أمين «البحوث الإسلامية» يستقبل وفد جامعة الشارقة    «الهجرة» تكشف عن «صندوق طوارئ» لخدمة المصريين بالخارج في المواقف الصعبة    الإحصاء: 864 مليون دولار قيمة التبادل التجاري بين مصر والأردن خلال عام 2023    غرفة السياحة: انتهاء موسم العمرة للمصريين بشكل رسمي    تفاصيل مشروع تطوير عواصم المحافظات برأس البر.. وحدات سكنية كاملة التشطيب    أونروا: لا نتلقى مساعدات أو وقود لقطاع غزة وهذا أمر كارثي    كاتب صحفي: قدر من الأمل في الوصول لهدنة بغزة.. والمفاوضات ستثمر قريبا    أردوغان: تركيا تتابع الوضع في أوكرانيا عن كثب    القاهرة الإخبارية: سقوط صاروخ على مستوطنة شلومي شمال إسرائيل    انطلاق مباراة سموحة وزد بالدوري    صورت ورقة الامتحان بهاتفها.. إلغاء امتحان طالبة بالثاني الإعدادي في بني سويف    إصابة ثلاثة أشخاص في تصادم دراجة بخارية وسيارة بجمصة    مصرع سائق في انقلاب سيارتين نقل على الصحراوي الشرقي بسوهاج    العوضي يكشف حقيقة رجوعه ل«طليقته» ياسمين عبدالعزيز    بدل أمينة خليل.. أسماء جلال تشارك في فيلم شمس الزناتي    وفاة والدة الفنانة يسرا اللوزي    هل من زار قبر أبويه يوم الجمعة غُفر له وكُتب بارا؟.. الإفتاء تجيب    رئيس الوزراء يتابع جهود إقامة مركز جوستاف روسي لعلاج الأورام في مصر    متحور جديد يهدد البشرية ويتنشر بمياه الصرف.. «FLiRT» يضرب أمريكا وألمانيا    التنمر والسخرية.. الأوقاف تنشر خطبة أول جمعة من ذي القعدة 1445 هجريا    قطاع الأعمال تدعو الشركات الصينية للتعاون لتعظيم العوائد من الفرص الاستثمارية المتاحة    سلوفينيا تبدأ إجراءات الاعتراف بالدولة الفلسطينية    فصائل عراقية: قصفنا هدفا حيويا في إيلات بواسطة طائرتين مسيرتين    وصفوه ب أجرأ فيلم سعودي.. كل ما تريد معرفته عن فيلم "آخر سهرة في طريق ر"    محافظ الشرقية: الحرف اليدوية لها أهمية كبيرة في التراث المصري    قوات الدفاع الشعبى تنظم ندوات ولقاءات توعية وزيارات ميدانية للمشروعات لطلبة المدارس والجامعات    مساعد وزير الصحة: تسليم 20 مستشفى نهائيا خلال العام الحالي    بعد قرار سحبه من أسواقها| بيان مهم للحكومة المغربية بشأن لقاح أسترازينيكا    اتجاه للموافقة على تتويج الهلال بالدوري في ملعب المملكة أرينا    على معلول يحسم مصير بلعيد وعطية الله في الأهلي (خاص)    لمواليد برج القوس والأسد والحمل.. توقعات الأسبوع الثاني من مايو لأصحاب الأبراج النارية    نشرة «المصرى اليوم» من الإسكندرية: تأجيل محاكمة المتهمين بأحداث سيدي براني وسموحة يصطدم ب«زد»    بعد ظهورها مع إسعاد يونس.. ياسمين عبد العزيز تعلق على تصدرها للتريند في 6 دول عربية    حزب حماة وطن يكرم الآلاف من حفظة القرآن الكريم في كفر الشيخ    "الخشت" يستعرض زيادة التعاون بين جامعتي القاهرة والشارقة في المجالات البحثية والتعليمية    وزير الصحة: دور القطاع الخاص مهم للمساهمة في تقديم الخدمات الطبية    بعد أسبوع حافل.. قصور الثقافة تختتم الملتقى 16 لشباب «أهل مصر» بدمياط    حكم هدي التمتع إذا خرج الحاج من مكة بعد انتهاء مناسك العمرة    وفد صحة الشيوخ يتفقد عددا من المستشفيات ووحدات الإسعاف وطب الأسرة بالأقصر    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية فساد التموين ل 8 يوليو    محامي الشيبي يطالب بتعديل تهمة حسين الشحات: "من إهانة إلى ضرب"    وزيرة التضامن تشهد انطلاق الدورة الثانية في الجوانب القانونية لأعمال الضبطية القضائية    "العمل": تحرير عقود توظيف لذوي الهمم بأحد أكبر مستشفيات الإسكندرية - صور    دعاء الامتحان لتثبيت ما حفظت.. يسهّل الاستذكار | متصدر    ما حكم قطع صلة الرحم بسبب الأذى؟.. «الإفتاء» تُجيب    برلماني: توجيهات الرئيس بشأن مشروعات التوسع الزراعى تحقق الأمن الغذائي للبلاد    مستشفى العباسية.. قرار عاجل بشأن المتهم بإنهاء حياة جانيت مدينة نصر    القبض على المتهمين بغسيل أموال ب 20 مليون جنيه    21 مليون جنيه.. حصيلة قضايا الإتجار بالعملة خلال 24 ساعة    السيسي يستقبل رئيس وزراء الأردن    دفاع حسين الشحات يطالب بوقف دعوى اتهامه بالتعدي على الشيبي    مكاسب البورصة تتجاوز 12 مليار جنيه في منتصف تعاملات اليوم    معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية يسجل 31.8% في أبريل الماضي    اليوم.. وزير الشباب والرياضة يحل ضيفًا على «بوابة أخبار اليوم»    جهاد جريشة يطمئن الزمالك بشأن حكام نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    مصدر عسكري: يجب على إسرائيل أن تعيد النظر في خططها العسكرية برفح بعد تصريحات بايدن    موعد مباراة الإسماعيلي والداخلية اليوم الخميس بالدوري    تامر حسني يقدم العزاء ل كريم عبدالعزيز في وفاة والدته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلقة 22 مشروع قانون تنظيم الصحافة يفرض الرقابة علي التاريخ.. ويحمي ذوات الملوك السابقين!
نشر في القاهرة يوم 17 - 01 - 2012

مرض الملك فؤاد وتناثر الشائعات حول احتمال وفاته تدفع الحكومة للتفكير في إصدار قانون يعاقب الصحفيين إذا تناولوا بالنقد الحكام والخديويين السابقين والوزراء المتوفين ولم يكن تحقيق النيابة العامة مع رئيس تحرير «آخر ساعة» بسبب الصورة الكاريكاتيرية التي نشرتها علي الغلاف الأخير من عددها الأول بتهمة سبّ هيئة «حزب الشعب» بأن أسند إليها ما فيه خدش لشرفها واعتبارها، سوي فاتحة لسلسلة من التحقيقات الجنائية، شملت المجلة ذاتها وغيرها من الصحف خلال العام الذي عاشته حكومة «عبدالفتاح يحيي باشا». ويقول «مصطفي أمين» المعاون الرئيسي ل «محمد التابعي» في تحرير المجلة آنذاك إن النيابة حققت مع صاحبها ورئيس تحريرها بسبب مواد نشرت في أربعة أعداد من بين الأعداد الخمسة الأولي.. (مجلة «آخر ساعة»/ 12 يوليو 1936 نقلا عن محمد السيد شوشة: أسرار علي أمين ومصطفي أمين/ كتاب ا ليوم/ 1977 ص159). ففي أعقاب صدور العدد الخامس منها في 5 أغسطس 1934، جري التحقيق معها بتهمة سب حضرات أصحاب الدولة والمعالي والسعادة والعزة، «عبدالفتاح يحيي باشا» رئيس مجلس الوزراء، و«أحمد علي باشا» وزير الحقانية و«محمد حلمي عيسي باشا» وزير المعارف و«إبراهيم فكري باشا» وزير المواصلات و«علي المنزلاوي بك» وزير