منذ عدة أيام أثناء ازدحام مرورى على طريق رئيسى اصطدمت سيارة نقل كبيرة ذات المقطورتين بسيارتى الصغيرة وأنا ألف لليسار.كان سائق النقل قد أسرع ليلف بينما لم أكن قد انتهيت بعد فكان من شأن هذه " الترييحة" تحطم الجزء الأيمن من سيارتى. ولست مثل معظم السائقين الذين يجزمون أن كل من حولهم مخطئين إلا هم، إلا أن سائق النقل بالفعل اخطأ، فحجم سيارته المهول من شأنه أن يجعله أكثر حرصاً فى كل خطوة لكن هذا لا يحدث لأن الجيل الحالى من سائقى النقل مثله مثل بقية المهن فى المحروسة قد أصبح درجة عاشرة ولايلتزم لابقيم ولا بقواعد الطريق. حين رأيت جسم سيارتى يتكرمش مثل الورقة تحت ضغط سيارته انتابنى الغضب فبدأت فى الصراخ، فرد علىّ بالسباب وهنا أغلقت زجاج سيارتى ومشيت. لكن إبنتى المراهقة التى كانت بجانبى بدأت تسأل كيف تركته هكذا، وكيف لم آخذه إلى الشرطة وآخذ حقى منه بأى طريقة من الطرق. كانت مندهشة وغاضبة ولاتفهم كيف اتخذتٌ قراراً بمعاودة القيادة بهذه البساطة. ولم يكن القرار بسيطاً أبداً ولا سريعاً. هذه القرار المعقد بأنه من الواجب حماية جهازى العصبى من المواقف التى من شأنها تهشيمه تماماً قد تم اتخاذه بالفعل منذ زمن لم أعد أتذكره. ربما منذ أصبح من السهل أن يمشى الناس بسياراتهم بشكل معاكس ولايبالون وإن أردت ان توقفهم وتوعيهم داسوك أو شتموك او على أقل تقدير رسموا لك بأصابعهم علامات ذات مغزى، ومنذ أصبح من السهل التحرش بالسيدات فى سياراتهن وتخطيهن ونعتهن بالغباء والتخلف أو "كسر" الطريق عليهن، ومنذ باتت أرواح الناس مثل قشر السودانى من الممكن رميه بسهولة على الأرض. " حبيبة ماما، أحيانا الواحد بيحسب نتايج الموقف اللى حيدخله، لو لقاه خسران فى كافة الاحتمالات يبقى الأفضل ما يدخلهوش.السواق ده كنا حنفضل نشتم فى بعض ونوقف الطريق أكتر ومش حآخد اى حق برضه. تفتكرى كان حيقول إنه غلطان؟ ولو قال يعنى تفتكرى حيحط ايده فى جيبه ويطلع لى خمس آلاف جنية اصلح المراية والباب؟!" سكتت البنت على مضض ثم عادت لتسأل عن الشرطة التى كان من الممكن ان تثبت خطأ السائق، لِم لم ألجأ لها؟ وهنا كان من المؤلم أن أواجهها بالحقيقة المٌرة، أن الشرطة فى وضعها الحالى من استنفار دائم لحماية نفسها ومنشآتها وفى علاقتها الغريبة مع المواطنين لن تلتفت لحادث مثل هذا، بل ربما لايصح أن أشغل أذهان من يعملون بها بمثل هذا الأمر! أنا اتحدث عن أخلاق الناس فى كل مكان والتى أصبحت يسودها منطق العشوائية واستمراء السفالة و اتحدث عن استحالة المبادرات الفردية للحل لأنها تٌنهى صحة الفرد النفسية. ورغم اقتناعى بأن قرارى لم يكن متسرعاً إلا أن غصة ما باتت يومها فى حلقى عما تعلمته ابنتى مما حدث. ربما نجنى على الجيل القادم دون أن ندرى. إن تصدينا وحدنا مٌتنا، وإن انسحبنا علمناهم قدراً من السلبية.لكن ماذا تفعل فى حياتنا التى باتت كلها مثل الشارع؟ المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية