إلا أنه وعلي الجانب الآخر.. حدثت صحوة غير مسبوقة لفن النحت خلال العام الماضي.. فقد افتتحت أربعة معارض جماعية تباعًا.. كان أولها بعنوان تواصل بقاعة «المسار» بالزمالك شارك فيه مع الفنان آدم حنين ستة مثاليين ثم جاء معرض «بانوراما النحت المصري» بقاعة الزمالك بمشاركة 32 مثالاً من مختلف الأجيال مع أعمال لمختار وجمال السجيني الذي يعد العلامة الثانية في فن النحت. بعد ذلك افتتح معرض «وجوه» في فن الصورة الصورة الشخصية بمشاركة 76 فنانًا بقاعة «أفق واحد» من بينهم 23 مثالاً.. وقد تألق فنه النحتي في منافسة تعبيرية مع فن التصوير. واكتمالاً لتلك الصحوة جاء معرض «منحوتات معاصرة» بقاعة مركز سعد زغلول الثقافي مع نهاية عام 2009 وبداية العام الجديد.. بمشاركة 44 مثالاً من أجيال مختلفة.. تأكيدًا علي أن المثال المصري هو المالك الشرعي للفراغ..، وقد كان لنا جولة وتأملات من داخل المعرض. أكثر من لمسة تنوعت الأعمال باختلاف اللمسة واختلاف الأجيال.. جمعت بين التجريد والتشخيص.. وبين الاختزال الشديد وثراء التفاصيل.. وقد عكست تلك التحولات التي حدثت لفن النحت.. هذا مع تنوع الخامة من الحجر والبرونز إلي المعدن والزجاج والخشب مع الخزف.. نقلتنا خلالها من صرامة الإيقاع الهندسي الذي تصفو فيه الكتلة إلي غنائيات التعبير من الواقعية التعبيرية والرمزية. مازال الفنان مصطفي الرزاز يضيف تراكمًا تعبيريًا وتشكيليًا إلي عالمه في فن النحت بهذا التشكيل الغنائي الذي تخف فيه كثافة الكتلة.. فتنساب في رشاقة وحيوية تجسد في بلاغة رمزية توحد الآلة الموسيقية مع الإنسان وتشكل في نفس الوقت شبابيك من النور بهذا التشكيل المفرغ. أما محمد العلاوي فيجسد في درامية شديدة أزمة الإنسان المعاصر من خلال صراع إنسان مع حائط صد ينتهي بشق من أعلي بمثابة انفراجة للخروج من الأزمة. في تشكيل مسكون بالإحساس الميتافيزيقي نطل علي منحوتة السيد عبده سليم والتي تجمع بين التلخيص الشديد والتشخيص غارقة في الظلال تجسد قارئة وكتابًا. وتتنوع الملامس والألوان من الخشونة إلي النعومة ومن الأسود الأبنوس إلي البني و البيج في الكتلة الحجرية لأمير الليثي والتي تستمد قوامها التجريدي من روح الطبيعة وتجلياتها. في توازن شديد وبلاغة تعبيرية تقف منحوتة إيهاب اللبان مسكونة بالأزرق المدهش.. غارقة في الأضواء والظلال بتنوع السطوح الصريحة مع هذا الانكسار العلوي الذي يؤكد حيوية التشكيل ولا شك أن القاعدة السوداء بمستوييها قد أبرزت الجانب التعبيري من خلال الثنائية الحوارية بين الأزرق والأسود. وتبدو رأس امرأة باليشمك لعفاف عبدالدايم صورة لقوة التعبير تقتحم فيه الكتلة الفراغ مسكونة، بالأضواء والظلال من تلك الطيات والتداعيات من النقوش. في تشكيل شديد العذوبة والتلقائية من أغصان الشجر الجافة يجسد جميل شفيق الأمومة عند الحيوان بروح غنائية تجمع بين الطرافة والدعابة. تنساب الكتلة في منحوتة الفنانة عايدة عبدالكريم التي تجسد روح العمل تتجسد في عامل البناء.. تفيض بعنف الحركة مع ما يحمل من ثقل يجسد نوعًا من الصراع. ويبوح تشكيل عصام درويش بنغمات مرئية تتصاعد