اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    جامعة أسيوط الجديدة التكنولوجية تنهي كافة الاستعدادات لامتحانات الفصل الدراسي الثاني    التأخيرات المتوقعة اليوم فى حركة قطارات السكة الحديد    أسعار الدولار اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    بدء مراسم تشييع رئيسي ومرافقيه في مدينة تبريز الإيرانية    رغم انتهاء ولايته رسميًا.. الأمم المتحدة: زيلينسكي سيظل الرئيس الشرعي لأوكرانيا    بعد رحلة 9 سنوات.. ماذا قدم كلوب لفريق ليفربول؟    الأجهزة الأمنية تكثف نشاطها لإنقاذ ضحايا حادث غرق سيارة في المنوفية    موعد إجازة عيد الأضحى 2024 في مصر: توقيت وقفة عرفات وعدد أيام العطلة    حمدي الميرغني يحيي ذكرى رحيل سمير غانم: كنت ومازلت وستظل أسطورة الضحك    ترتيب الدوري المصري 2023-2024 قبل مباريات اليوم الثلاثاء    ننشر بالأسماء ضحايا حادث العقار المنهار بالعياط    براتب 5000 جنيه.. وزارة العمل تعلن عن وظائف جديدة بالقاهرة    خالد عبد الغفار: مركز جوستاف روسي الفرنسي سيقدم خدماته لغير القادرين    قبل طرحه في السينمات.. أبطال وقصة «بنقدر ظروفك» بطولة أحمد الفيشاوي    وزير الصحة: لا توجد دولة في العالم تستطيع مجاراة الزيادة السكانية ببناء المستشفيات    الحماية المدنية تخمد حريق هائل داخل مخزن بمنشأة القناطر (صور)    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    ضياء السيد: مواجهة الأهلي والترجي صعبة.. وتجديد عقد معلول "موقف معتاد"    أمير هشام: الكاف تواصل مع البرتغالي خوان لإخراج إياب نهائي دوري أبطال إفريقيا    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    تفاصيل طقس الأيام المقبلة.. ظاهرة جوية تسيطر على أغلب أنحاء البلاد.. عاجل    فرصة للشراء.. تراجع كبير في أسعار الأضاحي اليوم الثلاثاء 21-5-2024    مندوب مصر بالأمم المتحدة: العملية العسكرية في رفح الفلسطينية مرفوضة    أحمد حلمي يتغزل في منى زكي بأغنية «اظهر وبان ياقمر»    «سوليفان» يعد بالضغط على إسرائيل لصرف الأموال المحتجزة للسلطة الفلسطينية    وزير الصحة: صناعة الدواء مستقرة.. وصدرنا لقاحات وبعض أدوية كورونا للخارج    وزير الصحة: مصر تستقبل 4 مواليد كل دقيقة    مساعد وزير الخارجية الإماراتي: لا حلول عسكرية في غزة.. يجب وقف الحرب والبدء بحل الدولتين    وزير الصحة: العزوف عن مهنة الطب عالميا.. وهجرة الأطباء ليست في مصر فقط    هل يرحل زيزو عن الزمالك بعد التتويج بالكونفدرالية؟ حسين لبيب يجيب    أحمد حلمي يغازل منى زكي برومانسية طريفة.. ماذا فعل؟    محمود محيي الدين: الأوضاع غاية في التعاسة وزيادة تنافسية البلاد النامية هي الحل    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    مبدعات تحت القصف.. مهرجان إيزيس: إلقاء الضوء حول تأثير الحروب على النساء من خلال الفن    وكيل "صحة مطروح" يزور وحدة فوكة ويحيل المتغيبين للتحقيق    قتلها وحرق الجثة.. ضبط قاتل عروس المنيا بعد خطوبتها ب "أسبوعين"    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    رفع لافتة كامل العدد.. الأوبرا تحتفي وتكرم الموسيقار عمار الشريعي (تفاصيل)    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدي بالرباط الصليبي؟ أمر وارد    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    إيران تحدد موعد انتخاب خليفة «رئيسي»    مصطفى أبوزيد: تدخل الدولة لتنفيذ المشروعات القومية كان حكيما    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    كأس أمم إفريقيا للساق الواحدة.. منتخب مصر يكتسح بوروندي «10-2»    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سعر الدولار والريال السعودي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    على باب الوزير    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود صلاح يكتب: السادات والجاسوس.. وسلطانة الغرام! (4)
نشر في البوابة يوم 04 - 01 - 2015


الفصل السابع
جاسوسة.. على الجاسوس!