الزراعة و«صليب سامي بك» وزير الحربية و«عبدالعظيم راشد باشا» وزير الأشغال و«حسن صبري بك» وزير المالية بسبب أداء وظائفهم، وذلك بأن أسندت إليهم ما يخدش شرفهم واعتبارهم إذ نشرت صور تمثل هؤلاء الوزراء في أوضاع مزرية، كما نشرت في العدد السادس الذي صدر في 12 أغسطس 1934 مقالا تحت عنوان «نحن نؤكد» كله سخرية وتهكم بحضرة صاحب المعالي حلمي عيسي باشا. ويضيف «مصطفي أمين» أنه سأل أحد وزراء الحكومة عن السبب في ملاحقة النيابة لما تنشره المجلة من موضوعات وأخبار وصور كاريكاتيرية، فقال له بصراحة إن «التابعي» مغضوب عليه من جميع الجهات، وإنه حاول أن يوسط «أمين يحيي باشا» لدي شقيقه رئيس الوزراء، لكي توقف الحكومة حملة الملاحقة القانونية ضد «آخر ساعة» فوعده بأن يسعي لحفظ جميع هذه التحقيقات، وبعد يومين عاد إليه ليقول: إن مبادئ وزارة «عبدالفتاح يحيي» مثل مبادئ الحزب الوطني، وإنه يرفع شعار: لا مفاوضة إلا بعد الجلاء، وبالتالي فإنه يشترط جلاء «التابعي» عن «آخر ساعة» كشرط للتفاوض حول حفظ التحقيقات أمام النيابة.. وكان وراء ذلك كما قال له أحد وزراء الحكومة هو أن «التابعي» متهم بالحملة علي «الملك فؤاد» من خلال هجومه المتواصل علي «زكي الإبراشي» باشا ناظر الخاصة الملكية (محمد السيد شوشة/ المصدر السابق). وقبض علي رئيس تحرير «روزاليوسف» أحمد حسن أفندي لأنه نشر مقالا بعنوان «أما لهذا الفساد من آخر»، وحققت معه النيابة بسبب هذا المقال، وبسبب نشره لمقال آخر بعنوان «عهد الاختلاس والفوضي الذي نعيش فيه» اعتبرهما المحقق ينطويان علي إهانة وسب علني لهيئة نظامية هي الحكومة، بصورة تتجاوز حق الفقه المباح.. وشملت الملاحقة القضائية حتي المجلات التي لم تكن معروفة بانغماسها في الجدل السياسي، ومنها مجلة المصور التي قبض أيضا علي رئيس تحريرها فكري أباظة أفندي وكان الاتهام الموجه إليه أنه استعمل عبارات من شأنها أن تعرض نظام الحكم المقرر في القطر المصري للكراهية والازدراء وأنه تشكك في صحته وسلطانه وذلك بأن ألف مقالا تحت عنوان «حكم محكمة الرأي العام» جري في تحريره علي أسلوب الأحكام ووضع فيه أصحاب الدولة والمعالي والسعادة رئيس الوزراء والوزراء وحضرات أعضاء مجلس الشيوخ والنواب موضع المتهمين الذين أدانهم الرأي العام. ودخلت جريدة «السياسة» لسان حال حزب «الأحرار الدستوريين» - دائرة الصحف التي تعرضت للملاحقة القضائية، وقدم رئيس تحريرها «حفني محمود بك» ومدير سياستها «د. محمد حسين هيكل بك» إلي محكمة الجنايات بتهمة تحريض أهل الأديان المختلفة، بسبب حملة شنتها الجريدة ضد التبشير والمبشرين، وانتهت بالحكم علي كل منهما بغرامة سبعين جنيها. وفي أثناء نظر هذه القضية أمام محكمة الجنايات كانت «السياسة» تشن حملة صحفية عنيفة علي فساد الحكم في عهد «صدقي» وفي ظل حكومة خليفته «عبدالفتاح يحيي باشا» تستند إلي وقائع تتعلق بمخالفات جسيمة لما يقضي به القانون المالي، قد ارتكبت أثناء العمل في إنشاء مشروع كورنيش الإسكندرية، بعد أن تناثرت الأقاويل بأن «صدقي باشا» وغيره من الموظفين المتصلين بهذا العمل قد أفادوا لأنفسهم بسببه، وأن المقاول