اعرف أسعار الفراخ البيضاء في بورصة الدواجن اليوم    الحكومة تنفي انتشار بطيخ مسرطن في الأسواق    قطع المياه عن قريتين في مركز ناصر ببني سويف لأعمال الصيانة غدا    معلومات عن نظام باتريوت.. واشنطن رفضت تزويد أوكرانيا به    شيماء البرديني: نتنياهو يريد استمرار الحرب للأبد ويستخدم شعبه كدروع بشرية    قبل مواجهة الترجي.. ماذا يفعل الأهلي في نهائي أفريقيا أمام الأندية العربية؟    هدف تاريخي ينتظر محمد صلاح في مباراة ليفربول ووست هام يونايتد اليوم    «رياضة القليوبية» تطلق مبادرة «العمل حياة بناء مستقبل» احتفالا بعيد العمال    حالة الطقس اليوم.. انخفاض درجات الحرارة ونشاط الرياح نهارا وبرودة ليلا    ضبط 16 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    فيلم عالماشي بالمركز الثالث في شباك التذاكر    ناهد السباعي عن مشاركتها في مهرجان أسوان: كانت تجربة ممتعة    عمرو دياب يتألق في أضخم حفلات صيف البحرين (صور)    حكم من مات ولم يحج وكان قادرا عليه.. الأزهر يوضح ما يجب على الورثة فعله    أستاذ «اقتصاديات الصحة»: مصر خالية من شلل الأطفال بفضل حملات التطعيمات المستمرة    «صحة كفر الشيخ» تنظم قافلة طبية لمدة يومين ضمن «حياة كريمة»    «الصحة» تعلن جهود الفرق المركزية في متابعة أداء مراكز الرعاية الأولية    الأوراق المطلوبة لاستخراج شهادات فحص المقبلين على الزواج للمصريين والأجانب    «الداخلية»: حملات أمنية لضبط حائزى المخدرات والأسلحة تضبط 56 قضية ب4 محافظات    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    طارق يحيى: المقارنة مع الأهلي ظالمة للزمالك    كوريا الشمالية تتهم الولايات المتحدة بتسيس قضايا حقوق الإنسان    صوامع الإسكندرية تستقبل 2700 طن قمح محلى منذ بدء موسم التوريد    سينما المكفوفين.. أول تعاون بين مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير ووزارة التضامن    حماس تتسلم رد إسرائيل بشأن الصفقة الجديدة    نظام امتحانات الثانوية العامة في المدارس الثانوية غير المتصلة بالإنترنت    اليوم.. استئناف محاكمة المتهمين بقضية تنظيم القاعدة بكفر الشيخ    تفاصيل جريمة الأعضاء في شبرا الخيمة.. والد الطفل يكشف تفاصيل الواقعة الصادم    إصابة 10 أشخاص إثر انقلاب أتوبيس في الشرقية    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    زلزال بقوة 4.1 درجة يضرب شرق تركيا    السبت 27 أبريل 2024.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت اليوم    «اللتعبئة والإحصاء»: 192 ألفا و675 "توك توك" مرخص في مصر بنهاية عام 2023    كيف أدَّى حديث عالم أزهري إلى انهيار الإعلامية ميار الببلاوي؟.. القصة كاملة    برج الثور.. نصيحة الفلك لمواليد 27 أبريل 2024    المقاولون العرب" تنتهي من طريق وكوبري ساكا لإنقاذ السكان بأوغندا"    "الشيوخ" يناقش جودة التعليم والتوسع في التصنيع الزراعي، الإثنين المقبل    متى يحق للزوجة الامتناع عن زوجها؟.. أمين الفتوى يوضح    قبل 3 جولات من النهاية.. ماهي فرص "نانت مصطفى محمد" في البقاء بالدوري الفرنسي؟    بعد بقاء تشافي.. نجم برشلونة يطلب الرحيل    بعد رأس الحكمة وقرض الصندوق.. الفجوة التمويلية لمصر 28.5 مليار دولار    حزب الله يعلن استشهاد 2 من مقاتليه في مواجهات مع الاحتلال    سياسيون عن ورقة الدكتور محمد غنيم.. قلاش: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد.. النقاش: تحتاج حياة سياسية حقيقية.. وحزب العدل: نتمنى من الحكومة الجديدة تنفيذها في أقرب وقت    علي جمعة: الشكر يوجب على المسلم حسن السلوك مع الله    وزير الري: الاستفادة من الخبرات العالمية فى استثمار الأخوار الطبيعية لنهر النيل    المتهم خان العهد وغدر، تفاصيل مجزرة جلسة الصلح في القوصية بأسيوط والتي راح ضحيتها 4 من أسرة واحدة    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    بعد ارتفاعها.. أسعار الدواجن اليوم 27 أبريل| كرتونة البيض في مأزق    حكم الشرع في الإسراع أثناء أداء الصلاة.. دار الإفتاء تجيب    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    الأهلي ضد الترجي.. نهائي عربي بالرقم 18 في تاريخ دوري أبطال أفريقيا    يسرا اللوزي تكشف سبب بكائها في آخر حلقة بمسلسل صلة رحم.. فيديو    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    مقتل 4 عمّال يمنيين بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يكتب:حكومة الوفد الديمقراطية تحتفظ بقوانين ديكتاتورية «صدقي» المقيدة لحرية الصحافة
نشر في القاهرة يوم 28 - 02 - 2012

في تحليله لنصوص المواد المتعلقة بالصحافة في أول قانون للعقوبات يصدر بعد إلغاء الامتيازات الأجنبية يقول «د. محمد حسين هيكل» - رئيس تحرير جريدة السياسة آنذاك، إنه عُني بأن يدرس هذه النصوص، انطلاقا مما واجهه أثناء حياته الصحفية «من اعتداء علي حرية النشر، وما سن من تشريعات لتسويغ ما حرمه القضاء من هذا الاعتداء وما كان من احتجاج علي هذه التشريعات أدي إلي إلغائها.. ثم ما علمه من أن هذه التشريعات المقيدة لحرية النشر أعيدت نصوصها إلي هذا القانون الذي يراد تطبيقه في المحاكم المصرية جميعها». ويقول «د. هيكل» إن إيمانه بحرية الصحافة ترسخ في ذهنه منذ كان يدرس الحقوق في فرنسا، حين أصدرت الحكومة الفرنسية - عام 1910- قرارا بسحب وسام «اللجيون دونير» من الروائي «فيكتور مارجريت» لأنه نشر قصته «الغلامة» التي تنطوي علي أحداث اعتبرها البعض خروجا عن الآداب العامة، وأثار القرار عاصفة من الاعتراضات لدي الذين اعتبروه ماسا بحرية الرأي والتعبير والإبداع الأدبي والفني، ولما تذرعت الحكومة بأنها قد اتخذته استنادا إلي قانون قائم علقّ «أناتول فرانس» - كاتب فرنسا الأكبر يومئذ- علي ذلك قائلا «إن كل قانون يحد من حرية الرأي وحرية التعبير عنه أيا كان هذا الرأي قانون أثيم». وانطلاقا من هذه الرؤية، اعتبر «د.هيكل» الحكم الذي أصدرته «محكمة النقض» المصرية، عام 1924 - في القضية التي اتهم فيها بسبب مجلس النواب الوفدي - دستورا للصحافة - وكان قد كتب مقالا بعنوان «مجلس الستمائة» يندد فيه بقرار كان المجلس قد اتخذه برفع مكافأة العضو من 480 جنيها في السنة - بواقع أربعين جنيها في الشهر - إلي 600 جنيه بواقع خمسين جنيها في الشهر، اعتبرته النيابة العامة، سبا للمجلس يعاقب عليه القانون وأحالته إلي محكمة الجنايات التي قضت بتغريمه ثلاثين جنيها، ولكن محكمة النقض نقضت هذا الحكم، وقضت بالبراءة، وقالت في حيثيات حكمها «إن الطعن الذي لا يكون موجها إلي مجلس النواب نفسه كهيئة نظامية، بل إلي بعض أعضائه أيا كانوا، يعتبر «طعنا موجها إلي اشخاص معينين» وذهبت إلي أن عبارة «الهيئات النظامية» التي يحميها القانون «لا يجوز أن تطلق علي فريق من مجلس النواب» سواء كان هذا الفريق مكونا لأكثرية أو أقلية، وكذلك لا يمكن بأي حال اعتبار حزب سياسي في المجلس النيابي هيئة نظامية» وقرر حكم النقض كذلك »إن أعضاء المجلس النيابي كالموظفين العموميين، فيما يختص بالطعن عليهم في أعمال وظيفتهم، من الجائز إقامة الدليل علي صحة ما نسب إليهم» وانتهي الحكم إلي أن «من المسلم به في البلاد الدستورية أن الطعن في الخصوم السياسيين بنوع عام يجوز قبوله بشكل أوسع وأعم من الطعن في موظف معين بالذات ، وأن الشخص الذي يرشح نفسه للنيابة عن البلاد، يتعرض عن علم لأن يري كل أعماله هدفا للطعن والانتقاد، ولكن له جميع الوسائل للدفاع عن نفسه والرد علي الطعون الموجهة له، وتبرير أعماله، فالمناقشات العمومية، مهما بلغت من القوة في نقد أعمال وآراء الأحزاب السياسية، تكون في مصلحة الأمة التي يتسني لها، بهذه الطريقة ، أن تكون رأيا صحيحا في الحزب الذي تثق به وتؤيده، ولا ينبغي للقضاء أن يتدخل في تلك المنازعات إلا إذا كان هناك مساس أدبي أو مادي بمصلحة شخصية حقيقية». ولأن بين الصحافة وبين السلطة التنفيذية -كما استطرد «د.هيكل» يقول - خصومة متصلة والصحف المؤيدة اليوم معارضة غدا، فالوزارات المصرية كلها تضيق صدرا بالصحافة المعارضة، وتود لو استطاعت تكميمها، فقد ضاقت الوزارات المتعاقبة بهذه المبادئ وحاولت أن تتخلص منها إلي أن أبدل «صدقي باشا» بدستور 1923 الدستور الذي وضعه عام 1930، فصدرت في ظله عدة تشريعات استهدفت تعطيل المبادئ التي قررتها محكمة النقض، وقد حظرت هذه التشريعات علي الصحف نشر ما تتناوله التحقيقات التي تجريها النيابة، إذا أصدر محقق قرارا بهذا الحظر، كما حظرت نشر ما يحدث تبليغ بشأنه من وقائع ولو كان اثباتها جائزا، وحرمت رئاسة التحرير علي من يصدر ضده حكمان بالإدانة ولو لم يكن فيهما أي مساس بكرامته أو بشرفه. وذهب «د. هيكل» إلي أن «حماية الحكومة نفسها بتكميم الصحف عن طريق التشريع ، وضع مقلوب، إن ساغ في الديكتاتوريات فلا يمكن أن يكون له مسوغ في الأمم الديمقراطية، ذلك بأن الحكومة الديمقراطية تقوم علي أساس من ثقة الكثرة من الشعب بها وهي من ثم قوية بهذه الكثرة، لا تستطيع المعارضة التغلب عليها وإن بلغت من الشدة أعظم مبلغ، أما وهي قوية بثقة الكثرة بها، فلا عذر لها إذا لم تكفل الحرية للناس جميعا، والأقلية في مقدمتهم ، فإذا هي سلطت علي معارضيها العنف والبطش، انقلبت ديكتاتورية ظالمة أفحش الظلم». ومع أن القوانين التي أصدرتها حكومة «إسماعيل صدقي» في ظل دستور 1930، وعانت منها الصحف الوفدية وصحف الأحرار الدستوريين، قد ألغيت في عهد وزارة «توفيق نسيم» وصدر عفو شامل عن العقوبات التي وقعت علي الصحفيين استنادا إليها، بعد زوال عهد صدقي، إلا أن «د.هيكل» لاحظ وهو يقرأ مشروع قانون العقوبات الذي قدمته حكومة الوفد عام 1937، ليطبق في المحاكم الأهلية والمختلطة علي السواء، تنفيذا لمعاهدة «مونتريه»، أن نصوص المواد التي سبق لكل من حزبي «الوفد» و«الأحرار الدستوريين» الاعتراض عليها، قد عادت إلي قانون العقوبات، وكان ذلك ما دفعه لأن يقف في مجلس الشيوخ - وكان عضوا به - يطلب إلغاء هذه النصوص، ويعيد علي مسمع المجلس تاريخها وأيده في طلب الإلغاء عضو المجلس «إبراهيم الهلباوي»، ولكن «صبري أبو علم» وكيل وزارة الحقانية البرلماني وقطب حزب «الوفد» و«مكرم عبيد» وزير المالية وسكرتير عام الوفد، وقف كل منهما يدافع عن هذه المواد .. ولأن الأغلبية في البرلمان كانت لحزب الوفد، فقد رفضت الغاءها.. ناسية - كما يضيف «د.هيكل» - إنها «إذا طبقت علي معارضيها اليوم فستطبق عليها غدا.. يوم تنتقل هي إلي صفوف المعارضة.. وإنها لن نستطيع يومئذ إن تطلب إلغاءها وهي التي اقرتها» (محمد حسين هيكل: مذكرات في السياسة المصرية / ج1/ص424-431). والمواد التي أضافها «صدقي» إلي قانون العقوبات خلال العهد الديكتاتوري، وعادت إليه - بعد فترة إلغاء أقل من ثلاث سنوات - في العهد الديمقراطي الوفدي، هي المواد 189، التي تعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة ، وبغرامة تتراوح بين عشرين ومائة جنيه أو إحدي هاتين العقوبتين كل من نشر ما جري في الدعاوي المدنية والجنائية التي قررت المحاكم سماعها في جلسة سرية ، أو في الدعاوي المتعلقة بالجرائم الصحفية.. ويشمل ذلك الدعاوي التي لا يجوز فيها إقامة الدليل علي الأمور المدعي بها، والمادة 190 التي تعاقب بالعقوبة ذاتها، كل من يخالف قرار المحكمة بحظر نشر المرافعات أو الأحكام كلها أو بعضها حفاظا علي النظام العام والآداب، والمادة 191 التي تعاقب بالعقوبات نفسها كذلك، كل من نشر ما جري في المداولات السرية بالمحاكم، أو نشر بغير أمانة ما جري في الجلسات العلنية لها، والمادة 193 التي تعاقب بالحبس لمدة لا تتجاوز ستة شهور وبغرامة لا تزيد علي خمسين جنيها أو بإحدي هاتين العقوبتين كل من نشر إذاعات عن تحقيق جنائي قائم، إذا كان قد صدر قرار من قاضي التحقيق، أو النيابة العامة بحظر النشر عنه، مراعاة لإحقاق الحق أو للآداب أو لظهور الحقيقة. وفضلا عما ذكره «د.هيكل» عن المواد المصادرة لحرية الصحافة التي أضافتها ديكتاتورية «إسماعيل صدقي» إلي قانون العقوبات، واحتفظت بها ديمقراطية «حزب الوفد» في القانون عند تعديله، فقد احتفظ قانون 1937 بالنصوص المعيبة التي ورثها قانون العقوبات الجديد عما سبقه، وما أقحم عليه في العهود الديكتاتورية، كان من أبرزها المادتان 199 و200 اللتان تنظمان تعطيل الصحف كعقوبة تابعة عند الحكم عليها في بعض الجرائم الصحفية. وتقضي المادة 199 بأنه إذا ارتكبت جريمة من جرائم النشر المنصوص عليها في المواد السابقة عليها بطريقة النشر في إحدي الجرائد، واستمرت الجريدة اثناء التحقيق علي نشر مادة من نوع ما يجري التحقيق من أجله أو من نوع يشبهه فيجوز للمحكمة الابتدائية منعقدة بهيئة أوضة (أي غرفة) مشورة، بناء علي طلب النيابة العمومية أن تأمر بتعطيل الجريدة ثلاث مرات علي الأكثر ويصدر الأمر بعد سماع أقوال المتهم ولا يجوز الطعن في هذا الأمر بأية طريقة من طرق الطعن، فإذا كانت موالاة النشر قد جرت بعد إحالة القضية للحكم، يطلب أمر التعطيل من المحكمة.. ويجوز إصدار أمر التعطيل كلما عادت الجريدة إلي نشر مادة من نوع ما يجري التحقيق من أجله أو من نوع يشبهه، ويبطل فعل هذا الأمر، إذا صدر أثناء مدة التعطيل أمر بحفظ القضية أو قرار بأن لا وجه لإقامة دعوي فيها أو حكم بالبراءة. أما المادة 200 فتنص علي أنه إذا حكم علي رئيس تحرير جريدة أو المحرر المسئول أو الناشر أو صاحب الجريدة في جناية ارتكبت بواسطة الجريدة المذكورة أو في جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادتين 179 (الخاصة بالعيب في الذات الملكية) و 308 (الخاصة بالطعن في عرض الأفراد وخدش سمعة العائلات) قضي الحكم بتعطيل الجريدة لمدة شهر بالنسبة للجرائد التي تصدر ثلاث مرات في الأسبوع أو أكثر، ولمدة ثلاثة أشهر بالنسبة للجرائد الأسبوعية ، ولمدة سنة في الأحوال الأخري. فإذا حكم علي أحد الأشخاص المذكورين في جريمة ارتكبت بواسطة الجريدة غير الجرائم المذكورة في الفقرة السابقة جاز الأمر بتعطيل الجريدة لمدة لا تتجاوز نصف المدة المقررة بها. وإذا حكم بالعقوبة مرة ثانية في جريمة مما ذكر بالفقرة الثانية وقعت في أثناء السنتين التاليتين لصدور حكم سابق، جاز الأمر بتعطيل الجريدة، مدة تساوي مدة العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولي . وكما احتفظت حكومة وبرلمان «الوفد» في قانون العقوبات الذي أصدرته عام 1937، بما أقحمه «صدقي» علي هذا القانون من مواد تضيق علي حرية الصحافة، فقد احتفظت بنص هاتين المادتين اللتين تهدفان إلي تنظيم التعطيل بالطريق القضائي بعد أن فتح ذيل المادة 15 من الدستور باب انذار الصحف ووقفها وإلغائها بالطريق الإداري إذا كان ذلك ضروريا لوقاية النظام الاجتماعي. وكان ذلك ما دفع «د.محمد حسين هيكل» لأن يتساءل: كيف سوغت حكومة الوفد لنفسها أن تقف هذا الموقف؟. وكيف أقرتها هذه الكثرة في مجلس الشيوخ علي ما صنعت ؟ وهو سؤال أجاب عنه قائلا": السبب واضح ذلك أن إيماننا بالديمقراطية لم يتأصل بعد في نفوسنا، وأننا يوم نتولي الحكم نتوهم أننا باقون فيه إلي الأبد، أو نري الحكم خير فرصة لشفاء ما في نفوسنا من حب للتحكم والاستبداد. أما الذي لم يقله «د.محمد حسين هيكل» بصراحة، فهو أن موقف «حزب الأحرار الدستوريين» - الذي وضع الدستور- من حرية الصحافة أثناء توليه الحكم، لم يختلف كثيرا عن موقف حزب «الوفد»، بل لعله كان أسوأ منه، إذا كانت الحكومات الوفدية - بسبب استنادها إلي أغلبية برلمانية - أرحب صدرا في التعامل مع الصحف التي تعارضها، وكانت تلجأ غالبا إلي تطبيق قانون العقوبات علي هذه الصحف أو استخدام منظماتها الحزبية في تدبير مظاهرات تطوف بمبانيها وتهتف ضد محرريها وتحصبها بالطوب، وتتهمها بالخيانة والتآمر علي إرادة الأمة ، أما «حزب الأحرار الدستوريين» - الذي كان «د.هيكل» من أقطابه المتدافعين عن سياساته - فقد لجأ عندما تولي تشكيل الحكومة بين عامي 1928 و 1929 - إلي تعطيل الحياة النيابية لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، ووقف العمل بأربع من مواد الدستور كان من بينها الفقرة الثانية من المادة 15 منه التي تتعلق بحظر إنذار الصحف أو وقفها أو إلغائها بالطريق الإداري، ليتخذ من ذلك ذريعة لإعادة العمل بالمواد التي تجيز ذلك من قانون المطبوعات لسنة 1881 وهو اتجاه لم يعترض عليه «د. هيكل ولم يجد فيه ما يدعوه للتنديد عما قاموا به . وعلي عكس وزارات الوفد السابقة فإن وزارة «مصطفي النحاس» الثالثة التي تشكلت في 10 مايو 1936، والرابعة التي تشكلت في 3 أغسطس 1937 وأقيلت في 30 ديسمبر 1937، بدت الأكثر عنفا في مواجهة الصحف المعارضة، إذ تصورت زعامة «الوفد»، أن رحيل الملك «فؤاد» الذي كان يناصب الحزب العداء، وتولي ابنه الملك فاروق للعرش، وهو شاب صغير السن محدود - أو عديم - الخبرة ، فضلا عن انتهاء - أو خفوت- الصراع مع بريطانيا بعد توقيع معاهدة 1936، كلها عوامل تتيح
للحزب باعتباره حزب الأغلبية الشعبية، الفرصة لكي يحكم من دون معارضة تذكر. ويقول الأستاذ «الرافعي» ( في أعقاب الثورة المصرية / ج3 / الطبعة الأولي مكتبة النهضة المصرية / القاهرة 1951 - ص 48) إن «النحاس» - فيما يبدو - «قد ازداد بعد توقيع معاهدة 1936، تعلقا بالحكم المطلق المستند إلي الديكتاتورية البرلمانية ، لأنه اطمأن إلي تأييد الإنجليز له بعد أن ظفروا منه بالمعاهدة ، وروج لها وسماها: وثيقة الشرف والاستقلال، فحفظوا له هذا الجميل وجازوه عليه بتأييده في حكمه، ومن ثم أخذ يسير في وزارته سيرة الحاكم بأمره». وكان من أبرز الظواهر في عهد هذه الوزارة ، تشكيل فرق القمصان الزرقاء، وهي في الأصل تشكيلات منظمة ترمي إلي النهوض بالروح الرياضية في الشباب، ثم خرجت عن المعني الرياضي وانغمست في العمل السياسي الحزبي، وتسلحت بالعصي والخناجر، لكي تعتدي علي اجتماعات المعارضين، واستفحل شأنها - كما يقول الأستاذ الرافعي - بضم عناصر من أحط الطبقات إليها، فصارت - كما يضيف - «وسيلة لإهدار حرية الرأي والفكر وإفساد أداة الحكم، وكان أفرادها يقتحمون الدواوين ويملون إرادتهم علي الرؤساء والموظفين». ويروي «د.محمد حسين هيكل» في مذكراته (ج1ص 431) أنه كان يجتاز بسيارته ميدان الإسماعيلية (التحرير الآن) إلي ميدان الأزهار (باب اللوق الآن)، حين هجمت شرذمة من هذه القمصان الزرقاء علي سيارته وانهالت عليها بعصي غليظة، لم ينجه منها إلا أن السائق أسرع بالفرار منهم. ومن الأمثلة التي يضربها «د.هيكل» علي تعسف الحكومة الوفدية في التعامل مع الصحف المعارضة باستخدام أسلوب تسيير المظاهرات الوفدية التي تطوف بمباني الصحف المعارضة لتحطيمها ما تعرضت له جريدة «البلاغ»، وهي يومية وفدية انسلخت عن الوفد بعد انشقاق «محمود فهمي النقراشي» عنه في تلك الفترة وانتقلت إلي معارضته، وأخذت تنشر عن نزاهة الحكم أنباء مروعة، تستقيها من مصادر صحيحة، وجعل صاحبها «عبدالقادر حمزة» يعلق في مقالاته علي ما يحدث تعليقات تظهر مجاوزته أحكام القانون والدستور، فجاءته مظاهرة حطمت جريدة «البلاغ» وحاولت تحطيم مطبعتها وأنزلت بها من الخسائر شيئاً جسيماً. وكان ذلك ما حدث أيضا لجريدة «السياسة الأسبوعية» التي كانت تعبر آنذاك عن «حزب الأحرار الدستوريين» بعد أن توقف الإصدار اليومي لها بسبب الأزمة الاقتصادية، وعلي صفحاتها كان «د. هيكل»« يعارض سياسة الحكومة فكانت المظاهرات تجيء الحين بعد الحين هاتفة ضد الأحرار الدستوريين ، واقتحمت إحدي هذه المظاهرات مقر الجريدة، وحطمت أثاثه وسرقت بعض آلات التليفون الموجودة علي المكاتب» (مذكرات