شرايين الحياة إلى سيناء    حزب أبناء مصر يدشن الجمعية العمومية.. ويجدد الثقة للمهندس مدحت بركات    رئيس الوزراء يصل الرياض للمشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي نيابة عن رئيس الجمهورية    لميس الحديدي: رئيسة جامعة كولومبيا المصرية تواجه مصيرا صعبا    قطارات السكة الحديد تغطي سيناء من القنطرة إلى بئر العبد.. خريطة المحطات    إعلام إسرائيلي: معارضة بن غفير وسموتريتش قد تجهض أي صفقة لتبادل الأسرى مع حماس    مصر تواصل الجسر الجوى لإسقاط المساعدات على شمال غزة    تعليق ناري من أحمد موسى على مشاهد اعتقالات الطلاب في أمريكا    المنتخب الأولمبي يخوض وديتين فقط بمعسكر يونيو    محافظ القاهرة: استمرار حملات إزالة التعديات والإشغالات بأحياء العاصمة    "مستحملش كلام أبوه".. تفاصيل سقوط شاب من أعلى منزل بالطالبية    جريمة طفل شبرا تكشف المسكوت عنه في الدارك ويب الجزء المظلم من الإنترنت    أصالة من داخل قصر الإمارات قبل انطلاق حفلها في أبو ظبي ( صور)    رامي جمال يحتفل بتصدر أغنية «بيكلموني» التريند في 3 دول عربية    عزيز الشافعي عن «أنا غلطان»: قصتها مبنية على تجربتي الشخصية (فيديو)    جامعة كفر الشيخ تنظم احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة    "اشتغلت مديرة أعمالي لمدة 24 ساعة".. تامر حسني يتحدث عن تجربة ابنته تاليا    أمين صندوق «الأطباء» يعلن تفاصيل جهود تطوير أندية النقابة (تفاصيل)    افتتاح المدينة الطبية بجامعة عين شمس 2025    غدا.. إعادة إجراءات محاكمة متهم في قضية "رشوة آثار إمبابة"    80 شاحنة من المساعدات الإنسانية تعبر من رفح إلى فلسطين (فيديو)    ما هي مواعيد غلق المحال والكافيهات بعد تطبيق التوقيت الصيفي؟    صور.. إعلان نتائج مهرجان سيناء أولا لجامعات القناة    سمير فرج: مصر خاضت 4 معارك لتحرير سيناء.. آخرها من عامين    حبست زوجها وقدّمت تنازلات للفن وتصدرت التريند.. ما لا تعرفة عن ميار الببلاوي    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    «الحياة اليوم» يرصد حفل «حياة كريمة» لدعم الأسر الأولى بالرعاية في الغربية    أمل السيد.. حكاية مؤسِّسة أول مبادرة نسائية لتمكين المرأة البدوية في مطروح    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    وكيل صحة الشرقية يتابع عمل اللجان بمستشفى صدر الزقازيق لاعتمادها بالتأمين الصحي    حكم الاحتفال بعيد شم النسيم.. الدكتور أحمد كريمة يوضح (فيديو)    طاقة نارية.. خبيرة أبراج تحذر أصحاب برج الأسد من هذا القرار    أنس جابر تواصل تألقها وتتأهل لثمن نهائي بطولة مدريد للتنس    بالصور.. مجموعة لأبرز السيارات النادرة بمئوية نادى السيارات والرحلات المصري    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    عاجل.. وزير الخارجية الأميركي يتوجه إلى السعودية والأردن وإسرائيل مطلع الأسبوع    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة| الأنابيب الكيني يفوز على مايو كاني الكاميروني    ليفربول يُعوّض فينورد الهولندي 11 مليون يورو بعد اتفاقه مع المدرب الجديد    النيابة تطلب تحريات إصابة سيدة إثر احتراق مسكنها في الإسكندرية    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    بلينكن في الصين.. ملفات شائكة تعكر صفو العلاقات بين واشنطن وبكين    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    مصر تواصل أعمال الجسر الجوي لإسقاط المساعدات بشمال غزة    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    ضبط عاطل يُنقب عن الآثار في الزيتون    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    وزيرة التضامن توجه تحية لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بسبب برنامج المكفوفين    خالد بيبو: لست ناظر مدرسة «غرفة ملابس الأهلي محكومة لوحدها»    عمرو صبحي يكتب: نصائح لتفادي خوف المطبات الجوية اثناء السفر    أستاذ «اقتصاديات الصحة»: مصر خالية من شلل الأطفال بفضل حملات التطعيمات المستمرة    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التيارات السلفية بين التنوع والاختلاف‮
نشر في الوفد يوم 14 - 05 - 2011


إعداد دعاء البادي‮ :‬ مصطفي عبد الرازق‮
أمام التخوفات التي‮ سادت بشأن السلفية وما اعتبره البعض مخاطرها وجب التعرف علي جذور السلفية في التاريخ الإسلامي،‮ والتي‮ يشكل جوهرها ثلاثة من الرموز الإسلامية بامتداد التاريخ الإسلامي‮ وهم أحمد بن حنبل وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب‮.‬
نشأة الفكر السلفي
أحمد بن حنبل
يرجع الكثيرون بداية الفكر السلفي لابن تيمية في القرن السابع الهجري‮ مقصرين النظر عن البدايات الحقيقة لهذا المنهج فالإمام أحمد بن حنبل أحد ملهمي المذاهب الأربعة التي تسير علي تعاليمها الأمة الإسلامية إلي الآن‮ ،‮ هو أول من رمي بذور الشجرة السلفية التي ما زالت حتي اليوم تنبت فروعا جديدة لها‮.‬
تحمل ابن حنبل الذي ولد في عام‮ 164وتوفي‮ 241‮ هجرية علي عاتقه مواجهة فكر المعتزلة ذلك الفكر الذي ظهر في نهايات القرن الأول الهجري وتنامي في العهد العباسي ليتكفل بالرد الفلسفي العامل للقياس والتأويل علي أبناء البلدان التي شملتها الفتوحات الإسلامية والذين‮ يعملون العقل والفلسفة اليونانية في جدالهم مع المسلمين المبشرين‮.‬
المعتزلة جاهدوا لحماية الدين الإسلامي من السقوط في بئر التناقض مع التيار العقلي الذي‮ يتبناه أصحاب الفكر الأرسطي والسقراطي والمشيكيين في الدعوة‮ ،‮ مما جعلهم‮ يواجهون الفلسفة بالفلسفة ما أدي بهم إلي إهمال بعض النصوص والمأثورات‮. ونتج عن ذلك التوسع المعتزلي في تفسير الدين تخوفات من ضياع النصوص ودعوات بالعودة إلي مأثورات السلف لتبرز لأول مرة منذ وفاة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام كلمة‮" سلف‮" في التاريخ الاسلامي‮ ،‮ وتزعم بن حنبل دعوة الرجوع الي ما سلف‮.‬
حاول بن حنبل صد تغريب الإسلام كما رأي من خلال مجموعة من الثوابت التي شكلت باكورة الحركة السلفية في العالم‮ حيث حرم،‮ حسبما تذكر بعض المصادر،‮ علم الكلام والذي استخدمه المعتزلة في مناظراتهم مع المتفلسفين‮ ،‮ كما نهي عن تأليف الكتب بحجة عدم معرفة عصر البعثة والصحابة هذه البدع‮. كما حرم بن حنبل الخروج علي الحاكم مهما بلغ‮ فجره وفسوقه فالثورة عليه تعجل بالمخاطر وتعطل مصالح الناس‮.‬
لاقت دعوة بن حنبل هجوما شديدا من جانب الخلفاء العباسيين المأمون والمعتصم والواثق وهو الحاكم العباسي في تلك الفترة ومع تشبث الامام برأيه تعرض للسجن والتعذيب حتي وفاة المعتصم وتولي المتوكل الذي كان‮ يميل للنصوص عن العقلانية ومن ثم اخرج بن حنبل من محبسه لتكون فترة المتوكل عصر انتعاش للحركة السلفية وقد أصبح المنهج السلفي منهجا رسميا للدولة العباسية في عهد الخليفة القائم بأمر الله‮.‬
ويأتي أفول نجم السلفية الحنبلية مع انتهاء العصرالعباسي وتسلم القيادة للمماليك إلي جانب بزوغ‮ نجم الاشاعرة الذين نجحوا في إقناع الحكام وقتها بمنهجهم،‮ حيث نجحت الدولة المملوكية في صد الفكر السلفي‮.‬
ابن تيمية
وسط‮ غزو التتار والفتن الداخلية والحروب الصليبية وحكم المماليك واندثار الحركة السلفية‮ ... عاش ابن تيمية في القرن السابع الهجري‮. وبعد دراسته للعلوم الفقهية ونبوغه الذي أبهر الولاة قبل العامة أخذ ابن تيمية أو كما‮ يلقبه السلفيون بشيخ الإسلام علي عاتقه إحياء المنهج الحنبلي‮ .‬
وعلي درب معلمه استُدعي لمناظرات مع أهل التأويل كان أبرزها مايخص مسألة صفات الله‮ ،‮ انتهت بسجنه اكثر من مرة‮. كثير من العلماء الذين عاصروه اختلفوا معه واتهموه بالتشدد والغلو إلا ان اكثر من عادوه كانوا المتصوفة الذي‮ أنكر عليهم كثيرا من تصرفاتهم وفقا لرؤيته مما دعاه إلي تكفير ابن عربي أحد أبرز الرموز الصوفية في التاريخ‮.‬
وعلي درب معلمه تبني ابن تيمية فكرة طاعة الحاكم وعدم الخروج عليه لما‮ يتبع ذلك من اضرار علي الأمة بأثرها‮. أنهي حياته في السجن ليترك كتبه التي حملت فتاويه تذاكر لتلامذته وساحة للجدل بين مؤيدي‮ ومعارضي فكره‮.‬
محمد بن عبد الوهاب
يعتبر محيي السلفية في العصر الحديث‮ ،‮ فبعد قرون من الدعوة التيمية‮ ،‮ عاد محمد بن عبد الوهاب لاحياء أفكار ابن حنبل وابن تيمية بعد أن نال من علوم الدين في المدينة والبصرة ما رأه هو مؤهلا له ليكمل مسيرة معلميه الأوائل‮.‬
من موطنه‮ "‬نجد‮" في المملكة العربية السعوية كانت بداية دعوته لترك المجاهل التي‮ غرق المسلمون فيها علي مدي قرون من البعد عن صحيح الدين كما كانت تظهر له معالم الخريطة الإسلامية‮.‬
واختلفت دعوة بن عبد الوهاب القائمة عن سابقيه في كونها شملت لأول مرة مفهوم السلفية الجهادية فقد خرج بن عبد الوهاب وأتباعه للجهاد وإرجاع المسلمين عن ضلالهم‮ .‬
وقد احتوي محمد بن سعود مؤسس مملكة آل سعود وأمير الدرعية قبل تأسيس المملكة بن عبد الوهاب وساعده علي انتشار فكره لمدة خمسين عاما‮ ،‮ حتي نجحا في السيطرة‮ علي أنحاء شتي من أراضي الحجاز‮ .‬
وبعد وفاة بن عبد الوهاب وبن سعود استكمل آل سعود وتابعيوبن عبد الوهاب الطريق الجهادي لنشر دعوتهم علي خلفية توافق أهدافهم السياسية والدينية‮. وأمام تلك الحالة شبه الجزيرة العربية‮ ،‮ واجهت الخلافة العثمانية زحف السلفيين بحملات ولاتها في العراق والشام ومصر‮.
إذا كان التاريخ قد احتشد بما‮ يمكن أن‮ يصلح بوصفه انتشار السلفية فقد اتسم القرن العشرون باتساع انتشارها علي الساحة المصرية وسط تساؤلات بشأن مستقبلها خلال القرن الحادي‮ والعشرين‮. في‮ هذه السطور نقدم نظرة تأملية نستعرض من خلالها التيارات المختلفة من خلال ما‮ يمكن وصفه بقراءة مسحية في‮ العديد من المصادر الاساسية في‮ هذا الموضوع‮.‬
الدعوة السلفية‮:‬
ولدت الدعوة السلفية من رحم الجماعة الاسلامية،‮ فعدد من هؤلاء الذين رفضوا الانضمام للاخوان المسلمين وعلي رأسهم اسماعيل المقدم الطالب بجامعة الاسكندرية كونوا تنظيما منفصلا نجح في الانتشار خاصة داخل محافظة الاسكندرية التي أصبح حتي الان مقر قادته‮.‬
وعلي النهج السلفي‮ يسير اصحاب جماعة الدعوة فيتمسكون بالقرآن والسنة إلي جانب اهتمامهم بما جاء في كتب الائمة والفقهاء لذا تمثل تلك الجماعة ما‮ يمكن تسميته بالسلفية العلمية‮ ،‮ كما تؤمن الدعوة السلفية بضرورة الجهاد ضد الحاكم في حال عدم التزامه بتطبيق الشريعة الاسلامية‮.‬
ترفض الدعوة السلفية العمل في‮ إطار هيكل مؤسسي رسمي لاعتبارها المؤسسات الحكومية‮ غير اسلامية كما تحرم المشاركة في العمل السياسي المحاط بقواعد تجبرهم علي التنازل عن عقائدهم‮.‬
نجح أصحاب الدعوة السلفية في الانتشار والاستحواذ علي حيز كبير من الشارع الذي‮ يسيطر عليه الإخوان المسلمون والجماعة الإسلامية إلا ان أحداث‮ 11سبتمبر ادت الي التطويق الامني لنشاطهم واجبار قادتها علي حصر دعوتهم في الاسكندرية‮.‬
ويتميز اعضاء تلك الجماعة بالظهور الإعلامي الذي اوجد لهم مكانا في الشارع ومنهم محمد حسان ومحمد حسين‮ يعقوب وأبو اسحاق الحويني الي جانب قادة الهيكل التنظيمي‮ ياسر برهامي وسعيد عبد العظيم‮.
أنصار السنة المحمدية‮:‬
‮ تختلف تلك الجماعة في كونها تعمل تحت المظلة الرسمية كمؤسسة حكومية‮ ،‮ إلي جانب قدم نشأتها مقارنة بالجماعات السلفية الاخري‮. في عام‮ 1926أعلن عن بداية انشطتها برئاسة الشيخ محمد حامد الفقي من مسجد الهدارة بالقاهرة كجمعية سلفية ترمي الي إصلاح المجتمع عبر الالتزام بتشريع الكتاب والسنة لنشل الإسلام مماعلق به من خرافات وبدع سائرين علي هدي أفكار ابن تيمية في الاحتكام للنص و تحريم زيارة القبور‮ .‬
ويفسر التدقيق في‮ ثوابت تلك الجماعة سبب نشأتها في تلك الفترة من القرن العشرين‮ ،‮ فخروج المرأة في هذا التاريخ الي الحياة العامة كان محورا هام في عقيدة انصار السنة فدعوا الي قوامة الرجل واجتثاث أهم اسباب تردي الاوضاع المجتمعية بمنع المرأة من الخروج إلي السينمات والملاهي‮.‬
وللجماعة‮ العديد من الانشطة التي تحاول بها‮ تحقيق أهدافها عبر فروعها في جميع المحافظات والتي وصلت الي150فرعا ومن هذه الانشطة‮ ... معاهد إعداد الدعاة ومراكز تحفيظ القرآن ومكتب دعوة الأجانب الذي‮ يختص بتعريف الاسلام‮ باللغات المختلفة للاجانب الي جانب اصدارهم مجلة التوحيد‮ ،‮ ويأتي نشاط قوافل الخير‮ ومراكز نتاج وتوزيع الخبز كأبرز الانشطة للجمعية في السنوات الاخيرة‮.‬
الجمعية الشرعية‮:‬
‮" الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية‮" هذا هو الاسم الذي اختاره الشيخ محمود خطاب السبكي لجمعيته التي اسسها في عام1912واجهة المناخ التغريبي الذي ساد المجتمع‮ بعد الاحتلال البريطاني لمصر‮ .‬
وقد أخذت الجمعية الشرعية الطريق الدعوي لنشر الثقافة الإسلامية،‮ ويمكن اعتبارها جمعية خيرية إذا ما نظرنا لتلك الانشطة التي تقوم بها منذ نشأتها فأقامت المساجد وفتحت مراكز لتحفيظ القرآن الي جانب المستشفيات المجانية‮.‬
وتختلف هذه الجمعية التي تتواجد في مصر عبر‮ 350 فرعا لها‮ ،عن باقي الجماعات السلفية‮ في رؤيتها لتداخل الدين في السياسة‮ ،‮ والاختلاف لا‮ يأتي فقط من إعلان السبكي مؤسس الجماعة عن‮ انشغال اصحاب الجمعية الشرعية بالدعوة فقط ولكن‮ يبرز التمايز في التطور الذي حل علي فكر الجماعة مع مرور الزمن واختلاف قادة الجماعة‮.‬
فخلال الحقبة الساداتية اصدرت الجمعية الشرعية مجلة‮ "‬الاعتصام‮" التي كانت تهاجم القرارت السياسية للرئيس باستمرار حتي تمت مصادرتها في‮ 1981وقد استمر تدخل الجمعية في الامور السياسية باصدار مجلة‮ "‬التبيان‮" والتي سارت أيضا علي نهج مجلة الاعتصام‮.‬
ورغم عدم وضوح الاسباب التي دفعت الجمعية لتطوير فكرها بالنسبة للسياسة إلا ان عددا من الباحثين‮ يرجعون ذلك الي اختراق جماعة الإخوان المسلمين لفكر اصحاب الجمعية الشرعية‮.‬
كما تأخذ الجمعية،‮ علي عكس جميع التيارات السلفية،‮ موقفاً‮ وسطاً‮ من التصوف نظراً‮ لنشأة الشيخ السبكي مؤسس الجماعة في مناخ صوفي‮ ،‮ حيث‮ يفصل فكر الجمعية بين التصوف المعتدل الملتزم بالسنة والتصوف المبني علي البدع‮.‬
السلفية الحركية‮:‬
يطلق عليها البعض السلفية التقليدية الجديدة حيث تعد امتدادا لأفكار السلفية التقليدية القديمة التي ظهرت في العصورالوسطي والتي مثلتها جمعية الهداية في بداية العشرينيات‮ .‬
السلفية الحركية ظهرت في السبعينيات كغيرها من التيارات الإسلامية‮ ،‮ إلا أن اختلافها‮ عن باقي الجماعات‮ يبرز في كونها لا تعتمد علي هيكل تنظيمي محدد،‮ فلكل شيخ أتباع‮ يأخذون منه منهج الدعوة ويبررون مأخذهم هذا بعدم الرغبة في تكوين جماعة جديدة تزيد من تشتت الامة‮.‬
ويكفر الحركيون الحاكم الذي‮ لا‮ يطبق شرائع الإسلام،‮ كما‮ يحرمون المشاركة في المجالس النيابية‮ ،‮ إلا أنهم رغم ذلك‮ يؤمنون بالعمل في السياسة بغية إصلاح ما فسد‮. ومن أبرز شيوخها نشأت إبراهيم واسامة عبد العظيم وفوزي السعيد‮.‬
وتأتي‮ تسمية تلك الجماعة بالحركية لإجازتهم التعاون مع الجماعات السلفية الاخري في الأمور التي تتفق مبادئهم معها وابتعادهم عنها في الأمور التي تختلف معها‮.‬
وقد مارست الجماعة نشاطها بكثافة في السبعينيات إلا أنهم لقوا تشديدا أمنيا في الثمانينيات ليمنعوا من دعوة الناس في الشوارع للصلاة وحضور الدروس الدينية كما كانوا‮ يفعلون سابقا‮.‬
مرحلة تقترب من الخمول عايشها الحركيون حتي تفجيرات‮ 11سبتمبر‮ ،‮ حيث ظهر بعد هذا الحادث ما سمي بتنظيم‮ "‬وعد‮" الذي ناصر اسامة بن لادن وأجاز جهاد تنظيم القاعدة‮ ،‮ ورغم عدم صعود‮ "‬وعد‮" علي السطح العام إلا في عام‮ 2001 الا ان تحقيقات نيابة أمن الدولة كشفت تاريخ تكوين التنظيم في عامة‮ 1996.‬
وعلي إثر اتهامات بمحاولة اغتيال الرئيس السابق حسني مبارك وشيخ الازهر والهجوم علي أهداف أمريكية في مصر‮ تم اعتقال الشيخين نشأت إبراهيم وفوزي السعيد والعديد من الحركيين،‮ ورغم خروج أبرز قادة الحركية من الاعتقال إلا أن الأجهزة الأمنية منعتهم من مزاولة نشاطهم الدعوي العلني مرة اخري‮.‬
السلفية المدخلية‮:‬
تعد أحدث التيارات السلفية في مصر حيث ظهرت بالسعودية إبان الغزو العراقي للكويت عام‮ 1991حيث أيد مؤسسها محمد أمن الجامي التدخل الاجنبي وعادي من عارضوا ذلك مستخلصا من الكتاب والسنة ما‮ يؤيد فكرة‮.‬
يتمحور الفكر المدخلي الذي اقتبس اسمه من لقب أحد رموزه ربيع بن هادي المدخلي‮ ،‮ حول تحريم الخروج علي الحاكم معتبرين الثورة عليه سبباً‮ في تمزيق الامة،‮ مستشهدين بما حدث بعد الفتنة التي أعقبت مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه،‮ لذا فالمدخليون لا‮ يخرجون علي حاكمهم ويحرمون مجرد ابداء النصيحة له علناً‮.‬
ويهاجم المدخليون كل الجماعات والتيارات السلفية الاخري لرفضهم التحزب وإيمانهم بتفتت الامة بتلك الجماعات التي‮ يصفونها بالبدع‮ الضالة‮ .‬
وفي مصر حرمت السلفية المدخلية موجة الاعتصامات والاضرابات التي سادت في الدولة علي مدار اعوام قبل ثورة‮ 25 يناير،‮ واعتبرتها‮ مخالفة لأصول أهل السنة في معاملة الحكام،‮ كما أيدت المدخلية المصرية توريث الحكم في الفترة الاخيرة للنظام السابق حيث أفتي‮ محمود لطفي عامر أحد شيوخها بأن مبارك أمير المؤمنين ومن حقه توريث الحكم لنجله‮.‬
كما حارب الشيخ أسامة القوصي أحد رموز المدخلية في مصر جماعة الإخوان المسلمين بشدة معتبرها الأخطر علي مصر داعيا الي استئصالهم من المجتمع‮.‬
التكفير والهجرة‮ :‬
تعد تلك الجماعة علي وجه الخصوص صنيعة النظام القمعي مئة بالمئة فقد خرجت من رحم السجون المصرية التي شهدت أسوأ أنواع التعذيب خلال الستينيات‮. بعد موجة اعتقالات الإسلاميين الشهيرة في عام‮ 1965وتحديدا عام‮ 1967طلب النظام الناصري تأييد المعتقلين له مقابل الافراج عنهم‮ ،‮ وانقسم الشيوخ علي أنفسهم فمنهم من قبل في سبيل الحرية وبعضهم آثر الصمت‮ ،‮ وآخرون رفضوا بل وكفروا الحاكم وزملاءهم الذين أيدوه ووصل بهم التشدد حد تكفير جميع أفراد المجتمع الذي‮ يقبل الصمت والخضوع لنظام كافر‮ ،‮ وتزعم تلك الجماعة الشيخ علي اسماعيل إلي أن تبرأ من أفكارها ليتولي شكري مصطفي الزعامة بعده‮.‬
وتتقارب افكار تلك الجماعة مع مبادئ الخوارج من حيث التشدد الذي‮ يصل الي حد تكفير جميع من لا‮ يؤمنون بمنهجهم الذي‮ يكفر الحاكم والمحكوم وعلماء الدين الذين لايكفرون الحاكم كما‮ يحل دم كل من انشق عن جماعتهم‮. ويزيد‮ غلو التكفيرين بإنكارهم لما جاء في جميع كتب الفقه وتكفير مؤلفيها كما أنكروا أقوال الصحابة فالإسلام لديهم قرآن وحديث فقط‮. ويحرم المنهج التكفيري التعليم فجميع العلوم التي تدرس كافرة‮ ،‮ كما حرموا الصلاة في المساجد لكون ائمتها كفرة‮.‬
وقد توسع الفكر التكفيري بعد خروج زعيمه شكري مصطفي من السجن في عام‮ 1971 الذي شرع في بناء الهيكل التنظيمي لجماعته‮. وتطبيقا لفكر الهجرة الذي تتبناه الجماعة خرج أعضاؤها الي المناطق المنعزلة عن المجتمع وكان افضل الاماكن التي ارتأتها الجماعة مناسبة لانعزالها بها هي الكهوف والمغارات الموجودة بمنطقة أبي قرقاص بمحافظة المنيا‮.‬
وجاء أفول نجم التكفيريين بعد اغتيال الشيخ محمد حسين الذهبي وزير الاوقاف الاسبق حيث حكم علي خمسة من قيادات الجماعة بالإعدام وعلي رأسهم شكري مصطفي الي جانب سجن المئات منهم،‮ وقد نجحت الاجهزة الامنية في التضييق علي باقي فلول الجماعة ليقل بصورة كبيرة اعداد تابعيها‮.‬
التبليغ‮ والدعوة‮:‬
في الهند أسس محمد الكاندهلوي جماعة التبليغ‮ والدعوة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر‮ ،‮ ونجح في نشر دعوته في محيط موطنه كما توسع‮ فكره الي العالم العربي خاصة في سوريا ومصر والسودان والمغرب والعراق عبر عدد كبير من الدعاة الذين سافروا البلدان المختلفة لنشر الدعوة التبليغية‮.‬
ورغم ابتعاد منهجهم عن الفكر السلفي لكونهم‮ يباركون التصوف ويبتعدون عن فكرة إزالة المنكرات‮ ،‮ إلا أن المنهج التبليغي أخذ صبغة سلفية شكلية لسيادة المنهج السلفي في المنطقة العربية علي جميع التيارات الإسلامية الموجودة في تلك الفترة‮ ،‮ كما أن الشيخ إبراهيم عزت شيخ التبليغيين في مصر كان ذا توجه سلفي‮.‬
ويرفض التبليغيون الذين نحجوا في أن‮ يصبحوا أكبر جماعة دعوية في العالم‮ ،‮ فكرة الدخول في معترك السياسة سواء بالعمل او بالنقد للحكام فهم تركوا السياسة لأهلها،‮ لذا‮ يختلفون عن معظم التيارات الاسلامية الموجودة‮.‬
وقد نجح منهج التبليغ‮ والدعوة الذي كان سببا مباشرا في اعتناق كثير من الأوروبيين والأمريكيين الإسلام،‮ في الانتشار بكثافة بمصر خاصة في فترة السبعينيات‮ ،‮ ويمكن القول إن معظم من انضموا للحركات الإسلامية الاخري في تلك الفترة كانت الحركة التبليغية قد سبق واحتوتهم قبل انضمامهم للتيارات السلفية التي كثرت في تلك الحقبة‮.‬
عقب مقتل السادات ضيقت الاجهزة الامنية علي التبليغيين وتراجع نشاطهم بوفاة زعيمهم الشيخ إبراهيم عزت‮ ،‮ ورغم عدم ثبوت تورط التبليغيين في اغتيال الرئيس الراحل الا ان معظم من نفذوا الاغتيال ساروا علي المنهج السلفي عبر بوابة التبليغ‮ والدعوة التي احتضنتهم ثم تركوها ليشكلوا تنظيم الجهاد وعلي رأسهم عبود الزمر‮.‬
الجماعة الإسلامية‮:‬
داخل أروقة الجامعات في السبعينيات تبلور فكر الجماعة الإسلامية الذي ظهر في محيط سيطر عليه الفكر الماركسي والقومي الناصري،‮ نجح أفراد الجماعة في العمل تحت هيكل تنظيمي محدد فداخل كل كلية هناك مجلس شوري‮ يرأسه أمير وهناك مجلس شوري عام علي مستوي الجامعات ويرأسه أمير الأمراء وكان حلمي الجزار هو امير تلك الجماعة الجديدة واستطاعت الجماعة الانتشار في وقت قصير علي المستوي الجامعي‮.‬
واستمر الصعود الإسلامي التابع لافكار ابن تيمية حتي خروج عدد من القيادات الاخوانية من السجون عام‮ 1977 حيث انشق عدد من قيادات الجماعة واعلنوا انضمامهم الي الإخوان المسلمين وكان أبرزهم حلمي الجزار وعصام العريان وخيرت الشاطر وعبد المنعم أبو الفتوح،‮ فيما رفضت مجموعة اخري الانضمام الي الإخوان وعلي رأسهم ناجح ابراهيم وكرم زهدي‮ .‬
بداية الفكر الجهادي القائم‮ لدي الجماعة لاسلامية‮ القائم علي الفريضة الغائبة التي تدعو لقتال الطائفة الممتنعة عن شرائع الاسلام‮ ،كان في عام‮ 1979حيث ضاق اعضاؤها بقرارات الرئيس الراحل أنورالسادات وعلي رأسها معاهدة كامب ديفيد‮ بالاضافة الي قيام الرئيس الرحل بخنق اعتراضاتهم علي مواقفه عن طريق‮ التضييق عليهم بلائحة الاتحادات الطلابية التي شلت حركة الطلبة في الجامعات،‮ ومن تلك الأجواء برزت فكرة تكفير الحاكم والخروج عليه بكافة السبل ومنها خرجت حتمية تكوين جناح مسلح للجماعة‮ .‬
توجت الجماعة اهدافها باغتيال السادات علي‮ يد خالد الاسلامبولي وعطا طايل وحسين عباس وحكم علي الثلاثة بالإعدام‮ . كما سجن معظم قيادات الجماعة بعد هجومهم علي مديرية أمن أسيوط والاشتباك المسلح مع قوات الامن بعد‮ يومين من اغتيال السادات،‮ ورغم ذلك واصل الإسلاميون خلال الثمانينيات‮ دعوتهم عن طريق اغتيال شخصيات عامة لا تتفق فكريا معهم بالاضافة الي العديد من التفجيرات مما ادخلهم في صدام حاد مع الاجهزة الأمنية استمر علي مدار مايقرب من عقدين الي ان عقدت مبادرة وقف العنف في عام‮ 1997 ‮ لينضم بعدها بتسع سنوات عدد من أعضائها لتنظيم القاعدة في عام2006.‬
تحولات التيار السلفي‮ في‮ مصر الأبعاد والتداعيات‮
علي وقع ثورة‮ يناير وفيما قد‮ يكون جزءا طبيعيا من تداعياتها تعيش مصر هذه الأيام حالة أقرب إلي الفوضي تنتاب مختلف أوجه الحياة بفعل‮ "‬مخلفات‮" النظام السابق‮. وإذا كانت هذه الحالة قد تبدو مقبولة ويمكن التعايش معها علي مستوي قضايا محددة،‮ فإنه‮ يبدو من الصعب إن لم‮ يكن من المستحيل التعايش مع أخري بفعل التأثير السلبي‮ العميق الذي‮ تتركه علي مسيرة ما بعد الثورة الأمر الذي‮ يفرض فهمها والتعامل معها بشكل‮ يكفل خروجا آمنا بالبلاد نحو المستقبل سعيا لتجاوز الركود التي‮ عشناها علي مدار الثلاثين عاما السابقة‮.
علي رأس هذه القضايا الظهور الغريب للتيار السلفي‮ بعد الثورة أو ما‮ يمكن وصفه بازدهار وانتعاش السلفيين بشكل اثار حالة من الفزع والخوف في‮ المجتمع وطرح المزيد من التساؤلات حول مستقبل الأوضاع في‮ مصر في‮ ظل تلميحات لسيطرة التيار الديني‮ بكافة فصائله علي المشهد السياسي،‮ الأمر الذي‮ تزداد خطورته في‮ ظل حالة الاستقطاب الطائفي‮ الذي‮ تواجهه البلاد بين المسلمين والأقباط وتزايدت حدته بعد الثورة وكان للسلفيين جانب في‮ هذا التطور‮.