الإيطالي «دانتمارو» الذي رست عليه مناقصة إنشاء الكورنيش- أقام قصورا وأصلح مساكن في مقابل ضئيل يكاد يكون غير معقول، وما لبثت هذه الحملة أن اتسعت لتشمل وثائق نشرتها «السياسة» تكشف عن أن وزير الأشغال في حكومة «عبدالفتاح يحيي باشا» قد عهد إلي «أحمد عبود باشا» بمقاولات كبري بالمخالفة للقانون المالي والتقاليد المرعية في هذا المجال، وهي قضية استغرق نظرها أسابيع وانتهت ببراءة المتهمين فيها.. ويقول «د. محمد حسين هيكل بك» إنه لا يعرف قضية صحفية، أثارت اهتمام الرأي العام المصري منذ أعلن استغلال مصر، ما أثارته قضية نزاهة الحكم، ويبرر ذلك بأن الناس في مصر، «لا يثيرهم شيء قدر ما يثيرهم العبث بنزاهة الحكم» (د. محمد حسين هيكل بك: مذكرات في السياسة المصرية / ج1/ ص 362). وكانت الضجة التي أثارتها هذه القضية، وراء تفكير حكومة «عبدالفتاح يحيي باشا» في إعادة إحياء مشروع قانون تنظيم الصحافة، الذي جري البحث فيه، خلال الانقلاب الدستوري الأول علي عهد رئاسة «أحمد زيور باشا» للحياة وهو المشروع الذي بدأت أبناؤه تتسرب إلي الصحف، وتنشرها خلال النصف الثاني من شهر أغسطس 1934 فيما اعتبره «د. يونان لبيب رزق» خطة مقصودة من جانب الحكومة لتبين ردود الفعل التي يمكن أن تنجم عن إصداره، ومدي قدرتها علي مواجهتها (الأهرام ديوان الحياة المعاصرة / الأهرام / 19 فبراير 2004). من المواد التي تسربت النص علي معاقبة «التعرض بالنقد للحكام والخديويين السابقين والوزراء المتوفين» وهي المادة التي اعتبرتها جريدة «السياسة» عجيبة العجائب لأنها في رأيها تقضي علي التاريخ المصري ألا تكون مؤلفاته من وضع المصريين أو في متناول أيديهم، ذلك بأننا نعرف الحقائق التاريخية في أمم الأرض جميعاً لا تُدون تدويناً صحيحاً مستندا إلي الصادق من الاعتبارات والوقائع في حياة أولئك الذين تتصل بهم تلك الوقائع، فكثيراً ما تكون الدوافع لبعض التصرفات راجعة إلي حالات نفسية أو ظروف خلقية لا يقوي الكاتب علي تسجيلها أو لا تسمح المتقضيات بذكرها وان كانت معروفة عن طريق الرواية أو التهامس». وفي عدد يوم السبت أول سبتمبر عام 1934 دار المقال الرئيسي ل«الأهرام» حول هذه المادة، وقد جاء تحت عنوان علي ذكر مشروع قانون الصحافة- الصحافة والتاريخ، استهله كاتبه بالقول: إنه من المحتوم علي الصحفي بطبيعة عمله أن يتناول التاريخ مستشهداً وناقداً ومستخرجاً الحكمة والعبرة وهو في ذلك لا يعدو الأمانة التي في عنقه للجمهور الذي يخدمه وعليه أن يتبين الصلة بين الماضي والحاضر، نقداً أو تمجيداً أو استعباراً.. فهل من المصلحة العامة - وجلاء الحقيقة هو المصلحة العليا- أن يقيد تناول الصحفي للتاريخ بقيود معينة، إلا القيود التي يفرضها البحث العلمي النزيه علي أصحابه، وان ذلك إذا تم عطل لباب العمل الصحفي. وانتقدت «الأهرام» ما تقتضيه هذه المادة من قانون تنظيم الصحافة المزمع إصداره من اكتفاء الصحفي عند عرضه للتاريخ بسرد الحوادث دون التعليق عليها ووصفت ذلك بأنه «قول لا يقوم علي أساس، ولا يستند إلي حكمة، فسرد الحوادث التاريخية في الصحف أو في المؤلفات من دون محاولة الربط بينها، واستنباط