للأسف، فإننا في نهاية عقد سينمائي، سميت فيه الأفلام بأسماء النجوم الذين يضطلعون ببطولتها، وأصبحت كلمة الورق.. بما بها من معان تجارية علي ألسنة الجميع، بما يعني النص السينمائي المكتوب، أو السيناريو كما اعتدنا أن ننطق.. وفي هذا العقد، كان اسم محمد هنيدي هو الأبرز، والأطول تواجدًا، رغم أن أغلب أفلامه كانت دون المستوي الفني العادي، ورغم ما تعرضت بعض أفلامه لعثرات واضحة، إلا أنه مع فيلمه الأخير أثبت أنه قادر علي التواجد، والاستمرار.. دعونا من الحديث عن قيمة هذه الأفلام التي تصدرت الإيرادات، طول زمن هنيدي، لكن تلك الحيوية التي اتسم بها الممثل في «أمير البحار» تؤكد أن أمامه بضع سنوات، علي الأقل، للعمل بالكيفية نفسها. ورغم أن معلومة متوفرة لدي، أظنها غير مؤكدة، تشير أنه من مواليد أول فبراير عام 1959، بما يوحي أنه في بداية العقد السادس، لكنه لا يزال قادرًا علي القيام بدور الطالب، والشاب العاشق، ويستطيع أن يتحرك برشاقة وخفة ملحوظتين.. أدوار صغيرة هنيدي الذي رأيناه في دور صغير لأول مرة في «إسكندرية كمان وكمان» عام 1990، لم يتغير تكوينه الجسماني كثيرًا. بمعني أن قامته لم تصبح أطول.. وإذا كان جسده قد امتلأ في بعض الأفلام، فها هو في «أمير البحار» يعود مرة أخري لرشاقته القديمة، وإذا كان قد استعان في الكثير من الأحيان بشعر مستعار، وأنه لم يجد اختيار هذه الباروكات في حياته، فإنه كان يستعيض في الكثير من الأحيان عن هذا الشعر، بغطاء رأس يعطيه في الكثير من الأحيان سمات شبابية، في زمن صارت الصلعة مؤشرًا للجمال.. طوال قرابة ثمانية عشر عامًا من حياته الفنية الأولي، عمل هنيدي في أدوار صغيرة مع كبار المخرجين في عقدين من الزمن علي رأسهم يوسف شاهين، وعاطف الطيب، وخيري بشارة، وشريف عرفة، وداود عبدالسيد، وسعيد مرزوق، ونادر جلال، لكن ما إن أصبح نجمًا خارقًا في أواخر أعوام القرن العشرين، والعقد الأول من القرن الحالي، حتي عمل مع مخرجين، لمعوا معه، وحدث الشيء نفسه مع كتاب السيناريو، والغريب أنه عندما حاول الاستعانة بنادر جلال، الذي قدمه في أحسن حالاته في الجزء الأول والثاني من «بخيت وعديلة»، لم يكن فيلمه «الواد بلية ودماغه العالية» يضارع الأفلام الأخري التي حققت له كل هذه النجومية، التي أخرجها له سعيد حامد. صعود بطيء محمد هنيدي الذي صعد ببطء شديد، لم يكن كوميديًا في أدوار كثيرة شاهدناه فيها، خاصة في «قلب الليل»، «يوم مر يوم حلو»، «شحاتين ونبلاء»، «سوق النساء»، وقد تحول إلي الكوميديا ببطء شديد خاصة في المسرح، وقد تفاءل المشاهدون بوجود ثنائي كوميدي أقرب إلي لوريل وهاردي من خلال «قشر البندق» لخيري بشارة عام 1995، ثم رأينا الثنائي هنيدي وعلاء ولي الدين في أفلام أخري مثل «حلق حوش»، و«سمكة و4 قروش»، وفي هذه الأفلام بدأ الاثنان يزحفان إلي البطولة المطلقة، حتي جاءت فرصة