«جبالي» يحيل 6 مشروعات قوانين للجان النوعية بالبرلمان    جامعة بنها تنظم المؤتمر السنوي الثالث لطلاب الدراسات العليا.. 22 مايو    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات مسابقة «الحلول الابتكارية لتحقيق التنمية المستدامة»    رئيس الوزراء يتفقد أعمال تنفيذ المرحلة الأولى من الخط الرابع لمترو الأنفاق    ختام السلسلة الأولى من المناقشات حول برنامج منحة الشراكة من أجل التعليم    تداول 146 ألف طن بضائع استراتيجية بميناء الإسكندرية    استلام 193 ألف طن قمح بالشون والصوامع بكفر الشيخ    موعد تشييع جنازة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي    كولر يجتمع مع جهازه المعاون استعدادا لمواجهة العودة أمام الترجي    المصري البورسعيدي يستضيف إنبي في الدوري    تشاهدون اليوم.. بولونيا يستضيف يوفنتوس والمصري يواجه إنبى    عواد: لا يوجد اتفاق حتى الآن على تمديد تعاقدي.. وألعب منذ يناير تحت ضغط كبير    السجن 3 سنوات لعاطل بتهمة النصب علي المواطنين بالقاهرة    «الأرصاد» تكشف طقس الأيام المقبلة وموعد انتهاء الموجة الحارة    تصدى لمحاولة سرقة منزله.. مدمن يقتل عامل بطلق ناري في قنا    خلال 24 ساعة.. تحرير 483 مخالفات لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    فتح باب التقدم لبرنامج "لوريال - اليونسكو من أجل المرأة في العلم".. الشروط والرابط    في ذكرى رحيله.. محطات في حياة ملك الكوميديا الفنان «سمير غانم»    تقديم خدمات طبية ل 1528 مواطنًا بقافلة مجانية في كفر الشيخ    «الرعاية الصحية» تعلن حصول مستشفى الرمد ببورسعيد على الاعتراف الدولي    جبالي يفتتح أعمال الجلسة العامة لاستكمال مناقشة مشروع قانون تطوير المنشآت الصحية    خبير في العلاقات الدولية: إسرائيل تستخدم سلاح الجوع لكسر صمود الشعب الفلسطيني    الأسد: عملنا مع الرئيس الإيراني الراحل لتبقى العلاقات السورية والإيرانية مزدهرة    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    الذهب يصعد 1.4% ويسجل أعلى مستوياته على الإطلاق    ما هي المسافات الآمنة للسكن بجوار خطوط الكهرباء؟    أتزوج أم أجعل امى تحج؟.. وكيل وزارة الأوقاف يوضح    المركزي الصيني يبقي على معدلات الفائدة الرئيسية للقروض دون تغيير    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة في مستهل تعاملات اليوم    تربية رياضية بنها تحصل على المركز الأول في المهرجان الفنى للمسرحية    «رمد بورسعيد» يحصل على الاعتراف الدولي للمستشفيات الخضراء«GGHH»    قبل نظر جلسة الاستئناف على حبسه، اعترافات المتسبب في مصرع أشرف عبد الغفور    طريقة عمل العدس بجبة بمكونات بسيطة    دعاء النبي للتخفيف من الحرارة المرتفعة    اليوم.. محاكمة طبيب نساء بتهمة إجراء عمليات إجهاض داخل عيادته    السوداني يؤكد تضامن العراق مع إيران بوفاة رئيسها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 20-5-2024    باكستان تعلن يوما للحداد على الرئيس الإيرانى ووزير خارجيته عقب تحطم المروحية    نجمات العالم في حفل غداء Kering Women in Motion بمهرجان كان (فيديو)    عمر كمال الشناوي: مقارنتي بجدي «ظالمة»    ما حكم سرقة الأفكار والإبداع؟.. «الإفتاء» تجيب    أول صورة لحطام مروحية الرئيس الإيراني    فلسطين.. شهداء وحرجى في سلسلة غارات إسرائيلية على قطاع غزة    روقا: وصولنا لنهائي أي بطولة يعني ضرورة.. وسأعود للمشاركة قريبا    خلال أيام.. موعد إعلان نتيجة الصف السادس الابتدائي الترم الثاني (الرابط والخطوات)    معوض: نتيجة الذهاب سبب تتويج الزمالك بالكونفدرالية    تسنيم: انقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية والراديو في منطقة سقوط المروحية    أحمد عبدالحليم: الزمالك جدد طموحه بالكونفدرالية.. وفخور بجمهور الابيض    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    سمير صبري ل قصواء الخلالي: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية منذ 2014    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: دور مصر بشأن السلام في المنطقة يثمنه العالم    مصدر أمني يكشف حقيقة حدوث سرقات بالمطارات المصرية    قبل إغلاقها.. منح دراسية في الخارج للطلاب المصريين في اليابان وألمانيا 2024    لبيب: نملك جهاز فني على مستوى عال.. ونعمل مخلصين لإسعاد جماهير الزمالك    استعدادات عيد الأضحى في قطر 2024: تواريخ الإجازة وتقاليد الاحتفال    الإعلامية ريهام عياد تعلن طلاقها    نقيب الأطباء: قانون إدارة المنشآت الصحية يتيح الاستغناء عن 75% من العاملين    حتى يكون لها ظهير صناعي.. "تعليم النواب" توصي بعدم إنشاء أي جامعات تكنولوجية جديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العيب فى ذات الحاكم (2-2) مطلع الخمسينيات شهد العشرات من قضايا «سب الملك».. أشهرها وصف رجال الحكم ب«العصابة المنحطة»
نشر في المصري اليوم يوم 28 - 11 - 2008

سب الملك.. الهجوم عليه.. التشكيك فى نزاهته، ووصف رجاله ب«عصابة لصوص» والتحريض على قلب نظام الحكم.. مجرد عينات من تهم وجهت لعشرات الكتاب، بالإساءة لذات الحاكم، كرستها عدة قوانين متعاقبة تقضى بسجن كل من تجاهر بسب الحاكم وشتمه على رؤوس الأشهاد.
فى كتاب «العيب فى الذات الملكية» للدكتور سيد عشماوى وما قبل وضع قانون العقوبات عام 1882 يذكر كلوت بك أن معجم الشتائم عند المصريين غنى بكثرة الألفاظ، ومنها ما يندى له الجبين، أما أحمد أمين فيذكر فى قاموس العادات والتقاليد، أن معجم المصريين فى السباب معجم وافٍ ذو ألفاظ متعددة، وكلما مضى زمن زيدت هذه الألفاظ كما أن القانون الهمايونى أو «السلطانى» الذى أدخله سعيد باشا فى 24 يناير 1855 والذى عرف باسم «نامة سلطانى» وعندما أصدر تشريعاً للمطبوعات خاصاً بالمصريين تضمن قراراً من المجلس الخصوصى عام 1857 نصت مادته الثالثة على أنه: «إذا طبع ونشر كتب ورسائل إهانة للديانة وللبوليتيقة والآداب والأخلاق فيجرى ضبط وتوقيف هذا بمعرفة الضبطية».
وكان قانون المطبوعات فى الدولة العثمانية قد صدر أول يناير 1865، وكان معمولاً به فى القطر المصرى قبل صدور قانون 26 نوفمبر عام 1881م، وكان النص التركى يقول: «صاحب العزِّتُه الذى يستعمل ألفاظاً أو عبارات غير لائقة بحق السلطنة السنية يحبس من ستة شهور إلى ثلاث سنوات أو يؤخذ منه من خمسة وعشرين ذهباً إلى المائة وخمسين جزاءً نقدياً».
وعندما ترجم محمد قدرى قانون الحدود والجنايات جاء فى البند 86 من المقالة الثالثة فى الكتاب الأول «وجزاء من تجاهر بشتم الملك وسبه على رؤوس الأشهاد الحبس من ستة أشهر إلى خمس سنين وتغريمه غرامة أقلها خمسمائة فرنك وأكثرها عشرة آلاف».
وبداخل المكتبة المركزية لجامعة القاهرة كتاب «لائحة المحاكم المختلطة بالفصل فى القضايا المختلفة» كان بين صفحاته قوانين كثيرة بينما قانون العقوبات، وفى البند 170 من الباب الرابع عشر فى مخالفة الأوامر المتعلقة بالمطابع والمطبوعات والتدريس العام، جاء فيه: «كل من طبع محررات تشتمل على هجوم على أولى الأمر أو الحكومة أو رجالها أو حمل غيره على طبعها أو نشرها أو وزعها على الناس يعاقب بدفع غرامة من عشرة جنيهات مصرية إلى خمسين جنيهاً».