العلل الأولي للاتجاهات العامة واستخرج العبرة العامة من الماضي للجري علي ضوئها في الحاضر ليس تاريخاً، بل إن سرد الحوادث نفسه قد يكون تعليقاً بحد ذاته، فطريقة السرد واختيار حوادث معينة دون أخري قد يكون أبلغ في إبداء الرأي من كلام قاطع». وخلصت «الأهرام» في نهاية هذا المقال المهم إلي القول بإن مبدأ فرض القيود علي تناول التاريخ فاسد من أساسه مناقض للأسلوب العلمي في البحث، مشوه للحقيقة علي قدر ما نستطيع تبينها، و لا يمكن أن نعلم أين ينتهي. قد يفرض حاكم قيداً خاصاً بعصر من العصور، ثم يليه آخر فيفرض قيداً خاصاً بعصر آخر ويحل القيد الأول، وعند ذلك قل العفاء علي حرية البحث وهي أمجد تراث بلغته الإنسانية في خلال جهادها الطويل! كان من أهم التعليقات علي هذه المادة ما كتبته الآنسة النابغة «مي زيادة» في عدد «الأهرام» الصادر يوم 10 سبتمبر عام 1934 فوصفتها بأنها «أقرب إلي الفكاهة» وتساءلت: لماذا لا تكمم انجلترا صحفها في حين تري بينهم أمثال «السير بمبفيلد فولر» الذي كتب يتحدث عن الديمقراطية بكلام كله خطأ فقط أخبرنا لا فض فوه بأن الديمقراطية أهلكت أثينا، ونسي أن أسبرطة، منافسة أثينا وقاهرتها، كانت دكتاتورية طول تاريخها ومع ذلك سقطت، وكان سقوطها عظيماً.. و مع هذه الأغلاط فقد عنيت صحافتنا، بارك الله فيها، بكتابات السير بمبفيلد وفندت أقواله في مقالات طويلة. ويقول «مصطفي أمين» إن مرض «الملك فؤاد» في تلك الفترة وتناثر الشائعات عن أنه علي وشك الموت كان وراء اقحام المادة الخاصة بإحاطة التاريخ بالقيود في مشروع قانون تنظيم الصحافة، وإن الحكومة التي كان القصر يديرها مباشرة، أدركت أن القانون يحمي الملك وهو جالس علي العرش، فإذا مات، فقد هذه الحماية التي تجعل ذاته مصونة لا تمس، وتعاقب علي العيب في ذاته بالسجن لمدة تصل إلي خمس سنوات، وهو ما قد تستغله الصحافة، لتشير ما تشاء عن جرائمه، فجاء النص في مشروع القانون علي حماية حكام مصر وولاتها السابقين. ونشرت مجلة «آخر ساعة» خطاباً مفتوحاً إلي حضرة صاحب الجلالة الملكة «كليوباترا» من حكام مصر وولاتها السابقين، يحفظ بشباك بوستة الجحيم وذكرت فيه: «لن يكون لكاتب بعد اليوم أن يتحدث عن السهرة التي قضيتها جلالتك أنت والمرحوم يوليوس قيصر بدون أن تأخذي إذنا من جلالة والدتك الملكة بالخروج من البيت بعد العشاء.. ولقد قضيت أنت وضيفكم الروماني الليل كله عند قدمي أبوالهول، هو يحدثك عن غزوات السيف وأنت تحدثينه عن غزوات القلوب.. في سهرة لم تكن بريئة ولم يكن حديثها عذرياً.. بل كانت سهرة لها نتيجة أو ثمرة لم تعلمني بها شيخ الحارة لكي يسجلها في دقت المواليد.. لم يعد لكاتب أن يتحدث في هذا أو يجيب علي لسانه سيرة جلالتك الطاهرة، لأن القانون الجديد يحميك مين يحميهم من حكام مصر وولاتها السابقين». زأططي أنت وانطونيو وبلغيني برجوع البريد عن عنوان الجارسونيرة الجديدة وفي أي شارع من شوارع الجحيم» (مصطفي أمين: من عشرة لعشرين / ص 385). وفي تفسيرها للمادة، وردها علي الحملة التي شنتها الصحف المعارضة والمستقلة، ذهبت صحيفة «الاتحاد» لسان حال حزب الاتحاد القريب من القصر