أسعار البيض اليوم 18 مايو    أسعار الأسماك اليوم 18 مايو بسوق العبور    التموين توضح سعر توريد أردب القمح وجهود الدولة لتحقيق الأمن الغذائي    برلماني: مشروع قانون منح التزام المرافق العامة لإنشاء وتشغيل المنشآت الصحية يساهم في تحسين الخدمة    فصائل فلسطينية: استهدفنا دبابة إسرائيلية من طراز ميركافا 4 شرق مدينة رفح    زيلينسكي: أوكرانيا ليس لديها سوى ربع الوسائل الدفاعية الجوية التي تحتاجها    رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق يطالب نتنياهو بالرحيل    الأمم المتحدة: لم يبق شيء لتوزيعه في غزة    تشكيل أهلي جدة المتوقع أمام أبها في دوري روشن السعودي    موعد مباراة الترجي والأهلي في ذهاب نهائي دوري أبطال أفريقيا    مواعيد مباريات اليوم السبت.. الترجي ضد الأهلي وظهور ل«عمر مرموش»    مصر تنافس على لقب بطولة العالم للإسكواش ب 3 لاعبين في النهائي    «دخلاء وطائرة درون» الأهلي يشتكي قبل موقعة الترجي    تسريب أسئلة امتحان اللغة العربية للإعدادية في أسيوط: تحقيق وإجراءات رادعة    حالة الطقس المتوقعة غدًا الأحد 19 مايو 2024| إنفوجراف    النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو (صور)    بكاء والدها وقبلة شقيقها.. أبرز لقطات حفل زفاف الفنانة ريم سامي    في اليوم العالمي للمتاحف.. متحف تل بسطا بالشرقية يفتح أبوابه مجانا للزائرين    طارق الشناوي: العندليب غنى "ليه خلتنى أحبك" بطريقة ليلى مراد ليجبر بخاطرها    مفتي الجمهورية يوضح مشروعية التبرع لمؤسسة حياة كريمة    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    صحة مطروح تدفع بقافلة طبية مجانية للكشف على أهالي النجيلة    حنان شوقى: الزعيم عادل إمام قيمة وقامة كبيرة جدا.. ورهانه عليا نجح فى فيلم الإرهابي    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    البيت الأبيض: أطباء أميركيون يغادرون قطاع غزة    مؤتمر صحفي ل جوميز وعمر جابر للحديث عن نهائي الكونفدرالية    إرشادات وزارة الصحة للوقاية من ارتفاع ضغط الدم    قبل فتح اللجان، تداول امتحان اللغة العربية للشهادة الإعدادية بالشرقية، والتعليم تحقق    حظك اليوم وتوقعات برجك 18 مايو 2024.. مفاجآة ل الدلو وتحذير لهذا البرج    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 18 مايو    أوما ثورمان وريتشارد جير على السجادة الحمراء في مهرجان كان (صور)    ناقد رياضي: الترجي سيفوز على الأهلي والزمالك سيتوج بالكونفدرالية    ذوي الهمم| بطاقة الخدمات المتكاملة.. خدماتها «مش كاملة»!    عادل إمام.. تاريخ من التوترات في علاقته بصاحبة الجلالة    عاجل - تذبذب جديد في أسعار الذهب اليوم.. عيار 14 يسجل 2100 جنيه    عاجل.. حدث ليلا.. اقتراب استقالة حكومة الحرب الإسرائيلية وظاهرة تشل أمريكا وتوترات بين الدول    لبلبة تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: الدنيا دمها ثقيل من غيرك    كاسترو يعلق على ضياع الفوز أمام الهلال    خالد أبو بكر: لو طلع قرار "العدل الدولية" ضد إسرائيل مين هينفذه؟    