ولم يخطئ الفرنسيون عندما أطلقوا المثل الذي يقول "فتش عن المرأة"!
هذا المثل الذي ما زلت أجهزة الأمن والمخابرات وعلى طول التاريخ تعمل به!
وحكاية الجاسوس الألماني "إبلر" الذي أرسله ثعلب الصحراء روميل إلى القاهرة للحصول على معلومات عن القوات البريطانية التي سيواجهها أبلغ دليل على صحة المثل الفرنسي.
فقد كان "إبلر" يتردد على الملاهي الليلية التي يرتادها الضباط البريطانيون؛ بحثا عن المعلومات التي يريدها، لكنه كان في نفس الوقت يتصرف مثل شاب ثرى طائش وعابث!
كان يبعثر الجنيهات الإسترلينية ببذخ على سهراته وبنات الهوى والمراقص، فكانت هذه النقود المزيفة، وكانت نساء الليل هن بداية نهايته وسقوطه!
في ملهى المتروبوليتان تعرف "إبلر" الذي كان يحمل اسم وشخصية شاب مصري اسمه حسين جعفر، على الراقصة الفرنسية الحسناء "إيفيت" وأخذها إلى عوامته في الزمالك أكثر من مرة، ودون أن يدري أنها جاسوسة للوكالة اليهودية في مصر، وأنها مكلفة من الوكالة بمراقبته ومحاولة كشف شخصيته الحقيقية!
وفوجئ "إبلر" ذات مساء "بإيفيت" تدق باب العوامة، فسمح لها بالدخول.
كان "إبلر" مخمورًا تفوح من فمه رائحة الويسكي..
وجلس إلى جوار "إيفيت" على الأريكة..
ثم نهض ليحضر لها كأسا..
ولاحظت "إيفيت" أن "إبلر" لم يكن منتبها لحديثها، كان يتظاهر بأنه ينظر إليها ويستمع باهتمام، لكنه في الحقيقة كان يبدو أنه أعطى أذنيه لسماع شيء آخر!
وبسرعة بدأت جاسوسة الوكالة اليهودية تفكر..
هل يستمع "إبلر" إلى الموسيقى الصادرة عن الجرامافون؟
هل كان ينصت إلى شيء آخر مجهول؟
وأخذت تتلفت حولها لتبحث عن مصدر هذه الأصوات فلم تجد شيئا غير عادي!
مجرد حقائب.. بضائع.. أطعمة.. وبعض زجاجات الويسكي!
لا شيء.. فمن أين تأتي هذه الأصوات؟!
تظاهرات "إيفيت" بأنها لم تلاحظ شيئا. وظلت تشرب الويسكي مع "إبلر" وتتحدث معه نحو نصف ساعة. و"إبلر" يبادلها الحديث، لكنها تشعر بأن عقله ليس معها. كان أحيانا يرد عليها بإيماءة من رأسه، وأحيان أخرى يرد بكلام ليس له معنى. وبين كل وقت وآخر ينهض إلى الغرفة المجاورة، لتغيير أسطوانات الجرامافون.
ونهض "إبلر" لتغيير الأسطوانة..
فقالت له "إيفيت" وهى جالسة في مكانها: إبلر.. ألا تعتقد أن الوقت متأخر لسماع مثل هذه الموسيقى؟
وقبل أن يرد "إبلر" عليها سمعت صوت ارتطام جسم. فمدت رأسها لتشاهد عبر الباب المفتوح غطاء الجرامافون يتحرك.
وفجأة سمعت حوارا بين شخصين باللغة الألمانية.
قال الأول: ماذا كان جوابهم؟
رد الثاني: قالوا.. اتصلوا بفنيك أيو شيوشتيل الساعة 24 غدا.. ولا تستخدموا جهاز الإرسال مطلقا قبل هذه الساعة!
قال الأول: إنني لا أفهم شيئا بالمرة.. كل المعلومات في يدينا فلماذا ننتظر؟
ثم مرت لحظة صمت..
وفجأة كاد قلب الجاسوسة "إيفيت" يسقط من صدرها.. عندما وجدت "إبلر" يقف أمامها، وكأن الأرض قد انشقت عنه في لحظة!
***
كان "إبلر" يوجه لها نظرات جامدة قاسية!
ومد يديه وأمسك فجأة بوجهها..
وقال لها باللغة الألمانية: ما رأيك لو أمسكت برقبتك وضغطت عليها حتى تموتي؟!
كان يريد أن يكتشف ما إذا كانت "إيفيت" تعرف اللغة الألمانية، وما إذا كانت فهمت الحوار الذي دار قبل لحظات بينه وبين زميله "مونكاستر"!
تظاهرت "إيفيت" بالدهشة والفزع..
وقالت "لإبلر": لماذا تشتمني هكذا؟ أنا لا أفهم ما تقول، لكنى أشعر أنك تشتمني.. فلماذا تتصرف بغرابة هكذا؟
قالتها وهى تحاول إخفاء مشاعرها. حتى لا يبدو عليها أي انفعال.
كان "مونكاستر" في تلك اللحظة يقف بباب الغرفة..
فالتفت إليه "إبلر"
وقال له باللغة الألمانية: اطمئن.. إنها لا تعرف حرفا واحدا من اللغة الألمانية!
ثم وضع يده في جيبه وأخرج رزمة من الجنيهات الإسترلينية وأعطاها "لإيفيت"
وقال لها بالإنجليزية: خذي هذه النقود.. واستمرى معي.. أعطيك نقودا أكثر!
ثم مد يده إلى درج وأخرج منه زجاجة عطر. قدمه لها..
وقال: وخذي هذه أيضًا فأنا أحب النساء، وأحبهن أكثر عندما تكون رائحتهن جميلة!
وذهب "مونكاستر" لينام..
وظل "إبلر" مع "إيفيت" حتى قبل الفجر!
***
فى الصباح
كان هناك طابور طويل يقف أمام مكتب تغيير العملة..
وتقدم أحد الواقفين في الصف، وضع أمام الموظف مجموعة من الجنيهات الإسترلينية طالبا تغييرها بالجنيه المصرى.
كان الموظف يحفظ عن ظهر قلب تعليمات المخابرات البريطانية، بضرورة البحث عن مصدر الجنيهات الإسترلينية المزيفة التي بدأت في الظهور مؤخرا في القاهرة.
نظر الموظف إلى الرجل..
وسأله: ما اسمك وجنسيتك؟
رد الرجل: اسمى جورجي أندرو ليداكس.. من اليونان.
قال له الموظف: سنقوم بتغيير جنيهاتك.. لكن إذا سمحت هناك بعض الأسئلة نريد توجيهها لك!
وفى لحظة تم اقتياد الرجل اليوناني إلى مكتب داخلي.
ومن مكتب آخر اتصل الموظف بمنزل الميجور سانسوم ضابط المخابرات البريطانية الكبير.
وقال له: هالو ميجور.. عندي بقال يوناني يحمل كمية من الجنيهات الإسترلينية المزيفة التي تبحثون عن مصدرها.
سأله الميجور سانسوم: وأين يقع محل هذا البقال؟
رد الموظف: أنه بقال في الزمالك. ومعظم زبائنه من سكان العوامات. وهو يقول أن شخصا ذهب إلى محله بالأمس. واشترى بضائع كثيرة ودفع الثمن بالجنيهات الإسترلينية.
سأله سانسوم: وهل تظنه يعرف الرجل؟
رد الموظف: نعم. يقول أنه يعرفه جيدا. لأن المبلغ الذي دفعه كان كبيرا!
قال الميجور سانسوم: إذن احجزه عندك.. أنا قادم في الحال!
***
صباح نفس اليوم..
دق جرس التليفون في مكتب أحد كبار قادة المخابرات البريطانية في القاهرة. وكان المتحدث هو مدير المخابرات في الوكالة اليهودية بمصر.
قال مدير مخابرات الوكالة اليهودية: سمعت أنكم تبحثون عن جاسوس ألماني؟
رد رجل المخابرات البريطانية: من قال هذا؟
قال مدير مخابرات الوكالة اليهودية: الجاسوس الذي ينفق جنيهات إسترلينية!
مرت لحظة صمت..
وأخيرا قال رجل المخابرات البريطانية: حسنا.. من أنت وماذا تريد؟
قال مدير مخابرات الوكالة اليهودية: لا تعجب فنحن أيضًا لنا مصادرنا. ومعلوماتنا دائما صادقة، وأريد أن أقول لك أنه توجد بجواري الآن فتاة جميلة وفى يدها خمسة وعشرون جنيها إسترلينيًّا مزيفة، أخذتها من شخص تعرفه جيدا، وتعرف أين يقيم، وكانت معه منذ نحو ساعتين!
