أعتقد أن الأوطان تهون علي البشر عندما يتوهون عن أبرز محطات تاريخهم بكل ما تُشير إليه من سلبيات وإيجابيات، أو إنجازات مشهود لها قد تنال منها تراجعات حضارية ، أوتشييد صروح تاريخية ثم تقترب من أساساتها معاول التشويه بجهل وغباوة. علي مدي أكثر من نصف قرن ، وتحديداً ومنذ قيام ثورة 23 يوليو 1952، والناس في بلادي يتابعون بأسي معاول التشويه وهي تضرب في أساسات أحد أهم الصروح المهمة للبناء الإنساني المتمثل في برلمان الشعب بيت الحرية ودار ممارسة الفعل الديمقراطي لامتلاك ناصية التشريع والرقابة والمحاسبة ، فقد كان قرار الثورة بإلغاء الأحزاب ضربة هائلة لدور البرلمان عبر تغييب أهم آلية لتمثيل ضمير وإرادة كل قوي الشعب السياسية والفكرية والمهنية تحت قبة البرلمان ، وحتي الحقب السرورية البالية عندما بات سيد قراره ممثلاً للسلطة والسلطان بفعل ترزية القوانين وإعمال آلية الانتقال الضرورة لجدول الأعمال في دورات صعد خلالها لكراسي المجلس الموقر بالتزوير بشر غالبيتهم ليسوا منا ، إلي أن أحيانا المولي القادر الكريم لنشهد بفعل ثورة 25 يناير المشهد الانتخابي التاريخي .. محطات أعود لفكرة هوان الوطن عند التوهان عن أبرز محطات التاريخ ، أُذكر نفسي وإياكم ببعض محطات إنشاء البرلمان المصري ، أنه في مايو عام 1805 قام الناس في وطننا العظيم مصر بأول ثورة ديمقراطية نموذجية في تاريخنا المعاصر، عندما تقدم علماء الأزهر الصفوف مع جموع الجماهير لدعم تولية محمد علي باشا والياً علي مصر ليضعوا السلطان العثماني في الاستانة أمام أمر واقع بشرط " تم الأمر بعد المعاهدة والمعاقدة علي سيره بالعدل وإقامة الأحكام والشرائع والإقلاع عن المظالم وألايفعل أمراً إلا بمشورة العلماء وأنه متي خالف الشروط عزلوه"، وعقب توليه حكم البلاد بدأ محمد علي ثورة لإقامة نظم للحكم المركزي وإنشاء أول مجلس نيابي .. في عام 1824 تم تكوين " المجلس العالي " وهو أول مشروع لمجلس نيابي يتم اختيار بعض أعضائه بالانتخاب ويراعي فيه تمثيل فئات الشعب المختلفة ..وفي يناير 1825 صدرت اللائحة الأساسية للمجلس العالي وحددت اختصاصاته بأنها "مناقشة ما يراه أو يقترحه محمد علي ، وكان إنشاء مجلس آخر في عام 1829 هو مجلس المشورة الذي يعد نواة مهمة لنظام الشوري. وفي عام 1866 كانت الخطوة الأهم في تطور الحياة النيابية في مصر بإنشاء "مجلس شوري النواب " في عهد الخديو إسماعيل . فهذا المجلس يعد أول برلمان يمتلك اختصاصات نيابية ، وليس مجرد مجلس استشاري تغلب عليه الصفة الإدارية.وقد صدر المرسوم الخديو بإنشاء المجلس في شهر نوفمبر 1866 ..في 26 من ديسمبر عام 1881، وبعد الثورة العرابية قدمت الحكومة مشروع القانون الأساسي ، وصدر الأمر العالي به في 7 من فبراير عام 1882، وجعل هذا القانون الوزارة مسئولة أمام المجلس النيابي ، والذي كانت له أيضاً سلطة التشريع، وسؤال الوزراء واستجوابهم .عقب انتهاء الحرب العالمية الأولي اندلعت ثورة عام 1919 مطالبة بالحرية والاستقلال لمصر ، وإقامة حياة نيابية وديمقراطية كاملة. في إبريل عام 1923 تم وضع دستور جديد للبلاد ، ووضعته لجنة مكونة من ثلاثين عضواً ، ضمت ممثلين للأحزاب السياسية ، والزعامات الشعبية ، وقادة الحركة الوطنية.