لم يكن حادث تفجير مبنى مديرية الأمن، سوى واحد من المواجهات الدامية التى شهدتها مؤخرا مدينة المنصورة، خلال مواجهتها لقوى اليمين الديني، فيما سبق هذا الحادث صراعات مسلحة داخل جامعتها خلال العامين الماصى والحاضر، واشتباكات بدأها طلاب وطالبات ينتمون لجماعة الإخوان، ووقائع لصبية وشباب يرشقون الأمن بالحجارة ويحملون "الخرطوش"، ومجهولون يضعون النقاب على تمثال أم كلثوم. ترى، ما الذى طرأ على عروس الدلتا فجعلها تبدو على هذه الهيئة العنفّية؟ ذلك أن تاريخ هذه المدينة يوحى بغير ذلك: فقد أنشأها السلطان الكامل ناصر الدين محمد بن عبد الملك الأول أبى بكر بن يوسف الأيوبى، وتحديداً في سنة 1219 ميلادية، حين حقق شعبها انتصاره على الحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع الفرنسى، وسجن فيها لعام كامل فيما يعرف الآن بدار ابن لقمان. أيامها، نزل السلطان الكامل فى موقع هذه البلدة، وخيم به، وبنى قصرا لسكناه، وأمر من معه من الأمراء والجنود بالبناء، فأقيمت الدور، نصبت الأسواق، وشيد حولها سورا مما يلى البحر، وحصنه بالآلات الحربية، وسمى المكان منذ ذلك الوقت مدينة المنصورة، تفاؤلا بالانتصار على الصليبيين. وظلت المدينة على حالها منذ إنشائها، إلى أن انتقل إليها ديوان الحكم سنة 1527، فأصبحت عاصمة لإقليم الدقهلية، وكان لموقعها، واختيارها عاصمة، ما حفظ بقاءها طوال القرون الثلاثة التالية، المتمثلة فى الحكم العثمانى. وتحتل المدينة مكانا وسطا بين دمياط على البحر المتوسط، ومدن القناة فى الشرق، و مدن وسط الدلتا في الغرب، ما أكسبها بعدا هاما كموقع محورى تلتقى عنده شبكات النقل المتجه الى كافة الانحاء. ويشار هنا إلى مشاركة أهالى المدينة فى كافة فعاليات الحركة الوطنية، منذ مقاومتهم للحملة الفرنسية نهاية القرن الثامن عشر وحتى اليوم، حتى وقع الانفتاح الاقتصادى منتصف السبعينات، حيث شهد مجتمع المدينة حراكا اجتماعيا قويا، مع ظهور فرص كسب جديدة، و تنامى الفساد والطفيلية، وما أتاحته الأزمات من دخول اضافية لبعض الفئات، وخاصة في مجالات الانشطة غير المشروعة، مثل تجارة العملة والمخدرات والتهريب والسمسرة، وهو ما أدى الى تحول عمال وصغار حائزين وموظفين إلى تجار ومقاولين ورجال أعمال، وارتفاع معدلات الأنشطة الخدمية على حساب الأعمال الإنتاجية، وطغيان صنوف من العمارة المشوّهة، و تنامى أحزمة من العشوائيات حول المناطق السكنية، يبرز من بينها منطقة عزبة الشحاتين باعتبارها منطقة الحرمان المطلق والتدنى الأخلاقى و التطرف الدينى. و لقد يكفى للدلالة على تشوه العمارة، ما حدث لشارع رئيسى هو شارع السكة الجديدة، و كان معظم اصحاب محلاته من اليونان، ممن هاجروا منذ الستينات، لتتحول هذه المحلات إلى "دكاكين" لبيع عصير القصب. ويظل السؤال ماثلا : متى تعود عروس الدلتا إلى سابق عهدها؟.