قاطعه رجل المخابرات البريطانية قائلا في لهفة: حسنا.. وبعد؟
أكمل مدير مخابرات الوكالة اليهودية قائلا: وأحب أن أقول لك أن هذا الشخص لديه موعد في الساعة الثانية عشرة من مساء اليوم مع..
قال رجل المخابرات البريطانية: مع من؟
قال مدير مخابرات الوكالة اليهودية: مع جهاز لاسلكي.. المهم أن الفتاة الجميلة معي الآن.. وهى على استعداد لأن ترشدكم إلى مكان هذا الشخص!
قال رجل المخابرات بريطانية بانفعال: في هذه الحالة أن الجيش البريطاني سيشكر للفتاة هذه الخدمة التي لا تنسى. وسوف يكافئها بمبلغ كبير جدا..
.. أين ومتى اذن أستطيع مقابلة هذه الفتاة؟
رد مدير مخابرات الوكالة اليهودية: بعد 20 دقيقة لا أكثر.. سوف تجدها على باب مكتبك!
***
خلال ساعة واحدة..
كانت المخابرات البريطانية قد أصدرت الأوامر بضرورة القبض على الجاسوس الذي يعيش في عوامة على النيل في الزمالك.
وتم تكليف الميجور سانسوم نفسه بقيادة القوة التي ستنفذ هذه المهمة الخطيرة.
وكان ضباط هذه القوة مسلحين المدافع والمسدسات والبنادق سريعة الطلقات.
وقبل أن ينطلقوا لتنفيذ مهمتهم وحصار عوامة "إبلر".
قال لهم الميجور سانسوم: انتبهوا جيدا.. إننا نريد أن نقبض على هذا الرجل على قيد الحياة، لا بد أن تعرفوا أن معه زميلا له، ومن الجائز أن يكون لديهما سم قد يستخدمانه للانتحار إذا شعرا بنا، أو قد يطلق كل منهما الرصاص على الآخر، فلا تطلقوا رصاصكم نحوهما إلا عند الضرورة القصوى، ولا تضربوا "في المليان" لأننا نريدهما أحياء!
وخلال دقائق كانت القوة البريطانية قد وصلت إلى مكان العوامة وحاصرتها.
وبكل ثبات تقدم الميجور سانسوم وحده إلى باب العوامة وضغط على الجرس!
وبمجرد أن سمع " إبلر" صوت الجرس حتى التفت إلى زميله "مونكاستر"
رد "مونكاستر": نعم وعلى استعداد تام لتنفيذه.
كان "إبلر" بحاسة الجاسوس قد أدرك أن النهاية قد حانت وأن أمره قد اكتشف، وقد جاءوا للقبض عليه وعلى زميله. فأخرج من جيبه قطعة نقود معدنية.
وقال "لمونكاستر": الكلام.. أو الصورة؟
رد "مونكاستر": الصورة.
قذف "إبلر" قطعة النقود في الهواء إلى أعلى. وتعلق أنظارهما بها. حتى سقطت على الأرض.
.. على الوجه الذي يحمل الكلام!
قال "إبلر" لزميل: مونكاستر.. انت تخسر.. لا تنسى اتفاقنا!
أسرع "مونكاستر" إلى الحمام وأخفى في طيات ملابسه "موسًا" كان قد قرر استخدامها في النهاية للانتحار بقطع شرايين يده!
كان جرس الباب لا يزال يدق بإصرار..
قال "إبلر" "لمونكاستر": ليس أمامنا إلا أن نغرق العوامة بما فيها.. وسأحاول الهرب!
صمت برهة..
ثم عاد ليقول لزميله في لهجة مؤثرة: أنت تعلم ما يجب عليك عمله.. أنه واجبك نحو ألمانيا.. ونحو قائدنا روميل!
فأسرع "مونكاستر" إلى قاع العوامة ليقوم بإغراقها.
وفى نفس هذه اللحظة كان الجنود الإنجليز قد كسروا باب العوامة. وكان في مقدمتهم الميجور سانسوم.
صاح فيه سانسوم: ارفع يديك إلى أعلى. ولا تحاول القيام بأية حركة!
ورفع "إبلر" يديه في الهواء بلا تردد!
لكن أحد الجنود لاحظ شيئا في قبضة يده.
فصاح الجندى في فزع: احذر ميجور سانسوم.. أنه يحمل في يده قنبلة!
وفى نفس اللحظة ألقى "إبلر" بالشيء الذي في يده نحو وجه الميجور سانسوم.
لكن شيئا لم ينفجر!
