عملت إلى جوار الزميل يحيى قلاش سنوات جميلة، واقتربت منه بدرجة تسمح لى بمعرفته عن قرب، كان ذلك قبل اثنى عشر عاما، تشاركنا فى اللقمة والهدمة، أقصد أنه كان يراني بمثابة أخ له أو قريب من الدرجة الأولى. وبرغم أنه وقف إلى جانبي ولم يبخل علي بما يسر الله له، فإنه ومع ذلك كان يتحمل معارضتى له سواء فيما يخص النقابة والعمل النقابى او فى قضايا الشأن العام، حيث كنت من جيل ظهر مع معارضة القانون الشهير رقم 93 لسنة 95 وكانت لغتنا فى المعارضة متجاوزة عن السائد والمألوف اذ ان الرؤى بطبيعة الحال تتنوع، فهو من جيل خبر العمل النقابى وعرف ضوابطه، وكان أكثر خلافى معه انه معارض منضبط ملتزم ونحن منفلتون من كل هذه التقاليد النقابية والسياسية، فضلا عن انه كان منضبطا نقابيا كجندى حفظ كل اصول الجندية، وكنت أرى فى هذه الضوابط قيودا لا استسيغها، وكان يبذل جهدا فى شرح واستعراض تاريخ النقابة وكأنه يريد ان يسقينى هذه التاريخ، وكان حريصا على التأكيد بكل سبيل على أن هذه النقابة بمثابة بيتنا جميعا وعلينا ان نحافظ عليه وندافع عنه ليبقى محافظا على شموخه. كان قلاش باختصار يحدثنى عن النقابة كأنها حبيبته التى يخلص لها ايما إخلاص. وكنت أحيانا اشفق عليه، خصوصا حينما اشعر أن همه بالنقابة فاق كل الهموم. وكنت اندهش من حرصه على توثيق كل شيء يخص النقابة كدأب الاستاذ صلاح عيسى فى دقائق النظرة القانونية المتعلقة بالنقابة وحرية الكلمة، وكثيرا ما أحالنى إلى كتابات للاستاذ عيسى، تقلب فى تاريخ الاحكام القضائية التى دعمت وانحازت لحرية الصحافة كنوع من استيعاب تلك المعارك كنقابى "تحت التمرين" وكان هذا الهم المضاف لهم النقابة، مدعاة لأن يتواصل مع نخبة من القضاة ورجالات القانون ويدعوهم فى ورش عمل بالنقابة لشرح واستعراض الجوانب الفنية فى القوانين الخاصة بالنشر. وما أود قوله ان يحيى قلاش ليس نقابيا عاديا وانما هو رجل يحب النقابة والعمل النقابى حد العشق، وبما يمكن ان نصفه ب "النقابى الورع" ان جاز الوصف وهو انسان بامتياز يحمل داخل عقله وقلبه الهموم الكثيرة التى يعانى منها الزملاء سواء كانت داخل مؤسساتهم او خارجها، لذا فإن اختياره نقيبا للصحفيين من وجهة نظرى هو الاختيار الأوفق والأنسب لنقابة عريقة تحتاج لشخصيات من عينة هؤلاء المحبين أمثال صلاح عيسى وحسين عبدالرزاق والمرحوم محمود المراغى وعمنا الراحل كامل زهيرى ومكرم محمد أحمد وجلال عارف وإبراهيم نافع والراحل مجدى مهنا، هؤلاء الذين عاصرتهم وغيرهم بالتأكيد مثلوا شخصيات بارزة فى التاريخ النقابى وكان لهم، ولايزال للأحياء منهم -أمد الله فى أعمارهم جميعا- دور وحضور بارز وفاعل فى مختلف قضايا النقابة وحرية الصحافة. والله اعلم