الفيلم القنبلة «إسماعيلية رايح جاي» عام 1997، كي تقلب كل الموازين، ليس في مسيرة هنيدي وحده، بل في مسيرة الفيلم المصري كله الذي شهد ما يسمي باكتساح الفيلم الكوميدي الذي يعتمد علي الإفيهات. قلت في أكثر من مناسبة إن نظام التعليم في مصر في تلك الآونة، قد ساعد كثيرًا علي خلق مثل هذه الظاهرة، حيث أجبر الأسر علي حبس الأبناء لتلقي الدروس الخصوصية، والاستذكار من أجل مواكبة امتحانات الفصلين الدراسيين، بالإضافة إلي التوتر الملحوظ باعتبار أن الثانوية العامة تحسم في عامين وليس في عام واحد.. هذا النظام، أتاح لجميع نجوم السينما في تلك السنوات، ألا يعملوا في الغالب أكثر من فيلم واحد في السنة، يعرض فقط في فصل الصيف، وبالتالي، فإن النجوم، شاءوا أم أبوا، لا يمكنهم المغامرة بتقديم أكثر من فيلم في العام، ينتظرون طوال العام في بيات شتوي، يعملون، حتي يأتي شهر مايو، فتبدأ الأفلام في الخروج من جحورها، ولأن الشباب، وهم المشاهدون العظام في هذه السينما، يمرون بظروف عصيبة بسبب التسابق في الامتحانات، فإن فصل الصيف صار بمثابة البحث عن المرح والتنفيس، وعدم التفكير، لذا تمت صناعة أفلام شبابية كوميدية، كان هنيدي أول المتخرجين في هذه المدرسة، ثم فتح الباب بعد ذلك لكل أقرانه، الذين لا يزالون يحققون أعلي الإيرادات حتي بداية عام 2010. في فيلميه «صعيدي في الجامعة الأمريكية» و«همام في أمستردام» أضحك هنيدي الناس، فهو ابن الفقراء الذي يدرس في الجامعة الأمريكية، بسبب تفوقه، ويحقق في المهجر نجاحًا يمتلك من خلاله أحد أكبر المطاعم في أمستردام، بالإضافة إلي شعوره الوطني العالي، الذي جعل الشباب يصفقون له بقوة في قاعات العرض، حين أحرق علم إسرائيل مرة، ثم حين تصدي لمؤامرات الشاب الصهيوني مرة أخري.. وهكذا أكسب هنيدي أكثر من «بنط» في بداية، رحلة النجومية، لكن لم يكن الصعود بالدرجة نفسها، حيث تعثرت الخطوات كثيرًا، ولا أعتقد أن فيلمًا في المرحلة التالية حقق نفس النجاح، ورغم ذلك سوف يبقي هنيدي متصدرًا وحده أغلب أفيشات أفلامه، بدون منازع، فهو يحمل الفيلم فوق كاهله وحده، مع تغير المخرج، وكاتب السيناريو، والممثلة التي تقف أمامه. مقارنة لن نقارن هنيدي، بنجم الكوميديا الذي سبقه من قبل، ثم دخل معه حلبة المنافسة فيما بعد عادل إمام، فهذا الأخير قد وقف منذ بدايات نجوميته أمام نجمات كبيرات مثل سعاد حسني ويسرا، ومديحة كامل، ونيللي، وسهير رمزي، ونادية الجندي، إلا أن أغلب النجمات اللاتي وقفن أمام هنيدي، يؤدين دور الحبيبات أو البطلات، كن في تجاربهن الأولي في البطولة، من ناحية، والكثيرات منهن كان وقوفهن أمام هنيدي بمثابة البطولة الأولي والأخيرة، أو الظهور الوحيد علي شاشة السينما. يعني هذا أن هنيدي لم يكن يقبل قط أن تكون هناك أي مساحة لشخصية أخري لتنافسه في دوره، باستثناء حنان ترك في «جاءنا البيان