مخاوف ومبالغات‮
وفي‮ مجال رصد أبعاد المخاوف المتنامية من تصاعد التيار السلفي‮ ومواقفه التي‮ ترد عليها العديد من التحفظات‮ يمكن الإشارة إلي أن ذلك جاء علي خلفية العديد من المواقف والممارسات التي‮ ينذر بعضها بالخطر حال استمرارها وإصرار أنصار هذا التيار عليها‮. ومن أبرز هذه المواقف والتي‮ أفاضت وسائل الإعلام في‮ تناولها وارتكز عليها منتقدو ممارسات التيار السلفي‮ ما‮ يلي‮:‬
‮*‬حادث قطع أذن مواطن قبطي‮ بقنا بدعوي تأجيره شقة لفتاتين سيئتي‮ السمعة بمنزله‮.‬
‮*‬الحديث المرسل والذي‮ لم‮ يرد ما‮ يؤكده عن ضرورة فرض الجزية علي أقباط مصر‮.
‮*‬التقارير‮ غير المؤكدة عن تحذير السلفيين للفتيات من الخروج للشارع دون حجاب‮.
‮* هدم الأضرحة وقبور الأولياء في‮ محافظات مصرية مختلفة‮.‬
‮*‬العمل علي السيطرة علي عدد من المساجد بدعوي سلفيتها وأبرزها مسجد النور‮.
‮*‬تنظيم تظاهرات واعتصامات من أجل قضية القبطيات اللاتي‮ تحولن إلي الإسلام‮.
‮*‬محاولة تنفيذ القانون بعيدا عن الأجهزة التنفيذية مما أسفر عن إشعال الفتنة الطائفية بإمبابة‮.‬
بغض النظر عن حجم الحقيقة والخيال في‮ بعض المواقف السابقة وما إذا كانت صدرت عن السلفيين من الأصل أم لا فإنها أثارت قدرا كبيرا من القلق وعززت الصورة الذهنية عنهم باعتبارهم ممن‮ يمكن أن‮ يمثلون خطرا علي مدنية الدولة المصرية وساد هذا الخوف لدي المصريين بمختلف انتماءاتهم الدينية والسياسية وسط بوادر صدام بين المسلمين أنفسهم مع السلفيين وكذا بين السلفيين والأقباط‮.‬
استدعاء نصوص قديمة‮
وإذا لم نكن في‮ وارد تناول الوقائع والأحداث بالتفصيل في‮ هذا الموضوع،‮ فقد‮ يكون من الضروري‮ الإشارة إلي أن قدرا من الظلم قد حاق بالسلفيين بشأن نسبة بعض الوقائع لهم والمبالغة في‮ بعضها الآخر،‮ الأمر الذي‮ عززته مواقفهم الحقيقية التي‮ اتخذوها بشأن مواقف وقضايا أخري‮. وعلي هذا مثلا نشير إلي أن الحديث عن فرض الجزية علي الأقباط أمر قد‮ يكون من وحي‮ خيال البعض ولا‮ يعكس فيما نراه سوي استدعاء لنصوص تاريخية قديمة،‮ والادعاء بدعوة السلفيين لتطيبقها استغلالا لمناخ التحفز تجاههم في‮ مواجهة الظهور القوي والمفاجئ لهم علي مسرح الأحداث في‮ مصر بعد الثورة‮.
ويكاد أن‮ ينطبق الأمر ذاته علي الحديث عن دعوة السلفيين لحظر خروج الفتيات متبرجات دون حجاب،‮ حيث أن الحديث بهذا الشأن لم‮ يستند سوي إلي شائعات وقد كان من الغريب إن‮ يبدو الأمر وكأنه موقف حقيقي‮ من السلفيين لا‮ يرتقي‮ إليه الشك حتي من قبل بعض القيادات الدينية الإسلامية والمسيحية دون تمحيص لحقيقة هذه الدعاوي،‮ الأمر الذي‮ دعا بعض القيادات القبطية إلي التأكيد علي خروج الفتيات دون خوف من مثل هذه التحذيرات،‮ رغم أن صدورها من الأصل‮ يعتبر محل تساؤل‮!
لا‮ ينفي‮ ذلك بالطبع قيمة الالتزام بالحجاب لدي السلفيين أو‮ غيرهم من التيارات والفصائل الإسلامية الأخري والحرص عليه والمناداة به‮ غير أن الترويج لمناداتهم بحظر خروج الفتيات علي نحو ما ذكر كان،‮ فيما نري،‮ جزءا من إشاعة مناخ من الخوف‮ يبدو أنه استهدف تلجيم التيار السلفي‮ مع بدايات ظهوره القوية والمثيرة للقلق‮.‬
ليس تبرئة لساحة السلفيين‮
غير أن ذلك لا‮ يعني‮ تبرئة ساحة السلفيين من الزج بأنفسهم في‮ قضايا لم‮ يكن لهم الدخول فيها وعلي النحو الذي‮ تم به هذا الدخول الأمر الذي‮ يشي‮ في‮ نظرنا عن قصور في‮ التعامل مع قضايا بالغة الحيوية ويعكس قدرا من المراهقة المجتمعية من قبلهم،‮ الأمر الذي‮ مثل في‮ رأينا امتدادا لمناخ عام في‮ مصر بعد الثورة عكس رغبة عارمة لدي قطاعات واسعة في‮ جني‮ ثمرات هذه الثورة،‮ الأمر الذي‮ حاولت كل فئة من فئات المجتمع تحقيقه وفق الأسلوب والإطار الذي‮ يناسبها‮.
وعلي ذلك بدا من الغريب والمرفوض قيام أفراد‮ ينتمون للتيار السلفي،‮ فرادي‮ أو مجتمعين بهدم القبور في‮ مناطق مختلفة من مصر‮. ورغم أن هذه ممارسة سلفية بامتياز وتعد أحد أسس وأهداف التيار السلفي‮ علي امتداد تاريخه إلي حد أنه تم تطبيقها في‮ البوسنة خلال تسعينات القرن الماضي‮ علي‮ يد سلفيين ذهبوا للجهاد هناك في‮ ظل الحرب التي‮ دارت آنذاك،‮ إلا أنها ممارسة تفتقد الحكمة والمنطق في‮ عالمنا المعاصر الأمر الذي‮ يفرض الدخول مع رموز هذا التيار في‮ نقاش‮ يؤدي‮ لتخليه عن هذا الهدف في‮ تعديل لفكرة بما‮ يتوافق مع التطورات التي‮ نعيشها ويجعله تيارا‮ ينتمي‮ لعالمنا وليس عالما مضي،‮ بما‮ يصح معه وصفه بأنه‮ يبدو وكأنه‮ يعيش خارج الزمن‮!
