أصدرت وزارة الثقافة والإرشاد الإيرانية تعميمًا إلى جميع المؤسسات الإعلامية والسياحية، كما جاء فى الصحف (الجريدة 31/ 12/ 2016)، يتضمن منع إعلانات حفلات رأس السنة وأعياد الميلاد، وهددت الوزارة الإيرانية بإقفال المؤسسات المخالفة وإحالة مسئوليها إلى القضاء بتهمة «الترويج لطقوس غير إسلامية بين المسلمين». فقد اعتبرت الوزارة أن هذه الإعلانات إلى جانب الترويج لتلك الطقوس «محاولة للتبشير بالمسيحية بين المسلمين، وعليه فإن المعلن يعتبر شريك جرم». مراسل صحيفة «الجريدة» أضاف شارحًا الخبر الإيرانى: «يحق للمسيحيين إقامة برامج ترفيهية داخل مراكز ونوادٍ مخصصة لهم، لا يحق للمسلمين دخولها، حتى إن كانوا ضيوفًا». هل وافق مرشد الثورة الإيرانية السيد على خامنئى على هذا التعميم، وهل هو قائم على بعض فتاواه، أو أنه مجرد تعميم وزارى روتينى، أو ربما تسبب فى إصداره التنافس الشيعى السنى والصراع فى المنطقة الخليجية والعربية، ومحاولة كل طرف خليجى وإيرانى اختطاف راية التشدد الإسلامى، والحرص على التراث الإسلامى وحماية بيضة الإسلام؟! إن كان السيد «مرشد الثورة» قد وافق على هذا التعميم، فثمة إشكال بحاجة إلى توضيح من مكتب سماحته، وقد راجعتُ رسالة السيد خامنئى الفقهية المعروفة والمنشورة بعنوان «أجوبة الاستفتاءات لسماحة ولى أمر المسلمين آية الله العظمى السيد على الحسينى خامنئى دام ظله الوارف»، من مطبوعات «دار النبأ» عام 1995 فى الكويت. ووجدتُ فى الجزء الثانى من الكتاب، ص104، السؤال رقم 304 الموجه إلى المرشد السيد الخامنئى يستفسر السائل: «بالنسبة إلى أعياد المسيحيين هناك بعض المسلمين يحتفلون بها، فيضعون شجرة الميلاد كما يضع المسيحيون، فهل فى هذا إشكال؟»، وكان جواب «السيد خامنئى» على النقيض تمامًا من تعميم وزارة الإرشاد الدينى الإيرانية الحالى، إذ قال بالحرف الواحد، «لا بأس بالاحتفال بميلاد عيسى المسيح على نبينا وآله وعليه السلام». فلم ينهر المرشد هؤلاء المسلمين المحتفلين بأعياد المسيحيين ولا توعّدهم، ولا قال فيهم ما نسمع فى بعض الدول الخليجية مثلًا! وكان السيد خامنئى قد سئل كذلك، كما جاء فى أجوبة الكتاب عن الأسئلة الفقهية عن «عيد النيروز»، كما يلى: «ما هو رأى سماحتكم فى عيد النيروز، هل هو ثابت شرعًا كعيد يحتفل به المسلمون كعيد الفطر وعيد الأضحى، أم أنه يوم مبارك فقط كأيام الجمعة مثلا وغيرها من المناسبات؟». وقد أجاز خامنئى الاحتفال بهذا العيد قائلًا فى الجواب «لم يرد نص معتبر على كون النيروز من الأعياد الدينية أو من الأيام المباركة شرعًا بالخصوص، إلا أنه لا بأس بالاحتفالات والزيارات فيه». وفى هذا الجواب كذلك لم نجد أى زجر أو نهر، رغم هجوم فقهاء العالم العربى والإسلامى على «المجوسية» والنيروز والزرادشتية، واعتبارهم المناسبة «وثنية»، أو ذات صلة بعبادة النار، وأديان بلاد فارس قبل الإسلام، وكذلك رغم أن مرشد الثورة فى الجمهورية الإيرانية بمثابة قائد دينى لكل العالم الإسلامى، ضمن أيديولوجية ولاية الفقيه. هل للتشدد الإيرانى ضد المناسبات المسيحية، ومنها أعياد الميلاد، علاقة بموقف إيران وحزب الله من المسيحيين فى لبنان مثلًا، أو أية دولة أخرى، أو تراه يعكس تنافسًا بين متشددى الشيعة والسنّة فى الدول المسيحية؟ فالطاغى على الإجابات الواردة فى كتاب «أجوبة الاستفتاءات» هو الاهتمام بالمسلمين خارج إيران، وبخاصة فى العالم العربى وأوروبا، قد لا يجيب السيد خامنئى الإجابة نفسها عن هذه الأسئلة داخل إيران. فنراه يتخذ مثلًا موقفا مرنًا من «نجاسة الكافر» أى المسيحى، ويقول إن الكتابى «لا يبعد أن يكون طاهرا ذاتًا»، وإن «النجاسة الذاتية لأهل الكتاب غير معلومة». وهذا بالطبع موقف فقهى لا يتطابق مع ما فى كتب الأحاديث والأخبار المعتمدة لدى الشيعة، وقد يتبناه المرشد لأغراض سياسية. مشكلة معايشة ولمس ومصافحة «الإنسان الكافر غير الكتابى» ومدى نجاسته أعقد بالطبع، وهذا ما نراه فى السؤال رقم 334 الوارد لمكتب المرجعية ربما من دولة آسيوية غير إسلامية، ويقول: «الأكثرية المطلقة من الناس هنا هم من الكفار البوذيين، فعندما يستأجر طالب الجامعة بيتًا، ما حكم طهارة ونجاسة ذلك البيت؟ وهل من الضرورى غسل وتطهير المنزل أم لا؟ ومن المناسب الإشارة إلى أن كثيرًا من المنازل مصنوعة من الخشب ولا يمكن غسلها، وما الحكم بالنسبة إلى الفنادق والأثاث والأدوات الأخرى الموجودة فيها؟». وكان جواب السيد على خامنئى: «ما لم يُحرز ملامسة اليد والبدن مع الرطوبة المسرية للكافر غير الكتابى لا يُحكم بالتنجس»، أى أن عرق الكافر أو أية سوائل أخرى ربما حتى اللعاب أو الدموع من النجاسات، كما يفهم من فتوى خامنئى، هذا غير أنه يضيف مكملًا: «وعلى فرض اليقين بالنجاسة فلا يجب تطهير أبواب وجدران المنازل والفنادق، ولا الأثاث والأدوات الموجودة فيها، وإنما يجب تطهير المتنجّس فيما إذا كان مما يستعمل فى الأكل والشرب والصلاة». «أجوبة الاستفتاءات، 2، ص 100». نقلًا عن «الجريدة الكويتية»