الملكي، إلي القول بأن النص الذي تسرب إلي الصحف عن هذه المادة من مواد مشروع قانون تنظيم الصحافة، هو مجرد جزء منها، وان الهدف من تضمينها مشروع القانون، هو منع الصحف من الخوض في الأعراض والتطاول علي الناس.. وخاطب الصحف الوفدية قائلة: هل أدركتم أن هذا الإصلاح سيكلفكم مخالفة الطبع لتتمرنوا علي عفة اللسان ولتعتادوا شرف القول وصواب المنطق، إن كان ذلك فوارحمتاكم يوم تنظرون إلي بضاعتكم فإذا هي بائرة، ويابشري للأدب والأخلاق يوم لا تستطيعون أن تنادوا أصدقاءكم «الأحرار الدستوريين» علي رءوس الأشهاد فتقولوا لهم يا«دواعر» ويوم لا تملكون أن تقولوا علي أم وزير من هؤلاء الأصدقاء أنها «كانت تبيع القصب إلي جوار مديرية أسيوط» ويوم تعجزون عن أن تقولوا ان فلانة ابنة فلان فعلت كذا وذهبت إلي كذا، ورجاؤنا فيكم بعد ذلك ألا تنسوا أنكم أنتم الذين وضعتم للصحافة هذا القاموس وعلمتوها هذه اللغة، وأن صحافتكم من يومية وأسبوعية هي التي تولت ولا تزال تتولي نشر هذه اللغة وتلقين هذا القاموس»! وأكدت جريدة «الشعب» لسان حال حزب «الشعب»- أن الهدف من هذه المادة وغيرها من مواد المشروع، هو «حماية عقول الناس وأخلاقهم فقد كثرت الصحف الوفدية وتنوعت وكلها ترمي إلي هدف واحد هو تسميم عقول الناس وإسقام فهمهم وإحكام الأربطة علي عيونهم حتي لا يروا الحقيقة يوما ما».
وأضافت أن «التشريع الذي تشير إليه الأخبار هو إنقاذ لعقول الناس من الضلالة، وإسعاف لها من هذا المرض التصوري الذي حل عندها محل ما كانت تسمعه من أقاصيص خليفة الزناتي وأبو زيد الهلالي وحكاية القط والفأر، وأنت عليم بولع العامة بمثل هذا النوع من التلفيق والاختراع فلا غرابة إذا رأيتهم يعكفون علي قراءة هذه الأقاصيص الوفدية». من المواد التي سريتها الحكومة أيضاً عن مشروع قانون «تنظيم الصحافة» مادة تنص علي ضرورة توفر اشتراطات خاصة في العاملين في الجرائد والمجلات بأن يكونوا من الحاصلين علي «شهادات عليا» وهو شرط كان محلاً لنقد شديد، إذ كان معروفاً أن عدداً من كبار الصحفيين الوفديين، آنذاك لم يكونوا من الحاصلين علي تلك الشهادات، وفي مقدمتهم الكاتب الأشهر عباس محمود العقاد. وكان من بين الذين اعترضوا علي هذا الشرط، «توفيق دياب» صاحب ورئيس تحرير جريدة «الجهاد» الذي تساءل عما يمكن أن تفيده مثل تلك المؤهلات «لو لم يكن إلي جانبها سعة في الأفق والتجارب، وكيف السبيل إلي توافر هذه التجارب في الناشئين الذين يحسون في أنفسهم ميلا للعمل في الصحافة والإرشاد العام عن طريقها» وفي عموده الشهير ما قل ودل كتب «أحمد الصاوي محمد» علي صفحات «الأهرام» ينبه إلي أن الصحف تزدهر بالموهبة والتجربة.. ويقول إن القانون المنوي إصداره لو طبق منذ عشرين عاماً» كانت الصحافة تقدمت وازدهرت هذا الازدهار الدي جعلها بحق أعظم جامعة للشعب ومربية للأمة مشيراً إلي أن الصحافة الإنجليزية علي جلالة قدرها وعلي كونها في مقدمة صحافة العالم لم يتدرب محرروها في الجامعات، بل في مدرسة الحياة، وليس بين رؤساء تحرير الصحف اليومية الكبري في لندن كلها إلا اثنين من خريجي الجامعة فعلي الحكومة أن تتدبر الأمر وتنصف