحقيق ذلك، فإن الطبقة العاملة تحتاج وحدة سياسية كي تطرح مطالبها ومصالحها الطبقية وتخترق طريقها نحو بناء المجتمع الجديد.
الثورة ليست نزهة إلى التحرير
إن الاشتراكيين الثوريين يؤمنون بأن الثورة ليست نزهة ولا تنتهي بين يوم وليلة، فهي تبدأ بانتفاضة ضخمة وتكتمل بصراع بين الجماهير من ناحية، وبين الطبقة الحاكمة القديمة التي تقدم التنازلات، لكنها تحاول بإصرار من أجل البقاء والاستمرار والحفاظ على أكبر قدر من امتيازاتها. وإذا عقدنا مقارنة بسيطة بين الطبقة الحاكمة والطبقة العاملة، سنجد بسهولة أن ما يميز الطبقة الحاكمة هو أنها موحدة ومنظمة بدقة شديدة، فجهاز الدولة يمثل عقلاً وجهازاً رفيع المستوى يقوم من خلاله الحكام ورجال الأعمال الكبار بإدارة شئونهم. فالطبقة الحاكمة لديها قوات أمن تدافع عنها وإعلام يتحدث بإسمها علاوة على سيطرتها على رأس المال وتحكمها في توجيه الاقتصاد. أما الانتفاضة العفوية للجماهير فهي تستطيع أن تحقق قدر كبير من المكتسبات، مثلما حدث في مصر حينما استطاعت الانتفاضة إسقاط الديكتاتور مبارك. لكن إسقاط الديكتاتور لا يعني أن النظام القائم قد سقط. وصحيح أن الانتفاضة العفوية تستطيع أن تهز أركان النظام، لكنها لا تستطيع أن تطيح به بشكل كامل. الثورة الاجتماعية هي التي تستطيع فعل ذلك، والانتفاضة ليست إلا بداية لعملية طويلة من الثورة تناضل فيها الجماهير من أجل استكمال الثورة، بينما تعيد الطبقة الحاكمة ترتيب أوراقها من أجل الحفاظ على البقاء. وخلال العملية الثورية تستطيع الطبقة الحاكمة أن تتغلب على قدر عملاق من النضالات العمالية والجماهيرية، طالما أن تلك النضالات ليست موحدة ولا منظمة سواء من حيث درجة الوعي أو الحركة. لذا فالثورة تحتاج إلى عقل وإلى ذاكرة وإلى جهاز تنظيمي يوحد نضالات الجماهير المختلفة في حركة واحدة تضرب ضربتها لنظام وسلطة رجال الأعمال التي تتحكم في كل شيء.

تمت الاستعانة بمركز الدراسات الاشتراكية – مقدمة في الاشتراكية الثورية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.