عاد المشهد العراقي يواجه العنف بشكل شبه يومي مع تزايد العمليات الإرهابية وارتفاع نبرة التهديد من الفصائل المختلفة باللجوء إلي العنف في حال استمرار بقاء القوات الأمريكية بعد الموعد المحدد لها في نهاية العام الجاري. كان الزعيم الشيعي مقتدي الصدر قد أنذر بعودة أعمال العنف الطائفي وهدد بأنه سيطلق العنان لميليشيا جيش المهدي الموالية له في حال بقاء القوات الامريكية بعد الموعد المحدد لرحيلها وفقاً للاتفاقية الاستراتيجية الأمنية الوقعة بين بغداد وواشنطن. ولا تزال قوات أمريكية يقدر عدد أفرادها بنحو 47 ألف جندي موجودة بالعراق علي أن تنتهي مهامها في نهاية العام الحالي غير أن الحكومة العراقية لا تزال تبحث مسألة ما إذا كان الوضع بحاجة لطلب مد بقاء جزء من القوات الأمريكية. تزايد أعمال العنف هذا التهديد والذي بدأت بوادره منذ إبريل الماضي قد أعقبه خروج الآلاف من المؤيدين الشيعة للشوارع في ظاهرة أثارت القلق من عودة العنف الطائفي خاصة مع تزايد قوة الصدر سياسياً بعد دخول التيار الصدري في ائتلاف مع المالكي مما مكنه من الحصول علي 39 مقعداً من جملة 325 مقعداً بالبرلمان. وتشير التقارير العسكرية إلي أن فصيلاً صغيراً من جيش المهدي يسمي "لواء اليوم الموعود" قام بتنفيذ هجمات علي القوات الأمريكية رغم تعليق الصدر للعمليات العسكرية لميليشياته. في الوقت نفسه، يواجه الصدر انشقاقات داخل تياره تمثل تحدياً له من ناحية وتهديداً للأمن العراقي من ناحية أخري. ومن هذه الجماعات جماعة "عصبة الحق" التي يقودها قيس الخزعلي والتي يعتقد أنها ممولة من إيران. كما قامت القوات العراقية بابطال مفعول أربع قنابل في مصفاة الدورة إلي الجنوب من بغداد الأسبوع الماضي، وألقت القبض علي عدد من حراس شرطة النفط العراقية حيث أشارت نتائج التحقيقات الأولية إلي أن أحد أفراد الحراسة الداخلية قد ساعد الإرهابيين في وضع القنابل. من ناحية أخري، أعلن تنظيم ما يسمي بدولة العراق الإسلامية في بيان نشر علي الانترنت مسئوليته عن قتل المدير التنفيذي لهيئة المساءلة والعدالة علي اللامي في أواخر الشهرالماضي. حرب بين المالكي وعلاوي وسط هذه التهديدات الأمنية، تحول المشهد السياسي إلي حرب متبادلة بين رئيس قائمة العراقية اياد علاوي وبين رئيس الوزراء ورئيس حزب الدعوة نوري المالكي. ووصف علاوي حزب الدعوة ب "خفافيش الظلام" ووصف المالكي ب "الكاذب" وقال "إنه وصل إلي السلطة بفضل دعم الأجنبي، وأن إيران هي من دعمته لتولي رئاسة الحكومة". وكان رد حزب الدعوة هو رفع دعوي قضائية ضد علاوي بسبب التهم التي وجهها إلي قادة الحزب، فبادلته قائمة العراقية برفع دعوي ضد المالكي متهمة إياه باستغلال موارد الدولة لتأمين مصالحه وبدعم البلطجية ومجالس الإسناد. اتهمت القائمة العراقية ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي بعدم إشراكها في القرار السياسي بالعراق، بينما اتهم نائب الرئيس العراقي وعضو القائمة طارق الهاشمي المالكي بالاستحواذ علي المناصب الأمنية مما جعله المسئول الأول عن قرار بقاء بقاء القوات الأمريكية في العراق بعد نهاية الموعد المحدد لها. وقال المتحدث باسم القائمة العراقية حيدر الملا إن قائمته تتمسك بطلب استجواب المالكي في البرلمان علي خلفية اتهامات موجهة له من علاوي بتبديد المال العام لتأمين مصالحه السياسية. كما طالب طارق الهاشمي بضرورة أن يقدم المالكي لمجلس النواب تقييماً للوضع الأمني فيما بعد انسحاب القوات الأمريكية في الموعد المحدد لانسحابها. قالت الناطقة الرسمية باسم القائمة العراقية ميسون: إن استهداف شخص علاوي قد بدأ منذ إعلان النتائج الأولية للانتخابات التي جرت في السابع من مارس 2010 الماضي وذلك بهدف تهميش دورها بعد أن أثبتت نتئج الانتخابات ثقلها السياسي. مظاهرات مطالبة بإسقاط الحكومة تزامناً مع هذا الخلاف السياسي، قام المتظاهرون للجمعة الثانية علي التوالي بعد انتهاء مهلة المائة يوم التي كان قد حددها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للقيام بإصلاحات حكومية ومحاربة الفساد، قام المتظاهرون المجتمعون في ساحة التحرير وسط بغداد برفع شعارات مطالبة باسقاط