الذين عملوا من زمن مديد في هذه الصناعة الشريفة. وكان من بين مواد مشروع قانون تنظيم الصحافة، التي تسربت مادة تجرم من يتحدثون عن تشريع خاص بالتحقيقات الجنائية والقضايا المنظورة ونشر أخبارها، وأخري لمعاقبة من ينشر مقالاً فيه ما يحط من مقام قاض من ا لقضاة ولو كان خاليا من القذف والسب، ولو كان مجرد زراية بالقاضي وتشكيك في قضائه، وهو ما دفع جريدة «السياسة» للتساؤل: أي صحي طاوعه قلمه علي التشكيك في القضاء أو الحط من مقامه؟ وأية جريدة مصرية فكرت يوما في أن تكتب ما يشتم منه رائحة محاولة إضعاف الثقة في القضاء؟ فهل نفهم من هذا الذي يقولون إنهم يريدون أن يجرموا نقد الإجراءات أو الاحكام في حدود القانون!؟ ولم تقتصر حملة ا لصحف المعارضة والمستقلة ضد القانون علي المقالات التحليلية، بل شملت كذلك السخرية من مواده، باعتباره مشروعاً لحماية الحكومة، لا لحماية الأخلاق، وتنظيم تأييد السلطة القائمة وليس تنظيم ممارسة الصحافة للحرية.. فنشرت مجلة «آخر ساعة» صياغة زجلية لمواد القانون تترجم مواده إلي معانيها الحقيقية فتقول: المادة الأولي: كل من خش لوزير من غير ما يسجد زي ما بيسجد لوجه الله تعالي يحكموا بإعدامه هو وأهل بيته حكم مشمول بالنفاذ وبدون كفالة المادة الثانية: كل من كوعه خبط خدام وزير دي حسب نص القانون قلة ربابة واللي ما يحييش كلاب صاحب المعالي تعتبرها المادة 16 جناية المادة الثالثة: كل من نادي قصاد بيت الوزير قال «بلح زغلول ونحاس» دي إهانة مرتكبها ينشنق في السكة حالا مش ضروري محاكمة أو اثبات إدانة المادة الرابعة: كل من بص لوزير بعينه وبربش مهما كان فيه حتي بين لتنين هزار حقه تأبيده في طرة يقطع حجارة والحديد في إيديه ورجليه ليل نهار المادة الخامسة: كل من في لعبة الشطرنج قال عا الوزير (كش الوزير) ده من قبالي ينحبس أربع سنين وان لم يقل للي وياه: كش لي صاحب المعالي! وتواكب مع حملة الصحف المعارضة علي القانون تحرك الصحفيين للتصدي له، بعمل جماعي مشترك.. فعقدوا اجتماعا بمبني جريدة «الأهرام» مساء الثلاثاء 14 أغسطس 1934 شارك فيه 14 من رؤساء التحرير ويمثلون 14 صحيفة ومجلة أسبوعية هي: آخر ساعة «محمد التابعي» الأهرام «أنطون الجميل» الجهاد «محمود عزمي» روزاليوسف: «السيدة روزاليوسف» السياسة «دكتور محمد حسين هيكل بك» الشعب: «عبدالعظيم محمود» الصريح «عبدالحميد محمود علي» الضياء عبدالحميد حمدي الكشكول «سليمان فوزي» الكوكب «الدكتور أحمد ماهر» مصر «رمزي تادرس» المصور «فكري أباظة» المقطم «خليل بك ثابت» الوادي «الدكتور طه حسين». وبعد أن ناقش المجتمعون ما نشر عن مشروع قانون تنظيم الصحافة اختاروا لجنة من ثلاثة منهم هم د.