نكمل اليوم موقف المذهب الشيعى من طهارة غير المسلمين.. أما النجاسة المطلقة التى لا طهارة منها، بموجب إجابات الكتاب، فهى الانتماء إلى الدين البهائى، حيث يقول السيد على خامنئى «جميع أفراد الفرقة البهائية الضالة محكومون بالنجاسة، وعند ملامستهم لشيء يجب مراعاة مسائل الطهارة». ماذا عن الإيرانيين البهائيين الذين لا مهرب من التعامل معهم فى الإدارات الحكومية وطلاب المدارس وغيرهم، وعددهم فى إيران نحو 350 ألفا؟ الجواب الفقهى هنا غامض! يقول: إن التعامل معهم فى هذه الحالة «يجب أن يكون طبقا للمقررات القانونية ووفقاً للأخلاق الإسلامية»، وافهم من هذا التوجيه ما تفهم! ويجمع فقهاء الإسلام سنّة وشيعة على أن غير المسلم «كافر» ولكن لا يبدو أن فقهاء المذاهب الأربعة السنية يعتبرون مجرد لمس الكافر تنجّساً، ولكن ورد فى تفسير الطبرى للآية 28 من سورة التوبة «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ». «حدثنا ابن وكيع، قال ثنا بن فضيل عن أشعث عن الحسن: «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ»، قال: لا تصافحوهم، فمن صافحهم فليتوضأ». ويقول الطبرى كذلك: «اختلف أهل التأويل فى معنى (النجس) وما السبب الذى من أجله سماهم بذلك، فقال بعضهم: سماهم بذلك لأنهم يُجنِبون فلا يغتسلون بعد الجنابة- فقال: هم نجس، ولا يقربوا المسجد الحرام، لأن الجنب لا ينبغى له أن يدخل المسجد». وفى تفسير الطبرى «أن عمر بن عبدالعزيز كتب: أن امنعوا اليهود والنصارى من دخول مساجد المسلمين، وأتبع فى نهيه قول الله «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ». ويقول أستاذ كلية الشريعة السابق د. محمد رواس قلعة فى «الموسوعة الفقهية الميسرة» فى تعريفه للكتابى اليهودى أو النصرانى إن «الكتابى كافر عند المسلمين بنص كتاب الله تعالى، ولكنه لا يعامل معاملة المشركين ولا يسمى مشركاً على الرغم من أن عقيدته فيها شرك». وفى كتب فقه المذاهب الأربعة تفاصيل وافية لا مجال لعرضها هنا، وكذلك فى الكتب الإسلامية عمومًا. وتقول «الموسوعة الإسلامية الميسرة» التى وضعها المستشرقان «ه. جب»، و«ج كالمرز» فى مادة «نجس» إن الشيعة يضيفون إلى ما يعتبره أهل السنّة من النجاسات «جثة الإنسان والكفار»، وتضيف الموسوعة: أن «أهل السنّة لا يتبعون الشيعة فى شرح هذه الآية» أى أن بينهما اختلافاً فى التفاصيل والمدلولات. ففى كتب فقه الشيعة، ومنها «العروة الوثقى» لآية الله السيد محمد كاظم اليزدى الطباطبائى ج1، ص28، يعدِّد الكتاب «النجاسات» ويضم إليها «الكافر بأقسامه حتى المرتد بقسميه واليهود والنصارى والمجوس وكذا رطوباته وأجزائه.. والمراد بالكافر من كان منكراً للألوهية أو التوحيد أو الرسالة أو ضرورياً من ضروريات الدين، وولد الكافر يتبعه فى النجاسة، ولا إشكال فى نجاسة الغلاة والخوارج والنواصب». وفى الجزء الثانى من «وسائل الشيعة للحُر العاملى»، ص1018-1110 أكثر من ذلك، ففى «باب نجاسة الكافر ولو ذمياً ولو ناصبياً» -والناصبى هو من يكره الإمام على وأهل بيت النبوة- فى هذا الباب من الكتاب نقرأ ما يلى عن «نجاسة» المجوس أى الزردشتيين: «عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام -أحد أئمة الشيعة الاثنى عشرية- عن آنية أهل الذمة والمجوس، فقال: لا تأكلوا فى آنيتهم، ولا من طعامهم الذى يطبخون». وفى «الوسائل» نفسه حديث آخر عن الإمام «عن قوم مسلمين يأكلون وحضرهم رجل مجوسى، أيدعونه إلى طعامهم؟ فقال الإمام: أما أنا فلا أواكل المجوسى، وأكره أن أحرّم عليكم شيئاً تصنعون فى بلادكم»، وحديث آخر عن أحدهم يسأل أحد الأئمة فى رجل صافح رجلا مجوسياً، فقال: «يغسل يده ولا يتوضأ»، وسأل أحدهم الإمام «ألقى الذمى فيصافحنى، قال امسحها بالتراب أو بالحائط»، وسأل أحدهم الإمام موسى بن جعفر، عليه السلام، قال سألته عن رجل اشترى ثوباً من السوق للبس، لا يدرى لمن كان، هل تصلح الصلاة فيه؟ قال: إن اشتراه من مسلم فليصل فيه وإن اشتراه من نصرانى فلا يصلى فيه حتى يغسله». ويفتى المرجع الأعلى الحالى للشيعة السيد على السيستانى بأن «أهل الكتاب من يهود ومسيحيين ومجوس طاهرون، ما دمت لا تعلم بنجاستهم، وتستطيع أن تعمل بهذه القاعدة فى معاشرتك لهم واحتكاكك بهم».. (انظر: الفقه للمغتربين، مؤسسة الإمام على، لندن، 1998، ص76). غير أن فتوى «طهارة» أهل الكتاب على هذا النحو الشامل لا تلزم بالطبع إلا مقلدى السيد السيستانى، أى الملتزمين باجتهاداته، وتوجد بلا شك اجتهادات أو ممارسات أخرى متشددة. ونعود إلى ما ورد فى صحيفة «الجريدة» الذى بدأنا به المقال، حيث جاء فى سبب زيادة الحملة فى إيران على غير المسلمين وبخاصة ضد المسيحيين ما يلى: «فى الآونة الأخيرة بدأ الكثير من الشباب الإيرانيين الخروج من الإسلام واتخاذ المسيحية ديناً لهم، بهدف المعارضة السياسية للنظام، الذى يعتبر نفسه ممثل الإسلام، أو بغرض اللجوء إلى البلاد الغربية المسيحية بحجة تغيير دينهم، إذ تفرض القوانين الإيرانية حكم الإعدام على من يخرج من الإسلام». وتضيف الصحيفة: «ولهذا السبب فإن وزارة الإرشاد بدأت بحملة مكثفة ضد التبشير بالمسيحية داخل البلاد، معتبرة إقامة هذه الحفلات ترويجاً للمسيحية، ومحاولة لجذب المسلمين إليها». إيران، مثلها مثل بقية الدول الإسلامية، لم تسأل نفسها بمناسبة هذه الأعياد المسيحية، لماذا تطالب للمسلمين وللشيعة بكل الحريات الدينية والمساجد والحسينيات والحجاب والنقاب والأكل الحلال فى الدول الأوروبية والولايات المتحدة وأستراليا وكندا وغيرها، فى حين تزخر كتبها وفتاواها وخطبها ضد «النصارى» و«اليهود» وكل غير المسلمين بمثل هذه الأحكام التى تنقص حتى من آدمية الطرف الآخر ولا تلغيه من حقوقه فحسب؟ المسلمون سنّة وشيعة بحاجة ماسة اليوم لأن يصارحوا أنفسهم والعالم!