أحمد موسى: مركز البيانات والحوسبة السحابية "عقل مصر" وانطلاقة نحو المستقبل (فيديو)    عاجل|حزب الله: استهدفنا موقع رويسات العلم بالأسلحة الصاروخية    ولي العهد السعودي وأمير الكويت يستعرضان العلاقات الثنائية    غدا.. محمد الشامي يخضع لفحوصات طبية والتشخيص المبدئي يُرجح إصابته بجزع في رباط الركبة    مانشستر سيتي يهزم نوتنجهام فورست بثنائية نظيفة في الدوري الإنجليزي    كشف ملابسات تداول مقطع فيديو تضمن تعدي شخص على آخر من ذوي الاحتياجات الخاصة بالدقهلية    لهذا السبب.. إلغاء العرض الخاص لفيلم "السرب"    أغنيتين عراقيتين.. تفاصيل أحدث ألبومات أصالة    مظاهرة بتركيا دعما لاحتجاجات طلاب الجامعات الأمريكية ضد الحرب بغزة    «جورجييفا»: العالم لم ينجح في تشارك منافع النمو مع المناطق الأكثر احتياجاً    كم حصيلة مبادرة استيراد سيارات المصريين بالخارج؟ وزير المالية يجيب    مذكرة لرئيس الوزراء لوقف «المهازل الدرامية» التي تحاك ضد المُعلمين    التشكيل الرسمي للمقاولون العرب وسموحة في مباراة الليلة    حزب الوفد: نرفض أي عدوان إسرائيلي على رفح الفلسطينية    كنائس كفر الشيخ تحتفل بأحد السعف | صور    بوريل: الأوروبيون لن يذهبوا للموت من أجل دونباس لكن عليهم دعم كييف    وزير الصحة: إشادات عالمية بنجاح مصر في القضاء على فيروس سي    "الرعاية الصحية" تشارك بورشة العمل التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية    التشكيل الرسمي ل مباراة نابولي ضد روما في الدوري الإيطالي    أغلى 5 فساتين ارتدتها فنانات على الشاشة.. إطلالة ياسمين عبد العزيز تخطت 125 ألف جنيه    بحضور محافظ مطروح.. قصور الثقافة تختتم ملتقى "أهل مصر" للفتيات    «بحوث القوات المسلحة» توقع بروتوكولًا مع «المراكز والمعاهد والهيئات البحثية بالتعليم العالي»    أرخص 40 جنيها عن السوق.. صرف الرنجة على بطاقة التموين بسعر مخفض    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد مستوى الخدمات المقدمة للمرضى بمستشفى أبوكبير    تحرير 78 محضرا في حملة للمرافق لضبط شوارع مدينة الأقصر    إنجاز جديد.. الجودو المصري يفرض سيطرته على أفريقيا    حجازي: مشاركة أصحاب الأعمال والصناعة والبنوك أحد أسباب نجاح التعليم الفني    رضا حجازي: زيادة الإقبال على مدارس التعليم الفني بمجاميع أكبر من العام    نشرة في دقيقة | الرئيس السيسي يتوسط صورة تذكارية عقب افتتاحه مركز الحوسبة السحابية الحكومية    طريقتك مضايقاني.. رد صادم من ميار الببلاوي على تصريحات بسمة وهبة    الإعدام لعامل قتل شابا من ذوي الاحتياجات الخاصة بواسطة كمبروسر هواء    الرئيس العراقي خلال استقباله وزير الري: تحديات المياه تتشابه في مصر والعراق    مسؤول إسرائيلي: مستعدون لتقديم تنازلات في مسألة عودة النازحين لشمالي غزة    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل مرضى ومصابي الحرب من الأشقاء الفلسطنيين    مساعد وزير الصحة: انخفاض نسب اكتشاف الحالات المتأخرة بسرطان الكبد إلى 14%    تأجيل محاكمة المتهمين في عملية استبدال أحد أحراز قضية    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    الليلة .. سامى مغاورى مع لميس الحديدى للحديث عن آخر أعماله الفنية فى رمضان    زعيم المعارضة الإسرائيلية: حكومة نتنياهو في حالة اضطراب كامل وليس لديها رؤية    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    التنظيم والإدارة يعلن عن مسابقة لشغل 18886وظيفة معلم مساعد بوزارة التربية والتعليم    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    «رجال الأعمال المصريين» تدشن شراكة جديدة مع الشركات الهندية في تكنولوجيا المعلومات    الأرصاد الجوية تعلن حالة الطقس المتوقعة اليوم وحتى الجمعة 3 مايو 2024    أعاني التقطيع في الصلاة ولا أعرف كم عليا لأقضيه فما الحكم؟.. اجبرها بهذا الأمر    أفضل أوقات الصلاة على النبي وصيغتها لتفريج الكرب.. 10 مواطن لا تغفل عنها    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    قرار جديد من القضاء بشأن 11 متهماً في واقعة "طالبة العريش" نيرة صلاح    جدول امتحانات التيرم الثاني 2024 لصفوف النقل والشهادة الإعدادية (القاهرة)    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    ضبط 4.5 طن فسيخ وملوحة مجهولة المصدر بالقليوبية    «فوبيا» تمنع نجيب محفوظ من استلام «نوبل»    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    غدًا.. تطوير أسطول النقل البحري وصناعة السفن على مائدة لجان الشيوخ    تقييم صلاح أمام وست هام من الصحف الإنجليزية    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    حسام البدري: أنا أفضل من موسيماني وفايلر.. وكيروش فشل مع مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صندوق الانتخاب شاهد علي عصر الحياة النيابية في مصر
نشر في القاهرة يوم 09 - 11 - 2010

الانتخابات النيابية هي تعبير الشعب عن حالته وقت اجرائها عن رغبته في تصحيح جملة أوضاع خاطئة، وتصل الحالة بالشعب إلي استشراف المستقبل، ليحقق ما يصبو إليه، وليس هذا فحسب، وانما تكشف عن المستويات الثقافية، والمفاهيم السياسية، والأوضاع الاجتماعية لأفراده لأن قوامها الوعي بروح العصر.
وإذا كان الحكم الدستوري قديماً عرف في بعض الدول مثل اليونان وروما، فانه جديد في الشرق، وليس من المنتظر ان يولد كامل النمو في بلادنا، وانما كان يتطور ويرتقي فترة بعد أخري، وكان المشرعون يفيدون من تجارب الآخرين، واجتهادات السابقين، والتجارب الأولي في مصر تبين ان المجالس النيابية كانت تقوم بالمهام التي تناط بها من قبل الحكومة، أي أنها تمثل الحاكم أكثر مما تمثل الشعب.
وفي النصف الأول من القرن التاسع عشر رغب محمد علي باشا في معاونة بعض المصريين له في الحكم، فأنشأ عدة مجالس، منها مجلس المشورة، عام 1829، وكان يتكون من أكثر من خمسين عضواً، يعين منهم الباشا نحو ثلاثين عضواً بواقع عضو واحد عن كل قرية أو قسم، وكان الباقون ينتخبون كما يقول عبدالعزيز رفاعي، ولعل العلماء وكبار التجار والأعيان كان لهم اليد الطولي في اختيارهم أو انتخابهم، وعلي أية حال لم يطل عمر هذا المجلس، فقد ألغي، وانشيء «المجلس المخصوص»، للتشريع وسن القوانين، ثم «المجلس العمومي» للنظر في مختلف القضايا الحكومية، وتعرض توصياته علي «المجلس المخصوص».
ومثل هذه المجالس لا تعد مجالس نيابية، بقدر ما تعد إدارات في جهاز الدولة مهمتها تسيير الأمور، وتنفيذ أوامر السلطة، فمن أعضائها تجار وعليهم ان يروجوا التجارة، وينهضوا بها، ومن أعضائها علماء دين مهمتهم الحكم بين الناس بالشرع، ومنهم من يقوم بجباية الضرائب، وهكذا ويجب أن يعرف إنه لم يعل في هذه المجالس صوت علي صوت الباشا محمد علي ومع ذلك بقيت من هذه المجالس قاعدتان مهمتان، الأولي قاعدة انتخاب او اختيار الأعضاء من قبل قوي شعبية والثانية حق الحاكم في تعيين أعضاء في المجالس النيابية بمعرفته، لأسباب يقدرها، هذا إلي جانب ان هذه المجالس كانت بمنزلة مدرسة تعلم فيها الأعضاء البحث في الموضوعات والجدال وطرح الأفكار.
مجلس شوري النواب
وقد تعطلت هذه المجالس قبل موت محمد علي، وظل الشعب المصري يحكم حكماً مباشراً في عهدي عباس باشا الأول، ومحمد سعيد باشا، إلي ان تولي الخديو إسماعيل سدة الحكم عام 1863، وأخذ في تحديث مصر، والنهوض بها، مما اقتضاه الاستدانة من الأوروبيين، ومن هنا أخذ النفوذ الأجنبي يزداد في مصر، ولما كان يرغب في الحكم دون تدخل الأجنبي، فقد رأي أن يشرك الشعب في الحكم عن طريق مجلس نيابي ليساعده في حل الأزمة المالية، فأصدر في أكتوبر 1866 اللائحة الأساسية لمجلس شوري النواب، ووجهها إلي راغب باشا لتنفيذ ما جاء فيها، وعينه رئيساً للمجلس، وأحاط ناظر الداخلية، والمفتش العام علي الأمر لنشر اللائحة علي الجمهور تمهيداً للانتخابات.
وحدد مهام المجلس وأهمها «المداولة في المنافع الداخلية، والشعورات التي تراها الحكومة انها من خصائص المجلس ليصير المذاكرة، وإعطاء الرأي عنها، وعرض جميع ذلك للحضرة الخديوية»، واشترطت اللائحة الأساسية ان يكون المرشح من ذوي السمعة الحسنة، ومن أبناء الوطن ولا يقل عمره عن 25 سنة، ويحرم الفقراء المحتاجون من الترشيح، ونبهت علي ان ينتخب واحد او اثنان عن كل قسم حسب عدد السكان بحيث لا يزيد عن 75 عضواً، ومدة المجلس ثلاثة أعوام.
صندوق الانتخابات
والمفيد في هذه اللائحة انها حددت طريقة انتخاب الأعضاء، فقد جاء في البند السابع منها «حيث ان كل بلد عليه مشايخ معينون برغبة الأهالي، فبالطبع هم المنتخبون من طرف أهالي ذلك البلد، والنائبون عنه لانتخاب العضو المطلوب انتخابه في القسم، وإذا كانت تلك المشايخ حايزين الأوصاف المعتبرة المذكورة، فهؤلاء المشايخ يحضرون المديرية، ويكتب كل واحد منهم اسم من ينتخبه في القسم في ورقة مخصوصة، ويضعها مقفولة بالصندوق المعد لقسمه».
