بترحيب واضح تشارك الصين في الدورة الثامنة والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي وهي "ضيف الشرف" في الدورة الحالية ولعل الحضور الثقافي والفني للصين في مصر يعكس الاهتمام الكبير بتعزيز الحوار والتواصل الحضاري بين شعبي الدولتين الصديقتين فيما بات تعاظم أدوات ووسائل القوة الناعمة الصينية موضع اهتمام غربي وخاصة في الولاياتالمتحدة. وتشهد الدورة الحالية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي برنامجا خاصا للسينما الصينية المعاصرة يعرض فيه 15 فيلما صينيا فضلا عن المنافسة بفيلم في المسابقة الرسمية، كما اصدر المهرجان كتابا بعنوان "نظرة على السينما الصينية" بقلم الناقد السينمائي الفرنسي المرموق جان ميشيل فرودو. وهو ما اعتبره فنانون مصريون؛ من بينهم الفنان سامح الصريطي؛ فرصة جيدة للتعرف على خصائص الثقافة والفن في الصين ودعم التعاون الثقافي بين البلدين الصديقين، فيما حظى المخرج الصيني جيا زانكيه بجائزة من جوائز التميز الذي يمنحها هذا المهرجان السينمائي الدولي، وتشارك كاتبة السيناريو الصينية لي يو في لجنة التحكيم. والحضور الصيني في هذا المهرجان السينمائي الدولي الذي يحمل اسم القاهرة هو موضع ترحيب وحفاوة المصريين الذين ينظرون دوما للصين كدولة صديقة، فيما يسعى الجانب الصيني بهمة واضحة لتدشين "ثقافة طريق الحرير" ضمن احياء هذا الطريق التاريخي الذي كان يربط بين الشمال والجنوب، كما ربط بين الحضارتين الصينية والمصرية. وتجلى الاهتمام الصيني بدعم الحضور الثقافي في مصر ضمن التفاعل الحضاري والتواصل التاريخي بين شعبي الدولتين الصديقتين في تدشين "بيت الحكمة للاستثمارات الثقافية" بأرض الكنانة كبؤرة ثقافية مشعة تشمل العالم العربي ككل زكمنصة هامة ومؤثرة للتعاون الثقافي بين الجانبين. وحسب بيان تلقته وكالة أنباء الشرق الأوسط، فإن بيت الحكمة يعمل في عدة مجالات ثقافية تتضمن النشر والترجمة وتبادل حقوق النشر بين الصين والدول العربية، فضلا عن أفلام الرسوم المتحركة والبرامج والأفلام الوثائقية وتجارة الكتب الالكترونية وإنشاء أكبر موقع ترجمة بين اللغتين الصينية والعربية في العالم. وبيت الحكمة معني بالصناعات الثقافية بكل أنواعها ونجح حتى الآن في تصدير أكثر من 500 كتاب صيني للدول العربية مقابل أكثر من 50 كتابا عربيا ترجم ونشر في الصين وينظم كل عامين مؤتمرا دوليا للناشرين الصينيين والعرب كما يشارك في اهم معارض الكتاب بالعالم العربي وفي طليعتها معرض القاهرة الدولي للكتاب. وعبر هذه المنصة الفاعلة للتبادل الثقافي يمكن للقاريء العربي أن يطالع ابداعات كتاب صينيين سواء في الرواية او القصة القصيرة لأسماء مثل "لي ار"؛ المنتمي لجيل الروائيين الرواد في الصين و"تيه نينغ" التي يلقبونها ب"المرأة الحديدية"، وهي صاحبة روايات عديدة، من بينها رواية "الهروب" التي ترجمت للعربية، وكذلك الروائي المخضرم ليو جين يون، والأديبة فانغ فانغ صاحبة "سكون مابعد العاصفة". أما الكاتبة الصينية تشي تسي جيان، فهي صاحبة إبداعات طريفة مثل معاناة الحصان والإنسان معا في روايتها "الحصان والزوجان"، بينما يبرز اسم رائد الأدب الشعبي الصيني سو تونغ الذي تناول حياة الفلاحين النازحين بنظرة ابداعية متأملة في روايته "قوارب البطيخ". أما "لاو ما"، فيحذرنا من سجن الذات داخل أسوار فكرة