أيهما أفضل : أن تتعدد الكيانات الناشطة سياسيا داخل الوطن الواحد أو المؤسسة الواحدة لمواجهة الخصم المشترك ، أم أن تتوحد هذه الكيانات في تكتل إئتلافي واحد ينسى الجميع في إطاره خلافاتهم الفرعية ، ويعملون معا من أجل هدفهم الرئيسي وهو التخلص من طغيان خصمهم المتسلط عليهم؟ هذه هي القضية التي طرحها الأستاذ فهمي هويدي مؤخرا في عدة مقالات (في الأهرام والشرق الأوسط) أعرب في آخرها عن تخوفه من إنفراط عقد الشارع المصري بسبب إصرار كل مجموعة على إنشاء كيان معارض خاص بها يعمل منعزلا عن باقي المجموعات المتواجدة في الساحة. ويأتي على رأس هذه الكيانات حركة كفاية وتجمع الإخوان المسلمين وتحالف عزيز صدقي ، هذا عدا حركات أخرى ".. من أجل التغيير". حتى المؤتمر التنسيقي الذي طالب هويدي بعقده لكي تخرج منه هذه التجمعات بخريطة طريق واضحة للاصلاح ، لم ينعقد. وإنما تسعى كل جماعة لعقد مؤتمر خاص بها لا يشارك فيه غالبا أحد من التجمعات الأخرى. وقد واجهنا مؤخرا في جامعة القاهرة مشكلة شبيهة بالاستقطاب الواقع في الحركة الوطنية المصرية. فالمعروف أن الخصم الأكبر للجامعات في مصر هو جهاز أمن الدولة الذي "يبرطع" كما يشاء في كافة جامعات مصر، ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة بداية من شطب الطلاب الغير مرضي عنهم أمنيا من قوائم الإنتخابات الطلابية ومرورا بالنشاط الطلابي وتعيين المعيدين وإنتهاءا بتعيين عمداء ووكلاء الكليات . والحكومة تأتي غالبا بقيادات جامعية ضعيفة حتى تكون أداة للأمن في تنفيذ مطالبه وفتح الكليات لضباطه يمارسون إرهابهم ضد الطلبة والأساتذة. وتكمن المشكلة باختصار في الاقتراح الذي تقدم به بعض الأخوة الأساتذة من المنتمين للتيار الإسلامي لإنشاء لجنة حقوق إنسان جامعية تتصدى لانتهاكات وإعتداءات جهاز أمن الدولة ضد أساتذة وطلبة الجامعات المصرية. وقد عارضت هذه الفكرة على أساس أن هناك بالفعل كيان قائم منذ سنوات قليلة ، وهو مجموعة 9 مارس التي تقوم بكل المهام التي يمكن للجنة حقوق الإنسان المقترحة أن تقوم بها. وبالتالي لايوجد ، كماأرى ، مايدعو لتشتيت الجهود وتفتيت الجماعة. غير أن السبب الدافع لإنشاء هذا الكيان الثاني لا يخلو من وجاهة : فالأساتذة الذين أنشأوا مجموعة 9 مارس ينتمون إلى تيار الفكر اليساري (أو العلماني). ويُخشى في حالة إنضمام الأساتذة الإسلاميين لهم بأعداد كبيرة ، أن يؤدي ذلك إلى طمس غير مقصود لشخصية هذا الكيان . وبالتالي فإن من الأفضل أن يحافظ الإسلاميون على تمثيل رمزي لهم في مجموعة 9 مارس ، لا يتجاوزوه إلى حد قد يثير تحفظات الأخوة الأساتذة الناشطين في هذه المجموعة. أما لجنة حقوق الإنسان المقترحة ، فيمكن للإسلاميين أن يتواجدوا فيها بكثافة لا تثير قلق أحد. ووجود هذين الكيانين يعبر عن التيارين السياسيين المتواجدين في جامعات مصر منذ سنوات طويلة ، ولايمنع من إقامة تنسيق بينهما من أجل الأهداف المشتركة ، وعلى رأسها طرد جهاز أمن الدولة من الجامعات. من ناحية يرى الأخ الدكتور المشرف على أنشطة مجموعة 9 مارس "أن تعدد الكيانات التي تعمل من أجل أهداف متقاربة يساعد على توسيع دائرة العمل مادام هذا التعدد لا يؤدي لتناحر ومادمنا نعترف لبعضنا البعض بالحق في الاختلاف. إن بعض الزملاء قد يحجمون عن المشاركة في أعمال تدعو إليها مجموعة ما لتصورات معينة عن تكوين هذه المجموعة أو لاختلافهم مع نشاط آخر قامت به هذه المجموعة بينما يمكن أن يشارك نفس الزملاء في العمل لو جاءت الدعوة من مجموعة أخرى. لذلك فلنعمل جميعا في اتجاه تعزيز الحرية والاستقلالية واضعين نصب عيننا أن المستقبل سيؤدي لتقارب أكثر وربما اندماج لكل هذه المجموعات والكيانات." ومن ناحية أخرى يرى زميل آخر في نفس المجموعة "أن حقوق الإنسان العامل بالجامعة هي من ضمن القضايا التي تتصدى لها مجموعة 9 مارس، وأن إنشاء كيان جامعي آخر قد يكون غير مناسب ويفتت الكتلة الجامعية ." المعترضون مثلي على هذا الأمر يخشون من حدوث إستقطاب يكرر ما نراه في التجمعات والتحالفات المعارضة التي يعمل كل منها بمعزل عن الآخر، وفي فرقة لا تفيد سوى حزب مبارك كما تستفيد إسرائيل من فرقة العرب. في وجود مجموعة 9 مارس فقط ، ينضم عدد من الإسلاميين إلى نشاطاتها. والخوف يكمن في حالة قيام لجنة حقوق الإنسان أن تترسخ العزلة بين الطرفين ، ويذهب كل أستاذ إلى جماعته التي يستريح معها. وأرى أن الأفضل هو تحقيق اندماج في تكتل واحد على الأقل حتى يتحقق الهدف الآني ، وهو تحقيق إستقلال كامل للجامعات في ظل القوانين العادية وقيادات منتخبة ، وأن تتخذ القرارات في هذا التكتل يأسلوب ديمقراطي يغلب عليه التسامح مع المخالفين في الرأي. وبعد أن تتخلص جامعاتنا من إحتلال جهاز أمن الدولة لها ، يمكن لكل فريق أن ينفصل بجماعته ، بحيث توفر كل جماعة مدرسة يتعلم الطلبة من خلالها أصول السياسة الأخلاقية والخصومة الشريفة. [email protected]