ولإيضاح ذلك نذكر ان الفرد لا ينتخب المرشح مباشرة كما هي الحالة اليوم وانما ينتخب الأهالي شيوخا من القري والأقسام الذين عينتهم الدولة، لينوبوا عنهم «أي عن الأهالي» في الانتخاب «أي ان زيدا ينتخب شيخا، وهذا الشيخ ينوب عن زيد في انتخاب من يراه صالحاً من المرشحين»، وكان انتخاب الأهالي للمشايخ، يجري شفاهة أمام ناظر القسم، ثم يذهب الشيخ إلي المديرية لينتخب من شاء بواسطة ورقة يلقيها في صندوق الانتخابات وقد يبتسم القارئ سخرية من هذا الانتخاب الشفاهي للشيخ، ولكن ذلك ربما كان مناسباً في تلك الأيام التي تفش فيها الجهل والأمية، فلم يكن أجدادنا جميعاً يعرفون القراءة والكتابة، وفي انتخابات «مجلس الأمة» عام 1957، اقترن اسم كل مرشح للانتخاب برمز مثل الهلال، والنخلة والمفتاح وغير ذلك، وربما كانت هذه الرموز مساعدة للناخب الذي لا يقرأ ولا يكتب علي التعرف علي مرشحه، فكل شخص سواء أكان جاهلاً أم متعلماً يعرف الهلال والنخلة والمفتاح وغيرها من الأشياء، وعن طريقها يستدل علي من يرغب في انتخابه، ولا شك أن هذه الرموز كفيلة بإلغاء الانتخاب الشفاهي.
وطريقة الانتخاب غير المباشر أو بواسطة مندوب هو الشيخ التي جرت في مجلس شوري النواب عام 1866 هي نفسها التي جرت عليها جميع الانتخابات النيابية في مصر حتي انتخابات عام 1924 التي فاز فيها الوفد بزعامة سعد زغلول، وأثناء انعقاد مجلس نواب 1924 تم الغاء نظام الانتخاب غير المباشر، وصار مباشراً منذ عام 1926.
أما صندوق الانتخاب فكانت بدايته مع مجلس شوري النواب 1866، ولا أدري ان كانت فكرته مأخوذة عن نظام أوروبي، أم ان الضرورة أوحت به، فانه لما كان شيوخ القري والأقسام التابعين لكل مديرية «محافظة الآن» من الكثرة بحيث يصعب ادلاؤهم بالأصوات الشفاهية أمام مدير المديرية وكبار الموظفين فإنه اقترح التصويت السري في الأوراق المعدة لذلك ووضعها في الصندوق الخاص بكل قسم من أقسام المديرية، ولأن الشيوخ الذين يدلون بالأصوات كانوا من ذوي الأطيان والملاك والأعيان، فانه لا يستبعد ان يكونوا ملمين بالقراءة والكتابة.
وصندوق الانتخاب هو حافظ أوراق الناخب، وموضع أسراره، ومرجع المرشح الطاعن في نزاهة الانتخابات، وقد صاحب جميع الانتخابات والاستفتاءات منذ 1866 إلي اليوم.
عيوب الانتخاب غير المباشر
وطريقة انتخاب مجلس شوري النواب 1866 جمعت بين التصويت العلني حين ينتخب الفرد شيخا ينوب عنه، والتصويت السري حين يصوت الشيخ علي ورقة الانتخاب ويضعها في الصندوق، وهذه الطريقة لها عيوبها، فشيوخ كل حارة أو كل قسم يمكن السيطرة عليهم من قبل المرشحين، والتأثير فيهم، واغراؤهم بالمال وذلك لقلتهم، كما ان الشيخ يمكن ان ينتخب مرشحاً لا يرغب فيه من وكلوه عنهم، كذلك فان التصويت العلني عند انتخاب الشيوخ، قد يوقع الأهالي في حرج شديد، وربما تنشأ عنه عداوات بين بعض الناس، وبعض الشيوخ.
ومع ذلك فانه يمكن تصور مصر، من أقصاها إلي أقصاها، هادئة في يوم الانتخاب، فالشيوخ الذين يدلون بأصواتهم قلة علي كثرتهم، ويتجمعون في مكان واحد هو مقر المديرية، ومن هنا فان الصياح والخطب الرنانة، والدعاية الصاخبة تقل في هذا اليوم، ومن المزايا الأخري ان المواطن المصري شعر، لأول مرة في التاريخ ان له قيمة، وان له صوتاً مهماً، ومن ناحية أخري عرف المرشحون ان للأهالي تأثيرهم في مجريات الأحداث، ومن هنا يتقربون إليهم.
