حضر قداسًا خلف رئيسة أساقفة كنيسة «لوثرية».. وزاخر: البابا يدشن طريقًا حداثيًا لقبول الآخر.. وشفيق: مهاجمته جزء من حملة سياسية ضده موجة من الغضب المكتوم تجتاح أسوار الكاتدرائية المرقصية بالعباسية، تنتظر البابا تواضروس الثانى بطريرك ورئيس أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية القبطية، عندما يعود من زيارته الرعوية في أوربا، التي اشترك خلالها في قداس إلهى خلف كهنوت امرأة، ومن طائفة لا تعترف بها الكنيسة المصرية. وعقب افتتاح عدد من الكنائس لمسيحيى المهجر وتفقد رعاياها، نشر مرافقو البابا صورا من زيارته إلى السويد، تجمعه مع رئيسة أساقفة إحدى الكنائس «اللوثرية»، التي تعتبرها الكنيسة المصرية «محرومة»، في إطار الحوار الكنسى بين الطوائف المسيحية المختلفة. وبمجرد الإعلان عن الزيارة، على موقع المتحدث الرسمى للكنيسة الأرثوذكسية، انهالت الأسئلة المستنكرة على أعضاء المجمع المقدس، عن مدى توافق تعاليم وقواعد الكنيسة الأرثوذكسية، مع الطائفة التي حضر البابا قداسها خلف كهنوت امرأة تترأسها، فضلا عن أن هذه الطائفة سمحت أيضا بزواج المثليين. زيارة تواضروس وحضوره القداس، اعتبرهما كثيرون من الأقباط مؤشرا على تمهيد البابا لتفعيل قانون في الكنيسة الأرثوذكسية المصرية المتشددة، يسمح برسامة المرأة كاهنة، على غرار ما أقرته بعض الكنائس الإنجيلية بمصر، وهو ما أثار سؤالا عن إطار الزيارة من حيث كونها بناء على دعوة أو بروتوكول، أم أن البابا تطوع بها لإيصال رسالة للطوائف الأخرى، بانتهاء عصر الحرمات بين الطوائف المختلفة. القمص «بولس حليم» المتحدث الرسمى للكنيسة الأرثوذكسية، رفض الإجابة عن هذا السؤال، متعللا بانشغاله، غير أن «تواضروس» أكد خلال لقائه بممثلى الكنائس بالسويد، أهمية إدراك حقيقة التنوع في المجتمعات، وأن العيش في هذا التنوع يحتاج إلى نشر الحكمة والعدل والرحمة، وفوق كل شيء المحبة، لمحاربة أي عنف أو كراهية، والتمكن من العيش في انسجام. الباحث والكاتب «سليمان شفيق»، علق على هذه الكلمات قائلا إن «هناك فرقا بين الاعتراف بعقائد الآخرين، والاصطفاف في اتجاه الله، فقد ذهب الرئيس الراحل أنور السادات إلى الكاتدرائية بالأنبا رويس، وعندما حان موعد الصلاة، صلى السادات في مكتب قداسة البابا شنودة الثالث، ولم يرفض قداسة البابا شنودة هذا الأمر، لأن الديانة الإسلامية متقاربة مع العقائد المسيحية». لكن «شفيق» لفت في المقابل إلى أن «تواضروس» لم يصدر بيانا يعترف فيه بالعقيدة «اللوثرية»، معتبرا أن الغضب من الزيارة والقداس، جزء من حملة سياسية ممتدة منذ موضوع «الميرون» والزواج الثاني، وزياراته لكنائس وعقائد أخرى غير أرثوذكسية، مشيرا إلى أن المستهدف من هذه الحملة، النيل من مهابة ومكانة البابا. المفكر والكاتب «كمال زاخر» علق بدوره قائلا إن «الانتقال من الثورة الصناعية إلى ثورة المعلومات والمعرفة والاتصالات، انعكس على مناحى الحياة وأصبح الوقت هو الفاعل، وبالتالى انعكس على العلاقات داخل الكنيسة، وأصبح هو الفاعل في إيقاع تناول القضايا»، مضيفا أن «عصر المعلومات أنتج تطورات في إطار الترجمة ونقل التراث ما أدى كذلك إلى أزمة التعامل مع الموروث الدينى الذي ظهر بداية من القرن الخامس (451) فيما عرف بمجمع خلقدونية، وأنتج الانشقاق في الكنيسة وأنتج كيان الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية، ثم مرحلة مارتن لوثر فيما بعد والفترة التي عرفت بحركة الإصلاح الديني». واستدراكا على ذلك قال «زاخر» إنه «بعد التطور المعرفى الذي لحق بحركة الترجمة، هناك دراسات لاهوتية ترد الخلاف الأساسى إلى اختلاف الثقافات، وتعدد اللغات بين الكنائس المختلفة، وأكدت الدراسات الحديثة أن هذا الخلاف الثقافى هو خلف الانشقاق، ومن ثم تصبح لدينا معطيات جديدة باتجاه التقارب وفهم الخلاف على أرضية مشتركة وجديدة، قد تنتهى بالاعتراف المتبادل بين الكنائس المختلفة، وهو الأمر الذي أدركه البابا تواضروس لينتهى عصر الحرمات الكنسية». «زاخر» نوه في هذا السياق بأن «الأمر الآن لا يرتبط بالعاطفة الدينية والدفاع عن الموروث الديني، بقدر الارتباط بالدراسات المتحققة التي يجب أن تتبناها كل الكنائس، للوصول إلى رؤية مشتركة تبنى على أساس الكتاب المقدس وتعاليم الآباء الرسل قبل الانشقاق ولكن لا يمكن أن نغفل أن هناك تيارات تقاوم حركة التقارب». هذه التيارات وفقا للكاتب هي «التوجه التقليدى السلفى المسيحى الذي لا يرى في ما هو موروث ما يقبل المراجعة، والصراع السياسي الذي كان حاضرا في بدايات الانشقاق بين كنائس العاصمة الإمبراطورية (روما) وبين الكنائس التي تملك مدرسة لاهوتية عريقة (الإسكندرية القبطية وأنطاكيا)، وأضف إليهم المصالح التي ترتبت على الانشقاق وخلقت مراكز قانونية مستقرة، تتحرك إذا نجحت الوحدة المسيحية». ومن هذه التيارات أيضا «القوى المناهضة للمسيحية والتي تسعى إلى تأكيد تفتيتها من خارجها، وتحريف التعليم اللاهوتى الآبائى الصحيح، والذي نجم عنه انقطاعان معرفيان في تاريخ الكنيسة المصرية، وهما انقطاع الانتقال من اللغة اليونانية إلى القبطية في القرن الخامس لأسباب قومية، والانتقال الثانى من القبطية إلى العربية في القرن الثانى عشر، بقرارات متعسفة من حكام ذلك الزمان، فحدثت القطيعة مع الجدار اليونانى الذي تأسست عليه الدراسات اللاهوتية الآبائية». «زاخر» أوضح في النهاية أن البابا «تواضروس» هو ابن ثورة المعرفة والاتصالات، ومهموم بالوحدة الكنسية بحسب ما يقبله السيد المسيح في الإنجيل، في ما يعرف بالصلاة الأخيرة، أن يصير الكل في واحد، مختتما: «أستطيع أن أؤكد أن من يقاومون البابا، لم يعيشوا الحداثة بعد، ومنهم من يدافع عن مصالح محددة استقرت له، بينما البابا يدفع الكنيسة إلى مرحلة جديدة، ويدشن الطريق لقبول الآخر، وهو طريق شاق وطويل وصعب، أما المرأة فهى عضو في الكنيسة ومتساوية مع الرجل، ولها دورها في إطار التكامل».