فقد كان الجنود البريطانيون قد انبطحوا جميعا على الأرض. خوفا من شظايا القنبلة الوهمية!
استغل الماكر "إبلر " الفرصة..
وجرى بسرعة محاولا القفز في النيل. لكنه فوجئ على سطح العوامة بجندي يشهر مسدسه في وجهه، فجرى مرة أخرى في الاتجاه نحو الشاطئ، لكنه فوجئ بنفسه مباشرة أمام الميجور سانسوم وجها لوجه، وكان الميجور سانسوم يحمل مسدسه في يده.
هكذا التقى الرجلان.. الجاسوس ورجل المخابرات.. هذا اللقاء الغريب..
قال له " إبلر" باللغة العربية: أهلا.. عمر بك!
رد الميجور سانسوم أيضًا بالعربية: أهلا حسين جعفر.. انتهى كل شيء وهذه هي نهاية الطريق!
***
لكنها أبدا لم تكن نهاية الطريق!
لأن القبض على الجاسوس في عرف أجهزة المخابرات لا يعنى دائما الوصول إلى النهاية إلا في حالة.. أن يتكلم الجاسوس!
وكان سقوط "إبلر" و"مومكاستر" في يد الإنجليز يعنى حصول هؤلاء على كنز لا يقدر بمال من المعلومات، فلا بد أن لدى الجاسوسين الألمانيين الكثير من المعلومات التي يمكن أن يستفيد منها الإنجليز في تحقيق النصر على روميل، فالمعلومات في الحروب قد تكون أحيانا أقوى من الدبابات.
وكان رجال المخابرات البريطانية الآن يريدون أن يعرفوا. ما هي المعلومات التي كان روميل بدوره يريدها؟
وهل وصلت اليه هذه المعلومات بالفعل.. بواسطة الجاسوس "إبلر" وزميله؟!
ذلك.. كان طريقا آخر.
ولم يكن طريقا سهلا.. إلى حين!
الفصل الثامن
رسالة كاذبة.. إلى ثعلب الصحراء!
كشفت المخابرات البريطانية في القاهرة شخصية الجاسوسين "إبلر" و"مونكاستر" الذين أرسلهما ثعلب الصحراء روميل للحصول على المعلومات العسكرية التي يريدها عن الجيش البريطانى. وأسرعت قوة بريطانية برياسة الميجور سانسوم ضابط المخابرات البريطانية للقبض على الجاسوسين في عوامتهما بالزمالك.
وحاول "إبلر" الهرب..
لكنه وجد الميجور سانسوم على سطح العوامة أمامه وهو يصوب نحوه مسدسه. فأسقط في يده وعلم أنه سقط في أيدي الأعداء..
وطلب الميجور سانسوم من جنوده. أن يقوموا بتفتيش العوامة بحثا عن جهاز اللاسلكى.
كان الجاسوس "مونكاستر" قد نفذ مهمته في سرعة، وأسرع إلى باطن العوامة حيث فتح بعض البوابات، فاندفعت المياه لتغرق العوامة!
وكان "إبلر" يقف على الشاطئ وهو مقيد اليدين، لكنه كان يبتسم وهو يسمع سانسوم يطلب من جنوده البحث عن جهاز اللاسلكي داخل العامة التي كانت قد أوشكت على الغرق.
لكن ابتسامته تقلصت عندما شاهد الجنود البريطانيين يغادرون العامة وهم يقتادون وسطهم زميله "مونكاستر" بعد أن ألقوا القبض عليه، بعد نجاحه في إغراق العامة!
***
تم نقل "إبلر" "مونكاستر" تحت الحراسة المشددة إلى مقر المخابرات البريطانية في المعادي..
بدأ ضباط المخابرات الإنجليز استجوابهما طوال النهار وبعض الليل!
لكن الجاسوس "إبلر" كان داهية ماكرا!
واستطاع إخفاء كل ما لديه من معلومات كان ضباط المخابرات الإنجليز يريدونها بشدة. وظل يفكر ثم يراوغ لأطول وقت ممكن!
وكان الضباط الإنجليز يريدون منه سر الشفرة التي يتحدث بها قوات روميل في الصحراء.
وفى هذه اللحظات المثيرة ظهر ضابط المخابرات البريطاني "ربى" والذي كان من قبل قد عثر مع خبيري الشفرة الألمانيين" آبيل" و"يبر" الذين قبض عليهما في الحراء، وعثر بين أمتعتهما على "رواية ربيكا"، التي تبين أن المخابرات الألمانية اشترتها من "لشبونة"!
