«الجيل» يشيد بتحركات جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة لتدعيم الإنتاج    «التموين»: وصول الطائرة الثانية من المساعدات إلى غزة    كونساه يسجل الهدف الثالث لليفربول في شباك أستون فيلا    مدرب توتنهام: جماهير الفريق لا ترغب في فوزنا على مانشستر سيتي    تطورات أحوال الطقس في مصر.. أجواء حارة على أغلب الأنحاء    أشرف زكي يكشف عن حقيقة تعرض عادل إمام لأزمة صحية: 'الزعيم زي الفل'    أحدهما محمد صلاح.. تطور عاجل في مفاوضات أندية السعودية مع ثنائي ليفربول    بعد موافقة الشيوخ.. ننشر أهداف قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي    دفاع ضحية عصام صاصا: سنطالب بالدية الشرعية لقبول الصلح    خلع البدلة الحمراء.. المؤبد لقاتل زوجته لتقديمها "قربانا للجن" في الفيوم    مواعيد قطارات عيد الأضحى الإضافية.. الرحلات تبدأ 10 يونيو    فرديناند يهاجم تين هاج بسبب كاسيميرو    أحمد موسى للمواطنين: نتزنق أحسن ولا البلد تخرب.. تخيلوا أسعار السلع بدون المشروعات!    برج الجوزاء.. تعثر من يوم 16 إلى 18 مايو وانفراجة في هذه الإيام    عاجل: اللقاء المرتقب.. موعد مناظرة عبد الله رشدي واسلام البحيري مع عمرو أديب على قناة MBC مصر    فطائر المقلاة الاقتصادية.. أصنعيها بمكونات سهلة وبسيطة بالمنزل    تعرف على شروط التقديم للوظائف في المدارس التكنولوجية    أطلق النار على جاره أمام منزله..والمحكمة تحيل أوراقه للمفتي (تفاصيل)    «التعليم» تلوح ب «كارت» العقوبات لردع المخالفين    40 صورة ترصد الحشد الكبير لمؤتمر اتحاد القبائل العربية    إيرادات الأحد.. "السرب" الأول و"فاصل من اللحظات اللذيذة" بالمركز الثالث    حجازي: فلسفة التعليم المجتمعي إحدى العوامل التي تعمل على سد منابع الأمية    ما الفرق بين الحج والعمرة؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى: لو بتسرح في الصلاة افعل هذا الأمر «فيديو»    بدء التشغيل التجريبي للتقاضى الإلكتروني بمحاكم مجلس الدولة .. قريبا    أفغانستان: استمرار البحث عن مفقودين في أعقاب الفيضانات المدمرة    وزيرة الهجرة تفتتح ندوة "اللغة العربية مصدر الإلهام" بقصر محمد علي    الصين تدعو إلى دعم حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة    هل يدعو آل البيت لمن يزورهم؟.. الإفتاء تُجيب    رشا الجزار: "استخدمنا قوة مصر الناعمة لدعم أشقائنا الفلسطنيين"    مشاورات بين مصر والولايات المتحدة بشأن السودان    سينتقل إلى الدوري الأمريكي.. جيرو يعلن رحيله عن ميلان رسمياً    مياه الشرب بالجيزة تستطلع رأى المواطنين بمراكز خدمة العملاء    "نيويورك تايمز": حماس راقبت النشطاء المعارضين لها من خلال جهاز سري    سيارات بايك الصينية تعود إلى مصر عبر بوابة وكيل جديد    برلماني: السياسات المالية والضريبية تُسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية    المفتي للحجاج: ادعو لمصر وأولياء أمر البلاد ليعم الخير    الغموض يحيط بموقف رياض محرز من الانضمام للمنتخب الجزائري    محافظ سوهاج ورئيس هيئة النيابة الإدارية يوقعان بروتوكول تعاون    رئيس جامعة قناة السويس يتفقد كلية طب الأسنان (صور)    قمة مرتقبة بين رئيس كوريا الجنوبية ورئيس وزراء كمبوديا لبحث التعاون المشترك    وزير الرى: احتياجات مصر المائية تبلغ 114 مليار متر مكعب سنويا    افتتاح أول فرع دائم لإصدارات الأزهر العلمية بمقر الجامع الأزهر    تنطلق السبت المقبل.. قصر ثقافة قنا يشهد 16 عرضا مسرحيا لمحافظات الصعيد    الرعاية الصحية: لدينا 13 ألف كادر تمريضي بمحافظات التأمين الصحي الشامل    شقق المصريين بالخارج .. خطوات حجز الوحدات السكنية بجنة ومدينتي والأوراق المطلوبة وسعر المتر    "الليجا" تكشف عن موعد مواجهات الجولة الأخيرة    الرئيس السيسي: الدولار كان وما زال تحديا.. وتجاوز المشكلة عبر زيادة الإنتاج    تحرير 92 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز البلدية والأسواق    تطوير مطارات وموانئ.. مشروعات عملاقة بمحافظة البحر الأحمر لجذب السياحة والاستثمارات (صور)    شعبة الأدوية توجه نداء عاجلا لمجلس الوزراء: نقص غير مسبوق في الأدوية وزيادة المهربة    محافظ القليوبية يستقبل رئيس جامعة بنها (تفاصيل)    بينها 1000 لتر خل، إعدام 2.5 طن أغذية ومشروبات فاسدة بأسيوط    هيئة التنمية الصناعية تستعرض مع وفد البنك الدولى موقف تطور الأعمال بالمناطق الصناعية بقنا وسوهاج    وزير الإسكان يتفقد سير العمل بمشروع سد «جوليوس نيريري» الكهرومائية بتنزانيا    اليوم.. «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية في ديرمواس ضمن «حياة كريمة»    مستشار خامنئي: طهران مستعدة لإجراء محادثات مع واشنطن    الأقصر تتسلم شارة وعلم عاصمة الثقافة الرياضية العربية للعام 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توعدت الطفلة فاتن حمامة النجم محمد عبدالوهاب بطرده من استديوهات السينما ونفذت وعيدها بالفعل
نشر في القاهرة يوم 12 - 06 - 2012

توعدت الطفلة فاتن حمامة النجم محمد عبدالوهاب بطرده من استديوهات السينما ونفذت وعيدها بالفعل عند تصوير أول مشهد يجمع بين الطفلة فاتن حمامة (7 سنوات) ومحمد عبدالوهاب نجم نجوم ذاك الزمان في فيلم "يوم سعيد"، كانت تستبد به بعد كل كلمة تنطق بها نوبة من الضحك، وطلب المخرج الرائد محمد كريم من عبدالوهاب مراراً التركيز والتوقف عن الضحك دون جدوي، فما كان من الطفلة الصغيرة إلا أن صرخت في وجه عبدالوهاب مع ضحكته الجديدة: "ما تبطل ضحك. عيب كده". وفي مشهد تال لم يستطع عبدالوهاب أن يمنع نفسه من الضحك فرفعت الطفلة إصبعها الصغير في الهواء وقالت له بصوت عالٍ: "انت راح تشتغل كويس ولا نجيب غيرك"، فلم يقتصر الضحك هذه المرة علي عبدالوهاب وحده. الطريف أن النظرة الشاملة لتطور السينما العربية تقول إن الفتاة الصغيرة نفذت تهديدها، و"جابت" إلي الاستديوهات نجوماً من غير نوع عبدالوهاب، الذي سرعان ما اعتزل- مع أجيال كاملة- التمثيل السينمائي فعلا، ليترك الحلبة لمن هم علي شاكلة فاتن حمامة! فيديت من يومها ويمكن أن يعطينا إشارة إلي التطور الذي كرسته فاتن، وفتح الباب لأجيال جديدة من الفنانين واقعة أخري من نفس الفيلم. كان المنظر الذي يجري تصويره يجمع بين الطفلة أنيسة وممثلة كبيرة تعمل في السينما الناطقة لأول مرة. يقول المخرج الرائد محمد كريم: "ويبدو أن الممثلة الكبيرة كانت مضطربة (من الموقف الجديد). فكانت تخطئ دائما. وعندما أخطأت في المرة الأولي أوقفت التصوير ووجهت كلامي لفاتن: "ما تبصيش في الأرض". ثم اقتربت من الممثلة الكبيرة وشرحت لها خطأها وأوضحت ما ينبغي أن تفعله. وحين بدأ التصوير من جديد تكرر خطأ الممثلة فأوقفته وعدت إلي تقريع فاتن علنا، وأنا أقترب من الممثلة الكبيرة وأهمس في أذنها بخطئها. وفي المرة الرابعة، وبعد أن قلت الكلمة التقليدية "ستوب"، بادرت الممثلة الكبيرة في عصبية ونرفزة: "انتو جايبين لنا عيال يمثلوا معانا. علموهم قبل ما تجيبوهم". وأثارني هذا التبجح فرددت: "فاتن مظلومة يا هانم. هي مش غلطانة. انت اللي بتغلطي باستمرار وأنا اتهمتها بالغلط علشان ما أحرجكيش". وراحت الممثلة الكبيرة تتمرن علي أداء دورها. وبعد أن انتهت ناديت علي فاتن كأي "فيديت" موثوق بمقدرتها: "تعالي يا فتون دلوقت نقدر نصور". كان التمثيل حين ولجت فاتن حمامة عالم السينما يجمع بين مبالغات التوجهات التمثيلية لعالمي المسرح والسينما الصامتة. بينما جعلت الأفلام الناطقة السينما أقرب إلي الحياة، وبالتالي قادت التمثيل نحو وجهة الممارسات الحياتية العادية، بعيدا عما اعتاده ممثلو المسرح من "تجعير" يصل بصوتهم لأبعد المشاهدين في الصالة الواسعة، إضافة لما فرضه عليهم نفس السبب من مبالغات حركية، اعتمدت ظروف السينما الصامتة علي ما هو قريب منها، لتوصيل المعني بلا كلام. وكانت السينما الناطقة تنتظر بإمكاناتها الجديدة الممثل الطبيعي الذي يمتلك القدرة علي تقمص الشخصيات الأخري، وتقديمها كما لو كان يعيشها في الحياة العادية. ولم تكن الطفلة فاتن في أدوارها الأولي تمثل. كانت طفلة علي الشاشة كما هي في الواقع. كما أن طفولتها ساعدتها علي كسر هيبة "الكاميرا" أو الخوف منها، وحتي في قولها لعبدالوهاب بصوت عالٍ: "انت راح تشتغل كويس ولا نجيب غيرك"، كانت تتقمص محمد كريم وغيره من المتنفذين، وهم يحاولون ضبط خطو العاملين في الفيلم خلال أيامه الأولي. وعلي هذا النحو الطبيعي عبّدت فاتن- مع اكتسابها الخبرة والدرس- درب التمثيل الجديد، الذي تحتاجه السينما الناطقة. تلقائية الفطرة إن التمثيل في جوهره فطرة واستعداد. ملكة تضعها الخلقة فينا، ربما بدرجات مختلفة. وأساس التمثيل هو القدرة علي المحاكاة والتقليد، وهي قدرة إنسانية أساسية. فنمو الوليد فالطفل مبني أساسا عليها، مما يجعل كل طفل "ممثلا" بالفطرة. ويتطلب التمثيل مع ذلك القدرة علي استحضار صور وإحياء شخصيات من الماضي بطريق التخيل، ثم التعبير عنها بالكلمة والإشارة والإحساس و... . وذلك بمساندة قوة أخري من قوي النفس، هي اقتدار الممثل علي "تلبس" معالم الشخصية التي يعمل علي تشكيلها، أي ابتداعها أو خلقها، والذوبان فيها بحيث يعيش في إهابها، مع محاولة مستمرة للتجرد من شخصيته الذاتية. ولأن فاتن جاءت علي طريق التلقائية والبساطة، مع ترنيمة الصدق ومعزوفة الشجن وهزيمة المبالغة ومصرع الافتعال، باتت بين أفضل من مثلوا علي مدار تاريخ السينما. وساعدها علي ذلك أنها بدأت سيرتها في الأداء المتقن البارع منذ أن كان عمرها 7 سنوات، ويمتاز أداء فاتن بصدق التعبير والوصول المباشر السريع إلي قلب المشاهد، ناهيك عن الحضور الطاغي علي الشاشة. وعند فاتن تساوي روعة التعبير بالصوت روعة التعبير من خلال تقاطيع الوجه. هذا كما أن فاتن هي المدرسة التي تعلمت فيها الكثيرات فن الأداء التمثيلي، ومعني الالتزام، والعمل بدأب متواصل، للوصول إلي أعلي درجات الإتقان. فكيف يا تري تأتي لها ذلك؟ وحتي ننهي المشهد الذي افتتحنا به دراستنا لابأس من ذكر أن اعتزال عبدالوهاب التمثيل كان طبيعيا لأن فن السينما الجديد لجأ في البداية إلي الاستعانة بكل ما يمكن أن يحث خطاه من عوالم الفنون السابقة، وكان بين ذلك نجوم الغناء والمسرح، وكان طبيعيا مع النضج أن يعتمد أكثر فأكثر علي الإمكانات الجديدة التي تميزه. ولدت فاتن أحمد حمامة في 11 ابريل 1931 في مدينة المنصورة، وكان والدها يعمل مربيا في وزارة المعارف. ومنذ طفولتها الأولي كانت موضع إعجابه، وكان يراها ابنة مختلفة ينتظرها مستقبل متميز عن بقية إخوتها، وظل يردد ذلك كثيرا وسط دهشة الجميع، بمن فيهم زينب هانم توفيق أم فاتن. وقد بدأ ولع الطفلة بعالم السينما وهي في السادسة من عمرها، عندما زارت السيدة آسيا داغر "سينما عدن" بالمنصورة، بمناسبة عرض فيلم تلعب بطولته، فاصطحب المربي الكبير أحمد أفندي ابنته معه لمشاهدة الفيلم، ومن يومها لم يقتصر ولعها علي عالم الفيلم ذاته. تقول فاتن: لفت نظري وقتها تصفيق الجميع بحرارة للسيدة آسيا، فانتابني إحساس غريب، وتمنيت بل وتخيلت أن كل هذا التصفيق لي بصفتي بطلة للفيلم! وحين أبلغت والدي بهذا الشعور احتضنني بشدة. قرأ المربي أحمد حمامة عن مسابقة لاختيار أجمل طفلة. فاستدعي مصورا محترفا من أقربائه ليصور ابنته. تقول فاتن: "قال المصور تصوري أن أمامك مريض وغلبان يبكي، فبماذا تحسين؟ وما إن سمعت قوله حتي نزلت دموعي". فازت فتون بالمسابقة ونشرت مجلة "المصور" صورتها بزي ملائكة الرحمة علي غلافها. يوم سعيد قرأ والد فاتن يوما أن المخرج محمد كريم يبحث عن طفلة تقوم بالتمثيل مع محمد عبدالوهاب في فيلم "يوم سعيد" (1940) فأرسل صورها. تقول فاتن: «طلب كريم أن ألقي نشيداً، فألقيت عشرة، فاحتضنني بشدة، وقام بتغيير السيناريو ليعطي مساحة أكبر لدور الطفلة". يقول محمد كريم : أعجبت بالطفلة فاتن وجلست أتحدث معها ساعات ، فأيقنت إنها لا تصلح للدور مائة في المائة فحسب ، بل أيقنت إنها أكبر من الدور الذي رشحتها له ، ورجعت إلي السيناريو لتكبير دور أنيسة في كل جزء من أجزائه ، لقد كانت شيرلي تمبل أعظم أطفال السينما في العالم في أوج مجدها في ذلك الوقت . ولكنني كنت أقول لأصدقائي ، عن إيمان ويقين وعقيدة ، إن فاتن حمامة تفوقها بمراحل . ويتذكر محمد كريم تجربته مع فاتن في دور أنيسة في أول أفلامها (1940): قبل البدء في تصوير منظر من المناظر التي تشترك فيها كنت أنفرد بها، وأحكي لها ببساطة ما ينبغي أن تفعل، وكانت الصغيرة لا تكتفي بشرحي بل كانت تستوضح كثيرا من النقاط، وتتأكد، وتكرر الكلام الذي ستقوله في الدور، فإذا ما وقفت أمام الكاميرا أدت دورها بكل دقة ومهارة. وفي فترات الاستراحة كنت أمسك بها بين ذراعي وأطلب منها أن تعبر بوجهها عن بعض العواطف والمشاعر. مثلا كنت أقول لها: متغاظة فتعبر تعبير الغيظ، زعلانة فتعبر تعبير الغضب، مبسوطة فتنفرج أساريرها عن بسمة كلها مرح وفرح. بتفكري فتغرق في تفكير عميق. كانت موفقة قوية في كل التعبيرات التي طلبتها منها، إلي أن قلت لها: احتقريني. - أحتقرك يعني إيه يا أونكل؟ - إخص عليكي يا فتون ما تعرفيش احتقار يعني إيه؟ أمال بتروحي المدرسة إزاي؟ - أصل إحنا لسه ما خدناش خط رقعة. ما أعرفش غير نسخ! ويقول كريم في موقع آخر: "كانت فاتن عملاقة في طاقتها التي فاقت الحدود. كانت تعمل من 6 مساء إلي 6 صباحا دون أن يبدو عليها التعب. لم تطلب يوما شيئا مما اعتاد الأطفال أن يطلبوه، ولم تتذمر، ولم تتأفف، بل كانت تقبل علي العمل بكليتها متشوقة متلهفة. كان أبوها وأمها يلازمانها، فكانت تراهما علي كرسيين في سابع نومة، بينما تجلس فاتن في الساعات المتأخرة من الليل علي كرسي، مفتحة العينين مرهفة الأذنين، لكل ما يدور في البلاتوه". رصاصة في القلب بعد انتهاء الفيلم تم عرضه، وعادت فتون إلي مدرستها لتجد نفسها أشهر من نار علي علم. المدرسون والمدرسات وزميلاتها الأطفال يعاملونها معاملة خاصة، وأينما ذهبت أو ظهرت يلتف الناس حولها. تقول فاتن: تعمق في نفسي الشعور بأنني طفلة غير عادية، وقرر أبوها إبعادها عن هذه الأجواء، فواصلت دراستها كفتاة عادية. لكن محمد كريم لم ينسها فبحث عنها وأقنع والدها- وكانت قد باتت علي أبواب سني المراهقة- بالموافقة علي العمل في فيلم "رصاصة في القلب" (1944) أمام عبدالوهاب وراقية إبراهيم، ورغم أن الدور كان صغيراً إلا أنه وضعها علي الخريطة الفنية مرة ثانية. وفي فيلمها الثالث "دنيا" (1946) مع محمد كريم كانت قد تمكنت من أن تصنع لنفسها موطئ قدم في السينما، فانتقلت الأسرة من المنصورة إلي القاهرة، تشجيعاً ودعما للفنانة الصاعدة. التحقت فاتنتنا بمدرسة الأميرة فوقية الثانوية بالجيزة، وفي نفس الوقت بالدراسة في المعهد العالي لفن التمثيل العربي، ضمن دفعته الأولي (عام 1946 )، التي ضمت نعيمة وصفي وفريد شوقي وحمدي غيث وشكري سرحان وعبدالرحيم الزرقاني، وكانت أصغرهم سناً، وأولاها العميد زكي طليمات اهتماماً خاصاً. تقول فاتن: "بدأ يدربني علي نطق حرف الراء، حيث كنت أعاني لدغة في لساني فأنطق الراء (غيناً) واستفدت كثيرا من هذه التدريبات. كما استفدت كثيرا من الدراسة في المعهد فقد تعلمت اللغة العربية وكان أستاذي هو الدكتور علي مبارك، وتعلمت فن الإلقاء ومخارج الألفاظ ووضوح الصوت". في يوم الدراسة الأول طلب منها الفنان زكي طليمات عميد المعهد ، أن تقدم مشهدا تمثيليا أمام زملائها. وفيما بعد كتب معلقا : لم يكن فيما قدمته فاتن شيء من الحذق الفني . من الصنعة في أحسن أحوالها. لكن كان هناك أشياء تنبئ عن فطرة سليمة وخصبة . صوتها ضعيف ، ولكنه ثاقب وساخن ينفذ إلي ما وراء الأذن ، إلي القلب ، إنها تحس ما تقوله إحساسا عميقا، يرتسم علي كل أعضاء جسمها ، مثل صندوق آلة الكمان أو العود الذي يهتز بكل كيانه عندما تلامسه ريشة العازف . 3000 عريس في سنة أحس يوسف وهبي بخبرته إمكانات الفنانة الناشئة، فجعلها تمثل دور ابنته في فيلم "ملاك الرحمة" (1946)، وبدورها الكبير في هذا الفيلم سرقت الكاميرا من الممثلين الكبار، رغم أن عمرها كان 15 سنة فقط، وهكذا انتقلت إلي مرحلة جديدة، وبدأ اهتمام المخرجين والنقاد بها. تقول فاتن: "يوسف وهبي وضعني علي خريطة السينما، فبعد أن قمت بأدوار ثانوية في عدة أفلام، أسند إلي بطولة فيلم "ملاك الرحمة" لأودّع مرحلة الطفولة... بعد عرض الفيلم تلقيت أول رسالة من معجب. كان من سوريا، وأسهب كثيراً في وصف نفسه، وتحدث عن ثروته، ثم أنهي الخطاب بطلب الزواج، فأسرعت إلي والدي وأنا خائفة جداً وأعطيته الخطاب، فقرأه بهدوء ثم ابتسم وقال: توقعي أن يصلك الكثير مثل هذه الرسائل. ونصحني ألا أهتم بالمضمون، وأن أرد بأدب ولباقة، وقال لي هذا واجبك نحو المعجبين وحقهم عليك. ثم اصطحبني إلي مصور معروف، التقط لي عدة صور في أوضاع مختلفة، وفوجئت بوالدي يطلب منه أن يطبع 500 نسخة من كل لقطة! ولما سألته عن سبب هذا العدد الكبير قال: إن خطابات المعجبين ستزداد كل يوم، وسوف يطلبون صورك، ويجب ألا تتأخري عنهم. ومنذ ذلك اليوم وأنا لا أتأخر في الرد علي أي رسالة تصلني، وأذكر أن توقعات والدي تحققت بالفعل، بعد مشاركتي في خمسة أفلام دفعة واحدة عام 1946 هي "ملاك الرحمة، ملائكة في جهنم،
الملاك الأبيض، الهانم ودنيا" وثلاثة أفلام أخري عام 1947 هي "نور من السماء والقناع الأحمر وأبو زيد الهلالي". فأصبحت فنانة مشهورة، وراحت الصحف والمجلات تنشر صوري وأخباري، وأصبح لي جمهور عريض، وصرت أتلقي كل يوم عشرات الرسائل من المعجبين، كثير منها يحمل عروضاً للزواج، حتي وصل عدد من أبدوا رغبتهم في الارتباط بي، خلال 1947 حوالي ثلاثة آلاف شخص. أبو زيد الهلالي لكن فاتن سرعان ما تزوجت زواجا فنيا (1947). فخلال العمل في فيلم "أبو زيد الهلالي" التقت بشاعر السينما الكبير عزالدين ذو الفقار. كانت تتردد مع والدها علي "بيت الفن"، النادي الذي أنشأه الفنانون ليجتمعوا فيه، وكان عز الدين ذو الفقار من بين المترددين علي النادي، وقامت بينه وبين والد فاتن صداقة قوية، وكان يستعد لإخراج فيلم "أبو زيد الهلالي" لحساب المطرب محمد أمين، وكان من المتفق عليه بين منتج الفيلم وبين مخرجه أن تقوم إلهام حسين بدور البطولة، وفشلت الشركة في الاتفاق معها، فبدأت تبحث عمن تصلح للقيام بالدور. تقول فاتن: وفوجئت بإسناد الدور لي، وكان الفيلم نقلة كبيرة في حياتي الفنية، وبعد نجاحه رشحت لأدوار بطولة أخري، ولمع اسمي أكثر، وأصبحت نجمة من نجمات الصف الأول. في تلك الآونة تقدم عز الدين ذوالفقار طالباً يدي، فوافق والدي شرط التأجيل إلي ما بعد انتهائي من الدراسة الثانوية، وراح عز الدين يتردد علينا في البيت، خاصة بعد أن اتفق مع والدي علي تكوين شركة سينمائية كبيرة، وبالفعل قدمنا سوياً فيلم "خلود"، وخلال تصويره اقتربنا أكثر، واتفقت معه علي اختصار الطريق بالزواج فوراً، وضحيت بدراستي لكي أتفرغ للفن والحياة الزوجية، وأشرفت بنفسي علي تأثيث شقتنا الجديدة، ورزقت بابنتي نادية. وقد عشت مع عز الدين فترة مزدهرة من حياتي، نضجت فيها فنياً، ولم يعارض رغبتي في تأسيس شركة إنتاج، وتولي بنفسه إخراج "موعد مع الحياة" أول فيلم أنتجه لحسابي، حقق نجاحاً فنياً ومادياً، واعتبره النقاد من الأحداث الفنية الكبري". اليتيمتين اشتركت فاتن مرة أخري في التمثيل مع يوسف وهبي في فيلم "كرسي الاعتراف" (1949)، ولعل أبرز أعمال فاتن في تلك المرحلة فيلم حسن الإمام "اليتيمتين" (1948) الذي لعبت فيه دور نعمت الفتاة البائسة التي فقدت بصرها، نتيجة استعمال مادة كاوية بدلاً من القطرة عن طريق الخطأ، ثم سقطت في براثن عصابة استغلتها في التسول. فقد شكل هذا الفيلم نقطة تحول في حياة فاتن الفنية، إذ اكتشفت السينما المصرية في هذا العمل المليودرامي المؤثر، أخيراً، وبعد أدوار الملاك والابنة اللطيفة والأخت الصغري البريئة المرحة، اكتشفت إمكانات فاتن كممثلة وكنمط، جري استغلاله بنجاح عبر سلسلة من الأفلام المتشابهة الموضوع، تدور كلها حول قدرتها علي أن تلعب دوراً أو رمزاً للخير الخالص، بما تمثله شخصيتها كفتاة من رقة وبراءة ونقاء وطهر، يتم استغلالها من قبل الأشرار أو من قبل الأقدار الغاشمة. وهكذا مثلت فاتن وحتي عام 1951 أكثر من عشرة أفلام دارت كلها حول شخصية البنت البريئة الشريفة التي تظلمها أقدار أقوي منها، ولكنها تصر علي الاحتفاظ بشرفها وأمانتها، وتواجه الشر بعزيمة لا تلين.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.