لست أهذى ولم أُجاوز حدود العقل برسائلى، بل أرددت فحسب اطلاق أسئلة خاصة فى فضاء الغيب لتستقر بصدر المجهول، علماً بأننى لست فى انتظار الإجابات، فانا فقط أتوسل ذلك المدعو (لاوعى)، فلربما نجحت فى نبش جدرانه الصلدة صانعة ذلك الممر السحرى كى ألِج عبر دهاليزه وأرمق ودائع خزائنه.. مجرد نظرة أهرع بعدها إلى دنياى تاركة رسائلى لتأخذ دورها فى ملكوت الغيب .! وخلال ذلك الممر الزمنى بداخلى راحت تستوقفنى تلك التأملات اللانهائية لماهية الصندوق الأسود الخاص بعقل كل منا وما يعج به من تفاصيل ومفاتيج وخرائط، إنه صندوق يحمل حلولاً لألغازنا وتسجيلاً حياً كما البث المباشر لجميع لقطاتنا، لكنه مع ذلك محكم الغلق ولا تنكسر أقفاله إلا بالمصادفة، عندما تدفع لنا الأحلام ببعض التفاصيل المعقدة التى تُغرِقنا فور استيقاظنا بمحيط من التأمل والعصف الذهنى ..وكأنها ومضة تنبض ..تعلو وتخفت ثم تسكن ! تُرى مَن كنت أنا بداخل ذلك الفلاش باك ؟ هل هذا هو انا فى طفولتى أم أنه طفلى يترجل فى محيط صباى وفى بهو ذكرياتى؟ هل كانت تلك يد شقيقى الراحل التى ربتت على كتفى وأنا أبكى وكأنه لم يرحل أم هكذا تمنيت وأنتظرت المَن الإلهى، فزارنى فى أحلامى مواسياً مؤازراً ؟ تلك هى أمى فى أوج جمالها وعنفوانها تحاكينى على أريكة منزلنا فى ضيافة أنغام أم كلثوم أم كما تمنيت أن يتوقف بها الزمان فلا ينال منها المرض أو الألم ؟ أهذا هو أبى عائداً من عمله بكامل هيبته فى ذيه العسكرى أم انها أكثر لقطاته قوة وقدرة على العطاء فى ذاكرتى ؟ وأنتِ يا مِصرى...يا جميلتى... يا ربيع جنتى... كيف أتحسس ماضيك وحاضرك وانا أطمع فى تلك الرؤية الخضراء التى تبشرنى بمستقبلك الفيروزى الذى يليق بعراقة أرضك وقدسيتها ؟ وإذا بها الأمنيات تصطف على أعتاب خيالى وتتهافت على حروفى كى أسطر رسائلها واُعلِقها بذلك الساق المنمق لتلك الحمامة الزاجلة البيضاء الهاربة من روحانيات جنوحى..تنتظرنى ولا تتعجلنى... ترمقنى فى حنو وتنظُر إلى قلمى مُطلِقة هديلها، فإذا بى اطمئن وأواصل... وبعد ان أَفرغ من انسكابى على أوراقى وتختلط دموعى بابتساماتى، أُوقِع رسائلى بإمضاء (صندوقى الأسود فى لحظة كاشفة ومسترقة )... هنا تنطلق حمامتى الرقيقة تاركة لى طيفها الأبيض الناعم فى مخيلتى وهديلها الأملس فى آذانى والأهم وعدها البرىء الحانى بأن تبعثنى البشارة... واذا بى استيقظ ، فأجد كل ما حولى كما كان، وكأن صندوقى الأسود لم يستسلم أمام روعة تلك الحمامة المقدسة ليُفضى لها برسائله التى حملتها معها إلى الغيب .. تُرى ستعود يوماً لتزورنى ؟ ليتها تعود وسأقسِم لها آلا أُحاكيها...فالسر لم يكن فى اجابات منتظَرة ولكن فى قناعة التساؤل والثقة فى انصاف جميل وفى زيارة خيالية تخفف عن القلب الكثير...!!