في السياسة المصرية / ج2 / ص 42). وشملت التحقيقات مع جريدة «البلاغ» - التي كانت أعنف صحف المعارضة آنذاك - عددا من كبار محرريها وكتابها، كان علي رأسهم صاحبها ورئيس تحريرها «عبدالقادر حمزة باشا» الذي حققت معه النيابة العامة في 25 سبتمبر 1937 بسبب مقال عن مشروع كهربة خزان أسوان، وآخر بعنوان «مغالاة النيابة العامة في وصف التهمة وفي المرافعة» نشر بتوقيع «محام» وأمرت - في 2 سبتمبر 1937 - بحبس أبرز كتّاب الجريدة «عباس محمود العقاد» - الذي كان قد انتقل إلي معارضة الوفد - أربعة أيام علي ذمة التحقيق بسبب مقال بعنوان «اذهبوا وحدكم ولا تأخذوا الدستور معكم» كما أمرت بحبسه مرة أخري علي ذمة التحقيق في مقال نشر في 15 ديسمبر 1937، اعتبرته ينطوي علي إهانة للبرلمان ورئيس مجلس الوزراء «مصطفي النحاس» والسكرتير العام لحزب الوفد «مكرم عبيد». وتعمدت حكومة الوفد، أن تنفذ قرارات مصادرة الصحف، بعد إتمام طباعة كل نسخها، بهدف إيقاع أكبر ضرر مالي بها، وتعجيزها عن الصدور، ففي 27 أكتوبر 1937 حاصرت قوات الشرطة سيارة نقل كانت تحمل نسخ العدد الذي صدر في هذا التاريخ من جريدة «البلاغ» اثناء توجهها إلي محطة قطارات القاهرة لشحنها إلي الصعيد، واجبروها علي التوجه إلي قسم شرطة الأزبكية، واعتقلوا سائقها ومرافقيه حتي يحولوا بينهم وبين الاتصال بإدارة الجريدة، لإيقاف طبع بقية النسخ المخصوصة للتوزيع في القاهرة والوجه البحري ثم قامت قوة أخري من الشرطة بمحاصرة مطبعة «البلاغ» لمصادرة كل ما يخرج منها، مما اضطر إدارة الجريدة إلي وقف الطبع لتقليل الخسائر. وكان ذلك ما حدث أيضا مع عدد «البلاغ» الذي صدر في 22 ديسمبر 1937 إذ أوقفت الشرطة النسخ المسافرة إلي الأقاليم منه، ثم أحاطت قوة منها بدار الجريدة ومطبعتها وأخذت تصادر كل الأعداد التي يخرج بها الباعة. وشملت المصادرات كذلك عدد مجلة «روزاليوسف» الذي صدر في 15 أكتوبر 1937، وصودرت النسخ التي أرسلت منه إلي المشتركين بطريق البريد وكذلك نسخ الأقاليم، وعدد مجلة «المطرقة» الانتقادية، الذي صدر في 10 نوفمبر 1937، بعد أن تم طبع عشرة آلاف نسخة منه.. وأمرت النيابة العامة في 9 سبتمبر 1937 بحبس «سليمان فوزي» صاحب «الكشكول» أربعة أيام لأنه نشر مقالا بعنوان «المعاهد الدينية تحت رحمة وزير المالية»، كشف عما سماه «نوايا «مكرم عبيد» سكرتير عام حزب الوفد ووزير المالية ضد الأزهر».. كما شمل القرار حبس «مسعود فراج» مراقب الملاجئ بمديرية سوهاج بسبب مقال في المسألة ذاتها. وفضلا عن الصحف ، فقد صادرت إدارة الأمن العام كتاب «إيماني» الذي كتبه «أحمد حسين المحامي» ورئيس «حزب مصر الفتاة» الذي كان يعارض الحكومة بعنف، ثم افرجت عنه، بعد حملة عنيفة شنتها الصحف علي قرار المصادرة ، وصادرت كتاب «حكم الوفد في عام» لمؤلفيه «مصطفي الحفناوي» و«حسان أبو رحاب».. ( عبدالحميد محمد المشهدي: صحيفة سوابق/ القاهرة 1938 / ص 132-136). وبسبب الحملات العنيفة التي كان يشنها «حزب مصر الفتاة» علي حكومة الوفد ، فقد تعرضت صحفه للمصادرة أكثر من مرة ، ويقول «أحمد حسين» - رئيس الحزب - إن عدد مجلة «الصرخة» - الناطقة بلسان الحزب، الصادر في 22 يوليو 1937 قد صودر بإشارة من حرس الوزارات إلي قسم عابدين ، وان العدد التالي من المجلة الصادر في 29 يوليو 1937 قد صودر بموجب مذكرة أحوال فحواها أنه قد وردت إشارة من المحافظة - مديرية الأمن- بمصادرته، فنفذت هذه الإشارة وصودرت عدة آلاف من النسخ بينها ملازم لم يتم طبعها، أي كانت لا تزال ورقا أبيض وفي الأسبوع الثالث وبموجب مذكرة أحوال فحواها أنه بناء علي أمر الحكمدارية، صودر العدد الصادر في 4 أغسطس 1937 من «الصرخة» ولم يكن قد شرع في طبعه بعد، إلا عشرة أفرخ، فأوقفت الماكينات ووزعت الحروف. وفي مرافعته أمام المحكمة ، قال «أحمد حسين»: - تصوروا ياحضرات المستشارين .. جريدة تصادر لأن واحدا من حرس الوزارات أمر بمصادرتها وثانياً من المحافظة وثالثاً من الحكمدارية .. وتصادر الجريدة لغير سبب مفهوم .. وعلي خلاف الدستور والقوانين .. ولكن .. هل القوانين وضعت لنا .. لايا حضرات المستشارين .. لسنا من المصريين، بل من خونة المصريين، ولا دستور ولا قانون نستطيع أن نستظل. واستطرد «أحمد حسين» يكشف عن أسلوب آخر اتبعته حكومة الوفد، في التصدي لمعارضيها وهو منهم .. فقال: - علي أن الحكومة لم تقف عند هذا الحد، بل إنها استخدمت سلطاتها في أن تصدر عدة جرائد كلها لا عمل لها إلاّ النهش في عرضي وقبل هذه الجرائد وزعت كتابا من خمسين ألف نسخة كلها طعن في عرضي وكرامتي .. وهم بعد ذلك يدخلون إلي بيتي وإلي علاقتي الخصوصية، فيتحدثون بفحش واسفاف. ورصد «أحمد حسين» من هذه الصحف «جريدة حكومية رئيس تحريرها أحمد يوسف بدر وصاحبها طاهر العربي - أخو الدكتور محمدعبدالله العربي، وشهرته في مناصرة الحكومة معروفة، وهي جريدة تطبع بأموال الحكومة ولا هم لها إلا النهش في عرضي ومنها «المطرقة» و«النهار» و«الشبان الوفديون» و«الجامعة» و«الكاتب».. ( أحمد حسين: مرافعات الرئيس أحمد حسين في عهد حكومة الوفد/ دار الثقافة العامة/ القاهرة/ 1938 / ص 134-136). وفضلا عن التضييق علي حرية الصحف المعارضة ، فقد أعادت حكومة الوفد إحياء قانون حفظ النظام في معاهد التعليم وبدأت في تطبيقه مع بداية العام الدراسي لسنة 1937، علي الرغم من استنكار الوفد له، وتنديده به، عندما صدر لأول مرة ، في ظل الانقلاب الدستوري الذي قاد الأحرار الدستوريون عام 1928، كما أصدرت قانونا تحظر فيه علي الصحف نشر أخبار المظاهرات مهددة إياها بالتحقيق والمصادرة إذا هي خالفته، وحين احتالت بعض الصحف علي نشر أخبار المظاهرات بنشر صورها من دون تعليق عليها، أصدرت الحكومة بيانا تحظر فيه نشر وقائع التظاهر كتابة .. أو تصويرا . وهكذا تراكمت أخطاء حكومة الوفد، وأساءت تقدير قوتها، في ظلّ الظروف الجديدة التي تشكلت فيها، بعد غياب الملك «فؤاد» وتوقيع معاهدة 1936، فأعطت لخصومها الذريعة للعصف بها، وأقالها الملك «فاروق» - في 30 ديسمبر 1937 بعد تسعة عشر شهرا من تشكيلها - بأعجب خطاب يوجهه الملك إلي رئيس وزارئه في تاريخ مصر الدستوري، قال فيه إن «الأدلة قد تجمعت لدينا عن أن الشعب لم يعد يؤيد طريقة الوزارة في الحكم، وأنه يأخذ عليها مجافاتها لروح الدستور، وبعدها عن احترام الحريات العامة وحمايتها .. وتعذر إيجاد سبيل لإصلاح الأمور علي يديها .. فلم يكن هناك بد من اقالتها»!

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.