التالي»، حيث وقفت أمامه قامة تطال قامة، أما الباقيات فللأسف كن أشبه بأشياء موجودة، أكثر منهن أدوارًا حقيقية، مثل «موناليزا» في «همام في أمستردام» وهي الممثلة التي اعتزلت السينما، ولا أتصور أنها كانت ستصير نجمة في السينما المصرية، وحدث الأمر نفسه لكل من ريهام عبدالغفور في «صاحب صاحبه» عام 2002، ولقاء الخميسي في «عسكر في المعسكر» 2003، والممثلة الصينية شوشان في «فول الصين العظيم» عام 2004، والممثلة هبة نور، في فيلم «عندليب الدقي» عام 2007. البطولات الأولي من ناحية أخري، فإن بقية الأفلام قد شهدت البطولات الأولي، لنجمات صرن متواجدات بقوة في أعمالهن التالية، لكن تواجدهن أمام هنيدي، كان بمثابة البحث عن فرص للانتشار والعمل في أفلام يزداد الإقبال عليها جماهيريًا، مثل غادة عادل في «صعيدي في الجامعة الأمريكية»، و«الواد بلية»، ومني زكي في «صعيدي في الجامعة الأمريكية»، ثم دنيا سمير غانم في أول بطولة لها في «يا أنا يا خالتي» عام 2005، وهي التي لم تضطلع ببطولة قط حتي الآن، ثم بشرا في «وش إجرام» عام 2006، والمطربة اللبنانية سيرين عبدالنور في «رمضان مبروك أبوالعلمين حمودة» عام 2008، وأخيرًا «أمير البحار» عام 2009. برؤية هنيدي في القاعات مع نهاية العام المنصرم، وفيلمه لا يزال يعرض حتي الآن، يمكن التكهن بما سوف يكون عليه في المستقبل، فهو بلا شك سوف يستمر، وسوف يتواجد بالقوة نفسها طالما أنه اختار لنفسه المؤلف المضمون، وأيضًا المخرج الذي استبدله بسعيد حامد، أبرز من قدمه في بدايات نجوميته، والذي لم يعد له مجددًا، منذ ثماني سنوات لسبب غير معروف. تغيير جلد في فيلمه الأسبق «رمضان مبروك»، بدا المؤلف يوسف معاطي، كأنه تعمد أن يغير جلد ممثله الذي يكتب له للمرة الأولي، لكنه في «أمير البحار» أعاد لنا هنيدي الذي نعرفه، وألفناه في أغلب أفلامه السابقة، ذلك الشاب «الملبوخ» دومًا، الذي يغرق في شبر من المياه، وبغبائه يسبب المتاعب لنفسه ومن حوله، ومع هذا فهو يتغير، ويتعلم المسئولية وينجح في حياته، ويمكن في ذلك أن نراجع أدواره السابقة في «عسكر في المعسكر»، و«فول الصين العظيم»، و«وش إجرام»، وغيرها. لذا، فإن هنيدي في دوره الجديد، بدا كأنه خسر «بنطًا» جديدًا، كان قد كسبه في فيلمه السابق، ومن الواضح أن الساحة قد خلت في العام الجديد من وجود منافس قوي أمامه، وأنه عاد مرة ثانية ليتصدر قائمة الأفلام الأكثر إيرادات، وهو في حاجة إلي استخدام ذكائه، وأن يطلب من مؤلف فيلمه القادم أن يكون علي مستوي «رمضان» المستوحي من «الملاك الأزرق»، وأعتقد أنه في مثل هذه الظروف، فإن هنيدي سوف يتربع مجددًا علي عرش المضحكين، في زمن لا تزال وزارة التربية والتعليم تعمل علي قهر تلاميذها بنظام الفصلين الدراسيين، فيحتاجون في الصيف إلي الضحك من الأعماق، حتي ولو صار الفصل في عام 2010 قصيرًا للغاية..