وقد أخذ دستور عام 1923 بالنظام النيابي البرلماني القائم علي أساس الفصل والتعاون بين السلطات .. ونُظمت العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية علي أساس مبدأ الرقابة والتوازن .. وفي عام 1956 صدر الدستور الجديد ، وتم بمقتضاه تشكيل مجلس الأمة في 22 من يوليو 1957 من 350 عضواً منتخباً ، وقد فض هذا المجلس دور انعقاده العادي الأول في 10 فبراير سنة 1958 وفي فبراير 1958 ونظراً لقيام الوحدة بين مصر وسوريا ألغي دستور 1956 ، وصدر دستور مؤقت للجمهورية العربية المتحدة في مارس سنة 1958 ، شكل علي أساسه مجلس أمة مشترك من المعينين ..وفي مارس 1964 صدر دستور مؤقت آخر في مصر، تم علي أساسه إنشاء مجلس الأمة من 350 عضواً منتخباً ، نصفهم علي الأقل من العمال والفلاحين ، انعكاسا لصدور قوانين يوليو 1961 الاشتراكية ، إضافة إلي عشرة نواب يعينهم رئيس الجمهورية.وفي 11 من سبتمبر 1971 صدر الدستور الذي طور دعائم النظام النيابي الديمقراطي مؤكداً علي سيادة القانون واستقلال القضاء ، وأقر مبادئ التعددية الحزبية في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري.. وفي عام 1979 أجريت أول انتخابات تشريعية في مصر علي أساس حزبي ، وذلك لأول مرة منذ إلغاء الأحزاب السياسية في مصر عقب ثورة يوليو 1952، شاركت فيها عدة أحزاب سياسية تكونت بعد صدور قانون الأحزاب السياسية في عام 1977م . وفي عام 1986 صدر قانون بتعديل نظام الانتخاب علي أساس الجمع بين نظام القوائم الحزبية والنظام الفردي.غير أن التجربة أسفرت عن العودة إلي نظام الانتخاب الفردي ، ففي عام 1990 صدر قرار بقانون بالعودة إلي ذلك النظام. وكانت ثورة يناير 2011 وكانت الانتخابات بنظمها الجديدة ، والتي عايشناها وتفاعلنا معها بكل تقدير للقوات المسلحة والشرطة لتعاونهما في دعم حالة من الأمن والمتابعة لكل مراحل العمل .. والتقدير موصول لقضاة مصر لدورهم الوطني المخلص .. لون من الكفر! وما كنا لنقبل بعد هذه الرحلة الصعبة والممتدة للمواطن المصري عبر عشرات الحقب أن يصرح المهندس عبد المنعم الشحات ، وهو يستثمر وجود آلية الديمقراطية للوصول إلي كرسي البرلمان أن يصف إعمال آلية الديمقراطية بأنه لون من الكفر ، وفقط أذكره بذلك المقطع من مقال له عام 2007 .. يقول القيادي السلفي " وكان من ضمن الأمور التي زادت الحسابات تعقيداً تدخل أمريكا والغرب إعلامياً لصالح إعطاء مساحة أكبر للإسلاميين في المشاركة السياسية .. ماذايستفيد الغرب عموماً وأمريكا خصوصاً من الزج بالإسلاميين في التجربة السياسية؟!" .. ويضيف " الانتخابات أصبحت مصيدة يستدرج بها الإسلاميون السلميون إلي منزلق العنف، فتتشتت جهودهم الدعوية أو تضيع ، بينما يستمر الغرب وأعوانه في عزف أنشودة التطرف والإرهاب....الخ..." .. ولا تعليق سوي أنه التسابق علي مغانم ثورة كان تياره يرفض اندلاعها لأن في حدوثها خروج علي طاعة الحاكم !! وما كنا نأمل من سلفيي التشدد والفكر التشنجي من رجال يحسبهم المجتمع علي الكنيسة المصرية أن يجرفهم تيار رد الفعل مع بداية النزال الانتخابي ، أن يتسارعوا في إعداد قوائم بأسماء أحزاب ومرشحين لتحفيز من حولهم للالتزام بها ، وبدعوي التخوف من إقصاء الوجود المسيحي رغم خطاب قداسة البابا شنودة بضرورة الانحياز للحزب والمرشح الأكثر كفاءة لتجنب الدخول في سجال طائفي مقيت !! وما كنا أيضا نود أن يصل بنا الأمر لتلقي تصريح الدكتور محمد البلتاجي أمين حزب الحرية والعدالة أن البرلمان لن يكون برلمانا حقيقيا ما لم يؤد وظيفته الكاملة فسيتحول المجلس الي برطمان وليس برلماناً... فهل سيتحول برلماننا العتيد برطمانا إذا لم يتم تنفيذ آليات تشكيله وآلية اختيار اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور وفق توجهات وأحلام حزب الحرية والعدالة ؟