انتهت بالأمس حكاية نقابة قراء ومحفظى القرآن الكريم لنبدأ اليوم فى تناول سيرة الكثير من مشاهير القراء والمنشدين فى مصر، ونبدأ بقصة لطيفة للشيخ الراحل محمد رفعت، الذى ارتبط صوته بشهر رمضان الكريم. ويعد الشيخ رفعت آخر أصوات المقرئين التى سمعها الرئيس الراحل محمد أنور السادات قبيل اغتياله، حيث دخل فوزى عبدالحافظ السكرتير الخاص للرئيس محمد أنور السادات قائلا: صباح الخير سيدى الرئيس.. فرد السادات: صباح الخير يا فوزى.. كان مزاج السادات جيدا فى ذلك اليوم بسبب إيقاظ حفيدته ياسمين له. أخذ فوزى.. جريا على عادته.. فى تشغيل جهاز التسجيل بجوار سرير الرئيس قبل أن ينهض منه وهو يزيح ستائر الغرفة ليسمعه آيات من القرآن الكريم بصوت الشيخ محمد رفعت الذى كان يحبه، وعندما فرغ الشيخ رفعت من تلاوة آيات القرآن الكريم عبر جهاز التسجيل نهض السادات من فراشه ليؤدى صلاة الصبح ثم يستعد لحضور العرض العسكرى احتفالا بانتصارات حرب أكتوبر الذى تم اغتياله خلاله. فشهرته واختلاف طريقته عن شيوخ عصره جعلته ينال إعجاب واحترام الجميع، حيث قال عنه أنيس منصور «ولا يزال المرحوم الشيخ رفعت أجمل الأصوات وأروعها، وسر جمال وجلال صوت الشيخ رفعت أنه فريد فى معدنه، وأن هذا الصوت قادر على أن يرفعك إلى مستوى الآيات ومعانيها، ثم إنه ليس كمثل أى صوت آخر». ويصف الموسيقار محمد عبدالوهاب صوت الشيخ محمد رفعت بأنه ملائكى يأتى من السماء لأول مرة، وعندما سئل الراحل محمود السعدنى عن سر تفرد الشيخ محمد رفعت أجاب «كان ممتلئا تصديقا وإيمانا بما يقرأ». «قيثارة السماء والمعجزة وكروان الإذاعة والصوت الملائكى» كلها ألقاب اشتهر بها الشيخ محمد رفعت ابن حى المغربلين الذى ولد عام 1882 وأصيب بالعمى بعد إصابته بمرض فى عينيه، لكن هذا لم يمنعه من التبحر فى الدين فقد حفظ القرآن فى سن الخامسة بعد أن التحق بكُتاب مسجد فاضل باشا بدرب الجماميز بالسيدة زينب ودرس علم القراءات وعلم التفسير ثم المقامات الموسيقية على أيدى شيوخ عصره. ووجد الشيخ رفعت نفسه يتيما ومسئولا عن أسرته وعائلها الوحيد فى التاسعة من عمره، فلجأ إلى القرآن يعتصم به ولا يرتزق منه، وتولى القراءة بمسجد فاضل باشا وهو فى سن الخامسة عشرة، فبلغ شهرة ونال محبة الناس. وافتتح قيثارة السماء بث الإذاعة المصرية سنة 1934م عندما تلا أول سورة الفتح (إنا فتحنا لك فتحا مبينا)، ولما سمعت الإذاعة البريطانية «بى.بى.سى» العربية صوته أرسلت إليه وطلبت منه تسجيل القرآن، فرفض ظنا منه أنه حرام لأنهم غير مسلمين، فاستفتى الإمام المراغى فشرح له الأمر وأخبره بأنه غير حرام، فسجل لها سورة مريم. حُرِم مستمعو الإذاعة من صوت الشيخ رفعت فى عام 1943 بعدما أصيب بمرض سرطان الحنجرة الذى كان معروفا وقتئذ بمرض «الزغطة» وتوقف عن القراءة، وبرغم أنه لم يكن يملك تكاليف العلاج إلا أنه اعتذر عن عدم قبول أى مساعدات عرضها ملوك ورؤساء العالم الإسلامى، وكانت كلمته المشهورة «إن قارئ القرآن لا يهان». بعد 68 عاما فارق محمد رفعت الحياة فى 9 مايو عام 1950م وبكت الملايين على فراقه وأوجعت قلوبهم الفاجعة، وشيع الآلاف ممن أسرهم بصوته الخالد جنازته. وحزنت الإذاعة المصرية كثيرا عند وفاته حيث نعته إلى المستمعين بقولها «أيها المسلمون، فقدنا اليوم عَلَما من أعلام الإسلام». أما الإذاعة السورية فجاء النعى على لسان المفتى حيث قال «لقد مات المقرئ الذى وهب صوته للإسلام».