تبقى الكتابة مشيًا على الأشواك تضيق فيها مساحات النقد، وتتسع في العمل العام دون تجريح أو إساءة ما لم يمل صاحب الرأي أو يتبع هوا، ولا أصدق فعلًا من تصدي الدكتور على عبدالعال رئيس مجلس النواب في جلسة عامة لطرح كاد أنْ يكمم الأفواه، ويهدد كل صاحب قلم حين رفع المستشار مرتضى منصور عضو مجلس النواب اللائحة طالبًا الكلمة وتحدث غاضبًا من عدم تحرك رئيس المجلس – باعتباره صاحب الحق لدعاوى قضائية بتهم السب والقذف، وإهانة المجلس ضد ما وصفه بتطاول بعض الصحف والكتاب، وطالب بتعديل تشريعي يقضي بحق كل نائب فى تحريك الدعوى الجنائية ضد ما يَراه إساءة أو نقد غير مقبول، مدللا على ذلك بكتابات وَصفت مجلس النواب مع بداية انعقاده ب "الفاشل" وأيد غالبية النواب مرتضى منصور فيما ذهب إليه. لم يَكن هذا الطرح على جدول أعمال الجلسة فقد فاجأ "منصور" الجميع بحجته، وأصابَ الصحفيين البرلمانيين المتابعين من داخل شرفة المجلس بالصدمة - فلا يمكن أنْ يُؤخذ هذا الطرح بمعزل عن معاركه الممتدة مع الصحافة والإعلام. بصوت غاضب قاطع الدكتور علي عبد العال رئيس المجلس الجميع قائلا: "السادة النواب.. وإن كنتُ أحرصكم على هيبة المجلس واحترامه إلا أنني أذكركم جميعًا بأنكم أقسمتم على احترام الدستور والقانون الذى يَكفل حرية الصحافة فى أنْ تمارس دورها فى الرقابة على أداء النواب وحق الرأي العام في الاطلاع على كل ما يدور داخل المجلس.. فسكت الجميع وأغلق باب النقاش". لا شك أن انتصار الدكتور على عبد العال، لحرية الصحافة يُحسب له، وقد جمعتنى به جلسة تعارف مع الزملاء المحررين البرلمانيين أكد خلالها أنه ضد قصف قلم الصحفي أو حبسه فى جرائم تتعلق بالنشر، وكل ذلك سيترجم عمليًا فى قانون الصحافة والإعلام الموحد الذى كان أحد واضعى مسودته قبل أنْ يتولى رئاسة المجلس ولا يُمكن أنْ نغفلَ فى هذا الصدد جهود الأمين العام المستشار أحمد سعد الدين فى تسهيل مهمة أداء الصحفيين البرلمانيين داخل المجلس وقد تبلورت هذه القناعة عقب اللقاء الذى جمع رئيس المجلس بنقيب الصحفيين وأعضاء مجلس النقابة. وبرغم تكرار الدكتور على عبدالعال، قوله: "إن مجلس النواب لم يبدأ عمله بعد".. بنص المادة 156 من الدستور دخل المجلس مضطرًا فى دوامة مع ترسانة القرارات بقوانين التى صدرت فى غيبته إلى أن تجاوز شبهة عدم الدستورية بمناقشتها في أقل من خمسة عشر يومًا.. بالطبع غير كافية للحكم على أداء المجلس وإن لاحت فى الأفق حالة من السيولة فى شكل الكتل السياسية وتحولت الأغلبية التى حدثنا عنها ائتلاف دعم الدولة من كتلة صلبة إلى متحركة وربما غير مستأنسة كما بدت للرأى العام فى التصويت على قانون الخدمة المدنية لم يستطع أنْ يُدير دَفتها حزب أو ائتلاف بعينه. لم تأت استقالة المستشار سرى صيام، بمعزل عن حالة السيولة التى صاحبت أداء الأغلبية فقد أقلق الجميع رغبة قامة قانونية بحجمه في الرحيل.. عول كثير من المراقبين على دوره بجانب قامات بحجم الدكتور علي عبدالعال رئيس المجلس ووكيليه السيد الشريف وسليمان وهدان والمستشار بهاء أبو شقة و الدكتور أسامة العبد والوزير على المصيلحى واللواء سامح سيف اليزل والوزير أسامة هيكل والوزير محمد العرابي والدكتور أسامة الأزهري والدكتورة أمنة نصير وكثيرين لا يتسع المجال لذكرهم في قيادة سلطة الرقابة والتشريع. من هذا المنطلق حملت كلمات مقالى السابق بعنوان "المستشار سري صيام ..استقالة بطعم الندم" توثيقًا لما جرى من واقع الجلسات، وما دار من أحاديث بين النواب وما تداولته الصحف والفضائيات آنذاك، التى تنفى ما ذهب إليه البعض من تهميش لدور المستشار سرى صيام داخل قاعة المجلس، ولا تغفل عدم اختيار هيئة المكتب له ضمن السبعة الخبراء المكلفين بالمشاركة فى إعداد لائحة المجلس، ورغبته التى لم تتحقق فى الترشح على رئاسة البرلمان- ويتحمل مسؤوليتها دون غيره- لا ينتقص ذلك من قدر الدكتور على عبدالعال أستاذ القانون الدستورى الذى فاز بأغلبية أصوات النواب، ويَحظى باحترام الجميع ليصبح مسؤلا عن لم شمل النواب وتوظيف طاقاتهم وإمكانياتهم فى مختلف المجالات والتخصصات ، وتبقى حرية الصحافة والإعلام مجرد وعد ما لم يكفل القانون حق الحصول على المعلومات ويسمح بحرية النقد البناء دون تضييق أو ملاحقة.