لم يشفع التاريخ المشرف للرئيس الأسبق، والأب الروحي شارل ديجول، لدى الشعب الفرنسي، الذي خرج في مظاهرات مناوئة له عام 1968، واستجابة لمطالب المتظاهرين الذين شكل الطلاب والعمال الغالبية بينهم، قرر ديجول أن يجري استفتاء حول تطبيق المزيد من اللامركزية في فرنسا، وتعهد قبل إجراء الاستفتاء بالتنحي عن منصبه في حال لم توافق نسبة كبيرة من الفرنسيين على تطبيق اللامركزية في البلاد. وفي مساء يوم 28 أبريل عام 1969 أعلن ديجول تنحيه عن منصبه، بعد أن حققت الموافقة على تطبيق اللامركزية نسبة أقل قليلا من النسبة التي حددها سلفا. تنحى ديجول رغم أن الفرنسيين كانوا ينظرون إلى شارل ديجول على أنه الأب الروحي للجمهورية الفرنسة الخامسة، ويرجع الكثير من الفرنسيين الفضل إلى الجنرال ديجول في استقلال بلادهم من الجيوش النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، إذ لم يتوقف وهو في لندن من إطلاق الشعارات التي كانت تلهب قلوب الفرنسيين وتدفعهم إلى المقاومة. ومن أشهر نداءاته "أيها الفرنسيون لقد خسرنا معركة.ز لكننا لم نخسر الحرب، وسوف نناضل حتى نحرر بلدنا الحبيب من نير الاحتلال الجاثم على صدره". وينعكس تقدير هذا الرجل بشكل واضح في العاصمة باريس، إذ تم تسميه العديد من المرافق الحيوية باسم الجنرال مثل المطار، الشوارع، المتاحف ومحطات القطارات. خدم «ديجول» تحت قيادة العقيد فيليب بيتان، واشترك في الحرب العالمية الأولى، ووقع أسيرًا لدى الألمان عام 1916، وبعد الحرب عمل مدرسًا للتاريخ العسكري في كلية «سان سير» نفسها ومرافقاً للمارشال «بيتان»، حتى1927. كما شغل «ديجول» مركز مساعد رئيس الأركان العامة في كل من سوريا ولبنان ثم بلاد «الراين»، استدعى للعمل سكرتيرًا عامًا لهيئة الدفاع الوطني، وكان صريحًا في آرائه مع رؤساءه. عُيّن جنرال فرقة.. وبعد أن أنهى دورة الدراسات العسكرية العليا، عيّن قائدًا لسلاح المدرعات في منطقة «متز»، ثم اندلعت الحرب العالمية الثانية، واستولى الألمان على بولندا والدنمارك وهولندا و النرويج. وفي يناير 1940 قاد «ديجول» مقاومة بلاده في الحرب العالمية الثانية، وترأس حكومة فرنسا الحرة في لندن في 18 يناير، وفي 1943 ترأس اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني، والتي أصبحت في يونيو 1944 تسمى بالحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية عرف «ديجول» بمناوراته الاستعمارية تجاه الجزائر، منها مشروع قسنطينة، والقوة الثالثة، والجزائر جزائرية، ومشروع فصل الصحراء الجزائرية وسلم الشجعان. تولى شارل ديجول رئاسة فرنسا في 21 ديسمبر 1958 ، فكان أول رئيسًا للجمهورية الخامسة، وبدأ مهام منصبه في 8 يناير 1959، وفي 19 ديسمبر1965 أعيد انتخابه، وهكذا حكم فرنسا لفترتين رئاسيتين متتاليتين.