افتقاد للحكمة‮
يكاد‮ ينطبق الأمر ذاته علي مواقف التيار السلفي‮ المتعلقة بالأقباط،‮ فقد كانت مواقف فصائل من هذا التيار بشأن قضية وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة اللتين‮ يشيران إلي أنهما تحولا إلي الإسلام بالغة التطرف والافتقاد للحكمة كذلك،‮ وتهدد بإشعال الوطن في‮ ظرف حرج أحوج ما‮ يكون فيه لصوت العقل‮. وعلي هذا بدا من الغريب خروج هؤلاء في‮ مظاهرات واعتصامات تطالب باسترداد والإفراج عن وفاء وكاميليا‮. وكان من ملامح خطورة ما لجأ إليه هؤلاء الاعتصام أمام الكاتدرائية القبطية في‮ العباسية للتعبير عن مطلبهم وهو ما استدعي رد فعل من قبل الأقباط باعتصام آخر مماثل احتجاجا علي الاعتصام الذي‮ قام به السلفيون ما كان‮ يهدد بإدخالنا في‮ دوامة من الاعتصامات والمظاهرات علي خلفيات طائفية من‮ غير المأمون عقباها‮.
تحفز مبرر ضد السلفيين‮
في‮ ظل هذا المناخ‮ يمكن استيعاب أبعاد حالة التحفز ضد السلفيين والتي‮ تسهل من إلقاء تبعة كافة الأحداث عليهم والتي‮ كان آخرها فتنة إمبابة‮. وإذا كانت التحقيقات جارية حتي الآن للتحقيق بشأن أبعاد الفتنة فإن ما تم الكشف عنه حتي الآن‮ يشير إلي أنهم أبرياء من التسبب في‮ الفتنة،‮ رغم أن ذلك قد لا‮ يعفيهم تماما من المسئولية في‮ ضوء ذهاب البعض منهم مع من ادعي احتجاز الكنيسة لعبير فخري‮ الأمر الذي‮ كان من المفترض تركه بيد الدولة تتصرف فيه وفقما تراه مناسبا‮.
كيف‮ يمكن تفسير هذه التحولات في‮ مواقف التيار السلفي‮ بعد الثورة وكيف‮ يمكن التعامل معها وترشيدها؟‮
نشير إلي أن بوادر التحول في‮ مواقف التيار السلفي‮ ليست وليدة الثورة وإنما بدت إرهاصاتها مبكرة وبالتحديد العام الماضي‮ مع ظهور مؤشرات تحلل سلطة النظام السابق‮. فقد ظهرت هذه التيارات،‮ حسبما أشار البعض،‮ علي ساحة العمل السياسي‮ العام علي استحياء في‮ النصف الثاني‮ من عام‮ 2010 من خلال المظاهرات المطالبة بالكشف عن مصير كاميليا حيث نظم السلفيون مظاهرات مختلفة بهذا الشأن في‮ القاهرة والإسكندرية‮. ويفسر ذلك ما ذهب إليه‮ الدكتور أسامة الغزالي‮ حرب من حقيقة أن القوي السلفية كانت كامنة وساكنة في‮ ظل الدولة السلطوية السابقة وإنها ما كانت لتجرؤ في‮ ظل النظام السابق علي الإطلاق علي الخروج في‮ مظاهرة حاشدة إلا بإذن وموافقة الأمن وأمن الدولة‮. وعلي ذلك فإنه مع تراجع قبضة الدولة بدت الفرصة سانحة أمام هذا التيار للتعبير عن رؤاه ومواقفه المتشددة والتي‮ اعتبرها أنصار هذا التيار،‮ كما آخرون من تيارات مختلفة،‮ بمثابة اللحظة المناسبة لفرض أجندتهم‮.
استيعاب في‮ العملية الديمقراطية‮
والسؤال المطروح في‮ هذه الحالة هو إذا كان مثل هذا السلوك‮ يبدو مرفوضا في‮ مجتمع‮ يتحول نحو الديمقراطية‮.. فما هي‮ إمكانيات استيعاب هذا التيار في‮ العملية الديمقراطية؟‮
دون حجر علي أي‮ جهد للتكيف مع التحولات التي‮ تشهدها مصر،‮ فإن هذه المهمة تبدو صعبة حيث إن قراءة في‮ الأفكار التي‮ تعكس الرؤي السياسية لرموز هذا التيار تشير إلي بعدهم عن التوافق مع القيم الديمقراطية،‮ رغم أن مساهمات أحد من‮ يتم الإشارة إليه باعتباره من مؤسسي‮ هذا التيار وهو أحمد بن تيمية تمثل قيمة رائعة في‮ مجال الفكر السياسي‮ من خلال عمله‮ "‬السياسة الشرعية في‮ إصلاح الراعي‮ والرعية‮".
وفي‮ هذا الصدد نجد أن الكثير من رموز هذا التيار‮ يعتقدون بحرمة المشاركة في‮ المجالس النيابية ويلتزمون مواقف متشددة بشأن المرأة والأقباط‮ ،‮ كما من المواقف التي‮ يلتزمها الفصيل الأكبر منهم هو عدم جواز الخروج علي الحاكم،‮ وهو ما‮ يثير التساؤل والدهشة بشأن سعي‮ السلفيين لجني‮ ثمرة ثورة من المفترض أنهم لم‮ يسعوا لها في‮ ضوء مواقفهم التي‮ كانت تقوم علي أنهم لا‮ يخوضون في‮ السياسة‮. ويسود مواقفهم قدر من الالتباس بشأن النظر للديمقراطية ومدي ارتباطها أو تناقضها مع الشوري الإسلامية وغير ذلك مما لا‮ يوفر أساسا‮ يمكن الاعتماد عليه في‮ القول بإمكانية خوضهم‮ غمار العمل السياسي،‮ الأمر الذي‮ يمكن معه القول بأن السلفيين في‮ حاجة إلي عملية تأهيل سياسي‮ للتعايش مع قيمة الديمقراطية في‮ شكلها المعاصر وعلي النحو الذي‮ تجري محاولة العمل به وتطبيقه في‮ مصر‮.