واحدة في قصته "حب بيوان ونصف"، فيما يعبر أدب القصة القصيرة لشو تشي تشينغ عن "قومية هوي المسلمة"، وملامح حياة الصينيين المسلمين، كما فعل في مجموعات قصصية من بينها "سكين الماء الصافي"، و"الغسق"، و"ساحة الفاكهة". وإذا كان القاص الصيني "شيو تسي تشين"، قد طرح رؤيته للمجتمع الأمريكي في قصته "قلعة جو سه ته"، وسبر أغوار المتشبثين بالحلم الأمريكي، بأسلوب "السهل الممتنع"، فمن نافلة القول إن الصين تستعد لاستحقاقات وتحديات مرحلة جديدة في العلاقات مع الولاياتالمتحدة بعد فوز الملياردير دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية وفي سياق زمن أمريكي يوصف بأنه "زمن أزمة"، فضلا عن مشهد عالمي يتجه نحو تحولات جوهرية. ولئن شرع محللون في توقعات حول طبيعة العلاقات الأمريكية-الصينية في مرحلة الرئيس دونالد ترامب الذي كان أحد أهم محاور حملته الانتخابية يدور حول "حلم استعادة امريكا العظيمة"، فقد توالت المؤشرات في السنوات الأخيرة حول تصاعد صراع القوة الناعمة بين الصينوالولاياتالمتحدة في سياق نوع جديد من الصراعات السياسية- الاقتصادية التي لا تعمد لاستخدام القوة الصلبة أو أسلوب المواجهات العسكرية المباشرة والتي يمكن أن تكون كارثية في حالة المواجهة الصينية- الأمريكية، بما يمتلكه الجانبان من قدرات نووية وأسلحة دمار الشامل. وفي خضم طموحات تعظيم القوة الناعمة الصينية، أقدمت الصين على استثمارات في هوليوود وشراء بعض شركات الإنتاج السينمائي الأمريكي، فيما تسعى شركات سينمائية أمريكية أخرى لشراكة مع شركات صينية وسط توقعات بزيادة عائد الأفلام الصينية من 4،3 مليار دولار في عام 2014 الى 8،9 مليار دولار في عام 2018. وهكذا راح البعض يتحدث حتى في الكونجرس الأمريكي عن "الغزو الصيني لهوليوود"، ويطرح أسئلة من قبيل: هل تصبح هوليوود صينية؟ فيما ترحب السلطات الصينية بتصوير الأفلام الأمريكية في أراضي الصين وتمنح تسهيلات كبيرة لمنتجي هوليوود. وكان المخرج الأمريكي والتايواني الأصل "انج لي"، قد توقع تفوق السينما الصينية على هوليوود في غضون السنوات القليلة المقبلة، فيما أوضح هذا المخرج الذي حصل على جائزة الأوسكار مرتين أن صناعة السينما في الصين ضخمة وستزداد ضخامة في السنوات القادمة بما يتجاوز صناعة السينما الأمريكية. وفي تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخرا بعنوان: "ما السبيل لمواجهة الهجوم الدعائي الصيني في العالم؟"، اعتبر الباحثان المشاركان في "معهد ميركاتور للدراسات الصينية"؛ "اولبيرج"، و"بيرترام لانج"، أن الديمقراطيات الغربية واجهت عاما صعبا جراء ما وصفاه ب"الشماتة الصينية"، في ما شهدته الانتخابات الرئاسية الأمريكية من "دراما مسلية تظهر فشل المعايير التي ادعى الأمريكيون انها المعايير العالمية للديمقراطية". كما أظهر الصينيون "شماتة" في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي واعتبر الإعلام الصيني - حسب هذا التقرير - أن نتائج الاستفتاء التي أفضت لخروج بريطانيا أو ما يعرف ب"البريكسيت"، إنما تكشف النقاب عن "المظهر الخادع للديمقراطية الغربية". ورأى الباحثان في هذا التقرير الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" أنه في الوقت الذي يواجه فيه الغرب أوجه القصور في العملية الديمقراطية تنتهز الصين الفرصة لتعزيز نظامها، وتخوض صراعا أيديولوجيا مع الغرب، وهو صراع لا بد وأن تستخدم فيه القوة الناعمة لزيادة جاذبية النموذج الصيني في الخارج. وتقدر الصحيفة الأمريكية الشهيرة في هذا التقرير حجم الموازنة المخصصة سنويا لتعزيز "الحضور العالمي لوسائل الاعلام الصينية"، بعشرة مليارات دولار أمريكي، وحتى يتسنى للميديا الصينية أن تروي قصة الصين جيدا، حسب تعبير الرئيس الصيني تشي جين بينج. وأقرت الصحيفة بأن هناك تطورا ملحوظا بطرق ذكية واحترافية في أدوات القوة الناعمة الصينية، أو ما وصفته ب"أدوات الدعاية الصينية"، ومن بينها الأفلام وأشرطة الفيديو التي تنتجها شركات مدعومة من الحزب الشيوعي الحاكم في الصين. ولاحظت نيويورك تايمز في تقرير هذين الباحثين المتخصصين في الشأن الصيني بقلق ظاهر تصاعد حضور القوة الناعمة الصينية في القارة الافريقية جنبا إلى جنب مع تزايد إبرام "اتفاقيات لنشر وتوزيع المحتوى" في أماكن عدة بالعالم، من بينها استراليا، ناهيك عن الولاياتالمتحدة ذاتها حيث يتحرك الصينيون بقوة لشراء شركات إعلامية أمريكية، وشملت هذه المحاولات حتى السعي لشراء مجلة شهيرة مثل مجلة "نيوزويك"، وإن كان لم يكتب لها النجاح بعد. ولم تغفل صحيفة "نيويورك تايمز" في هذا التقرير الذي يوميء لحرب ثقافية أمريكية- صينية من نوع جديد- مسألة التدفقات الاستثمارية الصينية في السنوات الأخيرة بهوليوود وتشجيع انتشار "معاهد الفكر الكونفوشيوسي، نسبة للفيلسوف الصيني الشهير كونفوشيوس" حول العالم والتي بلغ عددها حاليا نحو 500 معهد وتخطط بكين لمضاعفة هذا الرقم بحلول عام 2020. كما لم تخف الصحيفة الأمريكية قلقها حيال هذا الهجوم للقوى الناعمة الصينية على مستوى العالم والذي يتضمن ماوصفته "بالتأثير في الرأي العام بالغرب" في وقت تواجه فيه الديمقراطيات الغربية مأزقا ظاهرا، فضلا عن جاذبية النموذج الصيني للدول النامية او مايعرف بعالم الجنوب. وليست هذه هي المرة الأولى التي تتحدث فيها "نيويورك تايمز" عن القوة الناعمة الصينية فقد سبق لها في نهاية عام 2012 أن تحدثت عن قيام الصين بتعزيز وجودها وقوتها الناعمة داخل أفريقيا، موضحة أن وسائل الإعلام الصينية باتت تنتشر وتوسع نطاق أنشطتها فى دول القارة السمراء، مقابل ما وصفته بتراجع فى دور الاعلام الغربى بهذه الدول. وأذا كانت "نيويورك تايمز" تناولت فى تقريرها بقلم أندرو جاكوبز، بعض أبعاد هذا التوجه الصينى حيال افريقيا والذى يتضمن تعظيم الاستثمارات ودعم الخبرات فى مجال البناء والاعمار والبنية الأساسية على وجه العموم جنبا إلى جنب مع اهتمام بالدور الإعلامي والبعد الثقافي للتحرك الصيني النشط في ربوع أفريقيا. ولئن كانت القوة الناعمة لمصر في أفريقيا قضية يتوجب الاهتمام بها بعيدا عن اجترار الذكريات أو الاكتفاء بالشعارات فمن المتعين دراسة سبل تعظيم هذه القوة عبر تحليل ثقافي - سياسي ونظرة مقارنة لتجارب دول أخرى من خارج القارة السمراء مثل التجربة الصينية حيث يتزايد التأثير الثقافى الصينى تدريجيا فى عدة دول إفريقية مع تصاعد ملحوظ فى تحبيذ العديد من دول القارة السمراء للنموذج التنموي الصيني. ولعل من المفيد في هذا السياق إلقاء الضوء على مسألة استخدام الصين للأدوات الثقافية للقوة الناعمة فى استراتيجيتها الخاصة بالتعامل مع إفريقيا، فيما تتفق العديد من الدراسات على أن تنامي قوة الدولة يعنى تزايد قوتها الشاملة وبحيث تتصاعد قوتها الناعمة لتتكافىء مع قوتها الخشنة او الصلبة. ففى دراسة نشرتها جامعة فيكتوريا فى ويلنجتون تحت عنوان "السياسة الأفريقية للصين وقوتها الناعمة"، تناول الباحثان جيانبو ليو وتشياو مين زهانج، بصورة مستفيضة مسألة القوة الناعمة كسبيل مباشر لحماية وتوسيع نطاق المصالح الوطنية للصين فى الخارج وعبر البحار، فيما يرى الباحثان أن القارة السمراء تشكل ساحة هامة لتعزيز القوة الناعمة الصينية فى بيئة صراعية تعد سمة أساسية للعلاقات الدولية. وحسب هذه الدراسة المطولة للباحثين اللذين يعمل أولهما فى معهد تثقيف الكوادر بالحزب الشيوعى الصينى، فيما يعمل الثانى بجامعة بكين للدراسات الأجنبية، فإن ضمان النمو المتواصل للعلاقات الصينية - الأفريقية يشكل محكا واختبارا للصورة الذهنية للصين ومسؤولياتها الدولية فى حقبة جديدة مع تأكيدهما على أنه من الأهمية بمكان للأستراتيجية الخارجية للصين تحليل الإنجازات التي تحققت والمشاكل التى مازالت قائمة، في ما يتعلق بحشد وتعبئة القوة الناعمة وزيادة التأثير الصيني في أفريقيا. وأوضح الباحثان أن القوة الناعمة للصين في أفريقيا تتمثل اساسا فى عدة مجالات هى المساعدات الخارجية الصينية التى تفضى لنفوذ سياسى للصين فى الدول الأفريقية المتلقية لهذه المساعدات والتأثير الثقافى الصينى الذى يتزايد تدريجيا فى عدة دول افريقية مع تصاعد ملحوظ فى تحبيذ العديد من دول القارة السمراء للنموذج التنموي الصيني. وفيما تعمل آلية التعاون الصيني - الإفريقي متعدد الأطراف على دعم العلاقات الودية بين الجانبين، فإن الباحثين تحدثا في هذه الدراسة عن تحديات تعترض التعاون من بينها الاحتكاكات والنزاعات التجارية، والأهم من ذلك حرص الغرب على الحاق الأذى بالوجود الصيني في القارة السمراء وإلحاق الضرر قدر الإمكان بصورة الصين في أفريقيا. ومن ثم يطرح الباحثان جيانبو ليو وتشياو مين زهانج، في هذه الدراسة سلسلة من التوصيات والاقتراحات لتحسين صورة الصين وسمعتها في القارة الأفريقية تتضمن صياغة استراتيجية شاملة ومتماسكة لتعظيم الاستفادة من القوة الناعمة الصينية فى أفريقيا ومنح مزيد من الاهتمام للدبلوماسية الثقافية ونشر الثقافة الصينية فى ربوع القارة السمراء وزيادة جاذبية النموذج التنموى الصينى فى عيون الأفارقة واقناعهم بأن توسيع نطاق التعاون المشترك يخدم الجانبين معا. كما يوصي الباحثان بزيادة عدد الطلاب والدارسين الأفارقة في الصين ومنح اهتمام أكبر للدراسات الأفريقية في الجامعات الصينية وإقامة معارض ثقافية صينية في الدول الأفريقية. وإذا كان من الصحيح أن الأفعال أهم من الأقوال وأن الحقائق تتحدث عن نفسها بنفسها، فإنه من الصحيح أيضا في عصر الإعلام المعولم على حد قول الباحثين الصينيين أن الحقائق وحدها لا تصلح، وإنما لا بد من الترويج لها ونشرها لأن ذلك هو السبيل الذي يتفق مع معطيات ومتطلبات الواقع المعقد للسياسة الدولية ومجال الدبلوماسية والرد على حملات التشهير والمكايدات في عالم اليوم. وأبدى الباحثان الصينيان فى سياق هذه التوصيات والاقتراحات الخاصة بتعظيم القوة الناعمة، اهتماما ملحوظا بمسألة التواصل مع جماعات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية فى الدول الافريقية والشخصيات المؤثرة على الرأى العام فى هذه الدول، فيما لا يجوز الامتناع عن التنسيق مع الدول الغربية وفى مقدمتها الولاياتالمتحدة في أي مجالات أو أنشطة بالقارة السمراء، مادام هذا التنسيق يحقق المصلحة المشتركة. ومع ذلك، فإن العين الفاحصة لا تغفل عن ملامح صراع محتدم بين الولاياتالمتحدةوالصين في القارة الأفريقية، فيما لم تغفل الصين في سعيها لتنمية أدوات قوتها الناعمة الرياضة وخاصة كرة القدم بوصفها اللعبة الشعبية الأولى في العالم. وهكذا تمضي شركات صينية في شراء أندية بالغرب ولاعبين أجانب وتقدر الاستثمارات الصينية في هذا المضمار حتى الآن بنحو 450 مليون دولار أمريكي، بينما تأمل الصين في استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم التي تعد اهم حدث كروي عالمي بحلول عام 2030. وباهتمام بالغ، يمضي "الغرب الثقافي" عبر العديد من المفكرين والمحللين والمعلقين في منابره ووسائطه المتنوعة في متابعة تطورات التجربة الصينية التي أمست أقرب "للمعجزة"، فيما خضعت النظرية الشيوعية "للتفكير الابتكاري الصيني" لتظهر مصطلحات جديدة تتردد عبر المنابر الثقافية الغربية، مثل "الشيوعية المغامرة"، أو "الشيوعية المتلاقحة مع الرأسمالية"، و"اشتراكية الرخاء"، وكذلك "اشتراكية السوق"، و"مبادرات المشاريع الإشتراكية". وكانت الصحافة الأمريكية قد أبدت اهتماما واضحا بكتاب صدر بعنوان "هنري كيسنجر والصين"، وهو كتاب بقلم وزير الخارجية الأمريكي الأشهر في سبعينات القرن الماضي، ويكشف عن أسرار جديدة حول مهمته منذ نحو أربعة عقود لطرق أبواب الصين وإقامة علاقات دبلوماسية بين واشنطنوبكين، فيما يتحدث بلغة بديعة ومشوقة حقا عن الحضارة الصينية القديمة وكيف يؤثر تاريخ دولة ما على تشكيل وصياغة سياستها الخارجية واتجاهاتها نحو العالم. غير أن أي نظرة لما تفعله وسائل الإعلام الغربيةوالأمريكية منها على وجه الخصوص التي تشكل قلب ما يعرف بالإعلام الدولي مع دولة في حجم الصين ومحاولة استغلال قضايا حقوق الإنسان والحريات أو اضطرابات في منطقة كهونج كونج، تكشف بلا عناء عن الأجندات والمقاصد الحقيقية لهذه الوسائط الصحفية والإعلامية المنتمية لثقافة ترى أن الغرب هو مركز العالم وينبغي أن يبقى كذلك دوما. فكل هذه الصحف ووسائل الإعلام الكبرى تنتمي لثقافة صراعية بامتياز ومستعدة في أي وقت لخوض صراع إعلامي بأدوات مهنية ذات احترافية عالية لضرب محاولات الصعود لقوى خارج إطار الثقافة الغربية سواء كانت في الصين أو العالم العربي ومصر في القلب منه. وشأنها شأن الصين، فإن مصر يهمها رفع معدلات الحداثة مع دعم سيادة الدولة الوطنية ومكافحة الإرهاب والتطرف، في ما يمكن للدولتين التعاون الوثيق في أفريقيا بما يخدم مصالح كل الأطراف، وعلى قاعدة ثقافية عامة تجلت في مقولة الرئيس الصيني شي جين بينج: "الحلم لن يتحول إلى واقع إلا بالعمل". وواقع الحال أن الثقافة الاقتصادية الصينية تعكس الثقافة السائدة الآن في الصين وهي ثقافة العمل المثابر والجهد الدؤوب و"الواقعية البراجماتية" مع إدراك لأهمية العدالة الاجتماعية للحفاظ على استقرار المجتمع، فيما تستدعي اللحظة الراهنة والحافلة بالتحديات العقل الثقافي المصري للتحليق في آفاق جديدة والتفاعل والاستفادة من دروس التجربة الصينية التي تشكل "لغة الصعود للقمة" في عالم يشهد لغة ومفردات جديدة للصراع على القمة، كما هو الحال بين الولاياتالمتحدةوالصين.. فلمن تدق الأجراس؟!