معايير الأمن والسلامة "بالسلامة" وتضارب فى أعداد المتوفين الأهالى لا يكتفون باستبعاد رئيس النقل النهرى ويطالبون بإقالة "محلب" تشريعات جديدة لتنظيم حركة النهر و6 آلاف مركب مرخص
من لم يمت فى حادثة قطار أو هجرة غير شرعية أو تفجير من الإهارب أو مظاهرة أو من التعذيب فى السجون مات غرقا فى مصر المحروسة نتيجة تقصير المسئولين والإهمال الذى ينتشر فى مصر عرضاً وطولاً. تعددت الكوارث والضحية واحدة، وهو المواطن المصرى،أصبحت عادة ومشهداً متكرراًكل يوم، حيث يستيقظ المصريون على سماع كارثة جديدة وسقوط المزيد من الضحايا، ومع اختلاف أسباب الوفاة إلا أن السبب الرئيسى فى كل هذه الحوادث هو الفساد والإهمال الذى ينخر كالسوس فى عظام الدولة المصرية وعظام مسئوليها منذ عقود. وجاء حادث غرق قارب الوراق الذى راح ضحيته 35 شخصًا -وفق رواية وزارة الصحة حتى كتابة هذه الكلمات-، و40 شخصاً وفق رواية إدارة الحماية المدنية بالجيزة- بدون تحديد لعدد المفقودين بالإضافة لبعض الإصابات، ليلقى الضوء على كوراث الحوادث النيلية من قوارب وصنادل وعبارات والتى راح ضحيتها مئات المصريين وأيضاً الأجانب، وهو الأمر الذى لم يشد انتباه أحد المسئولين لتطبيق أدنى معايير الأمن والسلامة للحفاظ على الأرواح فى هذا المرفق المائى المهم. وكالمعتاد يخرج علينا المسئولون بتصريحات متضاربة، لكى يبرئ كل منهم نفسه ويلقى بالمسئولية على غيره أو على قائدى وأصحاب هذه المراكب، هروبًا من المساءلة، ومن الطبيعى أن تخرج علينا الحكومة بقرار إدارى بتحويل أحد المسئولين للتحقيق أو استبعاده باعتباره "كبش فداء" لامتصاص غضب المواطنين، وهو ما حدث بالفعل، حيث أعلنت وزارة النقل استبعاد المهندس سمير سلامة رئيس هيئة النقل النهرى لحين انتهاء التحقيقات فى الحادث الأليم. استفسرت "المشهد" من المتحدث الرسمى باسم وزارة النقل، أيمن الشريعى عن هذا القرار فأوضح أنه لم يتم إقالة المهندس سمير سلامة ولكن تم استبعاده بقرار من رئيس مجلس الوزراء، لحين انتهاء التحقيقات، لافتًا أن التحقيقات الجارية تشمل جميع المسئولين أو من لهم علاقة بالحادث، وليس شخص معين بصفته وشخصه. وأضاف المتحدث فى تصريحاته ل"المشهد"، أن رئيس الوزراء شكل لجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية وزراء "النقل، والبيئة، والرى،والداخلية، والعدل"، لمراجعة التشريعات الخاصة بإدارة نهر النيل بوجه عام، ومنظومة النقل النهرى،بما يعمل على سلامة النقل بنهر النيل، وإحداث الانضباط المطلوب، والحفاظ على أرواح المواطنين، كان أول اجتماع لها السبت. وأوضح الشريعى،أن وزارة النقل، متمثلة فى هيئة النقل النهرى،دورها مقتصر على منح التراخيص للمراكب ولقائدى هذه المراكب، ولا تملك سلطة الرقابة، أو السلطة القضائية التى بموجبها يحق اتخاذ إجراءات وتدابير وقائية أو عقابية أو غيرها مع أصحاب المراكب النيلية