خلصت ندوة مهمة لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة حول تجديد الخطاب الديني الى أن أحد أهم التحديات التي تواجه تجديد الخطاب الديني في العالم العربي هو غموض والأهداف والمدلول خاصة بالنسبة للجماهير غير المسيسة، حيث أضحت القضية وكأنها إرشاد اجتماعي أكثر من كونها ترشيداً دينياً بما يعكس السجال بين الاجتماعي والديني، وهو ما يؤدي ليتسع بذلك النطاق إلى الدعاة ورواد الفضائيات والمنابر المختلفة، والذين تدخلوا في كافة المسائل الحياتية وليس الدينية فقط. ونوهت مناقشات الندوة الى ملاحظات مهمة يجب تجنبها، حتى ندخل في تجديد للخطاب الديني بالشكل الصحيح، حيث بينت أن إشكالية تجديد الخطاب الديني، والتي حالت دون التجديد والتنقية والتطوير، هو وجود خلط شديد بين ما هو ديني وسياسي، لافتا في ذلك الى تجربة التجديد في عهد الرئيس السادات، حينما دخل الإسلاميون الحياة السياسية ووتحولوا من قضايا الدين فقط الى المجتمع، وبالتالي أنتجت السلطة والمعارضة خطاباً دينيا استهدف تحقيق أهدافهم، إلا أنه خطاب دار حول السلطة ذاتها، وليس حول تجديد الفكر، وهو ما أعاق التقدم. ولفتت أعمال الندوة الى خطورة عدم وضوح الفكرة والهدف من الخطاب الديني، الى أن السياق "العشوائي" "هذه الكلمة من عندي" قد يقود الى فوضى، وربما عنف، حيث أن مسار التجديد الديني كان منذ عشرينيات القرن الماضي، وحتى اليوم، موضع سجال وصراع فكري بين التيارات الإسلامية والعلمانية، وانتهى الأمر باغتيال فرج فودة، ومحاولة اغتيال الروائي نجيب محفوظ، وغيرها من الحوادث التي تشير إلى أن العنف طغى على السجالات الفكرية بين التيارات المختلفة، في وقت كانت تغيب فيه الدولة عن مسألة تجديد الخطاب الديني. ومن بين النقاط المهمة التي إنتهت اليها الندوة التي دارت تحت تحت عنوان: "من التجديد إلى الثورة.. إصلاح الخطاب الديني وصلته بالإرهاب"، وأعد ورقة النقاش الرئيسية للحلقة، وكان المتحدث الرئيسي فيها ممدوح الشيخ، الباحث المتخصص في الفكر السياسي الإسلامي، ومدير المركز الدولي للأبحاث والاستشارات والتوثيق، أن الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني يجب أن تكون بمنزلة تحويل للفكر بدءاً من أصول الفقه، مروراً ببقية الفروع الدينية، وذلك قبل أن تصل في شكل رسائل إلى المواطن العادي، سواء في شكل فتاوى أو في شكل ظواهر سياسية واجتماعية معينة. وإنتقدت الندوة إتباع طريقة الوعظ التي تبعها بعض المؤسسات الدينية الرسمية في مسألة تجديد الخطاب الديني، حيث أن هناك فرق بين الخطاب التجديدي والوعظ، لأن صورة رجل الدين لها تأثير عميق على العامة، وذلك في وقت تنتشر فيه ثقافة الكراهية، سواء في الخطاب الثقافي أو الخطاب الدعوي، ولهذا فالتجديد يبدأ من ترك هذا الخطاب الذي يعود لفترة ما قبل نهاية الاستعمار وهو خطاب جماهيري يختلط فيه الإحساس بأن الأمة تقود العالم، وأنها مظلومة من العالم كله، من مبدأ نحن سادة ولكننا مضطهدون. ومن بين مستجدات الخطاب الديني أنه وبعد ظهور "داعش" أصبحت القضية الدينية عابرة لحدود الدولة ليتجاوز نطاق التفاعل "الخارج الجغرافي" بصورة غير مسبوقة، وهو ما بات يستدعي تجديداً جماعياً وليس فردياً للخطاب الديني، ومواجهة الفكر المتطرف بالفكر الوسطي المعتدل، وهي مهمة ليست باليسيرة، لأنها تقتضي أيضاً تضييق الفجوة بين كافة من يعملون على تجديد الخطاب الديني. كما أن قضية تجديد الخطاب الديني تواجه تحدي التطرف والتطرف المضاد، فحتما هناك تصورات من الشرائح الأكثر تطرفاً من العلمانيين، في مقابل خطاب ديني موازٍ متطرف أيضاً من بعض الإسلاميين، وبالتالي فستختلف الأهداف والمخرجات، وهو ما يتوجب التخلص من الصور النمطية التي تسود بين الإسلاميين والعلمانيين ليتجنب المجتمع المسار الثابت الذي لم يطور الخطاب الديني طوال سنوات طويلة. وفي النهاية تنتهي الندوة الى خارطة عمل للوصول الى خطاب ديني فاعل ولعلاج الأزمات، وذلك بالتفرقة الصارمة بين "الإعلام الديني" و"الإفتاء" و"الدعوة"، فهي ما يحدد بشكل واضح "نطاق الخطاب"، والفصل التام بين "الدَعوّيّ" و"السياسي". وتشير نتائج الندوة المهمة الى أن القناعةَ بالحاجة الدائمة للاجتهاد لا تعني أبداً فتح الباب للتعامل باستخفاف وبمنطق دعائي تشنيعي مع قضايا تتم دراستها وفقاً ل"مناهج علمية" منذ قرون، فالتجديد لا يعني أبداً الرد على "تقديس صحيح البخاري" بتدنيسه! و"الشغب الأيديولوجي" في النهاية ليس طريقاً للتجديد. ومن بين الأمور الهامة لمرتكزات التجديد، تدقيق معنى الأحكام الشرعية، من خلال التفريق بين الإطار القانوني والإطار الشرعي، علاوة على اعتماد مبدأ التجريد من قبل علماء الدين، وضرورة العمل على إحياء معيار الفطرة، فهي المقياس وليس الغرائز، عبر خطاب يُحدث الفطرة البشرية، ويعتمد العقل والنقل معاً، مستندا الى ما تمليه الضرورات ومصالح الناس والعباد، مع الانطلاق من بعض المبادئ والأسس الدينية السليمة، حيث أن ما دون القرآن الكريم تم استخدامه لتبرير صراعات مذهبية وسياسية، كما أن النص منتج تاريخي يجب فهمه في ضوء "السياق" لا في ضوء معناه اللغوي فقط.