الحكومة، شهدت تظاهرات الجمعة الماضية اشتباكات بالأيدي بين أنصار المالكي الذين مزقوا صور زعيم القائمة العراقية إياد علاوي وبين المتظاهرين المطالبين باصلاحات سياسية. وأثار الاعتداء علي المتظاهرين ردود فعل داخلية غاضبة، وأعلن زعيم التيار الصدري مقتدي الصدر في بيان له أن "إعلان مثل هذه الجريمة النكراء من قبل بعض الحكوميين ما جاء لأجل الشعب ولا لعقابهم، بل جاء لتصفيات سياسية يسقط بعضهم بعضاً". قمة بغداد وسعياً لحل الأزمة، عقد الرئيس جلال طالباني ونائباه طارق الهاشمي وخضير الخزاعي اجتماعاً بهدف تبادل الآراء والعمل كفريق من أجل حماية الدستور وتنفيذ اتفاقية أربيل وتفعيل الحوار الوطني بين الأطراف السياسية لوضع حد للحرب الإعلامية والكلامية. وقال رئيس كتلة التحالف الكردستاني، فؤاد معصوم، إن طالباني يدرس توحيد مبادرة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، ومبادرة زعيم التيار الصدري مقتدي الصدر، ومبادرته في مشروع واحد من أجل تحقيق المصالحة الوطنية بين حزب الدعوة وكتلة العراقية. قالت بعض المصادر إن اجتماعاً عرف باسم قمة بغداد قد عقد الاثنين في منزل الرئيس العراقي جلال طالباني لحل الأزمة ومناقشة اتفاقية اربيل والوزارات الأمنية، والترشيق الوزاري، والتقريب بين القائمة العراقية ودولة القانون والشراكة الحقيقية في إدارة البلاد وذلك بحضور كل من رئيس الوزراء نوري المالكي ونائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي ورئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني ورئيس المجلس الأعلي عمار الحكيم ورئيس الائتلاف الوطني إبراهيم الجعفري ورئيس مجلس النواب أسامة النجيفي وروز نوري شاويس وصالح المطلك وعادل عبد المهدي وحسن السنيد وبهاء الاعرجي بالإضافة إلي الزعيم مقتدي الصدر. فشل اتفاق أربيل يذكر أن اتفاق أربيل وقع في نوفمبر الماضي، وتم بموجبه تقسيم مناصب رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، وتأسيس مجلس السياسات الاستراتيجية العليا. ويطلق البعض علي اتفاق أربيل مبادرة البارزاني التي انبثقت عنها لجنة ثلاثية خاصة لتنفيذ بنود المبادرة. وأعلن مؤخراً قادة الكتل النيابية مصادقتهم علي تسعة بنود سياسية من بنود المبادرة تتعلق بالمجلس الوطني للسياسات العليا، والنظام الداخلي لمجلس الوزراء، وإصلاح عمل مجلس النواب، وإصلاح عمل السلطة التنفيذية، وملف المساءلة والعدالة، وورقة الاصلاح القضائي، فضلاً عن قضية التوزان الوطني، والملف الأمني، والقضايا العالقة مع إقليم كردستان. اليوم وبعد اشتعال الحرب المتبادلة بين حزب الدعوة وكتلة العراقية، يبدو وأن مبادرة بارزاني تشهد نهايتها حيث كان الهدف الأساسي منها هو التقريب بين الكتلتين الحاكمتين في البرلمان العراقي وخلق تحالف وطني قادر بالخروج بالبلاد من أزمة تشكيل الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة. غير أن استمرار اتهامات علاوي للمالكي أدت إلي انقسامات داخل التحالف الوطني حول توجه المالكي إلي مواصلة الضعوط علي كتلة العراقية بهدف أن تنسحب وهو الأمر الذي عارضه كل من المجلس الأعلي الإسلامي بزعامة عمار الحكيم والتيار الصدري بزعامة مقتدي الصدر. واتهم نائب عن التحالف الكردستاني الولاياتالمتحدةالأمريكية بالوقوف وراء تأزم الأوضاع السياسية وفشل الحكومة الحالية، وأكد النائب محمود عثمان عن التحالف الكردستاني أن الأمريكيين "طبخوا تشكيل الحكومة وكانوا وراء الاتفاقات التي جرت في أربيل وهم يعلمون جيداً أن الحكومة لن تنجح بسبب عقد المشاكل التي تطغي علي أغلب القادة السياسيين المشاركين في الحكومة". اعتبر مستشار القائمة العراقية هاني عاشور أن العراق ليس مستعداً لتجربة حكومة أغلبية حيث إن المعارضة لا تزال هزيلة والأحزاب ليست مؤهلة بعد للشراكة السياسية حيث إنها تميل إلي صورة هيمنة الحزب الواحد بما يعيق التطور الديمقراطي. ولذلك فقد أكد هاني عاشور أن أي حل للأزمة السياسية للعراق لابد من أن ينطلق من فكرة الحكومة الائتلافية ومن مبدأ التوافق السياسي، كما أشار عاشور إلي أن المعارضة ضد حكومة اغلبية غير مؤهلة في العراق ولذلك فهي ضد ما يريد أن يفرضه المالكي.