هناك مفاهيم جديدة على أداء رجال الشرطة تربّوا عليها فى خلال الثلاثين عاما الأخيرة، فتتطوَر الأداء الأمنى لرجال الشرطة من حماة الشعب والمدافعين عن الحق إلى حماة النظام والمدافعين عن الفساد والمفسدين.. فبطش أجهزة الأمن بالمعارضين من شتى الأطياف والتنكيل بأسرهم وذويهم والاستبداد الوظيفى الذى مارسه رجال الشرطة، وتركهم المجال مفتوحًا للصوص والمفسدين والمجرمين يمرحون فى البلاد كيف ما شاءوا، فى حين التركيز كل التركيز على مراقبة المساجد والتنصت على رموز المعارضة، وعقدهم الصفقات المشينة مع البلطجية والشبيحة للاستعانة بهم فى الانتخابات. قبل 25 يناير 2011 أوسع النظام من صلاحياتهم لدرجة جعلتهم فوق القانون والمساءلة، وجعل الأنف الأمنى مدسوسًا فى كل شئون الحياة اليومية فى مصر، وكلمة الأمن هى الكلمة الفاصلة فى اتخاذ معظم قرارات الشأن المصرى، وذلك فى ظل دعم سياسى غير محدود من "مبارك" الذى شعر بالامتنان من نجاح "حبيب العادلي" وزبانيته فى القضاء على تهديدات المعارضة الإسلامية، والحفاظ على كرسى السلطة بلا خصوم سياسيين، وهذا التوسيع فى الصلاحيات والتكبير فى السلطات كان له تأثير على عقلية الضابط المصرى، وجعله يشعر حقيقة لا ادعاء أنه فوق الجميع، وأنه من أسياد البلد وغيره هم العبيد الذين ليس لهم إلا قطع اليد لو طالت على أسيادهم. كل هذا لم يكن دون مقابل، فالحقيقة كان النظام عادلًا مع هؤلاء الحراس.. حراس السلطة والسلاطين والفساد والمفسدين والاستبداد والمستبدين.. فقد أعطاهم كل الصلاحيات المطلقة كى يستعبدوا المواطنين.. فالضابط المصرى تغيرت عقليته بصورة كبيرة وامتد هذا التغير حتى طال المناهج الدراسية التى تدرس لطلاب كلية الشرطة، وأصبح طالب كلية الشرطة يتعامل مع جيرانه وأصحابه على أنه أعلى وأكبر وأهمّ منهم، حتى أصبح ضابط الشرطة فى العقل الجمعى المصرى رمزًا للطغيان والتكبر والاستعلاء والسلطة المطلقة. بعد 25 يناير 2011 كان كل ضابط شرطة فى نظر الشعب بمثابة "مبارك صغير" فى جبروته وتكبره وسلطاته الواسعة، وتنادى الشعب المصرى بأجندة خاصة مفاداها بأن لا تصاهر ضابطا ولا تجاوره، لأنك حتما ستكتوى بناره، ومن ثم لما قامت ثورة 25 يناير انفجرت براكين الغضب ضد الشرطة، خاصة بعد انتصار الثورة، مما باعد الهوة وعمق الفرقة بين الشعب والشرطة.. فأغلب ضباط الداخلية إن لم يكن جميعهم، شعروا بالمرارة والأسى على رحيل مبارك والعادلى، فكانوا يعلمون جيدا أن معظم الشعب يكرههم وكانوا يتخوفون من انتقام الشعب, وكانوا يرفضون بشدة أى نظام جديد يجعلهم فى خدمة الشعب بعد أن كانوا أسياده، يرفضون نظاما يجعلهم سواسية مع باقى الشعب المصرى.. وكانوا مهيئين تماما لكى يكونوا عصاة "مرسي" يضرب بها معارضوه، فهم كالأسماك المفترسة لا يعيشون إلا فى مياة نظام فاسد تغيير الشخصيات والأسماء شيء هين بسيط، ولكن تغيير الأفكار والعقليات والسلوكيات أمر شديد الصعوبة بل مستحيل مع هؤلاء الذين تنفسوا العظمة والألوهية على المواطنين.. فمن اعتاد أن يكون دائمًا إله لا يمكن أن يقبل بكونه مجرد عبد.. لكن قصر عمر مرسى فى السلطة والهياج الشعبى ضده جعل هؤلاء وكأنهم فى إجازة مفتوحة إلى أن يحدث جديد.. وهو ما حدث فى 30 يونيو 2013. عبد الفتاح السيسى: هيكلة الشرطة تعنى الفوضى تلك هى الفكرة التى يؤمن بها عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية الذى أوسعنا وعودًا بأنه لا عودة لما كان قبل 25 يناير التى قامت بالأساس ضد ممارسات الشرطة وعقيدتها الفاسدة, لكن عندما نتحدث عن مجرد إعادة هيكلة الأفكار والقيادات تجد الرد بأنكم تريدون الفوضى.. فهو يريد الشرطة عصاه وكرباجه الذى يضرب بهم معارضيه, وهذا يعنى وجوب تمتعهم بالامتيازات والصلاحيات والسلطات التى أعطاها لهم حسنى مبارك شريطة حراسته هو ونظامه, وهو ما بات واضحا منذ اليوم الأول لوجود عبد الفتاح السيسى فى قصر الاتحادية. سرعان ما عادت الشرطة إلى وضعها الذى كانت عليه يوم 24 يناير 2011 وبدأت تفرض هيمنتها على المواطنين وليس نهاية بالتعذيب الجماعى فى أقسام الشرطة حتى وصلت إلى قتلهم.. مرورا بجميع الممارسات التى كانت وقت مبارك, وهذا هو المقابل العادل لهم كى يجعلوا من السيسى مبارك جديد. إذا ممارسات الشرطة التى كانت أهم أسباب الثورة عادت كما كانت, بل أصبحت أكثر وحشية مما كانت عليه قبل الثورة, وهذا بسبب الخوف، خوف السيسى من أن يتجرأ أحد عليه, فنظامه لم يرسخ جذوره بعد ليشتد عوده فى مواجهة المعارضين, وخوفه هذا يجعله تحت إمرة حراس نظامه فى كل شيء ويجعله يوافق على كل ممارساتهم من منطلق أنهم يعلمون أن تلك هى أدوات الحماية اللازمة فى مواجهة (أحمد سبع الليل/حسين وهدان) أعداء الوطن فى الداخل كما يصورون له. خوف السيسى هذا نابع من إيمانه بأنه لم يقدم شيئا حقيقيًا للمصريين على المستوى الاقتصادى والاجتماعى والسياسى, وأن ما فعله طوال العام ونصف الماضى ليس سوى مجرد فاترينة لمحل خاوٍ من البضائع.. وهنا فقط لن يكون سوى إرهاب وقمع الناس هو الحل الوحيد للحفاظ على بقاء النظام.. لكنه بقاء وهمى مؤقت مهما طال. المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية