تعرضت الحركة الإسلامية طوال عمرها الذي بلغ أكثر من ثمانين عاما لمضايقات شديدة من الحكومات المتعاقبة وتطورت هذه المضايقات إلي الاعتقال المفتوح والتعذيب الوحشي والحرمان من كثير من الوظائف .. الخ. ولذلك لجأت الحركة الإسلامية إلي السرية التي بدأت بالسرية في الدعوة والأمور الإدارية والمالية ثم امتدت لتصل إلي تكون أجنحة عسكرية سرية ومع تطاول الزمان وتعاقب الأجيال كادت تكون السرية والقلق من الحكومة وعدم الثقة من خصائص أبناء الحركات الإسلامية. واليوم وبعد ثورة 25 يناير انتفت كل مبررات السرية .. وأصبحت العلانية ضرورة من ضرورات إعادة الحركة الإسلامية إلي المجتمع ككيان مشروع واضح للعيان .. ظاهره كباطنه .. سره كعلانيته يتعامل بشفافية مع المجتمع والدولة والآخرين. والحقيقة أن معظم الحركات الإسلامية بدأت بالدعوة العلنية .. وكلها كانت تكره السرية في بداياتها .. ولكنها عندما تعرضت للضربات تلو الضربات أدمنت السرية ووجدت فيها طوق النجاة للهروب من مظالم كثيرة كانت تطال أبناءها. وكلما حاول بعض دعاة وقادة الحركات الإسلامية ترك السرية واللجوء للعلنية أجبرته الحكومة إجبارا علي العودة إلي المربع صفر مرة أخري.. نتيجة للتضييقات الساذجة التي كانت تتم في كل شيء .. حتي فيما ينفع الدولة نفسها ولا يضرها. وهذه السرية التي عاشت فيها الحركة الإسلامية فترة طويلة أضرت بها ضررا بالغا .. ولم تحقق لها نفعا كثيرا.. إذ تتحول السرية في الدعوة والإدارة والشئون المالية تدريجيا إلي إنشاء أجنحة عسكرية لتدافع عن الدعوة الإسلامية وتحميها من الضربات. ولكن هذه الأذرع العسكرية هي التي جرت الدعوة والحركة الإسلامية إلي الخلف بدلا من حمايتها.. وشحنت الآلاف إلي السجون بدلا من حمايتهم والدفاع عنهم .. وأعطت المبرر تلو الآخر لضرب كل مظاهر الدعوة الإسلامية السلمية ومصادرة كل أنشطتها .. وأعطتها المبرر لعزلها عن المجتمع وتشويه صورتها .. ووصمها بالإرهاب والتطرف. ورويدا رويدا يتحول الجناح العسكري في الجماعة إلي دولة داخل دولة .. ويظن أنه فوق قيادة الجماعة نفسها .. أو أنه أكثر تضحية وشجاعة وإقداما منها .. ويدخل فيه الغرور وتضخم الذات .. والرغبة في الرد العسكري علي كل شيء حتي لو كان تافها بسيطا أو يمكن تحمله والصبر عليه. ثم تتوالي الأحداث لتفقد قيادة الجماعة سيطرتها عليه .. وهذا ما حدث مع الشيخ حسن البنا في أواخر أيامه مع عبد الرحمن السندي رئيس الجهاز الخاص في الأربعينات. وتكرر حينما ثار النزاع الحاد بين السندي والشيخ الهضيبي الأب.. حينما أراد الأخير تعديل مسار التنظيم الخاص فقط وليس إلغاءه .. مما حدا بالأخير إلي حصار الهضيبي الأب في مقره.. وأدي كذلك إلي قتل م/ سيد فايز .. لأنه من أنصار الهضيبي الأب.. رحم الله الجميع. وفقد الحركات الإسلامية لزمام السيطرة علي الجناح السري أو العسكري معروف ومشهود.. وقد يحدث ذلك نتيجة للمطاردات الأمنية الشديدة وسجن واعتقال القيادات الدعوية العلنية العاقلة .. وهذا الخطأ تقع فيه دوما الأجهزة الأمنية حينما تقبض علي الدعاة العلنيين تاركة زمام الأمر كله للأجنحة السرية أو الخاصة .. مما يضر بالحركة الإسلامية والوطن والدعوة الإسلامية نفسها. وقد نجحت الجماعة الإسلامية في 2002 في حل جناحها العسكري دون إراقة قطرة دم واحدة في سابقة فريدة من نوعها. أما عيوب السرية في العمل الإسلامي فهي أوضح أن أذكر بها.