فرز الأصوات
وحرصاً علي حقوق المرشحين، وميول الجمهور، فقد بينت المادة الثامنة من اللائحة الأساسية لمجلس شوري النواب، كيفية فرز الأصوات، وجاء فيها: انه بعدما يتم وضع الأوراق بالصناديق تقتح علي يد المدير والوكيل، وناظر قلم الدعاوي، وقاضي المديرية، فينظر إذا كان أكثر الآراء متفقة علي انتخاب واحد في القسم، فيصير هو نائب عن القسم، وان تساوت الآراء في انتخاب اثنين أو ثلاثة فيقرع بينهم بحضورهم، والذي تصيبه القرعة يصير نائباً عن القسم، وفي كلا الحالتين يؤخذ من المشايخ والحاضرين بالمديرية في البلاد ورقة بأختامهم بما استقر عليه الحال، في انتخابات تلك النواب».
وهذا يبين ان فرز الأوراق المودعة في الصندوق تتم بدقة لأنها تكون تحت إشراف مدير المديرية «المحافظ الآن»، وكبار الموظفين، اللافت للنظر انه في تلك الأوقات المبكرة، كان القضاء يشرف علي عملية الإدلاء بالأصوات، ويلاحظ فرز الأوراق، ويشارك في إعلان النتائج وقد أخذ بهذا المبدأ بعد ذلك، ففي انتخابات «الجمعية التشريعية» عام 1913، صدر قانون 30 ويتضمن ان يشرف علي الانتخابات في كل لجنة قاض أو عضو نيابة يختاره ناظر الحقانية «وزير العدل»، كذلك أشرف القضاء علي انتخابات عام 1924 النزيهة، وفي عام 2000 صدر القانون 167 لتكون عملية الانتخاب برمتها تحت الإشراف الكامل للقضاء.
أما الذي تغير من هذه المادة «المادة الثامنة» وهو اجراء قرعة علنية بين مرشحين تساوي كل منهما في عدد الأصوات، فان ما يجري الآن هو إعادة الانتخاب بينهما، وهو أصح، فلا تترك الأمور للحظوظ والمصادفات، وإعادة الانتخاب فيه تصوير للواقع بأمانة.
ويمكن ان توجه لمجلس شوري النواب انتقادات كثيرة، مثل قصر فترات انعقاده، وعدم مناقشته مشاكل معقدة مثل المشكلة المالية، وعدم التحرير من نفوذ الخديو إسماعيل.. غير ذلك، ومهما يكن من أمر، فإنه كان خطوة واسعة في تاريخ الحياة النيابية في مصر، إذ عمل علي ترقية الوعي، واتاح الفرصة لظهور معارضة، وطالب بعض نوابه بالحد من الضرائب المتنوعة، وبإلغاء بعضها، وطالب النواب باقالة الوزارة التي فيها وزيران إنجليزي وفرنسي، وتشكيل وزارة وطنية، وكان من حقهم استجواب النظار، وكان المجلس وقوراً يناقش المقترحات في هدوء، ويستمع للأصوات المعارضة، ويلتزم بالنظام ويداوم أعضاؤه علي الحضور، وكان مقره في القلعة، وكل هذا يدل علي نمو الوعي القومي، ويرد علي القائلين: إن الديمقراطية لا تناسب المصريين.