أما مصطلح «العيب» ذاته فقد بدأ فى التبلور بصفة خاصة إبان الثورة العرابية من 1881 إلى 1882م، فقانون المطبوعات الشهير جرم كل من أهان وعاب ولى الأمر، وفى أعقاب هذه الثورة صدر قانون العقوبات سنة 1883 حيث قنن فى المادة (162)، فى الجنح والجنايات التى تقع بواسطة الصحف والجرائد وغيرها، ونصت على أن «كل من عاب فى حق ذات ولى الأمر بواسطة إحدى الطرق المذكورة يعاقب بالحبس من شهر إلى 18 شهراً ويدفع غرامة من مائة قرش ديوانى إلى 2000 قرش».
وفى القوانين التى صدرت بعد ذلك، وفى التعليقات الجديدة وبخاصة فى قانون العقوبات الأهلى والتعديلات الطارئة عليه بدأ استخدام كلمة (عاب) فى حق ذات ولى الأمر (المادة 156م من قانون 1904) أو فى حق الذات الملكية (المادة 156 من قانون 1922) والمادة (179) من قانون 1937م.. وقد قصد المشرع أن يتناول بالعقاب كل قول أو فعل أو كتابة أو رسم أو غيره من طرق التمثيل يكون فيه مساس، تصريحاً أو تلميحاً، من قريب أو بعيد مباشرة أو غير مباشرة بتلك الذت المصونة.
وبدأ يتردد تعبير العيب خاصة الموجهة إلى ذات ولى الأمر المصونة، وعلى ذلك شهدت الفترة الممتدة من عام 1883 إلى 1952 عشرات القضايا المقدمة بتهمة العيب التى كانت النيابة تسميها فى بعض الأحيان الطعن فى حق ذات ولى الأمر، خاصة فى أوائل القرن العشرين.
ومع تحول مصر من سلطنة إلى مملكة وقبل صدور دستور 1923 صدر القانون رقم 32 لسنة 1922، كما حدث تعديل فى المادة 156 عقوبات والخاصة بالعيب فى الذات الملكية، وتتابعت قضايا العيب فى الذات الملكية فخضع لها الدكتور إسماعيل صدقى، صاحب امتياز جريدة «اللواء» ومدير سياستها فى أبريل 1924، وفى ديسمبر من العام ذاته خضع عصام الدين حفنى ناصف للمحاكمة وقضت المحكمة ببراءته.
وفى 23 مايو 1928 مثل أمام القضاء بالتهمة نفسها محمود عزت فى قضية جريدة «السياسة» وعباس محمود العقاد فى 1930 لمقالات كتبها فى «المؤيد الجديد». وفى مطلع الأربعينيات أبانت محكمة النقض فى 25 أكتوبر 1943م أن القصد الجنائى فى جرائم العيب والسب والقذف يتحقق بمجرد الجهر بالألفاظ المكونة لها مع العلم بمعناها.
وأضافت محكمة الجنايات فى منتصف ديسمبر 1945 أن «لجوء الكاتب لأسلوب ملتوٍ وتوجيه عبارات لحضرة صاحب الجلالة الملك فإنها تعد عيباً بلا مراء لاحتوائها على إسناد أمور عائبة تجرح المشاعر».
وفى مطلع الخمسينيات (1950 - 1952) شهدت هذه الفترة عشرات القضايا المتعلقة بالعيب فى الذات الملكية، فكانت مثلاً قضية العيب رقم 9221 سنة 1950 رقم 5 صحافة المتهم فيها أحمد حسين المحامى، رئيس الحزب الاشتراكى، والصحفى عبدالخالق التكية وكانت المحكمة قد قالت: «إن وصف أحمد حسين لرجال القصر الذين يسبهم ب(العصابة) بانحطاط الأخلاق وارتكاب الجرائم يتنافى مع الاحترام الواجب لمقام جلالة الملك كما جعل الجمهور ينظر إلى القصر بعين الريبة التى يتنزه عنها القصر ومولاه وتلك هى جريمة العيب فى الذات الملكية».
وفى عام 1951 وفى محكمة جنايات مصر فى القضية رقم 5013 رقم 9 صحافة مثل المتهم أحمد حسين وإبراهيم الزيادى رئيس تحرير جريدة «الشعب الجديد» أمامها بتهمة العيب.
