في أخريات حياة القارئ العملاق المتفرد الشيخ محمد رفعت، أصيب بمرض غامض مما دفع الصحفي الكبير الصاوي أحمد محمد إلي اكتتاب الناس لعلاج الشيخ، ولما علم الشيخ أرسل معتذرا شاكرا مبادرة الرجل وكان قد عرض عليه المطرب "محمد عبد الوهاب" أن يسجِّل له القرآن الكريم كاملاً مقابل أي أجر يطلبه، فاعتذر الشيخ خوفًا من أن يمسَّ أسطوانة القرآن سكرانًا أو جُنُبًا وأيضا كان الشيخ رفعت يرفض التكسب عن طريق القرآن وعندما دعاه حيدر أباد للسفر إليه بالهند وترتيل القرآن في حفلات يوبيله مقابل 15ألف جنيه .. رفض.. وذات يوم كان الشيخ محمد صديق المنشاوي - رحمه الله - يقرأ في مأتم أحد أعيان قنا وفي آخر الليل دس شقيق المتوفي (بشيء) بجيب الشيخ المنشاوي وانصرف الشيخ دون أن يلقي نظرة علي هذا الشيء ولكنه حين وصل إلي منزله اكتشف أن الشيء الذي دسه الرجل في جيبه مليم واحد لا غير، وكان الشيخ يتقاضي جنيها عن كل ليلة وقبل أن يفكر في هذا الذي حدث جاءه الرجل صاحب الليلة معتذراً عما حدث من خطأ شنيع، فقد كان في جيب الرجل جنيه ذهبي ومليم وكان ينوي إعطاء الجنيه للشيخ فأخطأ وأعطاه المليم، ولكن الشيخ المنشاوي رفض أن يتقاضي شيئاً فوق المليم. وكان أول أجر تقاضاه الشيخ كامل يوسف البهتيمي الذي توفي عام 1959م كان مبلغ 25 قرشا ببلدته وكان آخر أجر تقاضاه هو مبلغ 60 جنيها عن إحياء حفلة بالقاهرة و150 جنيها خارجا عن الليلة .ماذا عن بورصة التلاوة الآن؟ حساب في البنك بداية فإن مناقشة قضية أجور قراء كتاب الله العظيم، ليست امتهانا ولا اعتراضا علي الأمر، لكنها مناقشة مفتوحة لظاهرة جديدة علي أرباب دولة التلاوة، والمعروف أن في مقدمة المشايخ الذين يتقاضون أجرا كبيرا القارئ الإذاعي محمد محمود الطبلاوي، والذي يتقاضي مبلغ 25ألفا في الليلة، والمعروف أن الشيخ الطبلاوي قد وضع لنفسه خطا لا يحيد عنه، فحين يدعي لإحياء سهرة خارج القاهرة،يعتذر في باديء الأمر، تفاديا للإحراج، فيقول إنه مشغول - وإن لم يكن مرتبطا بإحياء ليلة في القاهرة - ويضطر أصحاب المآتم لتأجيل يوم، مما يدفع الشيخ للموافقة، وعقب الاتفاق إما أن يذهبوا بالمبلغ إلي منزله، وإما أن يودع في حسابه بالبنك، وعندما يصله الإخطار البنكي، يرسل الشيخ قارئا آخر - يعطيه ألفي جنيه، ليبدأ التلاوة بالمآتم، لحين وصول الشيخ، الذي يكمل التلاوة من نفس السورة . أما الشيخ حلمي الجمل، فقد قام برفع أجره مرة واحدة من 16ألفا إلي 22ألفا وطبعا يدفع المبلغ قبل الحضور لإحياء السهرة القرآنية . أما الدكتور أحمد نعينع - قارئ رئاسة الجمهورية - فقد قفز أجره أيضا من سبعة آلاف إلي خمسة عشر ألفا كما قام الشيخ محمود صديق المنشاوي هو الآخر برفع أجره من سبعة