22 يوما قضاها لويس التاسع ملك فرنسا على نيل مدينة المنصورة أسيرا فى دار ابن لقمان كانت كفيلة بأن تجعل من الدار واحدة من أشهر البيوت فى مصر، بل إن هذه الفترة فتحت شهية المؤرخين إلى كثير من الروايات والمزاعم عن علاقة الشرق بالغرب عبر ثقافة الأسر، وتداعيات الحروب الصليبية، لذلك البيت يجيب عن كثير من هذه الأسئلة باعتباره متحفا يضم تراث هذه الفترة، فعلى الرغم من بساطة البيت، الذى لا تتعدى مساحته منزل أسرة متوسطة، وزحف العمارات الأسمنتية عليه الآن، بسطوتها الغاشمة، فإنه كان مسرحا لأحداث تاريخية مازالت تحتفظ بها ذاكرة الأمة حتى الآن، شهادة على انتصاراتها على الحملات الصليبية التى هاجمت الشرق كله فى القرن السابع الهجرى، الثالث عشر الميلادى هذه الدار كانت وزارة الأوقاف قد تسلمتها فى سنة 1980 م، ثم قامت وزارة الثقافة بتحويل الدار إلى متحف يحمل اسم ابن لقمان، متحف المنصورة القومى، فى إطار خطة فاروق حسنى، لتطوير المتاحف. ويرجع تاريخ دار ابن لقمان إلى الفترة التى اشتدت فيها ضراوة الهجوم الصليبى على مصر، حيث انتقل السلطان الصالح نجم الدين أيوب ومعاونوه ومنهم رئيس ديوان الإنشاء، فخر الدين أبوإسحاق إبراهيم بن لقمان، لذلك يبدو أن هذه الدار ليست ملكا لابن لقمان، إنما سكنا إداريا فى تلك الفترة، هذه الدار البسيطة البناء تظهر خالية من زخرفة المعمار المدنى الأيوبى المعاصر، شأنها فى ذلك شأن جميع الأبنية العسكرية، المتاخمة لجامع الشيخ الموافى. ومن رحم بلاد الرافدين ولد «فخر الدين بن لقمان» فى عام اثنتى عشرة وستمائة فى عدن بالقرب من ميناء قارجيه شرق نهر دجلة وحظى بتعليم دينى على مذهب الإمام مالك، ويقول عنه الذهبى: «فى الوقت الذى كان يستعرض فيه الصاحب بهاء الدين زهير رسائل الناظر، ووقعت فى يده رسالة بخط ابن لقمان فأعجب بخطه وأسلوبه، فاستدعاه وجعله نائبا عنه فى ديوان الإنشاء فى عصر الملك الصالح نجم الدين أيوب، وظل ابن لقمان فى هذه الوظيفة حتى عصر الملك السعيد ابن الظاهر بيبرس (676 678 ه) (1277 1279 م) كما تولى وزارة الصحبة بالإضافة إلى وظيفته ككاتب للإنشاء فى عصر الملك المنصور قلاوون». سبق حملة ملك فرنسا لويس التاسع حملة حنا دى بريين، ملك الصليبيين فى عكا، والتى استولت على دمياط عام 1218م، وكان الملك العادل الذى تولى الحكم بعد وفاة أخيه صلاح الدين موجودا فى شمال الشام فأسرع إلى مصر لصد تلك الحملة ولكنه توفى فى الطريق بالقرب من دمشق، فخلفه ابنه الملك الكامل الذى عرض على الصليبين أن يخرجوا من دمياط سلما إلا أن الصليبيين رفضوا ذلك لظنهم سهولة الاستيلاء على الأراضى المصرية. توغل الصليبيون فى أراضى الدلتا فى الوقت الذى كان فيه الفيضان على أشده فاستغل المصريون ذلك وفتحوا الجسور والسدود مما أدى إلى غرق الأراضى فانعزل الصليبيون عن قاعدتهم فى دمياط ولقوا هزيمة فادحة على أيدى المصريين، كان من نتائجها فشل الحملة ورحيل الصليبيين. خان التوفيق الغزاة عندما جعلوا من دمياط مفتاح مصر من الناحية الأمنية فقد جاءت حملة لويس التاسع ملك فرنسا أيضا من مدخل فرع دلتا النيل عند دمياط فأسرع السلطان الصالح نجم الدين أيوب (ابن السلطان الكامل) من دمشق واستعد لمحاربة الصليبيين ولكنه توفى فجأة، فأخفت زوجته شجر الدر خبر وفاته حتى لا يؤثر ذلك الخبر على حماسة الجنود، ثم أرسلت إلى الشام لاستدعاء توران شاة بن السلطان الصالح نجم الدين أيوب وهو الوريث الشرعى للحكم. قاد توران شاة المعركة مع جنود أبيه من المماليك بقيادة الظاهر بيبرس واستطاعوا هزيمة الصليبيين عند المنصورة وفارسكور مستغلين امتلاء القنوات والترع بمياة النيل. فشلت الحملة ووقع الملك لويس التاسع فى الأسر وسجن فى دار ابن لقمان بالمنصورة الذى لايزال شاهدا على هذا النصر، ولم يطلق سراحه إلا بعد أن دفع فدية كبيرة. شهدت حملت لويس التاسع مقاومة عنيفة من كل طوائف الشعب المصرى، فى حرب غير تقليدية شارك فيها جنود المماليك جنبا إلى جنب مع أفراد شعب مدينة فارسكور، والقرى المجاورة ضد زحف الحملة الصليبية تجاة مدينة المنصورة، تلك المقاومة الضارية التى شعر معها قادة الصليبيين، وعلى رأسهم لويس باستحالة تحقيق آمالهم فى السيطرة على المنصورة فارتدوا، باتجاه دمياط للتحصن بها. لكن عند عودتهم التكتيكية، قطعت جموع الشعب الطريق عليهم عند مدينة فارسكور، وأطبقت القوات المصرية الأيوبية عليهم، وأسروا منهم الكثير، لدرجة أنه لم يبق مع لويس التاسع، إلا عدد قليلا من فرسانه، و«جوفرى دى سارجين» أحد قادة الحملة، فى الوقت الذى داهمت كتيبة من القوات الأيوبية قرية منية عبدالله والتى كان يقودها الطواشى جمال الدين محسن الصالحى، والأمير سيف الدين القميرى الكردى، فيما يدعى «جوانتيل» أن هذه الكتيبة جاءت لتتفاوض مع الملك لويس التاسع إلا أن المصادر العربية لا تشير من قريب أو بعيد إلى هذه المفاوضات، إنما تؤكد أن الملك لويس التاسع طلب الأمان لنفسه ولمن معه. وبعد أسر الملك لويس التاسع تم نقله وأصحابه إلى المنصورة فى سفينة من السفن الراسية بالنيل وسط فرحة بالانتصار، وفى 6 أبريل 1250م، وصل الملك لويس التاسع وأخواه إلى المنصورة حيث أسروا فى دار كاتب الإنشاء فخر الدين ابن لقمان، وعهد إلى الطواشى صبيح الذى كان مقربا من توران شاه بحفظه، والعناية به. على الرغم من أن توران شاه قد رتب للويس التاسع فى كل يوم راتب يحمل إليه بما يضمن له عيشة طيبة، ادعى بعض الكتاب الغربيين أن المماليك عاملوا الملك لويس التاسع فى الأسر معاملة قاسية، كما أن كتاب توران شاه لنائبه بدمشق الأمير جمال الدين تيمور يؤكد حسن معاملة المصريين للقديس لويس حيث يقول فيه: التجأ الفرنسيون إلى المدينة مطالبين بالأمان، فأمناه وأخذناه وأكرمناه. جرت المفاوضات بين الفرنسيين والسلطان توران شاه فى مدينة فارسكور بالقرب من المنصورة، اتفق على تسليم الصليبيين لدمياط ويدفع لويس نصف الفدية (مائتى ألف دينار) قبل مغادرته البلاد، والنصف الآخر، تسلمه المصريون بعد أن غادر لويس التاسع دمياط فى 6 مايو، وأنتظر يوما فى عرض البحر حتى يفك أسر أخيه بعد دفع نصف الفدية الثانى، واتخذت محافظة الدقهلية هذا عيدا قوميا لها. تضم القاعة المتحفية، تمثال الوحدة العربية لسيدة تقبض على سيف للنحات عبدالقادر مختار، جدارية كبيرة باسم (معركة فارسكور) الحسين فوزى، وكذلك خرائط تبين خط سير الحملة الفرنسية وتحرك الجيش المصرى، «تمثال المنصورة «عبدالحميد حمدى»، وتمثال للملك لويس التاسع بينما جسد الفنان «محمد مصطفى» تمثالا لفارس مصرى، ورسم «كامل مصطفى» لويس التاسع فى طريقه إلى الدار، وصور «عبدالعزيز درويش» معركة المنصورة فى لوحة كبيرة، فيما ضم المتحف تمثال نصفى للرئيس جمال عبدالناصر، بالإضافة إلى خوذة للملك لويس التاسع.