الفرح جزء من الطبيعة الإنسانية، ليس سذاجة ولا غفلة ولا موت قلب، بل إحساس إنسانى، يمنح صاحبه تجدّداً وحيويّة واندفاعاً، فينفس عن القلوب المكلومة، ويرقق الأرواح القاسية، ويجبر النفوس المكتئبة. إن سيكولوجيا الهروب من الفرحة فى المخيلةالعربية محيرة، فتربينا على الخوف من الفرح، كبرنا ونحن نحطاطُ من ضحكاتنا، ونُسيئ الظنَ بغدنا، ونطلى المستقبل بتشاؤمنا، نرى فى كلّ فرحٍ مكيدة، وفى كل ضحكة خيبة، وفى كل أمل، قنبلة ستنفجر وتتطاير معها أحلامنا، أضحينا لا نصدق وعود السعادة، فاستسلمنا لمشاعر اليأس والكنود والألم، نصفر فى الظلام، كى نبعد عن أنفسنا مشاعر الخوف لما نتوهمه فى العتمة، حتى وصل بنا الحال ونحن فى قمة سعادتنا، كالجالس ضاحكاً على عرش خساراته!!! ثقافة مليئة بالخوف والقلق من كل شىء، مثقلون بأوهام نصنعها ولا نناقشها، نصطدم بمنطق متشائم أمام كلّ موقف نواجهه، فالمقصّ المفتوح فقر، والدولاب المفتوح بكاء، والمياه فراق، وكنس المنزل صباحا ضياع للرزق، والشبشب المقلوب جلب للنكد، وتطاير قشر الثوم ضيق للصدر، وفتح الشمسية داخل غرف البيوت، فأل شؤم، والضحك من القلب سيعقبه حزن يسكن فى القلب!! أصبحنا منذورين للحزن والهمّ والبشاعة، وأصبحت أيّامنا لا تخلو من الوجع والغضب والتعب، ارتدنا الخوف والتشكيك فى كلّ ما يمكن أن يكون جميلاً أو هادئاً أو باعثاً على الفرح والارتياح. حتى صارت خطبة العيد سردا للآلام، والمصائب والنكبات، وأحزاناً ودموعاً، وما بقى منها فحديث مستفيض عن المحاذير، وقطع للمعاذير! تُرى ما الخصومة المتأصلة بيننا وبين الفرح!!! لماذا نهرب منه؟!!، البعض يلبسها لباسا دينيا، ظانا أن الفرح مناقض للإيمان والتقوى والوقار، والبعض الآخر يرى أن الفرح ينافى الزهد، والهدوء المرتبط بالعبادة!! وما علم هؤلاء وأولئك أن الفرح بحد ذاته عبادة!! إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رغم أن حياته كانت مليئة بالأحداث العظام، والتى لو شاء لوظفها لحزن دائم لا ينفكّ عنه؛ إلا أنه كان أعدل الناس فى فرحه وحزنه، فلا تحين فرصة مواتية يفرح فيها مع مَن حوله إلا انتهزها وفرح بها، حتى لو كان بين أكابر أصحابه وعلى سفر! عزيزى القارئ افرح بما تيسّر، وبدون تحفّظ أو تردّد، فرحاً محفوفاً باستشعار رحمة ربك، وعطائه وفضله وقربه! افرحْ بالأشياء الصغيرة، قبل الكبيرة وعُدّ هذا تمهيداً وتدريباً على الفرحة بالإنجاز العظيم... ولا بد من النظرة المتوازنة للحياة بأفراحها وأحزانها .. ولابد من تعديل الأفكار السلبية والسوداوية المبالغ فيها .. ولابد من البحث عن الفرح، دون إفراط أو تفريط فغالبية البشر يقضون عمرهم وهم يبحثون عن «الفرحة»، ولا ينتبهون أنها بين أيديهم، لكنهم لا يشعرون بقيمتها، إلا حينما يفقدونها، الفرحة هى اللحظة الراهنة، السانحة، بكل ما فيها من تنوع، إن عشنا معناها!!. المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية