طلبت مني إحدي الصحف العربية إجراء حوارات مع بعض الفلاسفة الإسلاميين، فالتقيت بالراحل عاطف العراقي، منذ شهور، وأجريت الحوار الذي- ولظروف خاصة- لم ينشر. «القاهرة» تنشر الحوار مع واحد من أهم الفلاسفة في القرن العشرين، وقد دارت الأسئلة حول موقفه من الثورة. يؤيد المفكر العربي الدكتور عاطف العراقي الخروج علي الحاكم الظالم مهما كانت قوته وجبروته ومهما طالت مدة الثورة عليه حتي يحصل الناس علي حقهم الضائع كذا يري أن الثورة لا تنجح في تحقيق هدفها إلا إذا أطاحت بجميع أفراد وأعوان النظام الظالم. ما مفهوم الثورة ؟ - كلمة الثورة تعني الخروج علي الوضع القائم بغية تحقيق العدالة وتحسين الأوضاع وهناك تعريف لكلمة ثورة ظهر مع الثورة الفرنسية وهو قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة وفي الفكر الماركسي كان من يقود هذه الثورة هم قيادات العمال المعروفة بالبروليتاريا أما التعريف المعاصر هو التغيير الذي يحدثه الشعب من خلال أدواته أو من خلال شخصيات تاريخية لتحقيق حياة أفضل عجز الحاكم القائم عن تنفيذها ، والثورة تنقسم إلي عدة أنواع وأشكال تختلف من عصر إلي عصر بمعني أننا قد نجد منهج الثورة والأدوات التي يستخدمها الثوار تختلف من مكان إلي مكان ومن حقبة زمنية إلي حقبة زمنية أخري . ما التأصيل الإسلامي للمعارضة السياسية - هل لذلك نماذج واضحة في التاريخ الإسلامي ؟ - الإسلام علي مر تاريخه شهد أحداثا ثورية ضد الحكام وذلك أننا نجد ثورة ضد بعض الخلفاء الراشدين منذ عصر الخليفة الأول «أبو بكر الصديق» والتي تتمثل فيما تعرف بحروب الردة وهي في الأساس اعتراض علي اختياره، أيضا ما حدث بالنسبة لمقتل عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما بل قد تقوم الثورة من فرد واحد ضد الحاكم كما حدث من الصحابي أبي ذر الغفاري ضد حكم عثمان بن عفان الذي اعترض علي بني جلدته من الأمويين الذين كانوا يكنزون المال ويتعاملون مع الرعية علي أنهم ملوك وانتهي الأمر بتحديد إقامته في المدينة وكما حدث لعمر بن الخطاب من أبي لؤلؤة المجوسي وأيضا قد نجد ثورة ضد اتجاه ديني معين واتجاه آخر مثل ما بين السنة والشيعة كما حدث في مصر إذا قارنا بين حكم صلاح الدين الأيوبي والحكم الفاطمي لمصر. ماذا عن ثورة 25 يناير ؟ - ثورة 25 يناير ينطبق عليها مصطلح الثورة بمفهومها العام نظرا لأسباب محددة تتمثل ليس فقط في المطالبة بخلع شخص معين وهو (رئيس الجمهورية ) واستبداله بشخص آخر بل ان مجرد مطالبة الشباب بتغيير شخص مكان شخص فهذه ليست ثورة ولكنها تطالب بتغييرات جذرية وإصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية مثل نظام تحسين الدخل بحيث يوجد التقارب بين الدخول وليس التباعد كما هو موجود ايام مبارك وايضا تطالب بالغاء النظام الديكتاتوري واستبداله بالنظام الديمقراطي . هل ظهور الأديان بما فيها الإسلام يعد ثورة علي الأوضاع السائدة حينها ؟ - حينما يظهر دين جديد فهو ثورة ولكن لابد ان نضع في الاعتبار ان الاديان التي اساسها واحد- اي منزله- فانها تتفق علي الاسس العامة والتعاليم الاخلاقية فإنها لا تقوم بإلغاء الاسس الكبري في الدين السابق كالقول بالاعتقاد بإله واحد والثواب والعقاب في الاخرة والقول بالرسل فإذا أطلقنا مصطلح الثورة حينما يأتي دين جديد فلابد أن نلتزم الحذر. لماذا ؟ إن الثورة حين ظهور دين جديد غير الثورة من جانب البشر لان الدين الجديد يأتي عن طريق وحي ينزل علي انسان خصصه الله تعالي لإبلاغ الناس بطريقة حياة تختلف جذريا عن الحياة السابقة فاذا جاء الاسلام ضد النظام الوثني فالانتقال من عبادة الاصنام الي عبادة إله واحد هو الواحد القهار فإن هذا لا يكون عن طريق بشر لكن عن طريق وحي من السماء وهذا لا يعد ثورة في حد ذاته لأننا إذا قلنا إنها ثورة فإننا بذلك نقول إن الله سبحانه وتعالي قد غير رأيه وهو ما يستحيل عليه تعالي ولكن الثورة في الفكر الذي جاء به هذا الدين وأحدث تغييرا في حياة الناس . ما موقف السنة النبوية من الثورة؟ - حثت السنة النبوية الناس علي كل ما فيه المنفعة لهم و دعت إلي العدل والمساواة بين البشر ونبذ الظلم والاستبداد وعدم خيانة الأمانة فالحكم أمانة والرعية أمانة في عنق الحاكم فقد قال([) كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته وهناك من اعترض علي الرسول ([) في مواقف عدة ومع ذلك نجد الرسول ([) يوضح الأمر دون تعنيف وهناك حديث للرسول ([) قال فيه: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» هل يعد ظهور الفرق الإسلامية مظاهر ثورية ؟ - ظهرت الفرق الإسلامية بطبيعة الحال بعد ظهور الاسلام وهناك من يري أنها نتاج فكري بعد الانفتاح علي ثقافات الأمم الأخري وهناك من يري أنها ظهرت نتيجة اعتراضات علي الأوضاع القائمة حينها فمثلا نجد فرقة الخوارج هي معارضة سياسية أما المعتزلة والاشاعرة فعليها خلاف في أسباب نشأتهما سواء فكرية أو سياسية لكن بشكل عام هي مظاهر ثورية سواء في الفكر أو السياسة وليس من الضروري ان ترجع نشأة كل الفرق الاسلامية الي اسباب سياسية. ما موقف هذه الفرق من الخروج علي الحاكم ؟ - الفرق الإسلامية تعرضت للثورة علي الحاكم فالخوارج رأيهم ان الاسلام يقبل كله او يستبعد كله ليس هناك وسط فالمؤمن من يؤمن بكل جزئيات الاسلام ولذلك قالوا ان مرتكب الكبيرة كافر وقالت بوجوب الخروج علي الحاكم الذي يخرج عن تعاليم الإسلام بعكس الاشاعرة الذين اعتبروا مرتكب الكبيرة مؤمنا حتي يحكم الله عليه ومن هنا فالحاكم الظالم يجب علي الرعية أن تصبر عليه ولا تخرج علي حكمه أما المعتزلة قالوا انه بين منزلتين والحاكم الظالم في رأيهم ينصح ويجوز الخروج عليه إذا أصر علي ظلمه للعباد ومخالفة التعاليم الإسلامية . ما رأيك فيما أورده ابن تيمية من أحاديث في كتابه السياسة الشرعية لاصلاح الراعي والرعية في وجوب الخروج علي الحاكم ؟ - أنا ضد أقوال ابن تيمية وأمثاله من المتشددين خاصة أن أقوال ابن تيمية لا يعتد بها وحوله علامات استفهام كثيرة في الاحاديث التي يوردها في كتبه . ماذا عن موقف الفلاسفة من الثورة علي الحاكم ؟ - التنظير موجود طوال تاريخ البشرية عند الفلاسفة وهناك فلاسفة تعرضوا لهذه المسألة مثل الشهرستاني وأبو حامد الغزالي والماوردي وغيرهم من فلاسفة الإسلام وكلهم مع الخروج علي الحاكم متي أخل بواجباته نحو الشعب وخالف تعاليم الإسلام كذا هناك فلاسفة كانت مع عدم الخروج والثورة علي الحاكم بغية الاستقرار وعدم الفوضي ونجد ذلك لدي فلاسفة الغرب فهناك من كان يدافع عن الديكتاتورية وهناك من كان يدافع عن الديمقراطية ويدع الثورة لتحقيقها . هل هناك أنواع متباينة للخروج علي الحاكم ؟ بالفعل هناك أنواع كثيرة ولكل منها أدواته إما سلمية مثلما حدث عند غاندي ضد انجلترا وقد تكون بالقوة مثل الثورات العسكرية يقال ما يؤخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة لكن معظم فقهاء الإسلام مع عدم العنف والخروج الذي لا ينتج عنه سفك دماء . ما آليات الحكم في الإسلام وما الذي نحتاجه اليوم لإقرار الحريات ومنع ظهور ديكتاتوريات جديدة ؟ - الإسلام لم يحدد شكلا أو طريقة للحكم لكن الفيصل في الأمر هو العدل بين الرعية ويجب حتي نضمن عدم وجود ديكتاتور جديد العمل علي توعية الجماهير فكريا وغرس الديمقراطية في نفوس كل افراد الشعب وتعريف كل الشعب ماله من حقوق وما عليه من واجبات وكل الدول الديمقراطية نجحت بذلك فتقدمت . كيف يمكن برأيك الحفاظ علي مكتسبات الثورة ؟ - لابد من الإطاحة بكل من استفاد من النظام السابق سواء كانت استفادته مادية او استفادته من منصب من المناصب فالثورة الفرنسية نجحت بابعاد كل من ينتمي للنظام السابق ونجد عندنا ابقاء علي بعض الشخصيات التي مازالت تلعب دورها القديم داخل مواقعها الرسمية السابقة .