"مواشي تساق للبيع وجمعيات دوارة ودين من أجل الحصول على لقب حاج"، شعارات تتزين بها بيوت الحجيج من الفقراء، زغاريد وشربات وهدايا تتراجع بسبب الغلاء مع الاكتفاء بالدعاء للأهل والجيران، ثياب بيض تدبر نفقاتها من العام للعام، وسيارات تمشي خلف الحاج من عتبات البيت وحتى محطة الوصول، وقشعريرة تتملك الجسد لا يتذوقها إلا هؤلاء أصحاب الحلم الأرقى في تلبية مناسك الحج. ولا يزال حلم زيارة الأراضي المقدسة، والطواف حول الكعبة، غاية تظل تراود الفقراء قبل الأغنياء، رغم التزايد الجنوني لسعر الدولار، والذي انعكس بشكل كبير على أسعار تذاكر رحلات الطيران. البعض استسلم لفكرة "من استطاع إليه سبيلا" وب "لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها"، لكن البعض الآخر جاء مقاتلًا، لم يثنه هذا الفقر عن التغلب على تلك الظروف المادية الصعبة، خاصةً في قرى محافظة الشرقية. وباعتبار الماشية هي مصدر الرزق الأعم لمعظم الأسر، فقد أصبحت الحل الوحيد والأقرب للوصول إلى المراد، استعدادًا للزيارة المباركة وأداء تلك الفريضة. "البوابة نيوز" تجولت بين هؤلاء، والتقت الحاجة هدى السعيد، التي قالت: "بِعت الجاموسة علشان أعمل عمرة لما قالولي عمرة رمضان حجة وربنا يتقبل، مبسوطة إني زرت النبي وصليت في الكعبة وشوفت أماكن حلوة كتير وربنا كرمني وصليت بالروضة الشريفة، ربنا يكتبها لكل مشتاق". وباعتبار أن تكاليف السفر للحج السياحي تفوق 70 ألف جنيه، حاول البعض التغلب على تلك الأزمة من خلال أداء عمرتي "الإسراء والمعراج" بشهر رجب، وليلة القدر بشهر رمضان. بعض القرى بالشرقية ابتعدت طريقًا آخر للوصول إلى الزيارة المباركة، عن طريق ما يعرف ب"الجمعية الدوارة"، والتي يشترك فيها مجموعة من الأفراد بمبلغ يدفع شهريًا، ثم تكون الحصيلة من نصيب أحدهم. وقال علي بشير: "اقتطعت من مرتبي ومن مرتب زوجتي للدخول في الجمعية، لكننا لم نستطع جمع مبلغ الحج لذا لجأنا إلى العمرة". وعن سر الإصرار على الزيارة، تابع: "زوجتي لم تنجب منذ 10 أعوام ولديها قناعة اننا إذا ذهبنا لأداء الفريضة ودعونا الله في بيته سيمن علينا بطفل لذا لبيت لها رغبتها وادينا عمرة رجب". وعن الحيلة التي باتت منتشرة بين الأوساط الفقيرة والمتوسطة، فتتمثل في السفر إلى الحج عن طريق وظيفة خدمة الحجيج، والتي أعدت خصيصا لفئة العمال من أصحاب المؤهلات المتوسطة وما دونها. البعض يضطر ل"ضرب بطاقة مزورة" تحمل لقب عامل، للوصول إلى هدفه، قناعة منه بأن الله سيغفر له. الشيخ محمد العريني، مدير الدعوة الإسلامية بأوقاف الشرقية، علق على هذه الحيلة، قائلا:"الحج فريضة ولكن ديننا الحنيف يعلم أنه لن يقدر عليها الجميع لذا ضبط التكليف بالاستطاعة، وقال عز وجل (من استطاع اليه سبيلًا)". ويسافر الفقراء بعد أن استدانوا وهم يحملون عبء" الهدايا" إلى ذويهم عند العودة، فالهدية هنا لها مذاق خاص وبركة حين تأتي "من جوار النبي". "حج مبرور وذنب مغفور وهنا بيت الحج فلان" شعارات تكتب للتعريف بأن صاحب المنزل قد أدى فريضة الحج أو العمرة، وهي من الملامح الأساسية التي كانت تزين بيت الحجيج، أما الآن فقد اختلف الأمر. وقال الحاج أسعد: "لا بطلنا نكتب، البياض والكتابة تكاليف زيادة إحنا في غنى عنها، إحنا بنرجع منفضين، وكفاية الحبابيب يستقبلونا بالزغاريد من المطار لعتبة الدار".