وفى قضية أخرى أصدرت محكمة مصر حكمها ضد أحمد حسين (القضية رقم 6482 السيدة سنة 1951) أو رقم (280 سنة 1951 صحافة كلى» أظهرت، ماهية العيب فى ذات الملك وصولاً إلى قضية النيابة العمومية رقم (7249) ورقم (316 صحافة سنة 1951م كلى) والمتهم فيها المهندس الزراعى إبراهيم شكرى، النائب الاشتراكى، بتهمة العيب فى الذات الملكية، وفى هذه القضية أصدرت محكمة جنايات مصر برئاسة صاحب العزة حسن عبدالوهاب بك، وكيل محكمة الاستئناف، حكمها الذى أكدت فيه..
وفق ما ذكرت فى حيثياتها «ومن حيث إن مناط جريمة العيب فى الذات الملكية هو ما تؤدى إليه عبارات المقال من معان وما تنطق به من مقاصد يصل إليها القارئ ويفهمها الرجل العادى فى الظروف والملابسات التى كتب فيها المقال بدون حاجة إلى تأويل أو تخريج به عن نطاق تلك العبارات عن المعانى التى تؤدى ألفاظها مباشرة إليها، على ضوء تلك الظروف والملابسات المتصلة بها والتى لا تفرض نفسها على القارئ بحكم هذا الاتصال فحسب بل تفرضها فرض اللزوم والوجوب عبارات المقال ذاتها».
وتبلغ الإثارة الصحفية ذروتها إزاء قضية العيب فى الذات الملكية من خلال محاكمة عشرات الصحفيين المصريين خاصة كتاب «الاشتراكية» - لسان حال «مصر الفتاة» حيث تم توجيه هذه التهم مضافة إلى تهم أخرى مثل التحريض على قلب نظام الحكم، وكان الكُتّاب هم أحمد حسين وإبراهيم شكرى وإبراهيم الزيادى وعبدالخالق التكية ومحمد حلمى الغندور وسليمان زخارى ومحمود المليجى وفؤاد نصحى وغيرهم.
تم تقديمهم للمحاكمة وصودرت صحفهم فقد مضى أحمد حسين وصحبه ومن بينهم إبراهيم شكرى يهاجمون الملك وحاشيته هجوماً سافراً مكشوفاً دون التواء أو تحايل على اللغة. غير أن ذلك لم يوقف إبراهيم شكرى، فبعد إغلاق جريدة «مصر الفتاة الاشتراكية» استطاع إصدار العدد الأول من جريدة «الشعب الجديد» فى 30 أبريل 1951 حاملاً شعار «الاشتراكية» واستأنف الحملة ضد الملك. وواصل أحمد حسين حملته الصريحة ضد الملك وناظر الخاصة الملكية واشتدت الحملات بين شهرى أبريل ومايو 1951.
وفى يونيو 1951م حكم مجلس الدولة بعودة جريدة «مصر الفتاة» ومضى أحمد حسين وصحبه يهاجمون الملك، فى مقالات كانت عناوينها صريحة من قبيل «فضيحة جديدة» و«نصيحة من مقامر كبير إلى لاعبى القمار» و«إبراهيم شكرى يستجوب رئيس الحكومة عن حديث أدلى به الملك إلى صحفى إنجليزى»، و«مصروفات ديوان جلالة الملك» وغيرها.
وفى جريدة «الشعب الجديد» يكتب إبراهيم شكرى إلى أحمد حسين المحبوس «إننا ننظر إليك وكأنك تقضى شهراً من شهور العسل وأنك تتنزه.. والذى أود أن أصرخ به بأعلى صوتى لا فى أجواء مصر وحدها بل فى أجواء أوروبا أيضاً، ليمكن أن تسمعه أنت فتكبر ويسمعه الشعب فيهلل ويسمعه الحكام فيرعوا أننا نعتبر قضاء الشهور فى السجون لذة تفوق شهر العسل وأن الحبس عندنا يساوى التنقل فى أفخر يخت على الدنيا كلها. وأننا أعددنا أنفسنا لا للنزهة والترفيه فحسب وإنما لشىء آخر يهون على الصابرين المجاهدين ويزلزل أركان الفساد والمفسدين».
وعلى هذا المقال وجهت لإبراهيم شكرى تهمة العيب فى الذات الملكية وتم رفع الحصانة عنه والتحقيق معه وسجنه احتياطياً وقيل إن القبض عليه يعتبر الأول فى تاريخ مصر البرلمانية، ثم أفرج القاضى ممتاز نصار عن إبراهيم شكرى ليتم القبض عليه مجدداً فى ذات التهمة بعد حريق القاهرة حينما كتب مقالاً بعنوان «الثورة.. الثورة.. الثورة رعاياك يا مولانا .. وزراء أم لصوص وحكومة أم عصابة وكان العدد الذى حمل هذا المقال عدداً تاريخياً حيث نشرت صور تمثل بؤس وشقاء المصريين ونفدت أعداد الصحيفة بكاملها وقامت النيابة بحبس أحمد حسين بتهمة قلب النظام وتمت مصادرة الجريدة.
وبعد حريق القاهرة، قدم إبراهيم شكرى للمحاكمة وصدر ضده الحكم فى «قضية النيابة العمومية 7249 السيدة سنة 1951 ورقم 316 صحافة سنة 1951 كلى»، (121) بالحبس حبساً بسيطاً ستة أشهر مع معاملته بالفئة «أ» وتعطيل جريدة «الشعب الجديد» لثلاثة أشهر، وقد صدر هذا الحكم فى 2 يونيو 1952، وبلغ عدد قضايا العيب فى الذات الملكية لأفراد الحزب الاشتراكى ومحررى «مصر الفتاة»11 قضية موزعة كالآتى: 3 لأحمد حسين ومثلها لعبدالخالق التكية، وواحدة لكل من إبراهيم شكرى وإبراهيم الزيادى وصبحى الغندور وسيد قطب وسليمان زخارى.
«نظام تعس وعهد أسود».. أعنف حملة هجوم على فاروق
كتبت: الشيماء عزت
تسبب الهجوم على الملك فاروق الذى لم ينله أحد من أبناء أسرة محمد على، فى تعدد محاكمات عشرات الكتاب والصحفيين، بتهمة العيب فى الذات الملكية، حتى أنه صعب على المؤرخين تحديد أى القضايا أكثر أهمية عند الإشارة إلى محاكمة بعينها.
بدأ أول هجوم على فاروق، فى اليوم الأول لولادته، حين كتب بيرم التونسى قصيدته الشهيرة «البامية السلطانى»، التى ذكر فيها أن فاروق ولد قبل أن يتم سبعة أشهر على زواج والده الملك فؤاد من الملكة نازلى وقال فيها «ربك يبارك لك فى عمر الغلام - يا خسارة بس الشهر كان مش تمام»، فأمر فاروق بإغلاق صحيفته ثم نفى بعدها إلى تونس.
بعد اعتلاء فاروق العرش وهو لم يتجاوز عامه الثامن عشر بدأ صدامه الحقيقى مع الصحافة، فقد أغرى صغر سنه الحزب الكبير الوفد، بفرض رأيه فى تعيين الأوصياء على الملك لحين بلوغه سن الرشد، وقد أدى ذلك فيما بعد إلى ترسيخ العداء فى نفس فاروق تجاه الحزب، ثم ظهر جو عدائى من صحافة الحزب أدى إلى اقتياد عدد من صحفييه إلى المحاكم بتهمة العيب.
صار فاروق شخصية بغيضة عند المصريين خاصة بعد ما انتشر عنه من أعمال الفساد، فتحول هجوم الصحافة على العرش من التلميح إلى التصريح حتى وصفت الفترة الواقعة بين رحيل أحمد حسنين، السياسى المحنك، ناصح الملك وبين خلعه بفترة الملك المعيب، وقد أغرت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وقتها الكثيرين بالهجوم على رمز الدولة، ثم قرر فاروق أن يخوض حرب فلسطين التى لم تأت بثمارها المنتظرة بل تتابعت بعدها الأحداث التى انتهت بحريق القاهرة فى يناير 1952 مما كان إيذانا بخلع الملك الذى كانت قضايا العيب فى ذاته قد أصبحت من الأخبار العادية التى يتابعها قراء الصحف بشكل منتظم.
ولعل أولى المعارك التى قادت إلى أكبر قضية من قضايا العيب فى الذات الملكية، تلك التى جاءت على صفحات جريدتى «الوفد المصرى» و«المصرى» تحت عنوان «نظام تعس وعهد أسود عدوانهما على العرش» كتبها الدكتور رياض شمس ومقالة «خطيب مسجد الرفاعى» التى كتبها محمد شافعى البنا، ووجهت إلى الدكتور شمس 3 تهم هى العيب فى الذات الملكية وإهانة وسب رئيس الوزراء وإهانة رئيس الديوان العالى.
قالت محكمة الجنايات إن المقالة الأولى تصور الملك بأنه لا إرادة له ولا نفوذ بجانب إرادة غيره، وفى هذا أكبر مساس بالاحترام الواجب لصاحب العرش بينما المقال الثانى فيه تعريض شائن بطريق الغمز بمقام صاحب الجلالة الملك الذى يتولى الحكم وهو فى ريعان شبابه ومقتبل عمره مما يقصد به العيب فى الذات الملكية، وقد قضت المحكمة حينها على رئيس تحرير المصرى بالحبس مع الشغل سنة وتعطيل الجريدة لمدة شهر.
الواقعة الثانية كانت من جريدة البلاغ، الناطقة بلسان حزب الوفد أيضاً، والمتهم فيها صاحب البلاغ محمد عبدالقادر حمزة، الذى كتب معلقاً على تعيين الملك لعبدالفتاح باشا سفيراً لمصر فى لندن مقالاً يقول فيه «العيب ليس فى عبدالفتاح باشا ولكن فيمن أرسله وهو المسؤول عن الإشكالات التى تحيط بمركز مصر فى لندن وأنه من الإجرام فى حق مصر أن نسكت ونحن صحفيون».
مثل محمد عبدالقادر حمزة، أمام محكمة الجنايات، التى رأت أنه أسند إلى جلال الملك سوء الاختيار والمعاندة فى أمور الدولة وسياسة العناد بعقول ديكتاتورية وهى عبارات من شأنها المساس بالذات الملكية وكافية لتوفير ركن العيب، وأصدرت حكمها بحبسه حبساً بسيطاً لمدة شهر وتعطيل الجريدة لمدة شهر أيضاً، بتهمة العيب فى الذات الملكية.
كان عصر الملك فاروق عامراً بالأسماء التى واجهت تهمة العيب لتدل على ما وصل إليه الحكم من سوء السمعة وقتئذ، مما كان نذيراً بنهاية عهده وعصر أسرة محمد على ونهاية العمل بقانون «العيب فى الذات الملكية» فلم يعد هناك ملوك.
توفيق دياب.. «المحارب» الذى تحدى الملك و«الحكومة الحديدية»
ضاقت الوزارة الحديدية ذرعًا بتوفيق دياب، الذى ظل يهاجم أكبر الرؤوس فى مصر، ويحارب بقلمه ضد الاستعمار والطغيان، ويصف دستور 1930 ب«اللقيط»، ليدفع ثمن جهاده سجنًا، بعد مقولته المشهورة «لا طاعة لحاكم فى معصية الدستور».
توفى توفيق دياب فى الثالث عشر من نوفمبر 1955، وهو اليوم الذى يوافق عيد «الجهاد»، والمفارقة أن الصحيفة الأشهر بين الصحف التى أسسها وأطلقها، كانت تحمل نفس الاسم «الجهاد»، والتى كانت منبرًا حقيقيًا وقويًا للجهاد ضد الفساد والاستعمار وانحرافات الحكومات وطغيانها، وبالأخص حكومتى إسماعيل صدقى، ثعلب السياسة المصرية، ومحمد محمود (حكومة اليد الحديدية).
ولعل ما يستدعى حضور سيرة توفيق دياب أيضًا هو الملف الذى كتبه عن العيب فى ذات الحاكم، ورغم أن دياب لم توجه له تهمة على جريرة ارتكبها بوضوح فى حق الملك، فإنه هاجم انحرافات الحكم عبر هاتين الوزارتين.
ظل الضمير الوطنى لتوفيق دياب متيقظًا وهو فى خندق الصالح العام الذى انطلقت قذائفه دفاعًا عن مقدرات هذا الوطن من عبث العابثين، ومن أبرز القضايا التى رفع دياب لواء الدفاع عنها قضية الخطابات المزورة وقضية دفاعه المستميت عن حق الشعب المصرى فى دستور يقر له حقوقه ويدافع عن مصالحه ومقدراته، وهى المعركة التى خاضها بضراوة عام 1930 حينما تحولت صحيفته الأولى «اليوم» إلى منشور سياسى ثورى للدفاع عن الدستور، وفى هذا السياق نذكر مقولته الشهيرة فى إحدى خطبه الشهيرة أيضًا، فى مؤتمر شعبى فى الزقازيق، أول يوليو والتى قال فيها «تقول تعاليم الدين إنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق.. فليكن من التعاليم المقدسة أنه لا طاعة لحاكم فى معصية الدستور».
هذه العبارة بكاملها وردت فى مقاله فى نفس يوم 3 يوليو 1930 فى جريدته «اليوم»، ليؤكد بذلك أن هذه العبارة التى أطلقها فى المؤتمر لم تكن وليدة جو حماسى وإنما يعنيها «مبنى ومعنى» على حد وصفه.
أما قضية الخطابات المزورة فكانت خطابات متداولة بين محمد علام باشا، مدير إدارة حزب الشعب، ورئيس الوزراء إسماعيل صدقى فى 3 يونيو 1931، بشأن نقل مأمورى الأقسام للتشديد على الوفديين فى الانتخابات، وطعن علام فى الخطابات وقال إنها مزورة، وحققت النيابة وتم نظر القضية فى 25 نوفمبر 1931، أمام محكمة جنايات مصر وصدر الحكم ببراءة دياب وعلى إثر النقض حكم عليه بالسجن 6 أشهر.
كان توفيق دياب قد أصدر صحيفته «الضياء» فى 4 نوفمبر 1930 وظل يهاجم حكومة إسماعيل صدقى من خلالها من أجل دستور عام 1930 الذى وصفه دياب بقوله «الدستور اللقيط»، أما القضية الثانية التى تبناها توفيق دياب فكانت متعلقة بسد جبل الأولياء، وفى هذه الحملة هاجم دياب محمد محمود باشا وعبود باشا أيضًا لأنه رأى فى تكلفة بناء السد إرهاقًا لكاهل مصر والمصريين.
ضاقت الوزارة الحديدية بقلم توفيق بك فألقت القبض عليه وتم تقديمه للمحاكمة، وقدمت صحيفة «وادى النيل» متابعة للقضية منذ القبض عليه وصولاً إلى محاكمته فى أعدادها الصادرة فى «16 و17 و18 نوفمبر 1932» ويبدو أن نوفمبر كان يحمل وقائع وأحداثًا جسامًا لتوفيق دياب، كان آخرها وفاته، لكن كان حكم البراءة فى انتظاره إلا أنه دخل السجن يوم 27 فبراير 1932 حيث صدر حكمة محكمة النقض والإبرام برئاسة عبدالعزيز فهمى باشا، ضده فى قضية إهانة هيئتين نظاميتين هما مجلس النواب واللجنة البرلمانية التى كانت تبحث مشروع خزان جبل الأولياء.
ولأنه كان قد صدر ضده حكم سابق فى 31 مارس 1932 بالحبس ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ فقد أصبح هذا الحكم بدوره واجب النفاذ.
بيرم التونسى الشاعر «المطارَد» الذى هز عرش الملك
كتب - محمد المصطفى:
عاش مطاردًا.. ومات وحيدًا بعد هروبه سرًا إلى بورسعيد، بعد سنوات من الألم فى المنفى، وأشعار هزت عرش الملك واحتلت قلوب المصريين.
بدأت شهرة شاعر العامية محمود بيرم التونسى، عندما كتب قصيدته «بائع الفجل»، التى ينتقد فيها المجلس البلدى فى الإسكندرية، وكان حينئذ يتحكم فيه الأجانب، ففرضوا الضرائب الباهظة وأثقلوا كاهل سكان المدينة بحجة النهوض بالعمران.
كانت هذه القصيدة أول ما كتب ونجحت نجاحًا كبيرًا، وباع منها خمسين ألف نسخة، الأمر الذى جعل بيرم يترك عمله ويتفرغ لإصدار مجلة «المسلة»، ولما قامت الثورة عام 1919، والتى كانت الشرارة لمجموعة من المقالات اللاذعة، ففى البداية هاجم الإنجليز ورجال الدين الذين كانوا ينافقونهم،
وتطور الأمر فهاجم سياسات الملك فؤاد فى واحدة من قصائده فضلاً عن قصيدة «الوزة المدبوحة» التى شكك فيها فى الأصل الشرعى للملك، وكانت تلك القصيدة سببًا كافيًا لنفيه إلى تونس، وهناك استمر بيرم فى إرسال كل ما يكتب من إنتاج أدبى إلى الصحف، التى كان يحررها من الجلدة إلى الجلدة، كما يقول وريثه محمد محمود بيرم فى مقدمته لأشعاره.