وقائديها. وعن إدارة هيئة النقل النهرى لحين الانتهاء من التحقيقات مع المهندس سمير سلامة، قال الشريعى إن المهندس هانى ضاحى وزير النقل، عقد اجتماعات مكثفة بعد الحادث، مع مسئولى الهيئة، لكيفية إدارة الهيئة لحين انتهاء التحقيقات، مع العمل على ترشيح من يتولى مسئولية القيام بأعمال رئيس الهيئة. وعن المراكب النيلية العاملة فى نهر النيل، قال المتحدث الرسمى باسم وزارة النقل، إن إجمالى عدد المراكب النيلية المرخصة العاملة فى نهر النيل فى ال"15" محافظة المطلة عليه يصل إلى حوالى 6 آلاف مركبة متنوعة، لافتًا أن الوزارة بصدد اتخاذ إجراءات وتدابير خلال الفترة المقبلة، تعمل على توافر عوامل السلامة والأمان، فى جميع المراكب والسفن العاملة فى نهر النيل وفى البحر، لضمان أمن وسلامة المواطنين والبضائع أيضًا. وأكد مسئولون ومختصون أن أسباب مثل هذه الحوادث، عدم توافر اشتراطات السلامة والأمان فى المراكب، وقيادتها بدون ترخيص، وزيادة الحمولة، مشيرين إلى أنه رغم أن نهر النيل هو شريان حياة لمصر، إلا أنه تحول فى ظل الفساد والإهمال وعدم مراعاة الضمير إلى "مقبرة للمصريين".
التضارب سيد الموقف خرجت وزارة الصحة بتقاريرها الرسمية تقول بأن أعداد الوفيات بالحادث وصلت إلى 35 حالة وفاة و4 مُصابين، - حتى تاريخ كتابة هذا التقرير- على الطرف الآخر، تقف فرق الحماية المدنية بالجيزة، التى أفادت بأنه تم انتشال 40 جثة لضحايا المركب – حتى تاريخه -، مُشيرة إلى أن فرق الإنقاذ مستمرة فى عمليات انتشال الجثث المفقودة. أكدت وزارة الصحة، على لسان متحدثها الرسمى الدكتور حسام عبدالغفار، أنها ترصد الأعداد من خلال الجثث التى وصلت إلى المستشفيات وتم استخراج تصاريح دفن لها، مؤكدًا أن مستشفى التحرير العام بإمبابة استقبلت 23 جثة، ومعهد ناصر 12 جثة، مؤكدًا أن هذه الأرقام هى الصحيحة، وأن الحماية المدنية ليس من شأنها تقارير أعداد الضحايا. وأشار "عبدالغفار"، خلال تصريحه ل"المشهد"، إلى أن الأعداد التى أخرجتها الصحة ليست بالنهائية وأن العدد قابل للزيادة، مُشيرًا إلى أن هناك ضحايا مازالوا مفقودين لم يُعرف عددهم بعد، مؤكدًا: لم نعرف العدد الحقيقى للمواطنين الذين كانوا على المركب. ومن جانبه قال الدكتور خالد وشاحى رئيس الإدارة المركزية للرعاية الحرجة والعاجلة بوزارة الصحة، أن الحادث راح ضحيته حتى الآن 20 طفلا أقل من 12 سنة، و15 شخصا من البالغين، مؤكدًا أنه تم تسليمهم لذويهم فور انتهاء الإجراءات بتصاريح الدفن. وقال اللواء مجدى الشلقانى، مدير إدارة الحماية المدنية بالجيزة، إنه تم انتشال 40 جثة للضحايا، مُؤكدًا أن فرق الإنقاذ مستمرة فى عملها لحين انتشال آخر جثتين من الضحايا المتبقية، مُشيرًا إلى أنه مازال هناك جثتين مفقودتين قد يكون جرفهما التيار المائى، مضيفا أن عمليات التمشيط مستمرة لحين الانتهاء من العثور على باقى المفقودين.
