في محاولة جادة من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لاحتواء ثورة وغضب الشعب بعد سنواتٍ عجاف ذاق فيها المواطن ويلات الحرب والإقصاء والتهجير وظروف معيشية أكثر من قاسية، فوق كل هذا وذاك كانت مقاصل تنظيم داعش لا تستثني أحدا من إرهابها.. اتخذ حيدر العبادي حزمة من الإجراءات والإصلاحات التي أقرها البرلمان لتكون بارقة أمل تروي الشارع المتعطش لنسائم التغيير في ظل كل مايواجهه من إرهاب وفساد وظلم. وأثرت هذه الحزمة من الإصلاحات على التظاهرات التي عمت معظم المدن العراقية التي ترتع تحت مقاصل الجوع والمرض والتهجير والإقصاء وداعش، والتف الشعب مع هذه الخطوة ووافق عليها بالتالي جميع أعضاء مجلس الوزراء منذ الجلسة الأولى. وتضمنت حزمة الإصلاحات إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وتقليص عدد أفراد حماية المسئولين في الدولة، وإلغاء مخصصات أصحاب الدرجات العليا من الموظفين والمتقاعدين، فضلا عن تقليص تأثير المحاصصة في اختيار المناصب العليا بمؤسسات الدولة، وتخفيض المخصصات المالية الممنوحة لكبار المسئولين، والعمل على إصلاح المشاكل التي يعاني منها قطاع الخدمات العامة. كل هذه الإجراءات كانت الحزمة الأولى من حزم أخرى تعهد بها العبادي لمواصلة الإصلاحات في البلاد لتأتي بعدها حزمة ثانية كانت المفأجئة بالنسبة للمسئولين العراقيين حيث ألغى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، 11 منصبًا في الحكومة ضمن حزمة الإصلاحات التي أعلنها في بيان ومستندًا فيها بالدستور وتفويض مجلس النواب. جملة هذه القرارات الإصلاحية قوبلت بارتياح شعبي كبير من الأوساط الشعبية، وتجمع آلاف العراقيين في مظاهرات حاشدة بالعاصمة بغداد دعمًا لحركة الإصلاحات التي يقوم بها العبادي، مطالبين بمزيد من الإجراءات لمحاسبة المقصرين وتحسين الخدمات. من جانب آخر شككت قوى سياسية داخلية وخارجية من جدوى إقرار البرلمان العراقي بالإجماع من حزمة الإصلاحات المقدمة من رئيس مؤكدين على عدم اقتناعهم بقدرة رئيس الوزراء على محاربة الفساد، واصفين قراراته بالساذجة في "المهمة المستحيلة"، مشددين على أن تلك القرارات غير حاسمة في وجه الإرهاب، معتبرين أنه ابن شرعي لمؤسسة الفساد الطائفية التي دمرت العراق. ووصف نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي القرارات بأنها لا دستورية ولا قانونية، وطالما تجرأ حيدر العبادي وكسر القيد الدستوري مستمدًا شرعيته من الجماهير الغاضبة، إذًا ما الذي يمنعه من المضي بالاتفاق مع رئاسة الجمهورية في تعليق الدستور وحل الأحزاب وإعلان حالة الطوارئ وتشكيل حكومة تكنوقراط مصغرة، وتعديل قانون الانتخابات والدعوة لانتخابات مبكرة. وعلى الصعيد الخارجي، أشادت الإدارة الأمريكية على لسان نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن بالاصلاحات التي يقوم بها العبادي ودعمها وبالاخص فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، وقال أن الولاياتالمتحدة مستمرة بدعم العراق في حربه ضد تنظيم داعش. وقال بريت ماكورك، مساعد وزير الخارجية، مبعوث الرئيس الأميركي باراك أوباما للعراق: إن الجانب الأميركي يدعم خطوات العبادي للإصلاح وأعرب عن استعداده لإرسال خبراء في مجال الطاقة للمساهمة في تحسين إنتاج الكهرباء، وعمليات تدريب وتسليح القوات العراقية لزيادة قابليتها على القتال، وحث العبادي على ضرورة إعمار المناطق المحررة وإعادة النازحين. فهل يستطيع العبادي وحكومته برغم الضغوط الشعبية ودعم المرجعية الدينية في العراق لإصلاح، أم ستفشل حزمة أصلاحاته بسبب استفادة معظم الأحزاب والكتل السياسية من الفساد والفوضى، مما يجعل إحداث تغييرات جوهرية صعبا، وهو ماحذر منه العبادي، حينما قال: إن مسيرة الإصلاح ومكافحة الفساد لن تكون سهلة، مشيرًا إلى أن المتضررين منها سيعملون بجد لتخريب كل خطوة.