آلاف إلي 12أو 15 ألفا، وقد يزيد الأجر في لياليه بالقاهرة حسب حجم "الزبون " وذلك من خلال معايشة طويلة لقرائنا، خلال رحلة عملي في الصحافة الدينية - جريدة عقيدتي وغيرها. حيث يراعي الشيخ المنشاوي حالة الداعي، فإن كان سفيرا أو وزرا أو رجل أعمال، فقد يصل الأجر لي عشرين ألفا . والجدير بالذكر أنه قد ظهر في سوق التلاوة قراء في الآونة الأخيرة الشيخ صديق محمود صديق المنشاوي، نجل الشيخ محمود صديق المنشاوي، ويتقاضي هذا الشيخ الشاب ثمانية آلاف جنيه . تحت العشرة والآن نستعرض بعضا ممن يتقاضي أقل من عشرة آلاف جنيه في الليلة وهم ثابتون من عامين تقريبا علي نفس المبلغ، من هؤلاء القارئ العملاق راغب مصطفي غلوش الي يتقاضي سبعة آلاف جنيه، والشيخ عبد العزيز عكاشة يتقاضي ستة آلاف ومثله الشيخ محمدي بحيري عبد الفتاح، ثم تأتي شريحة الخمسة آلاف التي يسكنها المشايخ : محمد أحمد شبيب، محمود ابو الوفا الصعيدي، أحمد أبو المعاطي، محمد عبد الوهاب الطنطاوي، عبد الفتاح الطاروطي، علي محمود فرج، حجاج الهنداوي.. يتلوهم أصحاب الآلاف الأربعة إلي الثلاثة في الليلة الواحدة ومنهم المشايخ القراء: محمد عطية حسب، محمود إسماعيل الشريف، محمد السيد ضيف الذي كثيرا ما يلمس رقة حال أسرة المتوفي، وإسماعيل الطنطاوي، السيد متولي عبد العال، سيد أحمد شريف، عبد الله طُبَل، الدكتور فرج الله الشاذلي، محمد احمد البسيوني، عبد الله عزب . فتوي الشعراوي ويستشهد كثير ممن قرروا رفع أجورهم من نجوم التلاوة بفتوي إمام الدعاة الشيخ الشعراوي، حينما سئل في أوائل الثمانينات عن أجر تلاوة القرآن والمبالغة فيها قال : إن ما يتقاضاه القارئ هو أجر حبس، موضحا للسائل أنه سيجد في بلدته من يقرأ له مقابل عشرة جنيهات فقط، لكنهم يتركونه ويذهبون إلي قارئ الإذاعة ليحصل - وقتها- علي ألف جنيه. من المشايخ من يتعلل في رفع أجره أيضا بحصول الشيخ أنور الشحات أنور - أصغر قارئ بالإذاعة - علي ثمانية آلاف جنيه في الليلة، ويتقاضي شقيقه الأصغر خمسة آلاف رغم صغر سنه ... ومنهم من يقول - ولم يشأ ذكر اسمه - نحن لسنا أقل من تامر حسني الذي يتقاضي 150ألف جنيه في الليلة، ويلقبونه فوق ذلك بمطرب الجيل . وإن كنت قد شاهدت بعيني فضيلة الشيخ فتحي المليجي بعد التلاوة يأخذ المبلغ ويضعه في جيبه بدون النظر فيه، فقد علمنا أن الشيخ الطبلاوي تقاضي مؤخرا ثلاثين ألف جنيه في بورسعيد، وتقاضي الشيخ عبد الفتاح الطاروطي سبعة آلاف في قرية برق العز التابعة للسنبلاوين دقهلية، وتقاضي الشيخ حجاج الهنداوي خمسة آلاف وخمسمائة ... كل ذلك وغيره يدفع عشاق ومحاسيب دولة التلاوة يتساءلون : كم كان سيتقاضي محمد رفعت ومصطفي إسماعيل لو عاشوا لهذا الوقت؟