من أسفل إلي أعلي أشبه بتدرج السلم الموسيقي وتنتهي في النهاية بتلك الساق الرفيعة التي تذوب مع الفراغ. في منحوتة ليلي سليمان «المرأة والجرة علي النهر» تبدو المرأة مسكونة بالغموض بمسحة من القدم بتلك الملامس المؤكسدة.. متوحدة مع الجرة وتتألق العلاقات التشكيلية بين الأفقي والرأسي.. الأفقي المتمثل في حركة المياه والرأس في حركة الذراعين والساقين. يمثل تشكيل محفوظ صليب مساحة درامية مفعمة بروح الفن القبطي تتأكد في عينين غائرتين لامرأة تبدو ضارعة مع حمامات وعناصر نباتية في توحد يعكس لمصر الحب والسلام. تتحاور كتلتان في تشكيل سعيد بدر.. منقوش بالنقوش والكتابات في تجليات وهمهمات صامتة يعد امتدادًا لعالمه الذي يتواصل مع روح التراث الفرعوني بلمسة عصرية جديدة. تتنوع الملامس في ثراء لوني من الأسود إلي الأحمر الداكن في طائر عمار شيحة الذي يتعايش مع الفراغ بتلك اللمسات القوسية التي تتمثل في الرأس والرقبة والجسد والتي تشكل تناغمًا بين الأضواء والظلال. تستكمل حورية السيد بحثها التشكيلي حول الروح والجسد بتلك الشفافية من النحت الزجاجي والتي تجسد شخصية تكاد تذوب في الفراغ تأكيدًا علي خلود الروح. يصل سركيس طوسنيان الماضي بالحاضر.. يعود بنا إلي روح الإسكندرية اليونانية الرومانية من خلال منحوتته الرشيقة التي تتحاور فيها السطوح اللامعة الملساء مع السطوح التأثيرية التي يعيش فيها الضوء. أما سامية عبدالمنصف فتقدم تشكيلاً تجريديًا يوحي بإله تتنوع فيه المستويات والسطوح.. بين البارز والغائر.. تشكل من خلاله حوارية من العضوي والهندسي..، تصفو فيه الكتلة. في تشكيل فاثان دوس «جماعة الغربان» نطل علي إيقاع غنائي تتنوع فيه حركات الرؤس مع انفراج وتلاحم الأجساد الذي يشكل فتحات ينفذ منها الضوء وبين قوة التشكيل وصرامة التجريد نطل علي إيقاع صلاح حماد الذي يوحي بشخص في تعبير مهم يحمل علي كتفه شكل إسطواني.. التشكيل في مجمله يعكس لروح الحياة في اختزال شديد وبلا ثرثرات. تجمع منحوتة أحمد عبدالعزيز بين تجليات الطبيعة وأسطورية التشكيل بتلك المسحة الدرامية التي توحي بشخص جالس.. امرأة محفوفة بكتل تمتد بمستويات عديدة وملامس وسطوح متنوعة. يجسد طارق الكومي إيقاعًا بليغًا يتحاور فيه الشكل المنحني مع المكعب.. كتلة دائرية حانية يخرج منها نتوء هندسي صارم ويساهم اللون البرتقالي المتدرج من القائم إلي المضيء في ثراء التشكيل. لا شك أن تشكيل أكرم المجدوب الجرانيتي يمثل حالة خاصة يغلب عليها الإيقاع الهندسي والغني بالمستويات وتنوع السطوح والانكسارات في ثراء تصفو فيه الكتلة بعيدًا عن الثرثرات والتفاصيل الزائدة. تبدو الكتلة عند علاء الحارتي مسكونة بالغموض.. مغلقة علي نفسها ومحملة بطاقة كامنة بهيئة امرأة جالسة تكاد تتحرك من فرط الصمت والسكون. تلك كانت بعض ملامح منحوتات معاصرة. وهي قراءة بصرية سريعة.. قليل من كثير خلال هذا المشهد المجسم والمسكون بالتنوع والثراء. تحية إلي أناقة التشكيل وجمال التعبير من داخل مركز سعد زغلول الثقافي.. هذا المركز الذي يتميز بتنوع أنشطته الثقافية مع حركة المعارض التي لا تهدأ.