ينطلق الفنان ناثان دوس إلي آفاق المثالية في معرضه الحالي بمركز الجزيرة للفنون خلال الشهر الجاري، من خلال 27 قطعة فنية نحتية تلجأ معظمها إلي شكل الكتلة المكعبة وهو الأكثر تعبيرا عن النموذجية في الأشكال المجسمة بعد الكرة، فنتلقي منها أفكارا ثورية ودينية وفلسفية أيضا نطقت بها أحجار الجرانيت الأحمر والأسود الأسواني وحجر الكوارتز، والرخام الأبيض. ناثان دوس من مواليد ملويبالمنيا سنة 1971في صفره شكل بالحجر الجيري والطين الأسود في المرحلة الإعدادية وحصل علي بكالوريوس الفنون والتربية من جامعة المنيا سنة 1993، وبدأ مرحلة جديدة في حياته الفنية استمرت ثماني سنوات قضاها باحثا عن مثالية الجسد الإنساني ومقاييسه وتشريحه العظمي، فعرف في هذه المرحلة بتماثيله النحيفة والعظمية والتي سوف يعود لها لاحقا في سنة 2010 من خلال أحد تماثيل معرضه الحالي. منذ أحد عشر عاما عرف فناننا دوس القوة الجسدية أمام إغواء القوة العضلية كي يستخدمها في النحت علي الجرانيت، المادة الصلضة القاسية فكانت تلك مرحلته الثانية والتي حافظ فيها علي فلسفته في النقل الأمين للطبيعة والتي تجلت في واقعية أعمال البورتريه والحيوانات وأشياء أخري من الطبيعة. الحصان المتفسخ هو حصان ذو رأس وأربعة حوافر فقط دون الجسد أو الأرجل، من أعمال دوس النادرة التي اتخذت طابعا تفكيكيا وابتعدت عن مثاليته المعهودة، يقول دوس: نحته سنة 2009 بهذه الهيئة المحطمة ليذكرني أن الشجاعة الحقيقية هي أن تواجه الحياة لا الموت. تمثالان آخران أحدهما للسيد المسيح والآخر لرأس يوحنا المعمدان موضوعة في الطبق ويوحنا المعمدان هو النبي يحيي بن زكريا في القرآن الكريم، وهو شخصية مقدسة في الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، ويشير إليه ناثان دوس بأنه شخصية محورية في فنه النحتي، فهو أول ثائر علي ملك في التاريخ، علي حد قوله. يتأكد تفاعل فناننا مع الثورة بعد ثورة 25 يناير، فنشاهد في معرضه تمثالاً لمجمموعة من المتظاهرين يرفعون العلم المصري ونحتت كتلة المتظاهرين المكعبة من الجرانيت الأحمر الذي أوحت صلابته بصلابة الثوار في مطالبهم، وأكد شكل الكتلة ترابط الثوار وقوة اتحادهم وتناسب أيضا اللون الأحمر للخامة مع موضوع الثورة. ثلاثة تماثيل من الرخام الأبيض من نوعي بيانكو وكرار، يدشن بهم الفنان مرحلة جديدة في حياته الفنية وجه طفولي لابنه الفنان، ورأس يوحنا المعمدان من جديد، حيث يتجلي له في كل مرحلة جديدة، ثم جزع انثوي نافر يخاطب فيه جمال المرأة الذي خلده الفن الألماني. كما يقدم «بورتريه» من الجرانيت الأسود العباس محمود العقاد تصدر أحد جوانب المعرض ووضعه الفنان علي بوستر المعرض أيضا، الكتلة مكعبة أيضا فأكدت مع اللون الأسود وملمس الجرانيت الصلب قوة الشخصية ونفوذها الواسع علي الفكر والأدب العربي. يحب دوس في بعض الأحيان ان يترك ذهنه الفني لألوان الخامة وكتلتها فتطبع فنه بطابعها، كتل من حجر الكوارتز أوحت إليه بشكل أرغفة خبز، وتماست هذه الأرغفة مع ما في داخل لا وعي الفنان من فكر مشبع بالثورة والأفكار السياسية حيث إن الخبز دائما ما يرمز للمطلب الأكثر جماهيرية في أي مظاهرات ثورية مع قطع أخري من الكوارتز شكلها لتكون ضفدعا أو بطة. الفنان ناثان دوس تتميز موضوعاته بتوريثها وإن غلب عليه فكر فني محافظ مثالي تسعد به عيون الجماهير المتعطشة لفن مثلها.