جاء الضابط روبي ليتابع استجواب الجاسوسين الألمانيين "إبلر" و"مونكاستر" الذين قبض عليهما مؤخرا.
- قال أحد الضباط "لروبي": هل عرفت ماذا وجدنا في أمتعتهما؟ لقد جدنا نسخة من راية "ربيكا" تأليف دوبان دي مورييه!
هنا في هذه اللحظة اكتشف ضابط المخابرات "روبي" أن الجواسيس الألمان يستخدمون رواية "ربيكا " كشفرة خاصة!
فرد على الضابط قائلا: حسنا.. ولكن أي جزء من الرواية كانوا يستخدمونه. وفى أي صفحاتها توجد الشفرة؟
وأصيب رجال المخابرات البريطانية بما يشبه الجنون!
فقد كان "إبلر" مستمرا في صمته أو مراغته، وكان يريد أن يطيل وقت الاستجواب، حتى بعد الساعة الثانية عشرة مساء، هو موعد الاتصال الذي كان محددا بينه بين محطة الاستقبال الألمانية، إذا لم يتم هذا الاتصال في موعده فإن الألمان بالتأكيد سيتأكدون من القبض على جواسيسهم
وعندما كشف رجال المخابرات البريطانيين ضغوطهم على "إبلر"
قال لهم بتماسك غريب: إذا كنتم تعتقدون أنني جاسوس ألماني حقا. فلماذا لا تقتلوني؟ ولا تضيعوا وقتكم لأنكم لن تجدوا شيئا لدي!
ووقف الضباط الإنجليز حائرين أمام عناد هذا الجاسوس.
في نفس اللحظة سمعوا صوت ضجة صادرة من زنزانة الجاسوس "مونكاستر" المجاورة.
وأسرعوا إلى الزنزانة..
وصيحات "إبلر" خلفهم يقول: لقد قمنا بعمل قرعة فيما بيننا واختار هو الصورة فخسر.. ولا بد أن ينفذ الاتفاق!
***
أسرع الضباط إلى زنزانة "مونكاستر"، فوجدوه قد حاول الانتحار بالموس التي كان يخفيها في ملابسه، حاول قطع شرايين معصمه بها.
وأسرعوا ينقلونه إلى المستشفى..
وجعل هذا "إبلر" يزداد عنادا. ويصر على التزام الصمت.. فلم يبق على منتصف الليل سوى 16 ساعة!
وكان الجنود الإنجليز قد تمكنا من انتشال العامة الغارقة وبدؤوا يفتشونها، حتى عثروا على جهاز اللاسلكي، فحملوه بعناية وقام خبراء اللاسلكي بتفكيك أجزائه..
في نفس الوقت أكدت إحدى وحدات اللاسلكية التابعة للمخابرات البريطاني، أنها تمكنت من معرفة الذبذبة الموجة، التي كان الجواسيس الألمان يستخدمونها.
لكن ظلت المشكلة.. أن تعثر المخابرات البريطانية على الشفرة! بينما "إبلر" لا يزال يرفض الكلام!
أما بطلة القصة الحقيقية.. حكمت فهمي فقد كان لا بد أيضًا من أن تقع في أيدى الإنجليز!
كانت قد غادرت عوامتها للتو عندما فوجئت بعدد من الجنود والضباط البريطانيين يحيطون بها يلقون القبض عليها، وبسرعة تم الذهاب بها إلى مقر المخابرات البريطانية، اجتمع حلها عدد من الضباط البريطانيين يستجوبوها، هم لا يصدقون أن هذه الراقصة الجميلة، التي طالما أسعدتهم برقصاتها في ملهى الكيت كات، هي نفسها التي كانت وراء الجاسوس الألماني "إبلر" وأنها خدعت الكثيرين من الضباط الإنجليز. حصلت منهم على معلومات سرية. أعطتها لجاسوس روميل!
***
وبدأ استجواب حكمت فهمي..
- قال لها قائدهم: اسمعى يا حكمت.. إن في إمكاننا الآن أن نقم بتسليمك للبوليس المصري، لكننا لن نفعل. كل ما نريده منك أن تجيبى بصراحة عن أسئلتنا.
قاطعته حكمت فهمي: أنا لا أعل مشيئا.. لم أكن أعلم أنهما جاسوسان ألمانيان. وكنت أجلس معهما في الملهى لأنى كنت صديقة لعائلة حسين جعفر. كنت أعرف أمه منذ مدة طويلة. عملي يتطلب أن أكون لطيفة مع الناس الذين أجلس معهم.
وهنا أظهر لها ضابط المخابرات جاكيتة بدلة عسكرية. تحمل رتبة ميجور
- قال لها: لطيفة مع الناس؟ مع الميجور صاحب هذه الجاكتة مثلا؟ هذه الجاكيت خاصة بالميجور "سميث". لقد كنت لطيف معه يا حكمت.. وكان هو أيضًا لطيفا معك؟
ردت حكمت فهمي في سخرية: سميث؟ هل تسميه ضابطا.. هل تقل أنه ميجور؟!
ثم واصلت قائلة: لقد كان في مهمة سرية وهامة عاجلة. كان مرسلا بتقرير سرى هام للقيادة في الخطوط الأمامية في الصحراء. فماذا فعل؟ لقد حضر إلى عوامتي ومعه حقيبته المهمة بكل ما فيها من أسرار، وكان في استطاعة أي إنسان أن يعرف هذه الأسرار.. لقد كان مغفلا!
- قال لها الضابط: وبالطبع أنت عرفت هذه الأسرار!
ردت حكمت بجرأة: طبعا عرفتها.. وكانت أسرارا يسيل لها لعاب الألمان!
- سألها الضابط الإنجليزي: من صالحك أن تقولي لنا ماذا كانت هذه الأسرار؟
قالت حكمت: ربما يكون حديثي عن هذه الأسرار في مصلحتي، لكنه دون شك ليس في مصلحتكم، الوقت متأخر، وكل خططكم لم تعد سرًا، الأماكن التي ستركزون فيها دفاعاتكم يعرفها روميل، كل خططكم الاستراتيجية أرسلها إليه "إبلر". الوقت متأخر فعلا، فقد أرسل "إبلر" هذه المعلومات لروميل مساء أمس.
ابتسم ضابط المخابرات البريطاني ساخرا..
- وقال لها: في أيام الحرب.. قد يلعب الحظ دورا كبيرا.
سألته حكمت: ماذا تقول.. إنني لا أفهم شيئا؟
- رد عليها ضابط المخابرات ساخرا: ستعرفين كل شيء.. في الوقت المناسب!
كانت حكمت فهمي تعتقد أن "إبلر" قد أرسل المعلومات الخطيرة بالفعل إلى روميل. لم يخطر على بالها أبدا أنه لم يستطيع إرسال هذه المعلومات أبدا. لأنه قبض عليه قبل الموعد المحدد لإرسالها وهو منتصف الليل!
***
في سجن المخابرات الإنجليزية بالمعادي..
كانت عملية استجواب "إبلر" ما زالت مستمرة.
وفى المستشفى..
كان "مونكاستر" يقترب من الموت. بالرغم من عمليات نقل الدم التي أجريت له.
- وقال الطبيب: يبدو أنه لا أمل في شفائه.. فهو في إغماء مستمر!
وكان رجال المخابرات البريطانية يعتبرون أن "مونكاستر" هو فرصتهم الوحيدة، فأنهم لو استطاعوا إنقاذه فسيكونون قد حققوا نصرا كبيرا، ويمكنهم أن يزعموا "لمونكاستر" أن "إبلر" قد مات؛ ويتمكنون بذلك من التأثير نفسيا عليه. والحصول على المعلومات التي يريدونها منه بسهولة حينئذ.
وكان رجال المخابرات الإنجليز في المعادي يحيطون "بإبلر" ويواصلون إلقاء الأسئلة عليه كوسيلة ضغط معنوي.
من أين أتيت؟
هل أنت ألماني؟
هل أنت نصف بريطاني؟
لماذا تعمل لحساب النازية؟
ولماذا لا تعمل في صفوف الإنجليز؟
لكن "إبلر" كان يستمع إلى كل هذه الأسئلة في هدوء.. ثم يبتسم..
- ويقول لهم: أنا أحاول أن أخدم بلادي! لقد قبضتم عليّ، لماذا إذن لا تتخلصون مني الآن. وتطلقون عليّ الرصاص؟!
***
وبدأت المخابرات البريطانية تفقد الأمل..
كانت الساعة تقترب من الحادية عشرة مساء، ولم يعد هناك سوى ساعة واحدة على منتصف الليل، الموعد الذي حدده الألمان لكى يتصل بهم "إبلر"، فإذا لم يتصل فانهم سيدركون أنه تم القبض عليه وسقط في أيدى الإنجليز.