هيكل وانطون الجميل بك ومحمود عزمي للسفر إلي الإسكندرية ومقابلة الوزراء المختصين في هذا الموضوع. وعلقت «الأهرام» علي وقائع الاجتماع قائلة: «إن للصحافة كرامة يجب الزود عنها، وللصحافة مصالح لابد من الانتصار لها، وللصحافة حرية ينبغي حمايتها، وهي بلاشك كرامة القراء مصالحهم، ففي الحط من كرامتها حط من كرامتهم، وفي الافتئات علي مصالحها افتئات علي مصالحهم، وفي الحد من حريتها حد من حريتهم، الواجب والحالة هذه أن يشتركوا معها في الدفاع عن هذه الحرية وتلك الكرامة». وفي إشارة إلي التضامن الواسع بين الصحفيين علي الرغم من اختلافهم في الرأي قالت: «إن هؤلاء الكتاب ينازلون بعضهم بعضا، كل يوم في ميدان الجدل والنقاش ويصدقون الحملة في الدفاع عن الآراء التي يناضلون في سبيلها لما يعتقدون فيه المصلحة العامة، ولكنهم إذا ما شعروا أن هناك ما يهدد حريتهم ويحد من حقوق صناعتهم، وتضافرت منهم القوي فوجهوها إلي غرض واحد، وهم واصلون إليه». لكن الوفد الثلاثي الذي انتدبه المجتمعون للسفر إلي الإسكندرية- حيث كانت الحكومة قد انتقلت إليها كما هي العادة كل صيف- فشل في اللقاء برئيس الوزراء ووزيري الداخلية والحقانية، فعاد رؤساد التحرير للاجتماع مرَّة أخري، في 29 أغسطس 1934، أي بعد أسبوعين من الاجتماع الأول، حيث أصدروا بيانا يقول نصه: قرر الحاضرون بالإجماع: أولا: إنه لا مبرر للتشريع الجديد ولا للاستعجال في سنه، وعلي فرض أن الحكومة تذهب إلي وجوب الاستعجال فإن المجتمعين يأسفون علي أنها لم توافق علي الاستئناس برأي الصحافة في هذا التشريع قبل صدوره، ويرون في هذا من ضيق الصدر بها ما لا مسوغ له. ثانيا: ذكر دولة رئيس الوزراء أن الغرض من التشريع الجديد حماية الأعراض والمجتمعون يرون أن التشريع الحالي كفيل بحماية الأعراض والحياة الشخصية للأفراد، موظفين كانوا أو غير موظفين علي أنهم لا يعترضون مطلقا علي أي مزيد من حماية الأعراض الشخصية مادام هذا لا يحول دون نقد الأشخاص بسبب أعمالهم العامة كتابة أو تصويرا. ثالثا: يعترض المجتمعون أشد الاعتراض علي تقييد العرض للمسائل التاريخية بأي قيد سواء في الصحف أو في الكتب ويعدونه مخالفا للمبادئ الدستورية العامة التي قررت حرية الرأي ولمبادئ العلم والبحث الحر،و ومفردا مصر بتشريع لا مثيل له في أي بلد متحضر». والتزمت حكومة «عبدالفتاح يحيي» الصمت في مواجهة الهجمة الصحفية المضادة مما كشف عن أنها في طريقها لاهمال قانون تنظيم الصحافة الأمر الذي عبرت عنه مي زيادة في مقال طويل نشرته لها الأهرام علي صدر صحفتها الأولي، وكان عنوانه «قانون تنظيم الصحافة الجديد لا يمكن أن يصدر» انهته بقولها: «تطلفوا أيها السادة، وارسلوا لي صورة هذا القانون الذي لن يصدر، أضعها بين ما لدي من عديد من مجلات الأزياء. ففي هذه المجلات أزياء كثيرة عني بوضعها الاختصاصيون، ولكن ذوق النساء لم يقبلها لأنها غير جميلة وغير حسنة وغير موافقة»! وبعد أربعة أشهر من الضجة التي أثارها مشروع قانون تنظيم الصحافة، سقط المشروع باستقاله حكومة «عبدالفتاح يحيي» في 14 نوفمبر عام 1934 وتشكيل حكومة توفيق نسيم وتحت عنوان «القوانين الاستثنائية - سيئة من سيئات العهد الزائل» كتب «عبدالله حسين» علي صفحات «الأهرام» في 3 ديسمبر، قال فيه «كانت الصحافة المصرية هدفا لسخط العهد الماضي، حيث زاد المشرع العقوبات وقيد حرية الرأي.. لقد انتهي العهد الماضي، انتهي عهد القوانين الاستثنائية، ولكن يجب ألا ينتهي الماضي بغير عبرة وبدون استخلاص العظة، وهذه حكمة التاريخ أبدا!

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.