وعلي هذا‮ يمكن تفهم الخوف من إمكانية امتلاكهم زمام الموقف،‮ الأمر الذي‮ عبر عنه الموسيقار عمار الشريعي‮ بقوله أنه لو وصل السلفيون إلي الحكم فسوف‮ يعتزل ويتوب عن الجاهلية،‮ أي‮ الفن،‮ لأن وجهة نظرهم عن الفنون معروفة‮! صحيح أن هناك حالة من التربص بالحالة الإسلامية ككل في‮ مصر من قبل بعض رموز وقوي معروفة بدا تهافتها في‮ الإعراب عن انزعاجها من لقاءات عقدها شيخ الأزهر مع رموز التيارات الإسلامية في‮ مصر ومنهم التيار السلفي‮ بدلا من الترحيب بها،‮ إلا أن بعض مواقف التيارات الإسلامية تعزز بعض هذه المخاوف‮.
ومن حق المجتمع مع تزايد بروز وظهور التيار السلفي‮ أن‮ يسعي لضمان وجود الأسس التي‮ تجعل من هذا التيار إضافة تصب في‮ تقدمه ونهضته وليس جره إلي مشكلات‮. ويتزايد هذا الحق مع إعلان بعض ممثلي‮ السلفيين عن اتجاههم لخوض‮ غمار العمل السياسي‮ من خلال تشكيل أحزاب جديدة،‮ الأمر الذي‮ قد‮ يكون رغم سلبياته،‮ من حيث الضخ بقوي‮ غير جاهزة للعمل السياسي‮ الديمقراطي،‮ له إيجابياته لجهة دمج هذا التيار في‮ التحولات الجارية‮. ومن المتصور أن وجود شخص مثل الشيخ محمد حسان الذي‮ يعتبر أبرز رموز السلفية في‮ مصر في‮ الوقت الحالي‮ والذي‮ يمثل ما‮ يمكن وصفه ب السلفية البراجماتية‮" قد‮ يكون دفعة لمثل هذا الاندماج،‮ الأمر الذي‮ نحسب أن الكل‮ يجب أن‮ يسعي له والدفع به وترشيده‮.
جماعة الإخوان المسلمين‮.. سلفية أم وسطية؟
هل جماعة الإخوان سلفية أم وسطية؟ هذا هو السؤال الذي يبقي حائرًا بين المتخصصين بشأن تصنيف الجماعة‮. ورغم ما يمكن أن يصيبك من دهشة لتصنيف الإخوان المسلمين كجماعة سلفية إلا أن الجماعة الإخوانية،‮ في منظور البعض،‮ تعتنق المنهج السلفي وإن لم يظهر هذا الفكر جليا في الآونة الأخيرة كما يؤكد عدد من الباحثين في الشأن الاسلامي‮.‬
ووفقًا لهذه الرؤية فقد بدأ التغلل السلفي داخل جماعة حسن البنا خلال الحقبة الناصرية ومع اعتقال القيادات الاخوانية وعلي رأسهم سيد قطب الذي تم اعدامه في عام‮ 1966‮ وهروب العديدين إلي المملكة العربية السعودية ليتشربوا الفكر السلفي ويعودوا به مرة أخري ليمزجوه في بنية الجسد الإخواني‮.‬
وفي مواجهة هذه الرؤية التي تؤكد سلمية الإخوان يرفض عدد آخر من المختصين إلي جانب الجماعة ذاتها اتباع هذا النهج الاصولي وتصف نفسها بالجماعة الاصلاحية الشاملة كما يعرفها مؤسسها الامام حسن البنا علي أنها جماعة سلفية سنية صوفية سياسية رياضية اقتصادية اجتماعية‮.‬
خريطة الانتشار السلفي‮
التوزع السلفي‮ علي الخريطة المصرية‮ يعود الي الأصول التاريخية لكل جماعة كما‮ يؤكد عبد الرحيم علي مدير المركز العربي لدراسة الحركات الإسلامية‮ فتركز جماعة الدعوة السلفية في محافظة الاسكندرية‮ يعود الي مرحلة تكوينها في جامعة الاسكندرية عام‮ 1977‮ علي‮ يد اسماعيل المقدم بعد انفصاله عن الجماعة الاسلامية‮.‬
وتأتي سيطرة الجماعة الإسلامية علي صعيد مصر خاصة في محافظتي المنيا وأسيوط‮ بعد رفض ناجح إبراهيم أمير الجماعة في أسيوط وكرم زهدي أمير الجماعة في المنيا‮ ،‮ الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين عام‮ 1977 وبقائهم داخل الجماعة الإسلامية لينشروا منهجهم في باقي محافظات الصعيد‮.‬
فيما تتركز‮ كثافة جماعة الإخوان المسلمين في محافظات الشمال بالبحيرة والشرقية والمنوفية ودمياط‮ وكفر الشيخ‮.‬
وتقتسم الإخوان المسلمين والدعوة السلفية والجماعة الإسلامية التواجد في القاهرة الكبري وان كانت الغلبة في السيطرة تذهب لصالح الإخوان تتلوها الدعوة السلفية ثم الجماعة الإسلامية‮.‬
وبالنسبة لجماعة التبليغ‮ والدعوة‮ وأنصار السنة والسلفية المدخلية فلا‮ يمكن تحديد أماكن سيطرتهم لانتشارهم علي مستوي الجمهورية‮.
مساجد السلفية
تنتشر المساجد المصبوغة بالنهج السلفي‮ في جميع المحافظات ومن أبرزها في القاهرة‮ (‬العزيز بالله بالزيتون والرحمة في الهرم والنور في رمسيس والاستقامة بميدان الجيزة والايمان بمكرم عبيد‮).‬
وفي الاسكندرية‮ (‬القائد إبراهيم في الرمل وابن تيمية في الفلكي والفتح في مصطفي كامل ونور الاسلام في الرملي والسلام بسيدي بشر وضياء الاسلام في سبورتنج وعباد الرحمن في بقلة والامام ابو حنيفة في سبي باشا‮). وفي المنصورة‮ يعتبر مسجد السنة المحمدية أهم المساجد السلفية في المحافظة‮.‬
وفي البحيرة تبرز ثلاثة مساجد سلفية وهي مسجد الصحابة في فلاجة ومسجد التوبة في دمنهور والجزيرة في دمنهور‮. وفي الغربية‮ يعد مسجد فجر الاسلام أكبر المساجد السلفية في المحافظة‮. وفي المنيا‮ يعد مسجد الرحمن من أهم المراكز السلفية الي جانب مسجد الدعوة السلفية‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.