رابط مفعل.. خطوات التقديم لمسابقة ال18 ألف معلم الجديدة وآخر موعد للتسجيل    الحكومة: تراجع تدريجي ملموس في الأسعار ونترقب المزيد بالفترة المقبلة    مفتي الجمهورية: يمكن دفع أموال الزكاة لمشروع حياة كريمة.. وبند الاستحقاق متوفر    حلاق الإسماعيلية: كاميرات المراقبة جابت لي حقي    إصابة 3 أشخاص في تصادم دراجة بخارية وعربة كارو بقنا    سعر العنب والموز والفاكهة بالأسواق في مطلع الأسبوع السبت 18 مايو 2024    مذكرة مراجعة كلمات اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي نظام جديد 2024    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    بعد عرض الصلح من عصام صاصا.. أزهري يوضح رأي الدين في «الدية» وقيمتها (فيديو)    مصطفى الفقي يفتح النار على «تكوين»: «العناصر الموجودة ليس عليها إجماع» (فيديو)    هل مريضة الرفرفة الأذينية تستطيع الزواج؟ حسام موافي يجيب    طرق التخفيف من آلام الظهر الشديدة أثناء الحمل    إبراشية إرموبوليس بطنطا تحتفل بعيد القديس جيورجيوس    دار الإفتاء توضح حكم الرقية بالقرأن الكريم    أستاذ علم الاجتماع تطالب بغلق تطبيقات الألعاب المفتوحة    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    البابا تواضروس يلتقي عددًا من طلبة وخريجي الجامعة الألمانية    «البوابة» تكشف قائمة العلماء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرًا    دراسة: استخدامك للهاتف أثناء القيادة يُشير إلى أنك قد تكون مريضًا نفسيًا (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خارطة طريق للحركات الإسلامية المعاصرة
نشر في القاهرة يوم 26 - 06 - 2012

استنشقت الحركة الإسلامية المصرية الحديثة مُنذ نشأتها عبير الحُرية ثلاث مرات في تاريخ مصر السياسي وهذه هي المرة الرابعة، أما أولي الثلاث فكانت في فترة الحرب العالمية الثانية، حينما أعطي "مصطفي النحاس" باشا للإخوان حُرية الدعوة في مصر كُلها في مُقابل تنازُلهِ عن الترشُح في البرلمان، والثانية كانت في الفترة 1952م وحتي 1954 .. وهي فترة الوصال بين الإخوان وبين "عبد الناصر"، أما الثالثة فكانت في السبعينيات في عهد "السادات" والتي انتهت بمقتلهِ. وقد تأملت في الفترات الثلاث فوجدت أن الحركة أضاعت هذه الفُرص الثمينة لتقديمها العاطفة علي الحسابات الدقيقة، ورغبتها في دغدغة العواطف قبل بث العلم الدقيق والفقه المُنضبط، وإغفالها في كل الحالات الثلاث لفقه الأولويات وفقه المصالح والمفاسد، ورغبتها في بعض الأحيان في الاستحواذ علي كُل شيء. واليوم نعيش بعد ثورة 25 يناير في الفُرصة الرابعة والتي أرجو أن يكون حظ الإسلاميين فيها أوفر من غيرها، وأن يقرأوا تاريخ التجارب الثلاث السابقة بدقة، ويعالجوا الأخطاء التي وقعنا فيها من قبل. الفرصة الرابعة ورغم ذلك فإن القراءة المُتبصرة للفُرصة الرابعة تجعلني أجد أن بعض الأخطاء تتكرر الآن، وبصورة مُتسارعة في مواقفِ كثيرة، منها الأحداث الطائفية التي وقعت بعد الثورة، والتي أدت إلي صدام بين المسلمين والأقباط، ومنها أيضا الموقف من القضية الفلسطينية، وصولا إلي موقف الإسلاميين من تنظيم القاعدة، وعدم تفرقة البعض بين احترام شخصية كأسامة بن لادن وبين النظرة لتنظيم القاعدة. إنني أخاف علي الفُرصة الرابعة أن تضيع من الإسلاميين كما ضاعت الثلاث، ووقتها سنعزو ذلك إلي نظرية المؤامرة التي يعشقها البعض، ناسين أننا وقعنا في خطأ أساسي وهو تركنا لفقه الأولويات وفقه المصالح والمفاسد. فاليوم يحتاج دُعاة وأبناء الحركة الإسلامية خاصة، والدُعاة عامة إلي خارطة طريق للدعوة الإسلامية بعد ثورة 25 يناير، لتوضح هذه الخارطة مسار الدعوة الإسلامية في الفترة القادمة، وتحذر من المطبات والمُنزلقات والأخطار التي تُهدد مسيرتها في هذه المرحلة الحرجة. وهذه الخارطة هي بمثابة إشارات المرور التي تمنع التصادُم بين مسارات الإسلاميين سوياً من ناحية، وبينهم وبين المُجتمع من ناحية أُخري. وتحدد كذلك المعالم الضابطة للمشهد الدعوي الإسلامي، وذلك بعد أن تنفست الدعوة الصُعداء بعد ثلاثين عاماً من قهر الدعوة والدعاة في عهد الرئيس السابق "حسني مبارك". الإسلام والحركة الإسلامية يخلط كثير من الإسلاميين بين "الإسلام" و"الحركة الإسلامية"، وىُعتبر أكثر الإسلاميين أنهما سواء ولا فرق بينهما، وأن الحركة الإسلامية هي الإسلام، بل يظن البعض أن حركته هي المُمثل للإسلام، ويشتط آخرون حينما يظنون أن حركتهم هي المُمثل الحصري والوحيد عن الإسلام، أو المُتحدث الحصري عن السلف الصالح. وهذا الخلط نفسهِ يقع فيه العلمانيون والليبراليون واليساريون والاشتراكيون، حينما يظنون أن كُل خطأ تقع فيه الحركة الإسلامية يعد دليلاً علي خطأ الإسلام نفسه، وافتقار الإسلام كدين للقُدرة علي إصلاح الحياة، ويشتط بعضهم حينما يهاجم الإسلام نفسه انطلاقاً من أخطاء وقعت فيها الحركة الإسلامية، وهذا والله هو المحظور الأعظم والمُصيبة الكُبري في الأمر كلهِ، ولذا وجب علي الفريقين إدراك الفرق بين الحركة الإسلامية والإسلام نفسه كدين، فالإسلام هو دين الله المُنزل من عند الله في كتابهِ الكريم وسنة رسوله العظيم (صلي الله عليه وسلم)، فالإسلام معصوم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفهِ. أما الحركة الإسلامية فهي فهم وعمل البشر استنادا ً إلي الإسلام.. وهذا الفهم غير معصوم، وكذلك السعي والعمل غير معصوم، ففيه الخطأ والصواب، وفيه ما وافق الحق وما جانبه، وفيه ما أدرك صميم الشريعة الغراء وفيه ما حاد عنها، فكُل أحد يأخذ منه ويرد إلا المعصوم (صلي الله عليه وسلم)، وهذه العصمة لأنه يوحي إليه والوحي انقطع بوفاة النبي (صلي الله عليه وسلم). وخطأ الحركة الإسلامية ينقسم إلي نوعين: 1- خطأ الاجتهاد وهو الذي يريد الحق والصواب، ولكنه يخطئه بسبب أو آخر يطول شرحه الآن، وهذا هو الغالب علي أخطاء الحركة الإسلامية، إذ أن معظمها يريد الحق، ولكنه قد يخطئه لقلة العلم أو غلبة الحماس، أو الخطأ في قراءة الواقع، أو في قراءة وفهم النص الشرعي. 2- خطأ الهوي والعناد وهو الذي يعلم الحق والصواب ثم ىُحيد عنه عامداً، إما لشهوة أو هوي أو عناداً أو جحوداً، وهذا موجود في الحركة الإسلامية، ولكنه قليل وليس شائعاً فيها، فحب الدنيا والرياسة والهوي مركوز في النفوس، وهو آخر ما يخرج من نفوس الصديقين. إذاً الإسلام معصوم والحركة الإسلامية غير معصومة، فبعض النزاعات بين أفرادها وقادتها لا يكون مرده إلي طلب الحق والسعي إليه، ولكن طلب الرياسة والسعي إليها أو الثأر للنفس. ورغم ذلك فالحركة الإسلامية لها شرفها وفخرها الذي يحق لها أن تعتز به وهو انتسابها للإسلام، واتخاذ هذا الدين العظيم كمرجعية لها، وحمايتها له والدفاع عنه، والذود عن قضاياه، والحفاظ علي هوية الأمة من الذوبان. ولكن خطورة خلط بعض الإسلاميين بين الإسلام والحركة الإسلامية يكمُن في ظن بعضهم بالعصمة من الأخطاء، حتي وإن لم يعترفوا بذلك، مما يؤدي إلي عدم مُراجعة الأخطاء فضلاً عن الاعتراف بها، والطعن في إسلام كُل من ينتقدهم أو ىُبين أخطاءهم، والتعالي علي الآخرين بدلاً من التواضع لهم، وهذه آفات موجودة بدرجة أو أُخري في الحركات الإسلامية. الخطأ وارد إذا كان الفكر هو عمل الذهن البشري، فالخطأ وارد في حقهِ مهما كان إخلاص صاحبه وتجرده، ومهما كان علمه وعقله. ولذلك لم يقل أحد من السلف أن قول الأصولي أو المُجتهد معصوم أو حجة علي أحد، ولم يقل أحد من علماء الإسلام قديماً أو حديثاً أن أقوال المُجتهدين غير معصومة، رغم أن الأصولي والمُجتهد أكثر علماً بالشريعة من المفكر. فالفكر الإنساني لا قُدسية له، أما القدسية فهي للكتاب والسنة، وأحكام الإسلام القطعية المُجمع عليها منهما. والخطأ في الفكر الإسلامي ينتج عادة عن ثلاثة أسباب: 1- الخطأ في قراءة وفهم النص الشرعي من الكتاب والسنة. 2- الخطأ في قراءة الواقع الذي سيطبق عليه هذا النص الشرعي. 3- الخطأ في إنزال النص الشرعي علي الواقع، وهذا ما ىُسميه الأصوليون "تحقيق المناط". ومن أهم أمثلة الخطأ في تحقيق المناط هو ظن بعض السلفيين أن التكييف الفقهي لثورة (25 يناير) هي خروج علي الحاكم، بينما تحقيق المناط الصحيح لها يدل علي أنها تندرج تحت باب النهي عن المنكر، وقولهِ الحق عند الحاكم الظالم وهي أفضل تطبيق للحديث الشريف "سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلي إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ". ورغم أن الفكر الإسلامي الحديث في القرن العشرين أثري الحياة الفكرية عموماً، وأثري حركة الإسلام في الحياة، وأضاف الكثير والكثير إلي الفكر الإسلامي القديم، إلا أنه في المُقابل وقع في أخطاء كثيرة نتج مُعظمها من الخطأ في تحقيق المناط أو قراءة الواقع قراءة صحيحة. كما حفل الفكر الإسلامي باختيارات خاطئة كلفت الإسلاميين الكثير والكثير من الوقت والجهد والدماء والابتلاء دونما طائل ورجعوا هم عنها باختيارهم، مثل اختيار مُقاومة ظلم الحكام بالسلاح، ومثل رفضهم لفكرة دخول المجالس النيابية، بل وحفلت السبعينيات بفكرة أن هذا البرلمان ىُشرع من دون الله، ويستلب حق التشريع من الله سبحانه، وهو حق أصيل له سبحانه. ومنها رفض فكرة إنشاء الأحزاب السياسية، وهذه الفكرة بدأت من الأربعينات واستمرت حتي الثمانينات. وكذلك فكرة أن تحل الحركة الإسلامية بديلاً عن الدولة والمُجتمع بدلاً من أن تكون شريكاً مُساهماً لهُما، وفكرة جاهلية المُجتمع المصري التي طُرحت بقوة في الستينيات والسبعينيات، مع أن المُجتمع المصري يعد من أكبر الشعوب حُباً للإسلام والدين، وأعمقها وأبسطها تديناً، فضلاً عن عدم إدراك العلاقة الصحيحة بين الانتماء للإسلام والانتماء للأوطان، ورفض الديمقراطية كوسيلة للتداوُل السلمي للسُلطة، واعتبارها غاية والاحتجاج الدائم ببعض سلبياتها دون إدراك أن تصحيح هذه السلبيات أسهل كثيراً من الاكتواء بنار الدكتاتورية. فالفكر الإسلامي المصري تدرَج كما يتدرج الطفل الصغير في النمو، وهو الآن ىُعد شاباً فتياً سليماً، ولكن هذا لا يمنع أن تُصيبه الأخطاء والهنات والاختيارات الخاطئة بين الحين والآخر. قضية عبير فالسيدة "عبير فخري" التي احتجزتها الكنيسة فترة بعد تحولها إلي الإسلام لا تستحق منا كل هذا الضجيج، وكُل من عرفها قال إن الإسلام لم يصل بعد إلي عقلها أو سلوكها أو أخلاقها حتي الآن، فهل نحرق الوطن من أجلها ؟!! وهل تسيل الدماء من الطرفين من أجلها ؟!! فلماذا لم نحولها إلي قضية حقوقية بدلاً من أن تكون قضية دينية طائفية ؟!! فلو فعلنا ذلك لوقفَ إلي جوارنا بعض المسيحيين وكثير من اليساريين والاشتراكيين والليبراليين، ولكنه الإغفال لفقه الأولويات وفقه المصالح والمفاسد والرغبة في مُخاطبة عواطف العوام ودغدغة مشاعرهِم، والخلط بين الولاء الديني للشخص والإنصاف والعدل في الحكم علي الأمور، وتفعيل فقه الأولويات وفقه المصالح والمفاسد. قضية الزحف إلي فلسطين فقد أُعلَن يوم الجمعة (13/5) عن تنظيم مسيرات شعبية مصرية يقودها بعض الدُعاة الإسلاميين للزحف إلي "رفح" المصرية واختراق الحدود الفلسطينية كخطوة أولي لتحرير القُدس والمسجد الأقصي الشريف، وذلك بمُناسبة مرور 63 عاماً علي ضياع فلسطين وإقامة الدولة الإسرائيلية. والغرض في حد ذاته نبيل لا يختلف عليه أحد، ولكن الوسيلة خاطئة ولا جدوي منها، وهي أقرب لدغدغة المشاعر وجلب الأنصار منها إلي الفائدة العملية. فهذا الشباب مدني بطبعه وغير مُدربِ علي أي نوع من أنواع العمل العسكري، ولم يتعود علي حياة التقشف العسكرية وقوة التحمُل والإرادة الحديدية التي يتدرب عليها فرد الصاعقة مثلاً مما يؤهله لتحمُل الصعوبات التي ىُمكن أن تواجهه في هذه المرحلة الصعبة، حتي يتحملها هو فضلاً عن أن ينفع غيرهِ من أهل فلسطين. فلقد دعا هؤلاء الإخوة إلي هذا الزحف دون استشارة المجلس العسكري، ودون استشارة مجلس الوزراء. ألا يعلم هؤلاء أن مثل هذا الزحف ىُعد إعلاناً مُبطناً للحرب دون أن نستعد لذلك أدني استعداد أو حتي إرادة أو ترحيب من الدولة ومؤسساتها العسكرية والسياسية والاستراتيجية والاقتصادية؟! هل نسينا دروس الستينيات حينما كُنا نُحارب إسرائيل بالشعارات والهتافات والمُظاهرات والإعلام والكلمات دون تخطيط مُتقن أو حسابات دقيقة حتي استيقظ جيلنا يوماً علي الكارثة الكبري في 5 يونية 1967م؟! أم أننا نسينا أن الحروب الحديثة تحتاج إلي صمت وصبر وأناة وتفكير وتدبير وخداع وتخطيط عسكري وسياسي واقتصادي وإيماني لسنوات طويلة دون ضجيج أو صياح؟! فالحروب ليست باباً لدغدغة العواطف وكسب المزيد من الأنصار، وقد أحسن المجلس العسكري حينما أقنع قادة المُتظاهرين بمنع هذه المسيرة، وأحسن مُعظم مُنظميها بمنعها قبل أن تتحرك، فلن تتحرر فلسطين، إلا إذا كانت مصر قوية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ومُوحدة ومُستقرة. التعاطُف مع "بن لادن" وقبول فكره حدث في الأسابيع التي أعقبت مقتل الشيخ "أسامة بن لادن" خلط كبير بين التعاطُفِ مع الشيخ "أسامة بن لادن" رحمه الله كرجل زاهد شجاع وبين فكرهِ ومنهجهِ، حتي اختلطت الأمور علي العوام الذين لا يميزون بين هذه وتلك. ولم يقم أحد بالتفريق بين محبتنا له كمُسلم زاهد، وبين فكرهِ الخاطئ الذي رفضه من قبل مُعظم الدُعاة والعُلماء في العالم الإسلامي كُلهِ. وقام مُعظم الدعاة بدغدغة عواطف الناس بالمدح المُطلق للشيخ "بن لادن" دون التطرُق مرة واحدة إلي رفض فكرهِ ومنهجهِ. ولم يوضحوا للشباب حديث السن أن فكر القاعدة في حقيقتهِ هو فكر تكفيري لا فرق بينه وبين أفكار التكفير المعروفة، ىُضاف إليها فكرة الاستحلال، وهي أسوأ من الفكرة الأولي. وداعاً للسرية تعرضت الحركة الإسلامية طوال عمرها الذي بلغ أكثر من ثمانين عاماً لمُضايقاتِ شديدة من الحكومات المُتعاقبة وتطورت هذه المُضايقاتِ إلي الاعتقال المفتوح والتعذيب الوحشي والحرمان من كثير من الوظائف.. إلخ. ولذلك لجأت الحركة الإسلامية إلي السرية التي
بدأت بالسرية في الدعوة والأمور الإدارية والمالية ثم امتدت لتصل إلي تكون أجنحة عسكرية سرية. ومع تطاول الزمان وتعاقُب الأجيال كادت أن تكون السرية والقلق من الحكومة وعدم الثقة من خصائص أبناء الحركات الإسلامية. واليوم وبعد ثورة 25 يناير انتفت كل مُبررات السرية، وأصبحت العلانية ضرورة من ضرورات إعادة الحركة الإسلامية إلي المُجتمع ككيان مشروع واضع للعيان، ظاهره كباطنه، سرهُ كعلانيتهِ يتعامل بشفافية مع المُجتمع والدولة والآخرين. والحقيقة أن مُعظم الحركات الإسلامية بدأت بالدعوة العلنية، وكُلها كانت تكره السرية في بداياتها، ولكنها عندما تعرضت للضربات تلو الضربات أدمنت السرية ووجدت فيها طوق النجاة للهروب من مظالم كثيرة كانت تُطال أبنائها. وكُلما حاول بعض دُعاةِ وقادةِ الحركات الإسلامية ترك السرية واللجوء للعلنية أجبرته الحكومة إجباراً علي العودة إلي المُربع صفر مرة أُخري، نتيجة للتضييقات الساذجة التي كانت تتم في كُل شيء، حتي فيما ينفع الدولة نفسها ولا يضُرها. وهذه السرية التي عاشت فيها الحركة الإسلامية فترة طويلة أضرت بها ضرراً بالغاً، ولم تُحقق لها نفعاً كثيراً، إذ تتحول السرية في الدعوة والإدارة والشئون المالية تدريجياً إلي إنشاء أجنحة عسكرية لتُدافعِ عن الدعوة الإسلامية وتحميها من الضربات. ولكن هذه الأذرُع العسكرية هي التي جرت الدعوة والحركة الإسلامية إلي الخلف بدلاً من حمايتها، وشحنت الآلاف إلي السجون بدلاً من حمايتهِم والدفاع عنهُم، وأعطت المُبرر تلو الآخر لضرب كل مظاهر الدعوة الإسلامية السلمية ومُصادرةِ كُل أنشطتها، وأعطتها المُبرر لعزلها عن المُجتمع وتشويه صورتها، ووصمها بالإرهاب والتطرُف. ورويداً رويداً يتحول الجناح العسكري في الجماعة إلي دولة داخل دولة، ويظن أنهُ فوق قيادة الجماعة نفسها، أو أنه أكثر تضحية وشجاعة وإقداماً منها، ويدخُل فيه الغرور وتضخُم الذات، والرغبة في الرد العسكري علي كُل شيء حتي لو كان تافهاً بسيطاً ويمكن تحمُله والصبر عليه. ثُم تتوالي الأحداث لتفقد قيادة الجماعة سيطرتها عليه، وهذا ما حدث مع الشيخ "حسن البنا" في أواخر أيامهِ مع "عبد الرحمن السندي" رئيس الجهاز الخاص في الأربعينيات. وتكرر حينما ثار النزاع الحاد بين "السندي" والشيخ "الهضيبي" الأب، حينما أراد الأخير تعديل مسار التنظيم الخاص فقط وليس إلغاءه، مما حدا بالأخير إلي حصار "الهضيبي" الأب في مقرهِ، وأدي كذلك إلي قتل "م.سيد فايز"، لأنه من أنصار "الهُضيبي" الأب رحم الله الجميع. وفقد الحركات الإسلامية لزمام السيطرة علي الجناح السري أو العسكري معروف ومشهود. وقد يحدُث ذلك نتيجة للمُطارداتِ الأمنية الشديدة وسجن واعتقال القيادات الدعوية العلنية العاقلة، وهذا الخطأ تقع فيه دوماً الأجهزة الأمنية حينما تقبض علي الدُعاةِ العلنيين تاركة زمام الأمر كُلهِ للأجنحة السرية أو الخاصة، مما يضُر بالحركة الإسلامية والوطن والدعوة الإسلامية نفسها. وقد نجحت الجماعة الإسلامية في 2002 في حل جناحها العسكري دون إراقة قطرة دم واحدة في سابقة فريدة من نوعها . أما عيوب السرية في العمل الإسلامي فهي أوضح أن أذكر بها. الإسلام لا يعرف الدولة الدينية لا يعرف الإسلام الدولة الدينية علي الإطلاق، ورغم ذلك لا يزال الجدال دائراً علي أشده حول هذه النقطة، فالدولة الدينية تحمل أحد معنيين: 1- إما أن الحاكم يحكُم بإسم الإله. 2- وإما أن الحاكم معصوم. وهذه المعاني لم يعرفها الإسلام طوال تاريخه، فهذا "أبو بكر الصديق" يقول في أول خُطبة له بعد الخلافة: "لقد وليت عليكم ولست بخيركم"، وهذا من تواضعه وأدبه مع شعبه ورعيته. ويقول أيضاً : "أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فيكم"، وهذا يعني بلُغةِ العصر أن طاعة الحاكم منوطة بالتزامهِ بالمشروعيةِ القانونيةِ للدولةِ، أو احترامهِ للقانون والدستور. والقانون هُنا في الدولة الإسلامية التي يتحدث عنها سيدنا "أبو بكر الصديق" هي القرآن وهو دستور الدولة وسُنة النبي الكريم، وهي القانون المُفصل والمُوضح لهذا الدستور.وهل يحكُم بإسم الإله أمثال "عُمر بن الخطاب" الذي كان في ثوبهِ 21 رُقعةِ وهو يحكُم قرابةِ نصف الكُرة الأرضية وقتها ؟ وذلك مثل قضية توريث الحُكم، وهذه قضية يرفضها الإسلام ويأباها، ف "أبو بكر الصديق" حكم ومات ولم ىُورث أولادهَ. و"عمر بن الخطاب" رفض أن يكون ابنه ضمن الستة الذين سيختار منهم الصحابة الخليفة أو يتشاورون من أجل اختيار الخليفة. و"عثمان بن عفان" لم يورث أحداً من أولادهِ. و"علي" كذلك لم يورث أحداً من أولاده. لقد قدر الله سبحانه وتعالي ألا يكون للنبي (صلي الله عليه وسلم) ولد ذكر حتي لا يختلط الأمر علي المُسلمين وتدفعهم عاطفتهم نحو نبيهم الكريم الراحل (صلي الله عليه وسلم) إلي توريث ابنه، بل إن الشريعة الإسلامية جعلت الأنبياء لا يرثهم أحد. وقد خرج الحسين علي يزيد من أجل رفض فكرة التوريث ولقي ربه شهيداً في سبيل إنكار هذا المُنكر، وكانت نتيجة ذلك أن استمر مُسلسل التوريث بعد ذلك، ولو نجح الحُسين رضي الله عنه في مسعاه لانتهي هذا المُسلسل أبداً. خطأ التفكير الأحادي نحن مدعوون جميعاً في هذه الفترة العصيبة من تاريخ مصر إلي انجاز مُهمة كبيرة عنوانها (الإنقاذ)، وتعني الإنقاذ الكبير لهذا الوطن العظيم من كُل ما لحق به من سلبيات، وهذه فُرصة أُخري تُتاح للإسلاميين لخدمة أوطانهم ونصرة شريعتهم، نسأل الله تعالي ألا تضيع كمثيلاتها. وتتوقف فاعلية الإسلاميين ودورهم في بناء الدولة وتحقيق النهضة علي مدي استيعابهم لتجارب الماضي، ومدي قُدرتهم علي تطبيق شريعتهم بطريقة تتناسب مع واقع القرن الحادي والعشرين، بحيث تجمع بين الواجب والواقع جمعاَ لا يخل بأحدهما. وأري أن هُناك قراءة أحادية لمفاهيم ومبادئ الشريعة، ومن ثم تطبيق أُحادي لها علي أرض الواقع من بعض الإسلاميين. فالشريعة الإسلامية تتميز عن غيرها بثنائيات مهمة، منها علي سبيل المثال لا الحصر : - الحق والخير. - العدل والإحسان. - الثبات والمرونة. - القوة والجمال. هُناك أيضاً ثوابت في النظام السياسي العام مثل العدل وتداوُل السُلطة وانتخاب الرئيس بالرضا والتوافق الشعبي والشوري.. إلخ. وهُناك مُتغيرات ومرونة في شكل المؤسسات التي يتحقق من خلالها العدل وتتحقق من خلالها الشوري. الثُنائية الرابعة هي ثُنائية القوة والجمال. فالإسلام حرص علي تحصيل القوة البدنية والعسكرية وقوة الحجة والبُرهان لدحض الأباطيل ورد الشُبهات، ولكن ما يغفل عنه الإسلاميون مع تحصيلهم للقوة بجميع صورها وأنواعها أنهم لا يغلفون هذه القوة بالشكل الإبداعي والفني والجمالي، بالرغم من أن كتاب المُسلمين الأول وأصل ومنبع شريعتهم ومرجعيتهم الأولي جاء بالقوة والبُرهان الناصع والحجة البالغة. لكن رغم ذلك جاءت هذه القوة مُغلفة بشكل إبداعي فني بلاغي معجز أخاذ، أبهر وأعجز البشر ولا يزال وسيظل يبهرهم ويدهشهم أبد الدهر. والرسول (صلي الله عليه وسلم) مع قوتهِ وشجاعته وقيادته وقوة حجته ونصاعة بُرهانه، كان أجمل البشر وكان حريصاً إلي الجانب الجمالي والإبداعي والشق الفني، فكان يعجبهُ الثوب الحسن والاسم الحسن، وكان ينشد الشعر ويغنيه أحياناً مُلحنا كما حدث في غزوة الأحزاب. وكان مع انشغالهِ بتبليغ الدعوة وأمور الدولة والسياسة وشئون الرعية، حريصاً علي الجانب الترفيهي والرياضي، ومن ذلك سباقه مع زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها. وهذه الثُنائية (القوة - الجمال) أخص بها الإعلام الإسلامي والفضائيات الإسلامية التي تعتمد هذه الأيام علي جانب القوة والحجة والبُرهان والدليل والبرامج المُباشرة، وتفتقر إلي الجانب الإبداعي الجمالي وتهمل الجانب الفني والدرامي. لذلك أري أن مدي فاعلية الإسلاميين وإسهامهِم في بناء مُستقبل أوطانهِم يتوقف علي أخذهم شريعتهم بثنائياتها وبجميع جوانبها، وليس بالجانب الأُحادي فقط. خاتمة الحركة الإسلامية المُعاصرة هي رافد مهم من روافد عودة هذه الأمة إلي عزها ومجدها ورفعتها من جديد، ولن تستطيع القيام بهذا الدور إلا إذا تخلصت من أدوائها التي تُصيبها بين الحين والآخر، وطهرت صفها ممن يدخلونه علي الغلبة باحثين عن المغنم فقط دون المُغرم، وهؤلاء تكشفهم المحن التي تتعرض لها الحركة الإسلامية بين الحين والآخر. ولذا فإنه علي الحركة الإسلامية أن تُطور نفسها باستمرار وتُجدد من أساليبها وأفكارها وآلياتها بما لا يصطدم مع ثوابت الإسلام. وأن تُحارب أي خلل عقائدي أو فكري يتسرب إلي أبنائها بين الحين والآخر، وأن تُطهر ثوبها من كُل أمراض القلوب التزاماً بقولهِ تعالي "وَثِىَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ". وعليها ألا تمن علي الآخر ببذلها وعطائها وتضحياتها عملاً بقولهِ تعالي "وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ"، وأن تصبُر علي الأذي المادي والمعنوي الذي قد يلحقها وهي تسعي بالخير لأُمتها عملاً بقولهِ تعالي "وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ".

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.