أبَى المستشار سري صيام رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق وعضو مجلس النواب ضمن قائمة العشر المعينن من جانب رئيس الجمهورية ألّا تهدأ حالة الجدل التي صاحبت أداء مجلس النواب منذ انعقاده قبل شهرين باستقالةٍ مفاجئة وضعها بين يدي غريمه القانوني الدكتور علي عبدالعال رئيس مجلس النواب وهيئة مكتبه، لم تكن الأولى بعد استقالة النائب كمال أحمد الذي رفضها المجلس ولكنها بالتأكيد الأقوى تأثيرًا ودلالةً على وجود خللٍ حال دون بلورة شكل القوى المؤثرة داخل المجلس. استقالة بطعم الندم سطّرتها وقائع صراع مكتوم ترفع المستشار سري صيام عن خوضه في خضم معركة الترشح على رئاسة المجلس حين اعتذر المسشتار عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا ورئيس الجمهورية السابق للرئيس عبدالفتاح السيسي، عن قبول تعيينه عضوًا بمجلس النواب تمهيدًا لترشحه على رئاسة المجلس الذي كان يَحظى بتأييد من غالبية الأعضاء بعد أنْ خلت قوائم المنتخبين من "كاريزما" الرئيس كما تحدث الإعلام ووصفتها النخبة آنذك. جاء اسم المستشار سري صيام، بما يَملكهُ من خبرة قانونية وتاريخ قضائي وصل به إلى رئاسة محكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى ليملأ الفراغ الذي تركه اعتذار المستشار عدلي منصور، ولم يمنع كتمان رئاسة الجمهورية وعدم تداول اسم "صيام" فى بُورصة تكهنات المعينين والمرشحين لرئاسة المجلس قبل أنْ يصدر بها قرار رسمي من أن تناله سهام النقد اللاذع، التى تطرقت لعمله لمدة تجاوزت عشرة أعوام مستشارًا قانونيًا للدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب الأسبق الذى كتبت نهايته مشوبًا بالتزوير والبطلان في أعقاب ثورة 25 يناير، بل وتراجع صاحب التاريخ القضائي والقانوني الأقوى أمام ضغوط نفسية مُورست من داخل وخارج المجلس كونه معينًا الأمر الذى ينتقص من أهلية ترشحه لرئاسة البرلمان أمام منافسيه من المنتخبين، فبادر بإعلان عدم ترشحه رغم تواصل كثير من النواب معه ومحاولة إقناعه بالعدول عن رفضه. مبكرًا تركت سهام النقد والتفريق بين مُعين ومُنتخب، أثرًا لم يستطع "صيام" أنْ يُخفيه فى الجلسة الإجرائية الأولى حين نُودى ب"العضو المحترم" فطلب الكلمة رافضًا التفرقة فى النداء على المنتخبين ب"النائب" وعلى المعينين ب"العضو" مستندًا إلى المادة 28 من قانون مجلس النواب التى تمنح الأعضاء المعينين ذات الحقوق وذات الواجبات المقررة داخل المجلس. مع أول اعتلاء للدكتور علي عبدالعال لمقعد رئيس البرلمان بعد إعلان فوزه، وفى أول ممارسة له لإدارة الجلسة سرعان ما حولها المسشتار سري صيام لمبارزة قانونية– تصدرت مانشتات الصحف- مذكرًا رئيس المجلس بضرورة احترام التقاليد البرلمانية حين رفض تفسير الدكتور علي عبدالعال للمادة الدستورية التي نصت على انتخاب رئيس المجلس والوكيلين فى أول اجتماع للمجلس أجاز فيه استكمال اجراءات انتخاب الوكيلين فى جلسة تالية، معتبرا ما ذهب إليه "عبدالعال" مخالفة دستورية تستوجب أنْ تُسجل مضابط المجلس اعتراضه عليها. كلمة صيام التي كانت سببًا لاحقًا فى منع بث جلسات مجلس النواب على الهواء مباشرة لما سببته من حرجٍ ربما أضاع نشوة الفوز برئاسة المجلس حين واصل حديثه بحجة قوية وطلاقة فى البيان قائلاً: "لا يجوز أنْ يُجرى تقليدان برلمانيان مختلفان فى اجتماع واحد فالدستور ساوى بين انتخاب الرئيس والوكيلين ومن ثم إذا كان رئيس الجلسة الأولى اجتهد فأعطى لرئيس المجلس المنتخب ومن ترشح معه ثلاث دقائق للتعريف بنفسه، فلا يجوز أن يحرم رئيس المجلس المرشحين لمنصب الوكيلين من هذه الفرصة. لم تمض إلا أيام معدودة ومُنع بث الجلسات على الهواء مباشرة، واكتفى رئيس المجلس بالسماح بنقل ما تيسر منها مسجلاً بعد "المونتاج" فكنت شاهدًا على وقائع ما يَجرى من داخل شرفة البرلمان، وظلت الندية قائمة طوال الوقت بين من يعتلي المنصة ومن يجلس بين صفوف النواب ويحفظ هيبته ووقاره الذى تسبب فى حرج ل"عبدالعال"، حين منح الكلمة ل" صيام" فى إحدى الجلسات العامة متجاهلاً عشرات الطلبات للنواب ليرد الأخير بأنه لن يتحدث ولم يطلب الكلمة من الأساس. ظل "عبدالعال "رغم كل ما يُقال أو يُثار مُوقرًا ل"صيام" ومُفسحًا له المجال دون غيره فى الأولوية وسعة الوقت إذا ما أراد الكلمة إلى أنْ ثار النواب حين أفسح المجال ل" صيام" وأعطاه من الوقت متسعًا دون غيره لحديث طال عن قانون الخدمة المدنية، وبرر"عبدالعال "تحيذه آنذك قائلاً: "لا أسمع رأيًا ولكني أريد حلاً". بالطبع وكما نعلم أنّ كثيرًا من فصول هذه المعركة غير مُعلنة، وتحمل تلميحات أكثر ما تحمله من تصريحات. للمستشار سري صيام مكانته وقدره الذي لا يجهلهما أحد، وتعيينه من جانب رئيس الجمهورية يَحمل فى طياته رسائل ما كان لمن يدير المجلس أنْ يتجاهلها، فيما ذهبت إليه أسباب الاستقالة من عدم ترشيحه ضمن الخبراء السبعة التى تختارهم هيئة المكتب لإعداد لائحة المجلس بقدر ما حملت بين سطورها ندمًا على عدم ترشحه لرئاسة مجلس النواب التى كان أقرب إلى الفوز بها. ربما تذهب بنا تلك الاستقالة لمساحات رمادية أوسع فى التساؤل والتكهن بمستقبل هذا المجلس الذى جاء فى ظروف استثنائية ليملأ فراغًا تشريعيًا خلّفه حل دستوري وسياسي لثلاثة مجالس نيابية تمثلت فى مجلس الشعب 2010 ومجلس الشعب 2012 ومجلس الشورى الذي أوكلت له صلاحيات مجلس الشعب المنحل فى 2013.