مع بداية تعييني بأكاديميتي التي درست في رحابها أربع سنوات متتالية، استقيت فيها العلم من أساتذة أفاضل، أثروا الجوانب العلمية و الانسانية لدي. وفي ذات المكان الذي عشت فيه أجمل لحظات نجاحي واكتشاف طاقاتي الكامنة، تحولت من كوني طالبة إلي معيدة أخطو أولي خطوات عملي، جاءني العديد من الأفراد يقدمون لي عروضًا للتميز لصنع كيان معيدة يخشاها الجميع !! بعضهم نصحني بأن أصنع لذاتي كيانا قويا يخشاه من حولي وخاصة الطلاب، حتي يصبح لي هيبة ومكانة بينهم، و أن أضع لذاتي أسلاكا شائكة لايتخطاها أحد. وجدت نفسي أمام مقترحات تصنع كيانا عسكريا بدلا من كيان انساني !! لم تنل الفكرة اعجابي و ظللت أفكر كيف سأقتحم عالم التدريس، وأنا لازالت أشعر أنني لم أخلع بعد ثوب الطالبة، كيف سأقف أعلم طلاب كنت منذ أشهر قليلة أجلس علي مقاعدهم و أستمع لأساتذتي مثلهم تماما. بين مقترحات هذا و ذاك، شققت طريقي ولم أرهق ذهني بالتفكير، فمنذ عدة سنوات، وأنا أحلم بشكل و أسلوب مختلف للمعيد، أحلم بأن أري انسانًا طبيعيًا أمامي لا يرتدي زي المعيد أمامنا و يخلعه بالخارج، لا يزيف أفكاره ولا يخشي التعبير عن مشاعره بصدق، فالمعيد ليس إنسانًا أليًا يفعل مهامه و يرحل دون أن يؤثر و يتأثر، ولكنه كيانًا يعلم و يتعلم، يمنح خبرات و يكتسب من طلابه معارف، ليس هو من يمنح فقط، فالعلاقة تبادلية. هناك من يهاجم فكرة أن يتعلم المعيد من الطلاب، لماذا ؟ إذا فكرت قليلا معي ستجد في النهاية أنك انسان لازلت تتعلم و هذا لا يعيبك شئ، بل يرفع من قدرك لأنك تحاول وتجتهد فتكتسب كل يوم شيئًا جديدًا، ولا تغلق علي ذاتك منابع العلم و المعرفة، تحتك بطلاب من مختلف الفئات العمرية و من بيئات مختلفة، تغير بهم و تتغير معهم للأفضل. هم كنز يمكنك أن تستفيد منه، ثروة بشرية تمنحك خبرات جديدة كل يوم وكما قال الحسن بن علي بن أبي طالب( رضي الله عنه ) : "علّم الناس علمك، وتعلّم علم غيرك، فتكون قد أتقنت علمك، وعَلِمْتَ ما لم تعلم". جاء اليوم لتحطم أسوارك الذي شيدتها بيديك، ابتسم و تخلص من الوجه البلاستيكي الذي تضعه علي وجهك، اجعل الترحاب بداية لإزالة الحواجز بينك و بين طلابك، ولا تجعل الصوت العالي بداية لمزيد من الحواجز الخرسانية التي قد تستطيع بسهولة أن تضعها ولكن لن تستطيع إزالتها فيما بعد، تصرف بطبيعتك ولا تتصنع كيانًا وهميًا أمام الجميع، فالقوة لا تكمن في التصنع، وإنما تكمن في الصدق. مر عامي الأول و أنا أتعامل مع الجميع كمها الانسانة، لم أضف أيه رتوش لملامحي. فقط أتعامل كإنسان طبيعي، أعلن فرحي للجميع و يظهر حزني علي وجهي في لحظات ضعفي، فاخترت طريقي ولم أندم و أنا أجد من حولي يضيفون لي كل يوم مهارات و خبرات و فن و رقي في التعامل، فنتعامل و نتكامل و نخرج علاقات انسانية يغلفها الاحترام و المودة علي مر السنوات. طلابي الأعزاء … شكرا.