مجلس نيابي علي النمط الأوروبي
وعندما عزل الخديو إسماعيل عام 1879، وتولي ابنه الخديو محمد توفيق، تعطل مجلس شوري النواب، وحكمت البلاد حكماً مطلقاً، فضاق الوطنيون، وتذمر العسكر، وكان ما كان في يوم عابدين سنة 1881، الذي طالب فيه عرابي باشا «بتشكيل مجلس نيابي علي النسق الأوروبي» واقيلت وزارة رياض باشا، وتشكلت حكومة وطنية برئاسة شريف باشا، الذي رأي ضرورة انشاء مجلس نيابي مع نزاهة الانتخابات، وقد افتتح الخديو توفيق المجلس الجديد، وكان أكثر حيوية من سابقه لان شريف باشا عمل علي تقويته بتوسيع الحريات، ومنح الحصانة للأعضاء، وكان مجلساً منظماً، فمن يرغب من النواب في عرض رأي، أو له تعليق، أو يطرح قضية، يرفع يده ليسمح له بالكلام، وقد صار هذا تقليداً متبعاً في المجالس النيابية، كذلك خصص المجلس صندوقاً تودع فيه الأوراق التي تتضمن مقترحات وأفكار الأعضاء الذين يرغبون في ذلك، ثم يقوم رئيس المجلس محمد سلطان باشا بعرضها علي النواب ومناقشتها.
وقد تدفقت الأحداث، وجلجلت نواقيس الخطر، وجاءت الأخبار بهزيمة الثورة العرابية، وتغلغل الاحتلال البريطاني في مصر، وفي ظل المستعمر أنشيء «مجلس شوري القوانين» و«الجمعية العمومية» و«الجمعية التشريعية»، وكان عدد أعضاء هذه المجالس قليلاً، والمعيون فيها أكثر، ويكفي ان نشير إلي مجلس شوري القوانين الذي أنشيء في أعقاب الاحتلال وكان أعضاؤه ثلاثين وقيل أقل من ذلك منهم 14 عضواً معينون، وهو عدد قد يصلح لمناقشة مشاكل مديرية من المديريات، لا دولة من الدول، وكان اجتماع أعضاء هذه المجالس قليلاً.. قليلاً، ومجال اختصاصها محدوداً، كما ان عدد المصريين الذين انتخبوا كان ضئيلاً ويجب ألا ننتظر من المحتل كثيراً.
وفي نهاية الحرب العالمية الأولي تفجرت الثورة الكبري في مارس 1919، وأعقبها تصريح 28 من فبراير 1922 ثم دستور 1923 الشهير، وانشئت أحزاب جديدة مثل الوفد والأحرار الدستوريين، والاتحاد، وفي مطلع عام 1924 أجريت انتخابات فاز فيها الوفد، ولم يشكك أحد في صحتها ونزاهتها، وفي عام 1930 ألغي إسماعيل صدقي دستور 23، وأتي بدستور 1930، الذي أعاد الانتخابات غير المباشرة، وكان مجلس نواب 1924 قد ألغاها، وبعد سقوط حكومته، عاد العمل بدستور 23 مرة أخري عام 1935، وظلت الانتخابات تجري وفقاً لبنود هذا الدستور إلي ان عطلته نهائياً ثورة 1952 بتاريخ 10/12/1952، وتوقفت الأحزاب عن ممارسة أنشطتها بدعوي أنها أفسدت الحياة في مصر.
وقد أفرطت ثورة 1952 في ذم الماضي، وإدانة رجاله، ووجهت ثقافتها الثورية إلي جماهير الشعب لتحملهم علي تغيير أفكارهم، وعلي أرض الواقع مارست الحكم من خلال التنظيم الواحد، وتردد في البلاد ما عرف بالاتحاد القومي، وبعد أكثر من ثلاث سنوات من قيام الثورة صدر دستور 1956، ودعا الثوار إلي حياة نيابية من خلال «مجلس الأمة» الذي خلا من رموز ما قبل الثورة، وسمحوا فيه بدخول المرأة لأول مرة، وفي 23/7/1957 انعقد المجلس وانتخب رئيسه عبداللطيف البغدادي، وجري انتخاب وكيليه بالتصويت السري المباشر، وذلك بوضع أعضاء المجلس أوراقهم التي تتضمن آراءهم في صندوق خصص لهذا الغرض، هذا الصندوق الذي صاحب الانتخابات، وتعددت وظائفه، وتنوعت فوائده، ولم يقدر لهذا المجلس ان يكمل مدته، فقد ألغي بسبب الوحدة بين مصر وسوريا «الجمهورية العربية المتحدة» عام 1958، وبعد انفصال سوريا عن مصر عام 1961 جرت انتخابات جديدة سنة 1964 التي خصص فيها نصف المقاعد للعمال والفلاحين.
