وصف مراقبون وسياسيون عراقيون التظاهرات الحاشدة التى شهدها العراق بخروج عشرات الآلاف من العراقيين فى المحافظات المختلفة خلال الأيام الماضية محتجين ضد الفساد بأنها ستكون أداة جديدة لرسم مستقبل العراق وتحقيق تطلعات الشعب الذى عانى كثيرا ونهبت ثرواته من الداخل والخارج. وفى هذا الإطار رحبت قوى سياسية فى العراق بحزمة الإصلاحات التى أعلنها رئيس الوزراء حيدر العبادي، ويأتى على رأس هذه الإصلاحات إلغاء منصبى نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وفتح ملفات الفساد. وأعرب مكتب نورى المالكي، نائب الرئيس العراقي، فى بيان عن تأييده للقرارات وموقفه "الداعم للإصلاحات التى تقتضيها العملية السياسية". كما أبدت كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري، والمنضوية فى التحالف الوطنى الشيعي، فى بيان لها، ترحيبها بقرارات العبادي، وأكدت "توجيهها وزراء ونواب الأحرار بدعمها والموافقة عليها، على أن تكون إصلاحات فعلية". من جهتها، أعلنت كتلة اتحاد القوى السُنية التى يتزعمها أسامة النجيفى نائب رئيس الجمهورية تأييدها المطلق لجميع الخطوات التى أعلنها رئيس الحكومة، وقال مكتب النجيفي، فى بيان له، إنه وجه الوزراء والنواب التابعين لكتلته الوزارية والبرلمانية، بدعم وتأييد قرارات العبادي. كما أعلن رئيس البرلمان سليم الجبوري، تبنيه قرارات العبادي، وقال فى بيان إن مجلس النواب مستعد لدعم جميع الإجراءات الإصلاحية، التى تتخذها الحكومة وفق الأطر الدستورية، مؤكدا أن البرلمان سيراقب تنفيذها وسيحاسب المقصرين. كما أعلنت الهيئة السياسية للتيار الصدرى ترحيبها بقرارات العبادي، ودعت وزراءها ونوابها إلى الموافقة عليها. ديكتاتورية جديدة بدوره، رحب ائتلاف الوطنية بالبرلمان بزعامة إياد علاوى "بأى قرار يؤدى إلى تلبية مطالب شعب العراق، الذى انتفض فى المحافظات المختلفة، محذرا فى الوقت ذاته من نشوء "ديكتاتورية جديدة" تعيد البلاد إلى حقب سوداء طواها الزمن، وفق بيان للائتلاف. وقال «علاوي» فى بيانه إنه يحذر الشعب "من نشوء ديكتاتورية جديدة، وتفرد يحصر الصلاحيات بيد شخص واحد" مذكرا بأن اختيار رئيس مجلس الوزراء تم على أساس حكومة الشراكة الوطنية، وبتوافق سياسي. وقال أيضا "توقعنا أن تتوافق الكتل السياسية باتخاذ قرارات الإصلاح، التى أصبحت أكثر من ضرورية، وألا تنفرد جهة واحدة بذلك". ملفات الفساد وقد صدر قرار عن مكتب العبادى بتقليص شامل وفورى فى أعداد الحمايات لكل المسئولين بالدولة، ومن بينها الرئاسات الثلاث والوزراء والنواب. كما أمر العبادى بإبعاد جميع المناصب العليا عن المحاصصة الحزبية والطائفية، وأن تتولى لجنة مهنية يعينها رئيس مجلس الوزراء اختيار المرشحين على ضوء معايير الكفاءة والنزاهة، وتضمنت القرارات دمج الوزارات والهيئات لرفع الكفاءة فى العمل الحكومى وتخفيض النفقات. كما تضمنت قرارات العبادى وضع ملفات الفساد السابقة والحالية تحت إشراف لجنة عليا لمكافحة الفساد، واعتماد عدد من القضاة المختصين للتحقيق فيها ومحاكمة الفاسدين. تأتى هذه القرارات عقب مظاهرات حاشدة شهدتها البلاد احتجاجا على الفساد المالى والإداري، غير أن إقرار هذه الإصلاحات بشكل نهائى يبقى مرهونا بموافقة كل المكونات العراقية عليها ممثلة بمجلس النواب. من جهته، اعتبر المحلل السياسى العراقى عباس عبود أن التظاهرات ستكون بلا شك مدخلا جديدا فى صنع مستقبل العراق بغض النظر عن نتائجها الحالية، كونها ستكون شكلا آخر من أشكال إرادة الشعب، وهى بالتأكيد ستكون عاملا أساسيا فى صناعة المستقبل الذى فشلت فى صناعته العملية السياسية بما تحمل من أركان عدة أبرزها الانتخابات، والدستور، والقوى السياسية. فالانتخابات فى العراق لا تمثل الإرادة الشعبية بأى حال من الأحوال لطبيعة النظام السياسى البرلمانى الذى يتساوى فيه الحاصل على عدد قليل من الأصوات مع من حصل على عدد أكبر، المعيار ان يكون النائب قد اجتاز عقبة الامتحان الانتخابى ولا يهم أن استخدم العوامل المساعدة أو استعان بصديق. المهم أن يكون قد عبر حواجز النظام الانتخابى التى غرقت وأغرقت الناس ب(سانت ليجو) و(سانت ليجو المعدل) ولف ودوران ضيع فرصة الإرادة الشعبية. أما الدستور فقد جاء ضعيفا مسكونا بهواجس الخوف من انفراد شخصية أو جهة ما بحكم العراق، وبالتالى اجتهد صانعو الدستور العراقى الدائم فى تقويض أى قوة للسلطة التنفيذية لضمان أكبر قدر من الحرية للشعب أو للأحزاب أو لبقية السلطات أو هكذا كان الاعتقاد، لكن ما حصل هو أن الدستور كان السبب الرئيس فى تفكك الدولة وضعف سلطاتها. أما الأحزاب والمكونات السياسية العراقية فقد وضعت السلطة ولا غير السلطة هدفا لها، ولم نشاهد ان من بين القوى السياسية من بادرت إلى مشروع وطنى جاد أو مشروع إصلاح حقيقي، او جربت العمل المدنى المجرد عن أى رغبة سياسية تغرى الجمهور بالتصويت لها. ولأن السلطة فى العراق تعنى المال والمال يؤدى إلى السلطة فقد جردت السياسة من أخلاقياتها وتحولت وسائل الإعلام إلى منابر للشتائم والصراعات وتبادل الاتهامات الأمر الذى زعزع ثقة الجمهور بالطبقة السياسية المتصدية، رافق ذلك جهد كبير من الدوائر المعادية والمرتبطة بالقوى الخارجية المجاورة للعراق. لذلك فإن ساسة فاسدين ونظاما سياسيا يشجع على الفساد يتطلبان تدخل الارادة الجماهيرية لتصفير اللعبة والبدء من جديد ولكن هذه المرة بدون تدخل بريمر والإبراهيمى وغيرهما. هذه المرة من الممكن مراجعة أساسيات العملية السياسية داخل البيت العراقى ولو أن هذا الأمر أشبه بالمستحيل ولكنه فى كل الاحوال حلم يمكن أن يتحقق.