كان أصحاب تلك الصحف يجنون من وراء تلك القصائد الأرباح الطائلة، ولا يرسلون له أجرًا على ما يكتب ويرسل، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد انفض عنه كل من كانوا يعاونونه ويحرضونه على الكفاح، ولما تأزمت الأمور فى المنفى «تونس» باع بيرم منزلاً كان قد آل إليه بالميراث عن أبيه، حتى يعينه على متاعب الغربة، ووجد أنه لا حياة له فى تونس بعدما تنكر له الجميع، خوفًا من دولة الاستعمار التى هو محسوب من أعدائها، فقرر أن يتجه إلى فرنسا تاركًا تونس بكل ما فيها.
وفى فرنسا وجد بيرم نظام العمل مغلقًا فى وجه غير أبناء الدولة، فلم يجد أمامه إلا الأعمال والأشغال الخطرة، لأن نظام العمل لم يغلقها ضد الأجانب، ولم يكن الأمر يحتاج شهادة تثبت أنه سبق وعمل فى تلك الأعمال، وبالتالى فإنه يحصل على عمل بشكل مباشر، دون أن يسأله أحد عن جنسيته أو يسبب له مضايقات،
 وحصل بالفعل على عمل فى أحد مصانع الصلب، وسرعان ما تركه بعدما حصل على شهادة أهلته للعمل فى أحد مصانع الغزل والنسيج، ومنه انتقل إلى مصنع للعب الأطفال فى العاصمة الفرنسية باريس، وكانت الراحة التى وجدها فى مصنع اللعب كافية لتجعله يفكر فى الاستقرار هناك، إلى أن تسبب مصطفى النحاس فى استقالته من المصنع، لأن بيرم التونسى كان يقابل المفوضين المصريين عند مرورهم بباريس قبيل ذهابهم إلى لندن للتفاوض، راجيًا العودة إلى مصر، وكان من ضمن من قابلهم بيرم، مصطفى النحاس قبيل سفره إلى لندن لتوقيع معاهدة 1936 وحدد له موعدًا لمقابلته فى السفارة المصرية فى اليوم التالى، حتى يمنحه جوازًا يؤهله للعودة إلى مصر.
وكان أن علمت حاشية النحاس بالأمر ونصحته بالعدول عن القرار، حتى لا تتسببب عودة بيرم فى خلق سوء تفاهم بين حزب الوفد والسراى، غير أن النحاس لم يكتف بالعدول عن القرار فحسب بل بالغ فى إظهار إخلاصه للملك والسراى بأن أخطر السلطات الفرنسية أن هناك شخصًا خطيرًا اسمه بيرم سيحضر إلى السفارة المصرية لاغتياله،
وفى اليوم التالى لم يكد بيرم يدخل مقر السفارة حتى وجد البوليس الفرنسى فى استقباله يفتشه تفتيشًا دقيقًا بحثًا عن السلاح، وتسببت التحقيقات التى أجراها البوليس معه فى انقطاعه عن العمل، وعدم حصوله على عمل جديد فعاد إلى تونس، وهناك وبعد فترة أنشأ جريدة مستقلة كان يحررها تحمل انتقادات اجتماعية وسياسية دون أن تتعرض له سلطات الاستعمار، إلى أن نشر قصيدة لشاعر جزائرى ينتقد فيها سياسة التجنيس، التى كانت تتبعها فرنسا لتحويل أهل الجزائر إلى فرنسيين،
وعلى إثر هذه القصيدة التى نقلها بيرم، قامت السلطات الفرنسية بنفيه إلى سوريا، وفى سوريا رفضت السلطات الفرنسية التى كانت منتدبة تجديد الإقامة له بعد فترة، فقام من جديد بالسفر قاصدًا فرنسا، وفى الطريق وعندما رست السفينة التى كانت تقله إلى فرنسا فى ميناء بورسعيد، راوده شوقه عن نفسه فتسلل من السفينة إلى بورسعيد ومنها إلى القاهرة ونزل عند ابنته «نجيبة» وزوجها، ونظم أول ما عاد هجائياته فى مصطفى النحاس، واستقر به الحال فى مصر حتى وفاته فى يناير 1961.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.