وفي عهد الرئيس أنور السادات صدر دستور جديد عام 1971، وتغير اسم الدولة من الجمهورية العربية المتحدة إلي جمهورية مصر العربية، كما أطلق علي مجلس النواب اسم «مجلس الشعب» وتكون احزاب شاركت في العملية الانتخابية.
وعندما تولي الرئيس محمد حسني مبارك رئاسة الجمهورية في أعقاب مصرع الرئيس السادات، لم يغير دستور 1971، وفي عام 1984 أجريت الانتخابات بطريقة القائمة المطلقة لأول مرة في مصر، ولم يبد كثيرون ارتياحاً لهذه القائمة، فألغيت عام 1989، وعادت الانتخابات الفردية إلي ماكانت عليه.
ولم تسلم هذه الانتخابات من النقد، فقد كانت الأحزاب التي لا تظفر بالمقاعد المرجوة تتصايح صحفها الناطقة باسمها، وتتهم الجهاز الحكومي بالتزوير، وبتزييف بطاقات إبداء الرأي لصالح الحزب الفائز الذي هو دائماً الحزب الوطني، وفي انتخابات 1984 ذهبت صحيفة الوفد إلي ان اللجان الانتخابية سمحت لشخوص بالتصويت دون ان تتثبت من شخصياتهم.
ولم يقف الأمر عند نقد الصحف، وانما وصل إلي المحكمة الدستورية العليا، فقد قضت هذه المحكمة في 9/5/1990 بأن مجلس الشعب المنتخب عام 1987 باطل، ورأت ألا ينسحب هذا البطلان علي ما اتخذه من قرارات وكانت الحكومة تطعن في أحكام محكمة القضاء الإداري، وترد المحكمة برفض الطعون.
وظاهرة نقد الانتخابات النيابية لازمت العملية الانتخابية في معظم الانتخابات، ولم تسلم انتخابات نيابية من النقد والاتهام سوي انتخابات عام 1924، لأنها أجريت زمن يحيي إبراهيم باشا، وكان رئيساً لمجلس الوزراء، ووزيراً للداخلية، وهي الوزارة المسئولة عن اجراء الانتخابات، وكان رئيساً لحزب الاتحاد، الذي كان يرعاه الملك فؤاد، ورشح نفسه في إحدي الدوائر وسقط.
وقد صاحب صندوق الانتخاب الاستفتاءات التي أجريت منذ عهد الرئيس جمال عبدالناصر حتي زمن الرئيس حسني مبارك، وجاء في قانون رقم 73 لسنة 1956.
«علي كل مصري، وكل مصرية بلغ ثماني عشر سنة ميلادية أن يباشر بنفسه الحقوق السياسية الآتية:
1- إبداء الرأي في كل استفتاء يجري طبقاً لأحكام الدستور.
2- إبداء الرأي في الاستفتاء الذي يجري لرياسة الجمهورية، وفي هذه الاستفتاءات يبدي المواطن رأيه «بنعم» أو «لا» وكانت نعم دائماً هي الفائزة والسائدة، وبنسبة عالية.
وفي عام 2005 جري استفتاء علي تغيير المادة 76 من الدستور لإنهاء طريقة الاستفتاء، وبدء عملية انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع، والسماح بتعدد المرشحين للرئاسة، واتاحة الفرصة للشعب ليختار من يريده، ويحقق طموحاته، فلابد ان يكون لجمهرة الناس رأي في القوانين والقرارت التي تطبق عليهم، وفي الأشخاص الذين يمثلونهم ويحكمونهم، وانه من صميم الديمقراطية احترام رأي الأغلبية، ووضعه موضع التنفيذ، والانتخابات النيابية صورة لعصرها وأهله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.