ثمة تشابه كبير بين العدوان الإسرائيلى على لبنان وحزب الله فى عام 2006 وبين العدوان الإسرائيلى على غزة وحماس وحركات المقاومة الفلسطينية فى عام 2014، ويرتكز هذا التشابه فى البدايات بالذات، فخطف حزب الله لثلاثة جنود إسرائيليين يعادل خطف المستوطنين الثلاثة الإسرائيليين، فكلا الأمرين اعتبر من وجهة النظر الإسرائيلية ذريعة للحرب والعدوان، الفارق الوحيد فى الحالتين أن عملية خطف المستوطنين الثلاثة انتهت بقتلهم فى ظروف لم تتحدد طبيعتها بعد. والسؤال: هل يؤدى التشابه فى البدايات إلى مسارات متشابهة حول انتهاء العدوان على غزة؟ فى الحالة اللبنانية قبل لبنان وحزب الله بقرار مجلس الأمن رقم 1701 وبمقتضاه تم نشر قوات اليونيفيل على الحدود بين الدولتين اللبنانية والإسرائيلية، بالإضافة إلى قوات الجيش اللبنانى لتأمين هذه الحدود ومنع اختراق الهدنة بين الجانبين. الحالة الفلسطينية تبدو مختلفة إلى حد كبير عن الحالة اللبنانية، فمن ناحية يبدو حزب الله أقوى وأكثر تماسكًا من حركة حماس وأكثر قدرة على اتخاذ القرار والالتزام به، بينما فى الحالة الفلسطينية تبدو حماس أقل تماسكًا وتعانى من آثار الانقسامات بين الداخل والخارج، من ناحية أخرى فإن حزب الله فى الحالة اللبنانية لديه ما يشغله عن إسرائيل، حيث إنه لاعب محلى فى الداخل اللبنانى وله وزن مؤثر فى الحالة اللبنانية والتوازنات الداخلية والطائفية فى لبنان، فى حين أن ظروف حماس وحركات المقاومة الفلسطينية الأخرى تدفعها بالضرورة للاشتباك مع إسرائيل فى أغلب الحالات لأن إسرائيل تحتل الأراضى الفلسطينية وتحاصرها ظلمًا وعدوانًا، ومن ثم فلنا أن نتوقع استمرار المواجهات بين حماس وغيرها من حركات المقاومة مع إسرائيل، ليس لحماس دولة تشغلها عن إسرائيل، خاصة أن غزة محاصرة ومهدمة وبحاجة إلى إعادة إعمار. تسعى إسرائيل جاهدة لإرساء نموذج الهدنة بين إسرائيل ولبنان وحزب الله على ضوء القرار 1701 فى غزة وعلى الحدود بينها وبين إسرائيل، لقد كفل هذا النموذج ثمانية أعوام من الهدوء على الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية، فهل تنجح إسرائيل فى ذلك؟ هل يمكن إصدار قرار من مجلس الأمن مشابه للقرار 1701؟ وهل الولاياتالمتحدة وغيرها من القوى التى تدعم إسرائيل مستعدة للذهاب والسير فى هذا الاتجاه رغم الظروف المختلفة فى الحالة الفلسطينية عن الحالة اللبنانية؟ الأمر بطبيعته يتوقف على تفاعلات الجهود الدبلوماسية والسياسية التى تهدف لوقف العدوان وإرساء معالم هدنة واضحة المعالم. بيد أن الأمر فى الحالة الفلسطينية أكثر اختلافًا وأكثر تعقيدًا، فوقف إطلاق النار هو الهدف الآنى، ولكنه ليس الهدف النهائى، حيث يكمن الهدف النهائى وبوضوح فى إنهاء استمرار احتلال إسرائيل للأراضى الفلسطينية ومحاصرة وحصار ما انسحبت منه أحاديًّا، كما فعلت مع قطاع غزة، فهى تحاصره برًا وبحرًا وجوًا وتجعل منه سجنًا كبيرًا لما يفوق المليون والثمانمائة ألف فلسطينى، سجن تحرس إسرائيل بوابات العبور إليه بالدبابات والمدافع ومختلف أنواع الأسلحة، واستمرار الاحتلال والحصار يلزمان إسرائيل بضرورة قبول السقف العربى والدولى للتسوية، أى الاعتراف بدولة فلسطينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدسالشرقية وتسوية قضايا اللاجئين والحدود والمياه والأراضى والمستوطنات، هروب إسرائيل من استحقاقات هذه العملية وتعويقها لمجرياتها، يعنى استمرار الأوضاع على ما هى عليه أى استمرار الاحتلال والحصار ومن ثم استمرار الاشتباك والمقاومة بأشكال مختلفة ضد كليهما أى الاحتلال والحصار. وذلك يعنى فى نهاية المطاف أن أي هدنة طويلة أم قصيرة وأي تهدئة كبرت أم صغرت بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، ستبدو حلًا عابرًا ومؤقتًا لأنه لا يلبى تطلعات الشعب الفلسطينى ومطالبه العادلة ويسمح لإسرائيل بتكرار العدوان، واستخدام القوة بذرائع مختلفة ويسمح أيضًا للمقاومة بالاستمرار وتحدى الوضع الذى تحاول فرضه إسرائيل على الشعب الفلسطينى. كل هذا يجعل من التطلع إلى إرساء دعائم هدنة على غرار ما تم بين لبنان وإسرائيل وحزب الله، صعبًا للغاية، ما لم تدخل إسرائيل والسلطة الفلسطينية والمقاومة فى صلب الحل السلمى والتسوية، وأن يرتبط أى حل مؤقت أو عابر بالحل النهائى لإنصاف الشعب الفلسطينى.