وكانت المخابرات الإنجليزية من ناحية أخرى تريد أن تخدع روميل بأن ترسل له معلومات خاطئة، لكنهم فشلوا في معرفة شفرة الإرسال التي كان "إبلر" و"مونكاستر" يستخدمانها.
وانتصف الليل..
وفي إحدى محطات التخدير البريطانية اللاسلكية، كان هناك جندي سهران يراقب الإشارات اللاسلكية، فجأة نهض من مكانه أمام أجهزة اللاسلكي، وأسرع يتصل بضابط مخابرات كبير ويوقظه من النوم ويتصل به تليفونيا.
- وقال له: سيدي.. إن محطة جواسيس روميل في القاهرة قد عادت للعمل، سجلت عندي بعض إشاراتها!
صاح الضابط في دهشة: مستحيل.. لقد قبضنا على الجواسيس الألمان فكيف تعمل المحطة إذن؟
- قال جندي اللاسلكي: لقد تمكنت من تسجيل الإشارة المرسلة من هذه المحطة، هي بالشفرة. لكنها مختصرة جدا.
نهض ضابط المخابرات الإنجليزي مسرعا يحاول استيعاب ما سمعه، لكنه سرعان ما أسرع إلى التليفون يتصل برئيسه ويبلغه بما سمعه من أن جهاز إرسال الجواسيس الألمان قد بعث برسالة مشفرة، رغم أن الجواسيس تم القبض عليهم، وجهاز اللاسلكي بحوزة المخابرات البريطانية.. فمن يمكنه تشغيله إرسال إشارات لاسلكية إلى روميل؟
استمع رئيس له في هدوء
- ثم قال له بنفس الهدوء: هذه مسألة محيرة فعلا وخطيرة كما تقول.. فلماذا لا تنام الآن ونبحث الأمر في الصباح.. تصبح على خير!
وجلس ضابط المخابرات الإنجليزي في مكانه حائرا لا يفهم سر هذا البرود من قائده. ورد فعله اللا مبالي تجاه الخبر الخطير.
لكن الحقيقة أن قيادة المخابرات البريطانية كانت تخفى سرا عن الكثير من ضباط المخابرات العاملين فيها!
***
فى مقر قيادة روميل..
عقد الفيلد مارشال اجتماعا هاما لقواده. في الوقت الذي كانت فيه قواته قد أصبحت على أهبة الاستعداد في انتظار إشارة ثعلب الصحراء الأخيرة للقيام بهجوم شامل على الجيش البريطاني في الثامن وسحقه ودخول القاهرة.
قال روميل لقواده: إن الأسئلة التي نريد إجابة لها الآن هي أين نبدأ ضربتنا القادمة؟ ومتى؟ وكم بقي أمامنا من الوقت؟
وفي نفس اللحظة..
اقتحم الاجتماع ضابط ألماني، وبعد أن أدى التحية العسكرية النازية، سلم بيد مرتعشة ورقة مطوية لروميل
الذي كان يصيح فيه بغضب: كيف تقتحم الاجتماع بهذه الطريقة؟
- رد الضابط: لكن يا سيدى الفيلد مارشال أعتقد أن بداخل هذه الرقة شيء هام!
قرأ روميل الورقة بنظرات سريعة.. ثم ابتسم
وبدأ يعيد على قاده الرسالة التي كانت تقول: "كوندور يتكلم.. علمنا من مصادر مطلقة أن الجيش الثامن سوف يركز دفاعه عن مصر في منطقة علم حلفا، وقوات هذا الجيش تنتظر الإمدادات، والتي وصلت فعلا إلى بورسعيد. لكن الإنجليز لن يتمكنوا من نقلها إلى الخطوط الأمامية قبل مضي شهر، والقوات الموجودة حاليا لا تستطيع صد أي هجوم.. انتهى".
ثم اتسعت ابتسامة روميل..
وقال لقواده: هذه الرسالة بعث بها "إبلر".. كبير جواسيسنا وأعظم أبطالنا!
***
أصدر روميل الأوامر ببدء الهجوم الألماني الكبير بعد 48 ساعة، على أن يكون هدف هذا الهجوم علم حلفا.
ولم يخطر على بال ثعلب الصحراء أبدا أن جاسوسه لم يبعث أبدا بهذه الرسالة اللاسلكية، وإنما الذي بعثها هو قيادة المخابرات البريطانية، وأن كل معلومات الرسالة كاذبة ومضللة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.