حراك سياسي شعبي يعتبر الأول من نوعه بهذا الحجم في العراق، أثمر عن إجراءات إصلاحية بدأها رئيس الوزراء "حيدر العبادي" وأقرها البرلمان، لتكون نقطة أمل جديدة في العراق قد تروي الشارع المتعطش للتغيير في ظل ما يواجهه من إرهاب وفساد، ولكن تبقى القيادة السياسية حذره من ضوء مؤشرات تؤكد أن الثورة على الفساد لن تمر دون مقاومة شرسة من المتضررين. حزمة الإصلاحات التي أطلقها "العبادي" على إثر التظاهرات التي عمت المدن العراقية، والتي التف حولها ووافق عليها جميع أعضاء مجلس الوزراء منذ الجلسة الأولى، تضمنت إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وتقليص عدد أفراد حماية المسئولين في الدولة، وإلغاء مخصصات أصحاب الدرجات العليا من الموظفين والمتقاعدين، فضلا عن تقليص تأثير المحاصصة في اختيار المناصب العليا بمؤسسات الدولة، وتخفيض المخصصات المالية الممنوحة لكبار المسئولين، والعمل على إصلاح المشاكل التي يعاني منها قطاع الخدمات العامة. هذه الإصلاحات هي الحزمة الأولى من حزم أخرى تعهد "العبادي" بها لمواصلة تنفيذ برامج الإصلاح في البلاد، وبالفعل جاءت الحزمة الثانية من الإصلاحات بالعديد من المفاجأت لمسئولين عراقيين، حيث ألغى رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي"، 11 منصبًا في الحكومة ضمن حزمة الاصلاحات التي أعلنها الأسبوع الماضي وأقرها البرلمان، وقال مكتب "العبادي" في بيان، "بناء على مقتضيات المصلحة العامة واستنادا إلى المادة 78 من الدستور وتفويض مجلس النواب، قررنا باسم الشعب تقليص عدد أعضاء مجلس الوزراء ليكون 22 عضوًا، إضافة إلى رئيس مجلس الوزراء بدل 33 عضوًا"، وتابع "ذلك عبر إلغاء المناصب الثلاثة لنواب رئيس مجلس الوزراء، وأربع وزارات، ودمج ثماني وزارات بعضها ببعض، لجعلها أربعًا فقط". الحزم الأخرى التي من المفترض أن يقدمها "العبادي" لمجلس الوزراء من أجل التصويت عليها، تتضمن الدعوة إلى المباشرة بعملية ترشيق الهيئات ودمج المديريات القابلة للدمج للقضاء على الترهل، ودعوة رئيس مجلس الوزراء إلى إقالة كل من يثبت تقصيره في إدارة وتحقيق مصالح الشعب، وتنص أيضًا على إقالة أعضاء مجلس النواب ممن تجاوزت غياباتهم من دون عذر مشروع، أكثر من ثلث جلسات المجلس من مجموع الفصل التشريعي الواحد، والنظر في أداء رؤساء اللجان النيابية، وتقليص أعداد أفراد حماية المسئولين إلى النصف خلال 15 يومًا، فضلاً عن محاسبة المقصرين في الدفاع عن العراقيين ممن تسببوا في تسليم الأرض والسلاح إلى جماعات إرهابية، وإيجاد حلول عملية لمشكلة النازحين بما يحفظ لهم حياة كريمة، حسب نص الحزمة النيابية. على صعيد متصل، حمّلت لجنة تحقيق برلمانية رئيس الوزراء العراقي السابق "نوري المالكي" والذي يشغل حاليًا منصب نائب رئيس الجمهورية، و35 مسؤولًا آخرين، مسئولية سقوط الموصل، ثاني كبرى مدن البلاد بيد تنظيم "داعش" العام الماضي، تمهيدًا لإحالته على الادعاء، وبحسب تقرير اللجنة، فإن "المالكي لم يتخذ قرارًا حاسمًا بعد انهيار القطعات العسكرية، يوم 10/6/2014، لإعادة التنظيم للقطعات المنسحبة، وترك الأمر مفتوحًا للقادة بأن يتخذوا ما يرونه مناسبًا أمر غير صحيح، إضافة لكونه لم يصدر الأوامر لمعاقبة المتخاذلين من القادة، الأمر الذي أدى إلى انهيار القطعات في المناطق الأخرى، خارج محافظة نينوى"، ويعتبر هذا التقرير هو الأول من نوعه الذي يورد أسماء مسئولين بعينهم عن سقوط الموصل. قال عضو لجنة التحقيق النائب "عبد الرحيم الشمري"، إن "المالكي" الذي تولى رئاسة الوزراء بين 2006 و2014، هو واحد من ضمن 36 مسؤولًا وردت أسماؤهم في تقرير اللجنة، ورفعت اللجنة تقريرها النهائي أمس الأحد إلى رئيس مجلس النواب "سليم الجبوري" الذي أعلن أنه سيعرضه في جلسة مقبلة لمجلس النواب، قبل إرساله إلى الادعاء العام ليأخذ مجراه القانوني. القرارات الإصلاحية قوبلت بارتياح كبير من الأوساط الشعبية، مع المطالبة بالمزيد منها، حيث تجمع آلاف العراقيين في مظاهرات حاشدة بالعاصمة بغداد دعمًا لحركة الإصلاحات التي يقوم بها "العبادي"، وطالب المتظاهرون بالمزيد من الإجراءات لمحاسبة المقصرين وتحسين الخدمات، حاملين الأعلام العراقية، ومرددين هتافات عدة منها "بغداد لن تسكت بعد الآن"، و"كلهم حرامية"، وفي إشارة إلى دعم "العبادي"، حمل متظاهرون صورًا له كتب عليها "كل الشعب معك"، ورددوا هتافات مؤيدة منها "يا حيدر سير سير كلنا وياك في التحرير". رغم الضغوط الشعبية ودعم المرجعية الدينية في العراق ل الإصلاح، إلا أن الطبيعة المتجذرة للفساد في العراق واستفادة معظم الأحزاب والكتل السياسية منه، قد تجعل من الصعب إحداث تغييرات جوهرية، وهو ما حذر منه "العبادي" قائلًا إن مسيرة الإصلاح ومكافحة الفساد "لن تكون سهلة"، مشيرًا إلى أن المتضررين منها سيعملون بجد "لتخريب كل خطوة".