وبالرغم من التعويضات التى سارعت المحافظة ووزارة التضامن الاجتماعى بالإعلان عنها لأهالى الضحايا أعرب الأهالى عن حزنهم العميق لعدم اهتمام المسئولين بهم وعدم وجود إجراءات سريعة لإنقاذ الضحايا وعلاج المصابين خاصة أن معظم عمليات الإنقاذ قام بها أصحاب القوارب البسطاء، متهمين الحكومة والمسئولين بالمسئولية عن هذا الحادث وبقتل أبنائهم وطالبوا بإقالة الحكومة والمحافظ وجميع المسئولين الذين لم يبادروا لتخفيف وطأ الصدمة على الأهالى المكلومين. قال أيمن حسن قريب أحد المتوفين، إن 11 شخصا من عائلته كانوا على متن المركب وغرق منهم 9 بينما نجا اثنان فقط، مشيرا إلى أنه من بين التسعة المتوفين 5 أطفال وأربعة نساء. وانتقد أيمن تباطؤ الحماية المدنية ورجال الإنقاذ فى الاستجابة للحادث وانتشال الجثث، مؤكدًا أن هذا الأمر لا يحدث فى بلد تحترم مواطنيها، حيث شدد على أن الإسعاف وفرق الإنقاذ استجابت بعد ثلاث ساعات من وقوع الحادث. وتضيف "رشا" سيدة تبلغ من العمر 30 عاما، تقطن فى شارع أحمد عرابى المتفرع من منطقة المسابك بوراق العرب شمال الجيزة، نجت من الموت، لكنها فقدت نجليها، وتقول: "الصيادون أولاد الحلال أنقذونى"، ولم تكن قادرة على الحديث، بعد إعطائها المهدئات الطبية، للخلود إلى النوم. "رشا" التى فقدت نجليها "عثمان أحمد"، 8 سنوات، وشقيقه "محمد"، 5 سنوات، ترك زوجها المنزل منذ لحظة غرقهما، ويمر على المرسى النيلى محل الحادث، أملا فى انتشال فرق الإنقاذ النهرى جثتيهما، دون جدوى، كما تقول الأم المكلومة، لدى سؤالها عن والد نجليها، مطالبة: "عاوزة جثة الولدين". وتقول الطفلة بسمة كمال كامل، 13 سنة، إحدى الناجيات من الموت، قريبة أسرة الطفلة رحمة، إنها طلبت من شخص لا تعرفه استخدام هاتفه المحمول، للاتصال بأفراد أسرتها، لإخبارهم بالحادث، موضحة أن الصيادين هم الذين أنقذوا حياتها، ولا ترى تعويضا سيعوضها عن فقدان أفراد عائلتها سوى تقديم المسؤولين للمحاكمة الجنائية. وتكمل سيدة قريبة من عائلة أم رحمة الكلام: "التعويض يبلوه ويشربوا ميته"، مشيرة إلى أن 10 آلاف جنيه ماذا ستفعل بها الأسر، بعد فقدان أعز من يحبون؟! لكنها استدركت: "الحكومة تستهتر، لأنها تعرف أن الضحايا من الغلابة، وركبوا المركب ب3 جنيهات للتنزه". وكشف أحد الأطفال الناجين من المركب خلال تحقيقات المباحث التى أجراها ضباط ومعاونى قسم شرطه الوراق عن تسبب سائق المركب الغارق فى الحادث، حيث أوضحت أقوال الطفل مصطفى البالغ 16 عاما قائلا عن أن السائق "كان يلعب مع البنات بالليزر فى المركب، "ومش واخد باله". وأضاف الصغير خلال التحقيق، من داخل مستشفى معهد ناصر "سائق المركب اللى كنا فيها كان بيلعب مع البنات بالليزر، ودخلنا على الصندل اللى خبطنا فيه وقعدنا نحذره قبليها لحد ما خبطتنا والمركب نزل فى النيل". إلا أن أقوال سائق الصندل أمام المباحث تؤكد استهتار السائق، والذى قال خلال تحريات المباحث، أنه أعطى تحذيرات وتنبيهات صوتيه كثيرة لسائق المركب، إلا أن الأصوات الجهورية للكاسيت التى كانت تخرج من المركب منعته من الانتباه للتحذيرات، ولم يتمكن الصندل لضخامة حجمه من الالتفاف أو تفادى المركب فاصطدم به، مما أدى إلى انقلاب المركب فى النيل وغرقها بالكامل.